جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

موعد على العشاء (2)

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

في فيلم (موعد على العشاء - 1981)، تأتي شخصية شكري (أحمد زكي) لتوضح جوانب أخرى هامة في شخصيتي نوال وعزت، وإن كانت تحمل ملامحها الخاصة. إننا هنا أمام فنان شاب يهوى الرسم، متخرج من كلية الفنون الجميلة.. فنان عاشق لفنه ويؤمن تماماًً بأن الإبداع لا بد أن يكون بمعزل عن أي تدخل خارجي. لذلك يفشل في اتخاذ الفن كحرفة ويصبح فيما بعد الحلاق الخاص لنوال. وفي إحدى زيارات نوال لصالون الحلاقة، يراها والدموع تغطي وجهها، في واحدة من أزماتها النفسية مع زوجها عزت. يرق قلبه ويحاول الاقتراب أكثر منها، يزورها مرة لتقديم العزاء في والدتها، والتي تموت تحت يده في صالون الحلاقة، وتدفعه رغبته في التقرب منها بزيارتها مرة أخرى، وتتكرر لقاءاتهما لتتطور العلاقة بينهما إلى حب جارف، وتكون تجسيداً للتجانس بين الشفافية والنقاء وبين الروح الفنانة، إلا أن زواجهما يأتي سريعاً ولضرورة أخلاقية واجتماعية أكثر منه لضرورة عاطفية طبيعية، اعتقادا منهما بأن ذلك سيوقف مضايقات عزت لهما.

في فيلمه هذا، يثبت محمد خان بأنه أحد المخرجين المصريين المجددين وأهمهم، فبالرغم من أنه يعمل في إطار السينما المصرية، إلا أنه حرص دوماً على تجديدها وتحسينها. فهو في (موعد على العشاء) أكثر اكتمالا من الناحية الفنية، حيث يتناول ـ مع بشير الديك ـ الثالوث التقليدي في الدراما، إلا أنه يختلف في طريقة معالجته له عن الآخرين. إنه هنا ـ ويجانب اهتمامه بشخصياته ـ يهتم بالتفاصيل الصغيرة، والتي ساهمت إلى حد كبير في تعميق الجوانب النفسية الداخلية لهذه الشخصيات. فمثلاً، نراه يتوقف طويلاً عند اللوحة التشكيلية التي تثير أشجان نوال، حيث نشاهدها تبكي من الأعماق عندما تخسرها في المزاد، لمجرد إحساسها بأن هذه اللوحة قريبة منها وترى فيها نفسها وطفولتها البريئة التي اغتيلت في مهدها. كما أن مشهد المرأة المعلقة من إحدى الشرفات ومن ثم سقوطها، يترك في نفس نوال أثراً كبيراً، وكأن مصيرها في هذا المجتمع سيؤول حتماً إلى نفس النتيجة. ولا يمكن أن ننسى لقطة تُظهر نوال وهي في المصعد الكهربائي، والتي تُعتبر تجسيداً صارخاً عن اختناقها وسط مجتمع كهذا. كما أن حِرْصْ محمد خان على إظهار نوال في لقطات ومشاهد من وراء قضبان أو أسوار أو زجاج سيارات، إنما يمثل تعبيراً عن فكرة الحرية المفتقدة عند نوال وتجسيداً لحالتها النفسية والاجتماعية. فهي غير قادرة حتى على ممارسة حريتها الشخصية في اختيار شريك حياتها، وهذا ـ بالطبع ـ من أبسط الحريات العامة.

استطاع خان من خلال فيلمه هذا أن يضعنا في جو رومانسي حزين، وعلى درجة كبيرة من الشفافية والشاعرية، وذلك ـ بالإضافة إلى موضوعه ـ باستخدامه الموفق لدرجات اللون والإضاءة والإكثار من عملية المزج الآلي للقطات، إضافة إلى الموسيقى المعبرة والمتجسدة في ضربات البيانو الناعمة والحزينة. وهو باستخدامه لكل هذه العناصر نجح في توصيل ما أراده.

 

أخبار الخليج في

10.11.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)