السينما والصحافة

 
 
 
نشرت هذه الدراسة في مجلة هنا البحرين في ثمان حلقات

ابتداء من 13 أغسطس - 01 أكتوبر 2003

 
 
 
 
 
 
 
 
 

حديث ذو شجون، ذاك الذي يتعلق بالسينما، فكيف وهو عن السينما والصحافة.. فكوني من المهتمين بالكتابة عن السينما، كانت تجربتي الشخصية مع عدد من الصحف والمجلات المحلية والخليجية متنوعة ومتباينة.. إلا أن الحديث هنا لن يكون منصباً على هذه التجربة فقط، وإنما سنقوم بتناول الموضوع في شكله العام، أي كيف كان حظ السينما في تناول الصحافة لها، منذ نشأتها، عالمياً وعربياً ومحلياً.

في البدء يمكن القول بأن السينما، منذ نشأتها مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، استفادت كثيراً من الصحافة.. بل يمكننا الجزم بأن السينما اعتمدت على الصحافة، فيما يتصل بالدعاية للأفلام أو نقدها، وخصصت الصحف مساحات متفاوتة للنقد السينمائي على صفحاتها، وتولى تحرير هذه المساحات صحفيون عاملون في الصحف أو سينمائيون متخصصون يُستكتبون من خارج الصحف.

والكتابة عن السينما في الصحف العامة، كان عملاً حافلاً بالمشاكل في أغلب دول العالم، وبالذات في البلدان الرأسمالية.. كما اتضح ذلك من خلال ما أتيح لنا، لما كتب عن السينما والصحافة، باعتبار أن هذه الصحافة كانت تفرض على النقد السينمائي مقاييس معينة وتشيع القيم التجارية، وذلك بحكم حاجتها إلى عوائد الإعلان من صناعة ضخمة كالسينما، على عكس الصحافة المتخصصة التي تلجأ إلى الإعلان في تلك البلدان نفسها، ولكنها تتمتع بقسط أكبر ومتميز من الموضوعية والجدية. ومن الضروري دائماً، مطالبة الصحافة بالمزيد من احترام النقد السينمائي، وتوفير أكبر قسط من الموضوعية والجدية. فالصحافة العامة بالذات مازالت أهم قنوات التواصل بين الناقد وجمهوره العريض، وهي التي تدفع هذا الجمهور إلى التأثر بالكلمة المكتوبة.

 أنواع الكتابة عن السينما والأفلام ثلاثة، وهي:

·        الدعائي أو الإعلاني، والذي يهدف إلى الدعاية والإعلان عن الفيلم.

·        الإعلامي، والذي يهدف إلى الإعلام عن الفيلم، مثل الأخبار والتحقيقات والأحاديث والمقالات.

·        النقدي، والذي يهدف إلى التأمل الجدي في مضمون الفيلم وشكله، وفحص القيم الفنية والاجتماعية التي يحملها الفيلم، مثل البحث والمقال.

إذن، كيف بدأت الكتابة عن السينما في الصحافة؟

إن الجدل الذي حصل بين الفنانين والمفكرين والكتاب، مع بداية نشوء السينما، حول ماهية هذا الفن الوليد، وقدرة السينما على الانتشار السريع بين العامة والخاصة، ووظيفتها، ومدى أهميتها، هو الذي شكل البذرة الحقيقية للكتابة عن السينما والنقد السينمائي، وكانت الصحافة بالطبع هي الوسيلة الرئيسية لنشر هذا الحديث والجدل.. ولا يخفى على الكثيرين بأن هذا الجدل استمر لسنوات طويلة، في التجمعات السينمائية، في الصحافة.

عالمياً، وكمثال.. استقبلت الصحافة الفرنسية السينما استقبالاً حماسياً، هذا بالرغم من أن التعليقات الأولى على الأفلام في مجملها مفرطة في المدح أو القدح على السواء، وكان كتاب هذه التعليقات من الصحفيين ومندوبي الدعاية والإعلان في الصحف. إلا أن هذا الوضع ما لبث أن تغير بعد ازدياد عدد الأفلام وتكاثرها في العالم بأسره، وظهور بعض الفنانين الكبار، وزيادة تعلق الجماهير بفن السينما. وبالتالي تحسن اهتمام الصحافة بالسينما وازدياد عدد الصحفيين المتخصصين فيها، وتخصيص صفحات أو زوايا للكتابة عن الأفلام والدعاية لها. وكان بعض هؤلاء الصحفيين ينقلون ما يدور داخل الأستديوهات من أحاديث وأحداث، أو يلخصون الأفلام الجديدة مع نشر مختارات من صورها.

