جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

السقا مات

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

تأخرت رواية الكاتب "يوسف السباعي" الشهيرة "السقامات" كثيراً، والتي صدرت عام 1952، في تحويلها إلى السينما، وذلك لأن أحداثها تعالج قضية الموت، وهو شيء غير مستحب أن يصور سينمائياً. إلا أن المخرج الكبير "يوسف شاهين" قام بإنتاجها بشجاعة وأوكل إخراجها لرائد الواقعية المخرج "صلاح أبو سيف"، وكانت مغامرة للاثنين. ولكن عندما عرض الفيلم استقبله النقاد والجمهور على السواء استقبالا حاراً، وذلك للمجهود الكبير الذي بذله أبو سيف في تقديمها للسينما. وأعتبر النقاد الفيلم علامة هامة وبارزة في تاريخ السينما المصرية.

تجري أحداث الفيلم في بداية العشرينات في حي الحسينية، وتدور حول شخصية السقا المعلم شوشة (عزت العلايلي) الذي يعيش وذكرى زوجته آمنة (ناهد جبر) لا يفارقه، وهي التي أنجبت له ابنه سيد. ويضل الحزن يصاحبه دوماً ويلعن الموت الذي اختطفها منه. وتمر عشر سنوات على ولادة سيد (شريف صلاح الدين) الذي يعيش مع والده وجدته أم آمنة (أمينة رزق) في بيت صغير يخيم عليه شبح الموت. فبالرغم من السنوات الطويلة إلا أن حبه لزوجته لا يموت. مع أن أم آمنة، التي تسعى لخدمته رغم كبر سنها وفقدان بصرها، تحثه على الزواج من جارتها زكية، ولكنه يرفض الزواج وفاء لذكرى زوجته. يلتقي المعلم شوشة صدفة بشحاته أفندي (فريد شوقي) ويتعرف عليه بعد أن أنقذه من شجار كاد أن يقع مع المعلمة زمزم (تحية كاريوكا) صاحبة المطعم الذي لم يدفع فلوس الأكل فيه. ولسبب ظروف شحاته أفندي المالية يعرض عليه المعلم أن يسكن عنده في منزله، فقد ارتاح له كثيراً. هنا يحاول شحاته أفندي أن يخرج السقا من عزلته ويأسه وخوفه من الموت، ويفاجأ السقا بأن شحاته يشتغل مطيباتي جنازات، وهي مهنة كانت منتشرة في الثلاثينات ولكنها اندثرت الآن.

وشخصية شحاته أفندي كانت محور فلسفة الموت في الفيلم. فبالرغم من تعامله اليومي مع الموت من خلال مهنته، إلا أنه كان يخاف الموت ويعتبره جباناً لأنه لا يواجه الناس وإنما يأخذهم على غفلة. ومن خلال حديثه مع المعلم شوشة، يقول: (...أوعى يكون اللي بيبكوا في المياتم بيبكوا على الميت، دول بيبكوا على نفسيهم.. الموت جبان ما يجيش إلا على غفلة.. ومدام هو جبان أخاف منه ليه...). ويعيش شحاته أفندي ليومه فقط، فعندما يحاول أن يستمتع بليلة مع غانية الحي عزيزة نوفل (شويكار) ويستعد للقاء بها، يكون قد مات في هدوء.

إن موت شحاته أفندي وزواج جارته زكية، يسببان صدمة قوية للمعلم شوشة. فصديقه الوحيد الذي ارتاح له أخذه الموت مثل ما أخذ زوجته من قبل. وعندما أراد أن يخرج من عزلته ويتزوج زكية يكون قد فات الأوان، بعد أن ساهم بغير قصد في خطبتها لشاب في مثل سنها. ولكنه بعد ذلك يتغلب على الموت ويجابهه ولا يهابه، وذلك عندما تحداه وحل محل شحاته أفندي في العمل كمطيباتي جنازات. بعدها يواصل حياته العادية بعد أن نصب في الحي شيخ السقايين.

لقد نجح صلاح أبو سيف في فيلم السقامات، في معالجة الواقع المصري في الثلاثينات، وذلك من خلال إظهار مهنة السقا ومهنة المطيباتي اللتان اندثرتا وأصبحتا من التراث. وقد صور أبو سيف هاتين المهنتين بقدرة فائقة، وجعلنا نعيش تلك الأيام كحقيقة. كما قدم لنا وصفاً دقيقاً للأجواء الشعبية لحي الحسينية قبل وصول المياه إلى المنازل واعتماد الناس على السقايين. وقد أضفى أبو سيف جواً من الرومانسية والشاعرية الواقعية في مشاهد الفلاش باك الجميلة.

 

أخبار الخليج في

10.07.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)