البحرين.. أفلام وفعاليات سينمائية

 
 
 
 
 

"زائر" البحريني ليس وحده فهناك أفلام كويتية وعمانية تنتظر:

بسام الذوادي: أردت تسليط الضوء على جزء من ذاكرتنا

نديم جرجوره

 
 
 
 

فيلم زائر

 
 
 
 
 
 
 

في ختام الدورة الثالثة ل<<مسابقة أفلام من الإمارات>>، التي أحياها <<المجمّع الثقافي>> في أبو ظبي، بين الثالث والثامن من آذار الجاري، قُدّم الفيلم الروائي الطويل الثاني لبسام الذوادي <<زائر>> (البحرين، 2003، 86 دقيقة، 35 ملم) في عرض جماهيري هو الأول له بعد إنهاء العمليات الفنية الخاصة به في تشرين الأول الفائت. مزيج من الرعب والثريلر والتشويق، في فيلم أفسح المجال واسعا أمام القطاع الخاص للبدء بإنتاج أفلام سينمائية في دول الخليج العربي.

عاشت فاطمة أعواما طويلة من عمرها في مواجهة كابوس لم تفقه شيئا من أبعاده وحضوره في يومياتها المثقلة بهمّ عائلي ومهني مرتبك. سعت إلى الحقيقة، وواجهت مصيرها بتحدّ كبير، قبل أن تعيد نبش الماضي المطمور في تراب المقابر المهملة والمهجورة. فوالدها قتل صديقا له أمام عيني صديق ثالث لهما، بسبب الحب الصادق الذي ربط قلب القتيل بامرأة رفض أهلها الزواج به لفقره، فإذا بوالد فاطمة يقترن بها، ويرتكب جريمته هذه ظنّا منه بأن العاشقين السابقين مستمران في علاقتهما.

هنا حوار أجرته <<السفير>> مع بسام الذوادي، مخرج <<الحاجز>>، الفيلم الروائي الطويل الأول له، والأول في البحرين أيضا.

لا شكّ في أن التجربة السينمائية الجديدة التي خاضها بسام الذوادي، تستحق قراءة نقدية تبدأ بواقع الإنتاج السينمائي في البحرين، وبالسعي الدؤوب إلى حثّ القطاع الخاص على المساهمة في إنتاج أفلام بحرينية متنوّعة. ذلك أن <<زائر>> ولد من الرغبة المشتركة بين الطرفين، المخرج وشركة الإنتاج (<<شركة البحرين للسينما>> بالتعاون مع <<دنيا للإنتاج>>)، وإن كانت الأهداف مختلفة: فالشركة تريد فيلما يتطابق مع مواصفات تجارية وجماهيرية عادية، والمخرج موافق على تنفيذ هذا المشروع، بهدف حثّ الشركة، والقطاع الخاص، في البحرين ودول الخليج العربي، على التنبّه إلى أهمية السينما، وضرورة بلورة حضورها الثقافي والفني في الوعي الجماهيري. قال بسام الذوادي إنه أمضى أربعة أعوام وهو يبحث عن مموّل أو منتج لتحقيق مشروعه الأصلي، <<أحلام صغيرة>>، الذي بات اليوم على بعد خطوات قليلة من البدء بتنفيذه: <<لم يكن <<زائر>> مشروعي. لكنه فتح بابا أمام <<أحلام صغيرة>>، الذي أبدأ بتصويره في حزيران المقبل، في البحرين أيضا>>، كما قال بسام الذوادي في حوار أجرته <<السفير>> معه.