وفي الوقت الذي راح فيه الصحفيون يروجون للسينما، دون توسع في مناقشة جمالياتها، ظهر بعض المحبين الحقيقيين للسينما من خارج الوسط الصحفي، أمثال كانودو، فيرموز، ديللوك. أما ليون موسيناك، فكان أول رئيس تحرير لأول مجلة فرنسية عن السينما، وهي "مجلة الفيلم" التي صدرت في عام 1912.

ومنذ ذلك التاريخ، أخذت السينما هامشاً متسعاً لها في الصحافة، باعتبارها الفن الأشمل في كل بقاع العالم، فهو فن الجمهور الأكبر من حيث الحجم والمتابعة. لتخصص أغلب المجلات في العالم صفحات عديدة كاملة لهذا الفن الشعبي، هذا إضافة إلى الكثير من المجلات المتخصصة التي انتشرت في العالم. وأهم هذه المجلات: كراسات السينما (فرنسا)، سيني ريفيو (فرنسا)، فيلم كومنت (أمريكا)، فيلمز ان ريفيو (أمريكا)، صورة وصوت (إنجلترا).

ولا يخفى على أحد، بأن الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، قد أصبحا الشغل الشاغل للكثيرين. وأصبحت المعلومة متوفرة للمتلقي في عقر داره.. وقد استفادت السينما ـ بالطبع ـ من هذه التكنولوجيا بشكل كبير. فنحن لا نكاد نزور أي موقع عالمي على الشبكة، إلا وهناك باب متخصص للسينما. فمواقع مثل (YAHOO) و(MSN) و(EXCITE) هي مواقع عامة وشاملة، بل وغير متخصصة بالسينما، إنما تولي اهتماما خاصاً بالسينما والفنون بشكل عام. هذا عدى مواقع السينما المتخصصة، التي استطاعت إثراء هذا الفن بتوفير معلومات كاملة عن الأفلام وصناعها.

لأن السينما في مصر قد بدأت مبكراً، فإن الحديث والجدل عنها بدأ مبكراً أيضاً، خصوصاً بأن العروض السينمائية في مصر جاء بعد عام واحد فقط من العروض العالمية للسينما. وبالتالي كانت الصحافة قد علقت على هذه العروض، وكان أولها صحيفة (المؤيد) في تعليقها على أول عرض في عددها الصادر في 26 يناير 1896م.

وبدأت السينما تكتسب جمهوراً يتزايد يوماً بعد يوم، بعد أن كان الجمهور متوجهاً بشكل عام للمسرح. فبدأت صالات السينما تتزايد، تلبية لرغبات هذا الجمهور المتشوق لهذا الفن الوليد. وتكون ما يسمى بـ (هواة السينما)، هؤلاء الذين بُهروا بهذا الفن، بل وفكروا بالانخراط في ممارسته، وعلى رأس هؤلاء الهواة كان محمد كريم، ويوسف وهبي، ومختار عثمان، وغيرهم كثيرون. حتى أصبح هذا الفن يشكل الهم الأكبر، ما دفعهم مراسلة شركات الإنتاج المحلية والأجنبية.

وفي الفترة التي واكبت ثورة 1919، بدأ محمد كريم الكتابة عن السينما في الصحف المحلية، وكان تفكيره يتجه إلى الكتابة عن تمصير السينما، في مقالات تحمل عناوين مثل (فكروا في إنشاء شركة للسينما) أو (مصروا صناعة السينما).

أما أول مقال نشر عن السينما في مجلة (الهلال) المصرية، فكان الذي كتبه الناقد السيد حسن جمعه تحت عنوان (السينما الناطقة: ماضيها وحاضرها ومستقبلها)، ونشر في عدد ديسمبر 1929م. وهو نفس الكاتب الذي كتب أول مقال عن الأفلام المصرية نشر في مجلة "الهلال" المصرية، تحت عنوان "الأشرطة المصرية على اللوحة الفضية"، وكان في عدد نوفمبر 1931.

