جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

أحلام المدينة ( 2 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

(أحلام المدينة) فيلم يسجل كيفية تشكل الوعي عند الإنسان في البلاد العربية. وبما أن مرحلة الطفولة هي المرحل الأساسية التي يترسخ فيها الوعي الوجداني والروحي والفكري، فقد اختار محمد ملص بطله الطفل »ديب«، ووضعه في كمية من الحالات يستجيب لها في البداية بشكل عفوي وهادئ وحيادي إلى حد ما، إلا أننا نرى ـ تدريجياً ـ بأن هذه الحالات تضيف إلى وعيه وعالمه الروحي والفكري تحولاً جديداً يغير من مسار علاقاته وسلوكه تغييراً طفيفاً. وحين تزداد هذه التحولات الصغيرة، يبدأ محمد ملص بوضع بطله في حالات أكبر وأعمق يمكن أن تخلق عنده ذلك الانتقال الكيفي. وفي النهاية يلقنه الدرس من خلال العلاقات التي رآها تنمو بين الشخصيات.. »ديب« يتعلم الدرس، أي رد الفعل.. يتعلم بأن الإنسان المهان ليس أمامه إلا العنف، ليس المهم أن ينجح أو يفشل، لكنه يتعلم الدرس ويهضمه.

طريق القمع يبدأها »ديب« من البيت، عندما يضربه جده ضرباً مبرحاً. بعد ذلك يرى القمع في الشارع مصحوباً بالعنف، حيث يشاهد الأستاذ الهادئ المسالم بضرب حتى يسقط مضرجاً بدمائه. كذلك يتلقى »ديب« ـ وللمرة الثانية ـ مثل هذا الشكل القمعي، الضرب بقسوة من الرجل الذي كان يكتب التقارير في عهد »الشيشكلي«، وذلك عندما يحاول »ديب« ـ وبشكل عفوي ـ إبداء تعاطفه مع جو الشارع السياسي ويردد إهزوجة (شكري بيك لا تهتم، بنعبيلك بردى دم).

كل ما يجري حول الطفل »ديب« لهو صورة صارخة للخيبة.. فالبيت خيبة والعمل خيبة والمدرسة خيبة.. طفولة منتهكة وعالم كل شيء فيه هش ولا يقوم على أساس سليم. ثم يتوج كل هذا ـ من وجهة نظر الطفل ـ بالانتهاك والخيبة الكبرى، عندما تعود أمه من زواج كاذب خائب، فتسود الدنيا في عينيه. هنا يكون »ديب« قد استوعب الدرس تماماً ويقرر الانتقام. فهو هنا يخبئ المقص ـ أداة القتل التي استخدمها الحشاش في بتر بطن شقيقه ـ ويلاحق الزوج المخادع ليمارس الفعل (العنف)، إلا أنه يسقط بجسده أمام البوابة الكبيرة، دون أن يبلغ هدفه، بعد أن تفجر الدم من رأسه الذي أخذ يضربه بالباب وهو يائس، في مشهد يعتبر من أهم مشاهد الفيلم.

لم يقدم لنا محمد ملص ولا مشهد واحد لهذا الزوج، فقد تعمد ذلك وأراد أن يمسح هذه الفترة من على شريط الفيلم، إلا أنه ركز أكثر على تصوير المرأة الخاطبة فقدمها في صورة الأفعى والغانية، كما أنه قد جعل من زواج الأم عملاً أقرب إلى الخيانة لنفسها ولولديها، لكن دون أن يقدم أية إدانة واضحة لموقفها، فهي مازالت شابة تحس بدفء الجسد وتبحث عنه.. إنها ضحية مثلها مثل ابنها »ديب«.

ينتهي الفيلم بمشهد من أرق وأنبل المشاهد شاعرية.. مع تباشير الاحتفال بالوحدة بين مصر وسوريا، ووصول عبد الناصر إلى دمشق، حيث نشاهد دمشق في أحلى وأزهى ملابسها، ونسمع أغاني الوحدة (أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام). وفي غمرة الاحتفالات يقف »أبو النور«، هذا الشاب الذي مليء الفيلم بحيويته وحماسه الوطني، ليقول لصديقه »ديب« (بعمرك شفت القمر هيك يا دياب، الله بذاته مع الوحدة).

 

أخبار الخليج في

06.04.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)