سوبرماركت

إنتاج عام 1990

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 30 يونيو 1993

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

ممدوح عبد العليم  + نجلاء فتحي  + عادل أدهم  + نبيل الحلفاوي + محمد توفيق

إنتاج: نجلاء فتحي، تصوير: كمال عبدالعزيز، قصة: محمد خان، عاصم توفيق، سيناريو وحوار: عاصم توفيق، موسيقى: كمال بكير، مونتاج: نادية شكري

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

سوبرماركت

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

يبدأ محمد خـان فيلمه (سوبرماركت) بعبارة (... من أحد الفاشلين إلى أول الناجحين...)، حيث يعترف خان حين يقول: (... قد أكون أنا ذلك الفاشل الذي ليس لأفلامه الجمهور العريض جدا جدا.. فجمهورنا معدود إلى حد ما.. قد تكون هذه الجملة تعليقا على السينما التي أنا أعملها).
في الفيلم، نحن أمام فنان ملتزم يدعى رمزي (ممدوح عبدالعليم)، يعمل ليكسب قوت يومه عازفا علي البيانو في فندق سياحي، حيث انه خريج معهد الكونسرفتوار. ولأنه على خلاف دائم مع أخت زوجته التي يعيش في منزلها والتي لا تطيق شئ أسمه الموسيقى، يلجأ لوالدته ليعيش معها. هنا نتعرف على جارته أميرة (نجلاء فتحي) والتي يرتبط معها بعلاقة صداقة جميلة منذ أيام الدراسة.
تبد أ أزمات رمزي عندما يتم إنهاء عقد عمله في الفندق، إلا إن الطبيب المليونير (عادل أدهم) يعرض عليه فرصة تعليمه العزف على البيانو لقاء أجر مادي معقول. هنا يتعرف المليونير عن طريق رمزي طبعا، على أميرة التي تعاني من ظروف اجتماعية واقتصاديـة قاسية، حيث تكافح من أجل الاحتفاظ بابنتها والتي بدورها تنجذب إلى عالم والدها وثروته بعد عودته من الكويت، وبالتالي فهي تنجرف وراء التيار وتقع في قفص المليونير، أملاً باستعادة ابنتها. وفى الجانب الأخر تضيع فرصة رمزي في تحقيق الثروة، عبر قاعدتين هامتين تعلمهما من المليونير.. الأولى ضربة حظ يخسرها رغما عنه عندما لا يعرف عن حقيبة الفلوس التي تقع بالصدفة في حوزته منذ بداية أحداث الفيلم وحتى نهايتها. والثانية عندما يرفض التخلي عن أخلاقياته ومبادئه في سبيل المادة.

نلاحظ منذ الوهلة الأولى بأن التوليفة الدرامية للفيلم تبدو تقليدية. إلا إننا نكتشف فيما بعد بان المعالجة الفنية تختلف كثيرا في توجهاتها وأهدافها، وحتى في شكلها وصياغتها الفنية أيضا. فالفيلم بهذا السيناريو الذي كتبـه السيناريست (عاصم توفيق) يشرح تفاصيل حياة تهيمن عليها القيم والمفاهيم المادية. ويكشف أيضا عن سلبيات ثقافة الاستهلاك على المجتمع بل ويدينها، وخاصة في اعتبار المال قيمة في ذاته، وإعلاء هذه القيمة على قيمة العمل والأخلاق والفن. ولو تتبعنا شخصيات الفيلم، التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع رمزي، ابتداء بزوجته وانتهاء بجارته وابنتها، لوجدنا انهم جميعا خضعوا بشكل أو بآخر إلى مغريات الحياة المادية ومباهجها الزائفة، وقدموا تنازلات كثيرة في سبيلها. هذه الشريحـة الاجتمـاعيـة هي جـزء من (سوبرماركت) كبير، كل شئ فيه معروض للبيع حتى الأخلاق.
ومن خلال هذا الفيلم، يقدم محمد خان رؤية فنية واجتماعية قوية وساخرة في بعض الأحيان، جسدها من خلال بطله رمزي، الذي قاوم حتى النهاية كل مغريات الحياة الماديـة ولم يخضع لسيطرتها، وليبقى نظيفا من كل شئ حتى جيوبه. فصراع الإنسان بين أخلاقيات وهجمات المادة وشراستها وبين مقاومته لها، تعتبر حقيقة اجتماعيـة يؤكدها الفيلم في اكثر من موقف وحدث. خصوصا إذا كانت مثل هذه الماديات تحاصره حتى في لقمة عيشه ومستقبله، وحتى في تفكيره الحياتي اليومي.
ويتحدث محمد خان عن فكرة الفيلم وكيف خلقت، فيقول: (طلب مني أحدهم أن أنجز له فيلماً للتلفزة، فكتب موضوعا عنوانه (الهروب من الجنة) وبدأت بفكرة رمزي هذا، وكنت قبل ذلك كتبت ذات الموضوع بطلب من زميل لي(...)، ثم حينما فكرت في السينما.. غيرت قليلا في الموضوع. فيبدأ رمزي وقد وجد محفظة فيها مبلغ كبير من المال، ولكن ماذا سيفعل بهذا المبلغ؟ فتطورت الفكرة وأخذت مغزى ثانيا، رفض عاصم فكرة المحفظة. ثم قبلها حينما وجد انه بإمكانه تصوير مجتمعنا من خلال هذه الحالة.. في موضوع المحفظة، قال لي عاصم: أنا لست متفقا معك، ولكن سأضعها في الأحداث وعليك أنت أن تتصرف وتجد لك المخرج من الورطة. ستوضع المحفظة عند رمزي في الأول ثم تسرق بعد ذلك، لما بينهما عليك أنت أن تجد الحلول الدارمية كانت مشكلة بالنسبة لي إلا أكون ظاهر ولا خفي).