اهتمت الصحافة المصرية بوجه عام، والصحافة الفنية بشكل خاص، بهواة السينما، بل وساعدت على ازدياد عددهم. فكانت مجلة "الصباح" ـ على سبيل المثال ـ تواظب على نشر صور هؤلاء الشبان الهواة الذين كانوا يعرضون استعدادهم للتمثيل. وبالمثل حذت حذوها مجلة "العروسة"، وكانت صفحة "السينما والملاهي" في جريدة الأهرام تواظب ـ منذ ظهورها عام 1933 ـ على نشر رسائل القراء والرد عليها فيما يتعلق بالسينما وشئونها، كما فتحت أبوابها لكتابات الهواة عن السينما، وشجعت بعضهم على الاستمرار في الكتابة. مما ساهم في تطور كتاباتهم عن السينما بعد إنشاء أستوديو مصر. وفي أحد أعداد أكتوبر 1934، تلقت الصفحة عدة رسائل من القراء حول نادي السينما للهواة.

وكان هواة السينما يشكلون احتياطياً مستمراً للعاملين بالسينما، فقد جاء من صفوفهم جميع المشتغلين بالسينما في مختلف عناصرها. هذا إضافة إلى أن الهواية كانت وراء ظهور العديد من الأفلام المصرية القصيرة والطويلة. ولعل أبرز فيلم من صنع الهواة في تاريخ السينما المصرية هو فيلم (تيتاوونج).

أما أول مجلة مصرية متخصصة عن السينما، فكانت مجلة (الصور المتحركة)، التي صدرت عام 1923، وتوقفت عام 1925.

مثلما كانت الهواية وراء كثير من الأفلام المصرية وروادها، كانت أيضاً وراء النقد السينمائي وكتّاب السينما. فقد كان معظمهم من الهواة بدأوا حياتهم شباباً محباً للسينما، يقرأ عنها ويحاول فهمها. فقد أصدر السيد حسن جمعة وزكريا الشربيني مجلة (كواكب السينما) في القاهرة عام 1926، وكانا يطبعانها من 50 نسخة في 16 صفحة محلاة بالصور والرسوم ويوزعانها على أصدقائهما ومعارفهما. وفي الإسكندرية صدرت مجلة (معرض السينما الجميلة) التي شارك في تحريرها السيد حسن جمعة، في نفس الفترة.

ولأن فن السينما الوليد، كان ثورة ذلك العصر، فقد جعل كبار الكتاب والأدباء يهتمون به، بل ويكتبون عنه. ولأن الكتاب والأدباء يعدون من قادة الفكر والرأي، فلا شك من أن لكلمتهم قوة تأثيرية كبيرة. فكانوا سنداً كبيراً للسينما منذ البداية، وكان لمساهماتهم أثر واضح بالنسبة لازدياد الوعي بالسينما وتأصيل مفهومها عند الهواة وجمهور السينما على السواء. فكتب زكي مبارك في مجلة "المصري" عن فيلم (ليلى بنت الصحراء) عام 1937. وكتب طه حسين في "كوكب الشرق" عام 1933عن فيلم (الوردة البيضاء). وكتب أحمد حسن الزيات في "الرسالة" عام 1942 عن فيلم (يوم سعيد).

الصحافة الفنية العامة، الأسبوعية أو الشهرية أو حتى الفصلية، كانت تخصص للفنون ـ ومن بينها السينما ـ مساحات على صفحاتها، تتناسب حسب سياسة كل صحيفة وأهدافها. ومن أبرز هذه الصحف، مجلة "الصباح" التي خصصت باباً بعنوان "السينما في مصر وأوروبا" عام 1928. وبالرغم من أن موضوعاتها تتناول السينما الأجنبية، إلا أن ذلك لم يمنع المجلات الأخرى أن تحذو حذوها، وتخصص مساحات للسينما. فقد دأبت "البلاغ الأسبوعي" و"السياسة الأسبوعية" على نشر مقالات متخصصة في السينما ابتداء من عام 1927. وتبعتهما مجلة "الهلال" العريقة، والتي استمرت في نشر موضوعات متخصصة عن السينما حتى وقتنا هذا. ثم جاءت مجلة "الكواكب" الأسبوعية عام 1932، التي كانت تنشر ملخصات لأفلام الأسبوع، وأحاديث مع النجوم، ومقالات لرجال السينما، إضافة إلى أخبار الأفلام التي يجرى تصويرها. وعندما صدرت مجلة "آخر ساعة" عام 1933، لم يكن النقد السينمائي يشكل حيزاً يذكر على صفحاتها. فيما عدى تلك المقالات ذات الطابع الإعلاني. ولكنها فيما بعد خصصت باباً سينمائياً ثابتاً بعنوان "هوليوود تقول" ابتداء من عام 1939.