أضاف الذوادي: <<هذه تجربة فريدة، لكونها تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص للدخول في مجال الإنتاج السينمائي. هناك شروط طرحها القطاع الخاص، قبلت بها، وأنجزت فيلما يتناسب، بشكل ما، مع متطلبات هذا القطاع. هذا كلّه بهدف حثّ القطاع الخاص على إنتاج أفلام سينمائية، تكون خلاصة ما لتجارب أكثر جدّية وإنسانية وجمالية في المواضيع المطروحة. إنه خطوة مهمة>>. وأكّد أن مشروع <<زائر>> لم يُفرض عليه، بل وافق هو على تنفيذه <<لأني أحببت أن أقدّمه هكذا لأغراض أخرى: دعم السينما في البحرين. هذا ما تحقّق، فقبل إطلاق العروض الجماهيرية ل<<زائر>> في البحرين وقطر معاً، في الواحد والثلاثين من آذار الجاري، بدأت أناقش المسائل الجوهرية الخاصة بتنفيذ مشروعي الخاص>>.

إنتاج خاص في الخليج

ارتبط تحقيق <<أحلام صغيرة>> بميزانية <<مهرجان السينما العربية في البحرين>>، الذي أسّسه بسّام الذوادي قبل أربعة أعوام، وأحيا دورته الأولى (واليتيمة لغاية اليوم) في شهر آذار من العام ألفين: <<لا أقول إن المشروعين (المهرجان والفيلم) مترابطان. هناك جزء مهم من ميزانية المهرجان خاص بالفيلم. لذا، لم أستطع حتى اليوم تنفيذه، لأني لم أحصل على ميزانية المهرجان. مهما يكن، فإن <<زائر>> حمل معه الإمكانية الإنتاجية اللازمة لتحقيق <<أحلام صغيرة>>. ما أودّ الإشارة إليه، كامن في أن تجربة <<زائر>>، على مستوى القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي، لم تقتصر على البحرين فقط، فهذا القطاع نفسه بدأ تنفيذ مشاريع سينمائية مختلفة في دول خليجية عدّة: في الكويت، انتهى تصوير فيلم كوميدي شبابي. عُمان ستدخل التجربة نفسها في غضون وقت قصير. في البحرين أيضا، هناك حماسة لتنفيذ مشاريع سينمائية أخرى. عليك ألاّ تنسى أنه بعد <<الحاجز>> (الروائي الطويل الأول الذي أنجزه بسام الذوادي في العام 1990)، لم يُنجز فيلم روائي طويل واحد في أي دولة خليجية. اليوم، تبدّلت الأحوال قليلا، ونحو الأفضل. أردّد دائما للزملاء الخليجيين: شاهدوا الفيلم، والتفتوا إلى كيفية إنجازه، ولا تتوقّفوا عند مضمونه، لأن عليكم أن تتناولوا مواضيعكم الخاصة المستقاة من تجاربكم وحكاياتكم. يمكنكم فعل هذا، بالأسلوب نفسه المعتمد لدي>>. يتناول <<أحلام صغيرة>> الفترة التاريخية الممتدة بين العامين 1967 و1970، أي بين النكسة ورحيل جمال عبد الناصر، من خلال ثلاث نساء يستعرضن في الفيلم حكايات الحب والسياسة والعلاقات الإنسانية والثقافية والاجتماعية السائدة في البحرين في هذه الفترة. كما يُسلّط الضوء على الوجود اليهودي في هذه المملكة، من خلال شخصية يهودي أخفى انتماءه الديني فترة طويلة.

صوّر <<زائر>>، الذي بلغت تكاليف إنجازه مئة ألف دولار أميركي فقط، بتقنية <<فيديو ديجيتال>>، قبل تحويله إلى فيلم سينمائي (35 ملم): <<لم تكن مسألة اختيار <<فيديو ديجيتال>> تجريبا فنيا أو دراميا. فأنا ضد <<فيديو>>. حاربت هذه التقنية ورفضت دخولها في صناعة السينما. لا أعني بهذا رفضي المسبق لأي تطوّر يحصل. لذلك، وبسبب الميزانية الموضوعة، اضطررت لاستخدام <<ديجيتال>>. أستعيد هنا ما قاله محمد ملص، في لقائه مخرجين إماراتيين (في <<مسابقة أفلام من الإمارات>>): إن <<فيديو>> لا يجمّل ولا يأخذ مكان السينما. لكنه، في الوقت نفسه، لا يضر>>.

