جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

ناصر 56

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

الإخراج في (ناصر 56)

جميع العناصر الإنسانية والخيالية السالفة الذكر في المقال السابق، مع الكثير من التفاصيل التي أحاطت بالشخصيات، قد حولت المعلومات الوثائقية إلى حدوتة درامية مشوقة نجحت في شد الانتباه. ولكن لظهور سيناريو جميل وقوي كهذا إلى النور، كان لابد من وجود مخرج متميز ومتمكن يصل بالفيلم إلى بر الأمان.. وبالفعل كان هذا المخرج هو الفنان الكبير (محمد فاضل). فقد بذل محمد فاضل مجهوداً كبيراً للغوص في أعماق شخصيات الفيلم، ونجح إلى حد كبير في أن يستخرج منها تعبيرات أخلاقية، بدت ملامحها واضحة على الوجوه، ولم تكن بحاجة لأي جهد من المتفرج لفهمها، لذلك تأثر وانفعل بها كما أراد صناع الفيلم. كما أن اعتماد المخرج على الواقعية في الديكور والماكياج، جعل الفيلم يبدو مطابقاً لما كان عليه الزمن في الخمسينات. هذا إضافة إلى أن المخرج قد إخطار تصوير الفيلم بالأبيض والأسود رغبة منه في الحفاظ على الانسجام في متن الفيلم ودمج اللقطات المأخوذة من الأفلام الوثائقية دمجاً عضوياً بباقي المشاهد. كما أنه نجح في تحويل الساعات الطويلة التي سبقت اتخاذ القرار الفاصل إلى لحظات مليئة بالتوقع والترقب عبر تقديم عرض دقيق لردود الفعل وتصاعد الموقف حتى لحظة الحسم، رغم أنها تدور بمعظمها في مكان واحد، هو مكتب الرئيس.

ولا يمكننا إلا أن نشير إلى أن أجمل ما في الفيلم هو ابتعاده الكامل عن المباشرة في الطرح والصراخ السياسي، هذا بالرغم من أن الموضوع يتحمل مثل ذلك. فقد إحتار المخرج محمد فاضل لهذا الفيلم أسلوباً يجمع بين الواقعية التسجيلية وبين الرؤية الشعرية المغلفة بكثير من الشجن الذي تبعثه الذكرى. ويشدد من قيمته هذه ذلك الإحباط السياسي اليومي الذي تعيشه الأمة العربية هذه الأيام.

وبشكل عام فإن سيناريو محفوظ عبد الرحمن، الكاتب العاشق للتاريخ والأمين عليه في نفس الوقت، وأسلوب المخرج المبدع محمد فاضل.. تضافرا معاً ليحققا ذلك التزاوج بين الدراما والتوثيق، ويرسما التفاصيل بدقة، ويقدما عبد الناصر كما كان عليه عام 56، ليرتقي التعبير الفني دون أن تتلاشى الحقيقة الواقعة.

 

عبقرية الأداء:

لقد إستطاع أحمد زكي أن يقدم لنا عبد الناصر على الشاشة بكل قدرات الفنان المتألق في المحاكاة ومعايشة الشخصية عن ظهر قلب لدرجة أن الأداء جاء ممزوجاً بروح عبد الناصر. فعبقرية الأداء عند أحمد زكي ليس لها حدود، خاصة عندما يلتقي بشخصية درامية لها أهميتها كشخصية عبد الناصر، حيث تنطق عيناه بذكاء حاد، وترسم ملامح وجهه التحدي والصرامة وقوة الشخصية، ويجسد أسلوبه عن طريق حركة الجسم إلى الأمام والى الخلف وهو يخطب، أو وهو يقوم من مقعده مقدماً كتفه اليمنى أولاً، أو وهو برفع عينيه إلى أعلى جالساً نحو من يقف أمامه بنظرات ثاقبة. ثم كيف يغوص في روح عبد الناصر أثناء الأداء. إن أحمد زكي في هذا الدور نجح في التقاط خيوط الشخصية ودراستها جيداً في معظم جوانبها.. ورغم ذلك فهو لم يقلد الشخصية ليبدو كنسخة مكررة، لأنه لو فعل ذلك فسيبدو كالمنولوجست الذي يقلد فيظهر ساخراً مثيراً للضحك. إلا أن أحمد زكي عرف عن الشخصية كل شيء .. أبعادها الثلاثة الجسمانية والاجتماعية والنفسية، ثم ابتعد عن عبد الناصر بعد أن تقمص شخصيته وراح يؤديها بطبيعة بالغة. مما ترك انطباعا طيباً لدى النقاد والمشاهدين في نجاح أحمد زكي بتجسيده لشخصية عبد الناصر وهو يحاول التغلب على الشكوك التي دارت حول قدرة مصر على تأميم القناة وإدارتها بنفس كفاءة الفرنسيين والبريطانيين.

لقد كلف إنتاج الفيلم مليوني جنيه مصري (600 ألف دولار) وشارك فيه 72 ممثلاً، عدا الكومبارس الذين مثلوا الجموع.

وفاز فيلم ناصر 56 والممثل أحمد زكي و المخرج محمد فاضل والسيناريست محفوظ عبد الرحمن بدرع الإعلام المصري في مهرجان القاهرة للتليفزيون.

 

أخبار الخليج في

06.01.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)