جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

الطوق والإسورة

( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

ثلاثية التناسخ: الثبات.. العجز.. الخصوبة

في فيلمه (الطوق والإسورة) إنتاج عام 1986، يكشف لنا خيري بشارة عن موهبته الفذة وطاقاته الفنية القادرة على مفاجأتنا وإذهالنا. ففي هذا الفيلم تبلغ العناصر الفنية مستوى عالي من الإتقان وتأتي لتجسيد شكل مغاير لم تألفه بقية الأفلام المصرية. هذا إضافة إلى السيناريو الخلاق الذي كتبه مع المخرج الدكتور يحيى عزمي، والذي اعتمد علي خلق حالات وأجواء أكثر من اعتماده على الحدوتة والحبكة الدرامية.

يعتمد الفيلم أساساً على رواية بنفس الاسم للأديب المصري الراحل يحيي الطاهر عبدالله، ومن بين أهم ما يمتاز به الفيلم أنه أول عمل سينمائي عربي مستوحى من رواية يجري تصويره في نفس القرية التي ولد فيها كاتبها وعاش بها أيام الطفولة والصبا، حيث غادر خيري بشارة القاهرة المدينة مصطحباً معه فريقه الفني من فنانين وفنيين متجهاً إلى الصعيد الجواني، وبالتحديد الأقصر، حيث قرية الكرنك مسقط رأس صاحب (الطوق والإسورة) الرواية، من هنا جاء ذلك الإحساس لدى مشاهدة الفيلم، بصدق الأمكنة وواقعية الأحداث التي تتوالى صورها أمامنا محملة بالأوجاع والهموم الشيء الكثير.

يبدأ الفيلم بالتحديد في بيت "بخيت البشاري" (عزت العلايلي)، حيث ينام وزوجته "حزينة" (فردوس عبدالحميد) وابنته "فهيمة" (شيريهان) في حجرة واحدة، وحيث نرى الثلاثة محاصرين بالظلمة والسكون والتعب، منتظرين "مصطفى".. الغائب الغالي الذي رحل مع الرجال هناك إلى البلاد البعيدة. هذا الغائب/ الحاضر الذي يعيش في عقل الأب المقعد العاجز الذي يبكي في الليل خلسة من آلام مرضه، ويقاوم إلى أن يدركه الموت، كما يعيش هذا الغائب في قلب الأم الملهوفة التي تخطف رسائله لتشمها وتقبلها ثم تدسها في الصدر الحنون، وهو أيضاً في حواس الأخت الوحيدة وفي ذاكرتها ومخيلتها.

وينتهي الفيلم بعد عودة مصطفى من غربته فاشلاً أمياً كما كان من غير تحقيق أي شيء، لذا نراه في النهاية يصرخ كالذبيحة (الواحد منا يسافر.. يسافر، والغربة تفك قيوده، فيتحرر من الطوق.. يكبر ويوعى ويقطع السلاسل.. ولما يرجع لداره.. لناسه، يكتشف الوهم.. الأساور في اليد أقوى من زمان، والطوق على الرقبة أضيق من زمان.. والجذور هنا، الجذور قوية ومادة في الناس).

وفيما بين البداية والنهاية يحدثنا الفيلم ـ بصدق وجرأة ـ عن ذلك التخلف الذي يعيشه مجتمع القرية بجميع أشكاله المتعددة، الاجتماعية منها والاقتصادية، ويحكي كذلك عن مظاهر هذا التخلف المتمثلة في هيمنة الخرافة الكبت بكل الصور والمستويات، والجهل، وازدواجية الإنسان العربي في مواقفه وعلاقاته، وكلها مظاهر وظواهر تولد إنساناً عاجزاً ومتخلفاً.

 

أخبار الخليج في

20.01.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)