جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

في البحث عن سيد مرزوق

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

وهنا لا يفوتنا الإشارة الى أن الفيلم يقدم هجائية متواصلة للسلطة/ الشرطة، ممثلة في رجلها المقدم عمر وبقية رجال الأمن والمباحث، وذلك من خلال عشرات المشاهد المشحونة بالتفاصيل الصغيرة الموحية. فنحن مثلاً نفهم بأن الذي أمر يوسف بالرجوع الى منزله، هو مخبر.. والذي يطارد شابلن المصري ويقاسمه في رزقه هو عسكري أو ضابط.. ويد المقدم عمر هي التي تضغط على جرح يوسف وتؤلمه، حين يدعي بأنه يربت عليه ويعتذر منه ..ورجال عمر هم الذين يقتحمون الحضّانه.. وكلابه هي التي تسعى لنهش جسد يوسف وحماية جسد سيد مرزوق. إن السلطة/ الشرطة، كما قدمها عبد السيد في فيلمه هذا، مشغولة بحماية حرية السيد، وتكبيل حرية المسود .

وفي مشهد موحي ومؤثر، يعلِّم عبد السيد يطله درساً بليغاً، حين يقول بأن الحرية أقرب إلينا مما نتصور، وإن القيد الحديدي، أو أي قيد آخر يكبلنا، من السهل التحرر منه إذا إمتلكنا الإرادة .جسد عبد السيد هذا المعنى في مشهد يظهر المقدم عمر وهو يحرر قيد يوسف، حيث نرى كيف أن القيد يخرج بسهولة من معصم يوسف، وهو الذي ظل يربط يوسف بالكرسي، وجعله يحمله على كاهله أينما ذهب، متوسلاً عمر كي يفكه. وتركيز الكاميرا على الكرسي، والقيد يتدلى منه، لهو تأكيد بالصورة على أن الحرية أقرب إلينا من حبل الوريد، إذا شئنا أن نراها وفكرنا في إنتزاعها .

ثم لا ننسى الإشارة الى وجود ذلك الشيء الوحيد الذي كان يهون على يوسف رحلته ومشواره اليومي ذاك.. ألا وهو وجود تلك الشخصية، والغامضة أيضاً، في ثنايا يومه الصعب. فمنى أو عبلة أو رضا أو نجوى، كلها أسماء للشخصية التي تلعبها الفنانة آثار الحكيم.. شخصية تحلم بالسفر والإنسحاب من هذا الواقع غير المتعاطفة معه، والذي يحاول إمتلاكها دون أن يكون مؤهلاً لذلك.. شخصية ترمز الى ذلك الشوق الغامض للحب، وتبدي بعض التعاطف نحو يوسف، الذي يهيم بها دون أن يعرفها. حيث تبدو، كلما ظهرت في مشهد أو في لقطة، كقطرة ماء في صحرائه المجدبة. ولا يستطيع الإمساك بها إلا في اللحظة التي يقرر فيها أن يكون إيجابياً. وفعلاً أصبحت هذه الشخصية بمثابة القوة الدافعة ليوسف للخلاص من سيد مرزوق وعالمه .

نحن في (البحث عن سيد مرزوق)، أمام سيناريو خلاق يتصف بالدقة والحذر، ويبلغ درجة عالية من الحرفية والإحكام، هذا إضافة الى إهتمامه بكافة التفاصيل الكبيرة والصغيرة. وربما نلاحظ، ويلاحظ المتفرج أيضاً، ذلك الإنقطاع واللاتتابع في العلاقة بين كل مشهد وآخر. هذا لأن عبد السيد، في كتابته للسيناريو، إعتمد على منطق اللاوعي، وعبر عن منطق الحلم أو الكابوس، في بنائه السردي، دون أن يجعلنا نفقد الصلة بالواقع. وبحكم تعدد مستويات الفيلم، فهو لا يفصح عن نفسه بسهولة، بالرغم من إيغاله في الواقعية. وذلك بسبب عملية الترميز التي بدت مكثفة وشديدة التركيز .

وهذا هو المنطق الخاص لأسلوب السرد الفيلمي في (البحث عن سيد مرزوق)، وعلينا نحن كمتفرجين ـ قبلنا هذا أو رفضناه ـ مشاهدة الفيلم بمنطقه الخاص، وليس لنا فرض منطق آخر دخيل عليه. علماً بأن عبد السيد قد نجح، الى حد كبير، في دعوتنا للتعامل مع منطق فيلمه هذا منذ البداية. كما يبرز أيضاً، لك الإعتماد من عبد السيد على منطق الصدفة في أحيان كثيرة، إلا أن هناك ما يبرر هذا. وهو أن السيناريو، في تناوله لمشوار أربعاً وعشرون ساعة متواصلة، قد إهتم أساساً بشخصياته. وهذا ـ بالطبع ـ لا يعني الفوضي في السرد الدرامي والتنامي الحدثي، فالسيناريو يراعي وحدات الزمان والمكان والموضوع الكلاسيكية، بل ويلتزم بها بشكل واضح. فالزمان: أربعاً وعشرون ساعة من حياة موظف في وقتنا الحاضر. والمكان: مدينة القاهرة. أما الموضوع: فهو عن حيرة مثقف الطبقة المتوسطة وأزماته الفكرية والروحية، وبحثه الدائم عن العدالة والحرية.

 

أخبار الخليج في

11.05.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)