جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

في البحث عن سيد مرزوق

( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

خمس سنوات، هي الفترة التي أمضاها عبد السيد حتى يقدم فيلمه الثاني. وهي بالطبع ليست فترة قصيرة بالنسبة لإخراج فيلم آخر. لكن البحث عن منتج يقتنع به وبأفكاره، كان أمراً صعباً، في ظل سينما يهيمن عليها التيار التجاري. الى أن إتفق مع الفنانة سميرة أحمد على إنتاج فيلم له، وكان فيلم (البحث عن سيد مرزوق ـ 1990).

وفيلم (البحث عن سيد مرزوق) عمل فني مختلف ومتميز، ليس فقط عن الأفلام المصرية السائدة، بل أنه يتميز أيضاً عن أفلام رفاق عبد السيد الذين وصفناهم بالفرسان، في مقدمة موضوعنا هذا. فقد حطم عبد السيد كل تقاليد الفيلم المصري البالية، بل وتجاوز الواقعية الجديدة التي صنعها الفرسان. وإطلق الى آفاق فنية رحبة، وقدم أسلوب تعبيري أقرب الى السريالي أو الفنتازي، على نحو لا مثيل له في السينما المصرية. هذا بالرغم من أن الفيلم لا يبتعد عن الواقع، بل ويعبر عنه بجرأة وصدق .

يتناول الفيلم، وبأسلوب جديد، يوماً حافلاً في حياة بطله يوسف كمال (نور الشريف)، وهو موظف يعيش ما بين عمله وبيته، في عزلة عن العالم منذ عشرين عاماً. نراه يستيقظ صباحاً كعادته ليذهب للعمل، لكنه يكتشف بعد خروجه من المنزل، بأن اليوم هو الجمعة وأجازة. هنا يقرر في أن يخرج من عزلته الطويلة هذه، ولوليوم واحد، يقضيه خارج المنزل. وبالتالي يبدأ رحلة مليئة بالأحداث الغريبة عليه، ويلتقي بشخصيات عدة، أيضاً غريبة عن عالمه. ومع تطور إستيعابه ـ تدريجياً ـ لهذا العالم، يشعر بخطئه بعزلته الطويلة تلك. ولكي يتطور إستيعابه وينمو وعيه، بخروجه من هذه العزلة، عليه أن يصطدم مع الآخرين ومع السلطة أيضاً. فهو يلتقي بشخصيات غامضة تظهر وتختفي ..شخصيات تبدوا وكأنها متصلة ببعضها في لعبة صحيتها هو، ومخططها وقائدها شخص يدعى سيد مرزوق .

والفيلم في تناوله وتشخيصه للمجتمع المصري في مطلع التسعينات، يتحدث عن أربعة عوالم يتكون منها الواقع الراهن. عالم السادة الذين يملكون كل شيء ويحميهم القانون، وعالم المطاريد الخارجين على السادة وقوانينهم، وعالم الغلابة القابعين في منازلهم، وأخيراً عالم المتمردين المشاغبين الذين يواجهون ويجابهون بقوة وشجاعة. وبهذا التقسيم للمجتمع، يدين الفيلم ـ وبعنف ـ تلك السلبية التي تكمن في أمثال بطله يوسف كمال، والذين سمحوا لبعض الطفيليين بأن يتبوؤا مراكزهم في حاضرنا، وإنهم بسلبيتهم وعجزهم عن المواجهة، قد أتاحوا الفرصة لأمثال سيد مرزوق أن يفرضوا وجودهم وسلوكياتهم على واقع الحياة في مصر. فبطل الفيلم يوسف قد آثر العزلة، وأحجم عن الخروج الى الحياة والمشاركة فيها، خوفاً وهلعاً وإمتثالاً لصوت قاهر أمره بالرجوع الى بيته. ولأن الفيلم يرفض حالة الإذعان والإمتثال والسلبية التي يعيش فيها يوسف، فهو بالتالي يقدم تحليلاً دقيقاً ـ عبر بناء درامي محكم ومتماسك ـ عن نقل بطله من حالة الهزيمة الداخلية الى حافة الفعل المجهض والتمرد الأخرس .

في بداية الفيلم، ومنذ اللحظات الأولى، يكتشف يوسف عالم سيد مرزوق ويقع أسيراً له.. بل ويعلن بصراحة وبراءة «أنا بحب سيد مرزوق.. أنا عايز سيد مرزوق». إلا أنه يدرك، وعبر رحلة يوم واحد فقط، مدى زيف هذا العالم الذي إنبهر به، ومدى توحشه وكذبه. فسيد مرزوق هو نموذج لعالم السادة المتمحكمين في كل شيء.. عالم بدأ يزحف ليستعيد مواقعه السابقة.. عالم نجح تماماً في أن يتسيد عن طريق ثروته ونفوذه. هذا بالرغم من أنه عالم يتصف بالسوقية والإبتذال والخواء الروحي، والمستند أساساً على تاريخ مزيف، ساعياً نحو لذائذ الحياة بتطرف، حتى ولوكان ذلك على حساب العوالم الأخرى. ومع ذلك النمو المتواصل لوعي يوسف كمال، نتيجة توالي الأحداث وتأثيرها عليه، يقرر مواجهة سيد مرزوق والتمرد عليه. فهو يشعر برغبة في التحرر والتحدي، إذ يعلن في ثقة «ح أقتلك يا سيد مرزوق»، وبذلك يعتبر من عالم المطاريد في نظر السلطة، التي تحمي سيد مرزوق .

 

أخبار الخليج في

07.05.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)