جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

مشوار عمر ( 2 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

في فيلم (مشوار عمر - 1985)، يبدأ عمر مشواره الإجباري بتوصيل صندوق مجوهرات إلى طنطا حيث كلفه والده بذلك.. فماذا يصادف في مشواره هذا؟ نراه يلتقي بشخصيات ونماذج إنسانية كثيرة.. نماذج تجسد حالات ومواقف كثيرة وترصد الكثير من التحولات والتطلعات الاستهلاكية المستجدة، يتعرف من خلالها على سلوكياتهم وممارساتها. في البدء يلتقي بشاب قروي اسمه عمر أيضاً (ممدوح عبدالعليم)، شاب بسيط فقير وساذج، ليست لديه طموحات من أي نوع، مستسلم لقدره بالعمل في محطة بنزين حيث يلتقيه عمر الأول عندما ينفذ بنزين سيارته. لكنه يقبل بسرعة عرض عمر له بمصاحبته في مشواره وتوفير عمل مناسب له في القاهرة، وذلك رغبة منه في تحقيق حلمه بالتخلص من حالة الفقر والواقع الصعب الذي يعيشه، وذلك رغم معارضة والده الفلاح لفكرة السفر.

كما يلتقي عمر بسائق الشاحنة (أحمد عبدالوارث) الحرامي الحاقد على مجتمعه، هذا المجتمع الذي علمه أن يكره ويقتل ويتحدى كل القوانين. أيضاً هناك نجاح (مديحة كامل) المرأة التي دفعتها ظروفها إلى الانحراف. والكثير من الشخصيات والأحداث والتفاصيل الصغيرة، التي جعلت من هذا المشوار عبارة عن تجربة ذاتية هامة ومؤثرة يكتسبها عمر في النهاية عندما يجد نفسه وحيداً ضائعاً ويائساً داخل سيارته المحطمة فوق صخور شاطئ البحر المهجور. هنا يجد نفسه في مواجهة ذاته، فأما أن يعيد النظر في مشوار حياته القادمة، أو يكرر المشوار ذاته. فالفيلم لا يوضح لنا ذلك، لكننا نشعر بأن تغييراً كبيراً سيطرأ على حياة عمر، يتبعه تغيير في مواقفه وعلاقاته ورؤيته للحياة.

إن محمد خان في فيلم (مشوار عمر) يقدم تجربة سينمائية جريئة طموحة وغير تقليدية بالنسبة للسينما المصرية. ويتضح ذلك منذ اللقطة الأولى.. منذ الدقائق الأولى. حيث يضعنا أمام شخصيته الرئيسية مباشرة، ومن خلال لقطات سريعة وخالية من أية ثرثرة حوارية، مختصراً بذلك كل ما يمكن أن يقال من شرح وتقديم مطول عودتنا عليه الأفلام المصرية التقليدية. كما لا يفوتنا الإشارة إلى أن محمد خان قد جعل من نجاح وعمر الثاني شخصيتين مساندتين للشخصية المحورية، حتى يبرز ما في أعماق الأخيرة من متناقضات سلوكية أخلاقية ونفسية. وهو لا يتخذ موقفاً مباشراً من هاتين الشخصيتين، فهما مناسبتان لظروف ذاتية وموضوعية، ولكنه يعرض مبرراتهما بشكل صادق وموضوعي، تاركاً للمتفرج الحرية في إصدار الحكم عليهما، هذا بالإضافة إلى أن محمد خان هنا لا يعتمد على الحدوتة التقليدية المتمثلة في الحبكة البسيطة لسرقة المجوهرات من السيارة، والمحاولة اليائسة لاستعادتها، وإنما يهتم اهتماما خاصاً بشخصياته وما تصادفه من أحداث ومواقف، بغية التعبير عن وجهة نظره ورؤيته السينمائية إزاء تلك الشخصية البورجوازية الطفيلية التي برزت بشكل واضح في مجتمع الانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي. ثم أننا نراه هنا قد استغنى تماماً عن الموسيقى التصويرية واكتفى بصوت إذاعة مونت كارلو منطلقاً من داخل السيارة بما يحويه من أخبار وحوار مع نجوم المجتمع وأغنيات وموسيقى الروك أند رول. وبالطبع لم يأت هذا الاختيار اعتباطيا، بل جاء تعبيراً عن جو الانحباس لدى عمر وتعلقه بهذه السيارة.

أما نهاية الفيلم فقد كانت منطقية إلى حد كبير، حيث نلاحظ ابتعاد محمد خان عن النهايات الملفقة ذات الحلول النمطية السهلة. فنحن نرى عمر وقد قذفت به ظروف مشواره في مكان مهجور، بعد أن نجح سائق الشاحنة في سرقة المجوهرات، وعاد عمر الثاني إلى مكانه الطبيعي وهو العمل في الأرض، بعد ضياع أحلامه وتبخرها. وواصلت نجاح مسيرتها الخاصة جداً. وكما عودنا خان في جميع أفلامه، انطلق بكاميرته إلى الأجواء الرحبة والحياة العادية لتكون شاهدة على ما يدور ويحدث أمامها من حالات ومواقف ناقلة لكل الانفعالات والممارسات الصادرة من شخصيات الفيلم، ونجحت بالفعل في تجسيد كل ذلك بأمانة وصدق وتلقائية منسابة غير مقحمة بقيادة مدير التصوير طارق التلمساني.

وأخيراً .. نؤكد من جديد بأن فيلم (مشوار عمر) يعتبر علامة بارزة وهامة ليس في مشوار محمد خان السينمائي فحسب، بل في مسيرة السينما المصرية.

 

أخبار الخليج في

25.04.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)