لم تحض السينما، بعناية ومتابعة الصحف اليومية، فصحيفة "الأهرام" مثلاً لم يتجاوز اهتمامها حد الأخبار القصيرة والإعلانات، دون تخصيص زاوية يومية، واستمر ذلك حتى عام 1933م. إلا أنها خلال ذلك العام أحدثت انعطافة حقيقية في اهتماماتها بالسينما، حيث خصصت صفحة كاملة للسينما تحت مسمى "السينما والملاهي"، واستمرت بنشرها بصورة يومية تقريباً. وكانت الصحيفة تعتز بهذه الصفحة، حتى أنها عهدت بتحريرها إلى أحد النقاد الذين برزوا في تلك الفترة وهو زكريا الشربيني.

وإذا كانت الأهرام هي أول صحيفة يومية تخصص للسينما مثل هذه المساحة، فقد شجعت الصحف اليومية الأخرى على تخصيص مساحات متفاوتة للسينما. فصحيفة "كوكب الشرق" بزاويتها السينمائية غير المنتظمة كلفت الناقد محمد كامل مصطفى بتحريرها. ثم جاءت "روز اليوسف" اليومية وعهدت بزاوية السينما فيها إلى الناقد أحمد كامل مرسي. وكذلك الحال مع صحيفتي "البلاغ" اليومية، و"المقطم"، وإن كانتا أقل اهتماما بالسينما. وحين صدرت صحيفة "المصري" عام 1937، أولت السينما بعض اهتمامها، وكانت تفرد من حين لآخر ركنا للسينما وأخبارها وتعليقاتها. ومع ذلك كله ظلت "الأهرام" رائدة الصحف اليومية وأكثرها اهتماما وتأثيراً فيما يتعلق بالسينما.

أما الصحافة الفنية المتخصصة، فتعتبر ثمرة مباشرة للاهتمام الجماهيري المتزايد بالسينما. وهي بالطبع أرقى ما يمكن أن تصل إليه الصحافة الفنية في أي بلد. فعن طريق هذه الصحافة يمكن الحديث عن تطور ما قد يصيب النقد والثقافة السينمائية، تطبيقياً ونظرياً.

ويمكن حصر صحافة هذا النوع، في مجموعة من المجلات السينمائية الرائدة. وأبرز هذه المجلات: "الصور المتحركة"، "معرض السينما"، "عالم السينما"، "فن السينما"، العروسة والفن السينمائي".

وبهذا يمكن الإشارة، إلى أن الصحافة الفنية، عامة ومتخصصة، قد ساعدت على نشر الوعي والثقافة السينمائيين، برغم كل الصعوبات التي واجهتها. كما ساهمت في تهيئة المناخ المواتي لنشأة النقد السينمائي وتطوره ابتداء من عام 1927.

لقد استفادت السينما العربية من شبكة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات إلى حد ما، هذا بالرغم من أن الإنترنت العربي في هذا المجال بالذات يعد فقيراً جداً، ليس بالنسبة للسينما، وإنما لغالبية الفنون والآداب. صحيح بأن هناك مواقع عربية بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة.. مواقع متخصصة بشتى المجالات، إلا أن السينما كان حظها ضئيل. ربما تجد مواقع عربية تهتم بالسينما الأمريكية، ومواقع شخصية أخرى تقدم القليل عن السينما العربية.

لذا كان من ضمن أبرز المشاريع التي وضعتها في جدول اهتماماتي، بل واعتبرته واحداً من الأحلام والهموم الشخصية التي حملتها على عاتقي لتحقيقها، هي العمل على موقع سينمائي عربي متخصص. وقد بدأت بالعمل به فعلاً، بل وقطعت شوطاً ليس بالقصير في تصميمه وتنفيذه، ومازلت أعمل على أمل أن يكون واحداً من المواقع المتخصصة بالسينما، والتي يمكن أن تضيف شيئاً جديداً. إلا أنني اكتشفت مؤخراً ـ وبعد فترة من الحماس بالمشروع وأهميته ـ بأن موقعاً بهذا الحجم، هو أكبر من إمكانياتي، ويحتاج إلى مجهود ودعم مادي ضخم، لست كفيلاً بتوفيره، على الأقل في الوقت الحاضر.

