جديد حداد

 
 
 
 
 
 

في ذكرى رحيله العاشرة..

أحمد زكي.. الأسطورة

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

عندما أراد أحمد زكي أن يهرب من وحدته بأية طريقة، بل أراد أن يهرب من حزن عينيه حين كره كلمة يتيم، كان يهرب إلى بيوت الأصدقاء ليحاول أن يضحك، وكانت قدماه تتآكلان وهما تأكلان أرصفة الشوارع، حتى ظن الطفل الطري العود أنه كبر قبل الأوان. والذي ساهم في تكبير الطفل أكثر، هذا الصدام المتواصل بينه وبين العالم الخارجي، لم يضحك بما فيه الكفاية، ولم يبك بما فيه الكفاية.. ولكنه صمت بما فيه الكفاية. وحين أراد أن يهرب إلى الكلام، وجد في المسرح متنفسه، فالتحق بعالمه يوم كان يكمل دراسته الثانوية، ولحسن حظه بأن ناظر المدرسة كان يهوى التمثيل. أما أحمد زكي فصار في فترة وجيزة هاوياً للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس. وهذا معناه بأن أحمد زكي قد اكتشف الفن في أعماقه مبكراً، فكان رئيس فريق التمثيل في مدرسته الابتدائية، ومدرسته الإعدادية، ثم مدرسة الزقازيق الثانوية. وهكذا تحدد طريقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرج منه عام 1973 من قسم التمثيل بتقدير ممتاز، وهو نفس التقدير الذي حصل عليه في كل سنوات الدراسة.

لقد لمس أحمد زكي قلوب الناس وسط عاصفة من الضحك.. كان هذا خلال المسرحية الأولى التي واجه الجمهور بها، وهي مسرحية مدرسة المشاغبين. فمن حوله ملوك الضحك: عادل إمام، سعيد صالح، يونس شلبي، حسن مصطفى، عبد الله فرغلي.. وهو التلميذ الغلبان الذي يعطف عليه ناظر المدرسة. وقد كتب عنه النقاد بأنه كان الدمعة في جنة الضحك في هذه المسرحية.

إن أحمد زكي، الزبون القديم لمقاعد الدرجة الثالثة في دور السينما والمسارح المصرية، لفت الأنظار إليه بشدة عندما قام بدور الطالب الفقير الجاد في مسرحية مدرسة المشاغبين الكوميدية الذي يتصدق عليه ناظر المدرسة بملابسه القديمة.

بعد ذلك تنقل من المسرح إلى التليفزيون إلى السينما، وكانت له جولات وصولات في الساحات الثلاث، ولفت الأنظار إليه بكل دور يقوم به.. وترجمت هذه الأعمال المتفوقة إلى جوائز، وهنا بدأت الحرب عليه، وذلك للحد من خطورته. ومصدر الخطر فيه تحدد في ثلاثة مواقف سينمائية وتليفزيونية:

الموقف الأول حين قام بدور البطولة في مسلسل الأيام، فقد قام بدور طه حسين، وعندما أجرى النقاد مقارنة بينه وبين محمود ياسين، الذي قام بنفس الدور في السينما. وحين تجري المقارنة بين من مثل مائة فيلم، وبين من مثل خمسة أفلام ومسلسل، فمعنى هذا أن أحمد زكي قفز إلى مكانة لم يسبقه إليها أحد!

والموقف الثاني برز حين قام بدور البطولة في فيلم شفيقة ومتولي، أمام سعاد حسني. ولا يهم ما قيل في الفيلم أو في سعاد حسني، إنما المهم هو البادرة بحد ذاتها، والتي هي إصرار سعاد حسني أن يكون أحمد زكي هو بطل الفيلم.

والموقف الثالث كان في دور ثانوي، هو دوره في فيلم الباطنية، بين عملاقين سينمائيين هما فريد شوقي ومحمود ياسين، حيث أن الجوائز انهالت على أحمد زكي وحده، وهي شهادة من لجان محايدة على أنه، ورغم وجود العملاقين، قد ترك بصماته في نفوس أعضاء لجان التحكيم.

بعدها جاء فيلم طائر على الطريق، وجاءت معه الجائزة الأولى.. وهكذا وجد أحمد زكي لنفسه مكاناً في الصف الأول، أو بمعنى أصح حفر لنفسه بأظافره طريقاً إلى الصف الأول!! وقد كان عام 1982، هو الانطلاقة الحقيقية لهذا الفنان الأسمر. أما في عام 1983، وخلافاً لكل التوقعات، فقد رأينا أحمد زكي منسحباً عن الأضواء والسينما بنسبة ملحوظة، ليعود في العام 1984 أكثر حيوية ونشاطاً. ومن العجيب أن هذا الشاب الريفي، البعيد الوسامة، جاء إلى عاصمة السينما العربية، مفتوناً برشدي أباظة، المعروف بوسامته.

والوسامة أو الشكل الذي لا يتميز عن بقية الناس بالجمال والحلاوة مثل معظم فتيان الشاشة الحاليين والسابقين. فهو ليس في جمال حسين فهمي أو أنور وجدي مثلاً، ولكنه نموذج عادي لأشخاص عاديين يقابلهم المرء ويتعامل معهم كل يوم في الطريق.. في المركبات العامة، وبقية الأماكن التي يتردد عليها الناس.

إن جمهور السينما الذي تغيرت نوعيته، وأصبحت غالبيته من الكادحين، يرون أنفسهم في أحمد زكي، الفتى الأسمر الذي لا يعتني بملبسه ولا يذهب إلى الكوافير لفرد شعره الأشعث المجعد.

 

أخبار الخليج في

25.04.2015

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)