على الرغم من هذا كلّه، أكّد بسّام الذوادي أن لديه قناعة ما سمحت له بتنفيذ هذا الفيلم: <<إذا تعاطيتُ مع <<زائر>> على أساس أنه ثريلر ناجح، فإني مقتنع بمضمونه. لم أشعر، لحظة، بأني لست مقتنعا به. هناك مسألة أخرى: انتابني إحساس بأن هذا ليس أسلوبي الذي أعمل به، والذي اعتاد مشاهدو أفلامي عليه. لست معتادا على هذا النوع من العمل. لذا، خضت هذه التجربة: أولا، كي أختبرها، وثانيا، وهو الأهمّ، كي أفتح بابا للسينما في القطاع الخاص، معتبرا أن هناك إمكانية لإنتاج أفلام متنوّعة المضامين والأشكال والأساليب، تبيّن واقع الخليج وحقيقته>>.

يُمكن تجزئة الفيلم إلى فصلين: الأول، تقديم للشخصيات، وأبرزها فاطمة، وللمشكلة المبهمة التي تعانيها هذه المرأة المطلّقة، العاملة في شؤون إنتاجية في جهاز التلفزيون، مع مطلّقها الراغب دائما في استعادتها. الثاني، مواجهة المشكلة لتفتيتها وكشف حقيقتها. في الأول، هناك مشكلة <<رتابة>> ما في السرد. في الثاني، مشاهد مطوّلة، وتكرار لجمل وتعابير عدّة. في حواره مع <<السفير>>، قال بسّام الذوادي إن مسألة التكرار ناتجة <<من وقوع الشخصيتين الأساسيتين (فاطمة وأحمد، الصديق الثالث لوالد فاطمة ولعادل القتيل) في الخوف والقلق والارتباك أمام عادل نفسه الذي ظهر شبحا في ليل المقبرة. هذا الشخص ليس عاديا، لذا، لا توجد حوارات كثيرة. وأمامه، دخل أحمد وفاطمة في التباس المشهد: تصديق ما يجري معهما، أم لا. أمام الشبح، لا يوجد أي موضوع آخر غير طرح الأسئلة نفسها، وتكرارها: من هذا؟ لماذا أطلّ علينا؟ ما الذي يبغيه منا؟ معك حق، هناك تكرار واضح ألغيته من نسخة <<دي في دي>> خاصة بالفيلم>>.

أما عن اختياره مقبرة غريبة لتصوير الفصل الثاني من الفيلم، فعائد إلى رغبة المخرج في إثارة إحدى المشاكل الثقافية والتراثية والسياسية في البحرين: <<هذه المقبرة أثرية، عمرها نحو 2500 عام. مع هذا، فهي مهملة للغاية، وباتت المنازل السكنية على بُعد خطوات قليلة منها. لم يُحافظ عليها، ولم يهتمّ بها أحد. باتت مرتعا لكل شيء: أناس ضائعون، شباب يتعاطون المخدرات، علاقات حب وعشق، أبقار نافقة تدفن هناك.

أردت تسليط الضوء على بعض ذاكرتنا التاريخية، تماما كما فعلت في مشهد المطاردة في السوق القديمة (شابان مشرّدان يهربان من زعيم عصابة يريد مالا من أحدهما. يظهر الشابان في ما بعد في المقبرة، وواحد منهما يكون الشقيق الأصغر لأحمد، صديق والد فاطمة)، المهملة هي أيضا بعد تشييد المراكز التجارية الضخمة. في المقبرة الأثرية، دُفن عادل. أردت القول إن علينا أن ننبش الحب والصدق والحقيقة، الممثلّة كلّها في عادل، الشاب العاشق والصادق بحبّه، من تحت الركام، كي نستعيد جزءا من ذاكرتنا، بدل الإمعان في تجاهل هذه الذاكرة وإهمالها>>.

السفير اللبنانية في  11 مارس 2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)