 

"موقع الأفلام العربي" هو أبرز المواقع السينمائية العربية على الشبكة، إلا أنه يهتم بالسينما الأمريكية فقط.. وللأسف مشروع مثل هذا، لم يكن من المفترض أن يعتمد على شخص واحد.. بل أن يكون مؤسسة متكاملة.. لذلك وجدنا أن هذا المشروع قد توقف منذ وفاة مؤسسه والقائم عليه. كما أن موقع "أفلام فور يو"، وتملكه شركة الماسة للسينما، مستفيداً من إمكانيات برنامج الفلاش الشهير لإظهار الموقع بصورة جميلة، وذلك لتقديم معلومات عن الأفلام التي تعرضها الشركة. وهناك أيضاً موقع "يلا سينما". هذا إضافة إلى موقع "نايل سينما"، الذي ينافس في هذا المجال.

ولكن الموقع الذي أعتبره الأهم، هو "إيجي فيلم"، فهو حقاً موقع هام ومتميز. صحيح بأنه يهتم بالسينما المصرية فقط، إلا أنني أعتبره مثالاً جديراً بالاحترام، نجح في استغلال كافة إمكانيات الإنترنت والملتيميديا، لتوفير كافة المعلومات عن الأفلام المصرية وصناعها.

أصعب ما يواجهه أي باحث في مجال السينما والصحافة في البحرين، هو ندرة المصادر وقلة العناوين في المكتبة المحلية، باعتبار أن التاريخ المكتوب في البحرين لم يشمل هذا الجانب الحيوي ثقافيا، لذا فإننا سنعتمد على متابعاتنا المتواضعة لما نشر وكتب عن السينما في الصحافة العامة، وعمل رصد متواضع لبعض الصفحات السينمائية المتخصصة.

ولكن قبل أن ندخل في خصوصية هذا الموضوع، أحب الإشارة، ولو بشكل مختصر، عن تاريخ بدء العروض السينمائية في البحرين.. ففي هذا تكمن الطرفة والحكاية الخفيفة.

فصالات العرض السينمائي في البحرين.. لها ذكريات جميلة، وتاريخ حي في قلوب روادها، منذ بدأت مع بدايات القرن الماضي.. المعاصرون لفترة الخمسينيات والستينيات، مازالوا يتناجون بذكريات طريفة ومقالب هزلية.. جيل السبعينات أيضاً، كان له ذكرياته الخاصة.. ذكريات عشناها وكانت جزءاً مهماً من حياتنا وتاريخنا.

أما بالنسبة لبدايات هذه العروض السينمائية في البحرين، فيحدثنا الكاتب والباحث خالد البسام، في كتابه "يا زمان الخليج"، من خلال بحثه القيم عن بدايات السينما في البحرين، قائلاً: "بعد ربع قرن تقريباً على بداية السينما في العالم، راح جمهور صغير قرب ساحل مدينة المنامة بالبحرين، يتفرج على أحد الأفلام السينمائية في كوخ صغير مبني من سعف النخيل في منتصف عام 1921. ولم يكن في بال ذلك الجمهور الصغير المملوء بالدهشة والسحر، أن هذا الكوخ الصغير هو بداية دخول السينما في منطقة الخليج والجزيرة (باستثناء العراق)".

ومن خلال قراءتنا لهذا البحث، نتعرف على بدايات تعلق ذلك الجمهور وتعطشه لهذا الفن الساحر، حيث يذكر البسام بأن الجمهور البحريني: "كان يجد في السينما فناً جميلاً لا يجده في فنون أخرى. فبرغم أن البحرينيين كانوا ا من أوائل أهالي المنطقة الذين أسسوا فرقاً مسرحية وجمعيات وأندية أدبية وفنية، وتفاعلوا كثيراً مع أدوات التقدم العلمي الأولى، مثل الراديو والفونغراف وغيرهما، إلا أن السينما وحدها هي التي سحبت البساط من جميع كل تلك الأشياء وجعلتهم ينتظرون موعد غروب الشمس بفارغ الصبر حتى يركضوا للسينما ويشتروا التذاكر".

