جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

أحلام المدينة ( 1 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

مشاهدة الأفلام العربية (سوري ـ مغربي ـ جزائري ـ تونسي) حلم أي متفرج عربي. فالكل يعرف بأن شركات التوزيع السينمائي لا تهتم تماماً إن كان الفيلم العربي يصل أو لا يصل إلى المتفرج العربي، وهي مهتمة فقط بتسويق الأفلام المصرية والأمريكية والهندية، والتي لها الجمهور الأكثر وتدر الأرباح الكثيرة على أصحاب دور العرض.

ومن خلال متابعتنا للسينما العربية، تكاد الفرحة تغمرنا عند مشاهدتنا لفيلم عربي ما، قد نجد فيه بعض الجديد والجدية في التناول، أو نجده يحاول الخروج عن تلك النمطية السائدة التي تلازم أفلامنا العربية، والتي يصعب علينا ـ في غالبيتها ـ أن نقول بأنها نتاج ثقافة عربية. ربما هي كذلك كعناصر وإنتاج، ولكنها ليست عربية كفكر ورؤية. فكيف لو كان هذا الفيلم هو السوري (أحلام المدينة) للمخرج محمد ملص، هذا الفيلم الذي جلب معه عند عرضه في البلاد الأخرى ضجة كبيرة لجودته وجدته وصدقه الذي أبهر الكثيرين. وبالرغم من أنه قد مضى على عرضه الأول أكثر من ثلاثين عاماً، إلا أنه مازال حياً في الذاكرة. وقد كانت لي مشاهدة أخيرة لهذا الفيلم، فهو فيلم خاص عن الواقع العربي السياسي والاجتماعي في إحدى مراحله التاريخية الهامة، لقد غير هذا الفيلم مفاهيم قديمة، وقلب كل النظريات السينمائية التي نتعامل معها، وجعلنا نشعر بأن شيئاً ما قد هزنا وحرك أحاسيسنا، وفرض علينا متابعة مشاهده بعقولنا قبل مشاعرنا.

إن (أحلام المدينة) كان الفيلم الروائي الأول لمخرجه محمد ملص، والذي تخرج من معهد السينما في موسكو. وبالرغم من هذا فهو يفتتح فيلمه الأول بمشهد عبقري ومثير واستفزازي في نفس الوقت. بيت قديم مغلق النوافذ، ومن وراء زجاج النوافذ الشفاف نرى مجموعة من الحمام الأبيض تحاول الانطلاق إلى الخارج، إلا أن الزجاج يمنعها من تحقيق ذلك، فتصطدم أجنحتها بالحواجز البلورية محدثة صوتاً يشبه الصرخات المذبوحة. يزداد عدد الحمام وتزداد الصرخات مع رفرفة أجنحتها وهديل أصواتها، الذي يلسعنا وكأنه يستنجد بنا لتخليصها من هذا السجن وإطلاق حريتها. إن لهذا المشهد تأثيراً كبيراً على مسار الفيلم، فهو تعبير عن الجو السياسي والاجتماعي الذي تعيشه دمشق في ظل الحكم الديكتاتوري المليء بالعنف والكبت ومصادرة الحريات.

فيلم محمد ملص يحكي قصة من صميم الحياة الشعبية الأصيلة، ذات أجواء تعكس الواقع المعاش من خلال الأحداث السياسية التي اكتوت بها ضمائر الناس جميعاً. إذاً هناك مساران متمازجان يعتمد عليهما الفيلم.. مسار تاريخي ومسار قصصي. المسار التاريخي يستعيد فيه المخرج فترة النهوض الوطني الذي شهدته سوريا، منذ إعلان سقوط حكم العقيد »أديب الشيشكلي«، والمصالحة الوطنية التي تلت ذلك، والتي نشأت عنها الجبهة الوطنية التي قادت الانتخابات في سبتمبر 1954، هذه الانتخابات التي أسفرت عن إعادة »شكري القوتلي« إلى السلطة كرئيس للجمهورية. وتنتهي أحداث الفيلم بإعلان الوحدة مع مصر في فبراير 1958، مروراً بتأميم القناة والعدوان الثلاثي وتأثيرهما على الشارع السوري. أما المسار الثاني، فيروي قصة امرأة شابة (ياسمين خلاط) يموت زوجها في بداية الخمسينات، فتعود إلى البيت الأبوي في الحارة القديمة ومعها طفلان. وأمام خشونة الجد (رفيق السبيعي) وبخله الأسطوري، يضطر الطفل (باسل الأبيض) ابن العاشرة للعمل كأجير كواء. بهذا، يهدف الفيلم ـ وبشكل مخطط وواضح ـ إلى التذكير بماضٍ جميل وعلاقات إنسانية حميمية وشاعرية، والى استعادة الأجواء الدمشقية الخمسينية، وخلق الحنين إلى تلك الفترة بكل محاسنها ومساوئها.

 

أخبار الخليج في

26.03.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)