محمد خان، وكما عودنا في جميع أفلامه، يدرس شخصياته بعناية، بل ويسخر كافة إمكانياته وطاقاته للكشف عما في أعماق الشخصيـة التي يتنـاولها. فالشخصيات هي ما تشده اكثر من أي شئ آخر. هنا في فيلم (سوبرماركت) يقدم لنا شخصية محورية واحدة هي (رمزي)، ويصيغ من حولها مجموعة من العلاقات والإشكاليات، ثم يتابع تصرفاتها بحذر شديد، ويسجل لنا بالكاميرا أدق التفاصيل الذكية، والتي ساهمت بدورها في تعميق هذه الشخصية. كما فعل من قبل مع شخصية (فارس) في فيلمي (طائر على الطريق ـ الحريف).
وفي هذا الفيلم تكمن بعض الأمور التي تثير لدينا الكثير من الملاحظات والإشارات التي لابد من ذكرها. فالفيلم لا توجد به قصة حب. فبعد انتقال رمزي إلى منزل والدته، وظهور أميرة أمام المتفرج، يتصور الأخير ومنذ الوهلة الأولى بأنه حتما سيكون هناك قصة حب بين رمزي وأميرة. إلا أن محمد خان يصدم المتفرج التقليدي ويتغلب على سيطرة مخيلة هذا المتفرج ويقدم له علاقة صداقة جميلة، يندر وجودها في أفلام هذه الأيام في مصر.. (تحيا الصداقة).
ثم أن وجود (السوبرماركت) في الفيلم ليس له ـ بالطبع ـ علاقة بعنوان الفيلم، حيث أنها وجدت لتكون نقطة وصل ليس إلا، وجدت لكي تلتقي أميرة بزوجها العائد من الكويت، أو ليلقاها فيها الطبيب المليونير، هذا فقط هو دور السوبرماركت في الفيلم. وإلا ماذا يبرر عدم اهتمام الفيلم بالسوبوماركت كمكـان، وعدم تصوير الزحمة والبضائع وغير ذلك مما يتسم به السوبرماركت.
يبقى أن نشير إلى أن الفيلم قد اتخذ له أسلوبا مختلفا للإيقاع، فالكثيرون قالوا بأن إيقاع الفيلم بطئ، وهذا ـ بالطبع ـ ليس صحيحا مائة بالمائة، حيث انهم أطلقوا هذا التقييم بسبب تأثرهم بأسلوب السينما الأمريكية ذات الإيقاع السريع، والذي ينبع أساسا من أسلوب الحياة العامة في أمريكا. فمثلا السينمات الأخرى الألمانية والفرنسية لها إيقاعها الخاص جدا وتؤكد عليه دائما. أما السينما العربية ـ المصرية بالذات ـ فهي تعاني من هذه المشكلة، مشكلة إيجاد الإيقاع الخاص بها، اليابانيون مثلا تغلبوا على هذا المفهوم، فوجدوا لغة سينمائية إيقاعها نابع من أسلوب الحياة اليابانية الخاصة جدا. لذلك ليس من الصحيح أن نطلق على إيقاع فيلـم (سوبرماركت) بطيء. ربما نجده يختلف في أسلوب الإيقاع عن فيلم آخر لمحمد خان (أحلام هند وكاميليا)، إلا أن هذا ليس له علاقة ببطء الإيقاع وسرعته. إن سرعة الإيقاع وتطوره في (سوبرماركت) تكمن أساسا في أحداثه ومواقفه المرسومة في تركيبة السيناريو. وهذا واضح أساسا من تنـامي الأحداث وتدفقها حتى وصولها إلي الذروة. أما بالنسبة لجزئية الحقيبة المليئة بالفلوس، فقد جسدها لنا محمد خان بحرفية سينمائية ذكية وإمكانيات فنية تحسب لصالحه. إنها تعليق ساخر وعبثي، قد لا تكون لها علاقة بأحداث الفيلم، ولكنها في الحقيقة لها علاقة مباشرة بجوهر الفيلم وفلسفته.
يقول محمد خان: (إنه من غير الضروري أن كل شئ يكون موظفاً في الفيلم.. كل التعامل مع الشنطة لم يكن موجودا في السيناريو، ثم أنا شخصيا استظرف مثل هذه الأشياء الصغيرة.. إنها نكشة).
لقد كان مخرجنا حذرا، عندما جعل الأم هي التي تنظم أمتعة رمزي، حتى لا ينتبه هو لوجود الحقيبة. ثم أن رمزي لم ينتبه فيما بعد لوجود الحقيبة لأن المخرج وضعها بالقرب من صورة بيتهوفن.. وبيتهوفن هو الذي يسلب رؤية رمزي. وبالرغم من أن السيناريو يتسم بالطابع الأدبي، وهو ما لا يتناسب وعالم محمد خان وأسلوبه في الإخراج، إلا أن بصماتـه الإخراجية في (سوبر ماركت) كانت واضحة منذ أول حركة للكاميرا.. تقنيات تصويرية تأملية هادئة وعميقة، واستخدام مؤثر للمونتاج، وكادرات جمالية قوية ومتقنة.. سوبرماركت، فيلم هادئ.. جميل.. جيد.. وجاد.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004