ويواصل البسام حديثه المشوق، ليطلعنا على نوعية هذا الجمهور، حين يقول: "ولعل أشهر جمهور للسينما هو الجمهور الفقير الذي كان يشكل الغالبية الساحقة لرواد السينما في الخمسينيات والستينيات، وكان يسمى "جمهور أبو روبية. حيث كان يحتل مقاعد الدرجة الثانية بمقاعدها المهترئة والقريبة من شاشة العرض، ويملأ الصالات بالصفير والتصفيق والتعليقات التي لا تنتهي. وكان هذا الجمهور يحرص قبل دخوله على البحث عن قطع كرتون صغيرة ليجلس عليها. وفي الشتاء كان غالبية رواد السينما يحرصون على جلب بطانيات الصوف معهم لتدفئة أنفسهم من الجو البارد في السينما المكشوفة، ولكي يستمتعوا بمشاهدة الفيلم".

عودة على موضوع السينما والصحافة محلياً، فقد بدأت صحيفة "البحرين" التي يملكها عبد الله الزايد، في نشر فقرات إعلانية عن العروض والأفلام التي جاءت مع بدايات العروض السينمائية في البحرين. ولم يكن هناك أي إشارة لوجود أي مقالات نقدية (أو حتى غير نقدية) عن الأفلام، نشرت في صحافة البحرين قبل العقد السابع من القرن الماضي.

مع بداية السبعينيات، تكونت مجموعات من الهواة ومحبي فن السينما من المثقفين والكتاب البحرينيين، والذين حرصوا على تكوين نواة لنادي سينمائي بحريني، يساهم في نشر الثقافة السينمائية في البحرين، ويحتضن بعض التجارب الفيلمية القصيرة المتناثرة هنا وهناك، إلا أن هذه النواة لم تكتمل. ولكن في نفس الوقت، بدأت بعض الكتابات عن السينما والأفلام تأخذ مساحات في الصحافة المتوفرة محلياً. مقالات تتسم بالطابع الاستهلاكي غالباً، متناثرة ومتباعدة زمنياً في هذه الصحيفة أو تلك.

في منتصف السبعينيات، وعلى صفحات مجلة "صدى الأسبوع"، بدأت كتابات الناقد أمين صالح، تظهر من حين إلى آخر، ضمن الباب الثقافي والفني الذي كان يشرف عليه أمين صالح وخلف أحمد خلف. وقد تناولت هذه المقالات بعض الأفلام المعروضة في صالات البحرين، إضافة إلى مقالات عن السينما العربية والعالمية. إلى أن جاء الوقت الذي تأسس فيه نادي البحرين للسينما عام 1980، ليكون ملتقى مجموعة عاشقة ومهتمة بالسينما، ونخبة متخصصة في مجال الكتابة عن السينما، حرصت على إصدار نشرة داخلية بعنوان "أوراق سينمائية"، التي أخذت تتطور بفعل الحماس المترتب عن ردود الفعل المحلية والعربية، بعد أن تحولت إلى مجلة فصلية. وقد صدر من دورية "أوراق سينمائية" ثمانية أعداد فقط، كان آخرها في صيف 1989. ويبدو أن مشروع المجلة قد انتهى، فيفصلنا عن آخر عدد خمسة عشر عاماً، وهي مدة كفيلة بأن تكون إعلان عن توقف إصدار من أهم الإصدارات العربية في مجال السينما.

ومع بداية الثمانينيات، وعندما صدرت مجلة "بانوراما الخليج"، أصبح من الممكن الحديث عن صفحات متخصصة للسينما في الصحافة المحلية، وذلك عندما قام أمين صالح بالإشراف على قسم يتكون من أربع صفحات، يتناول فيه العروض السينمائية، ويقدم قراءات نقدية حول السينما ومبدعيها.

تجربتي الخاصة مع الكتابة عن السينما في الصحافة، كانت تجربة متواضعة شابها الكثير من الحذر والترقب.. تجربة بدأت مع بداية الثمانينيات في صحيفة "أخبار الخليج"، وبالتحديد عام 1982.. في مقالات متفرقة ومتباعدة زمنياً، كانت تنشر في الصفحة الثقافية الأسبوعية. ومنذ "أخبار الخليج" وحتى اليوم، أكون قد تعاونت مع أغلب الصحف المحلية وعدد محدود من الصحف الخليجية، في نشر مقالات متخصصة في السينما كثيرة نسبياً.

وفي تجربة ممتعة، أتاح لي الكاتب خالد البسام، فور تسلمه رئاسة تحرير مجلة "هنا البحرين"، الفرصة للإشراف على صفحتين أسبوعيتين عن السينما منذ مايو 2001 وحتى اليوم، أعتبرها مكان آمن للحب.

ثم تأتي تجربتي بالتعاون مع صحيفة "الوسط" منذ صدورها، لتكون ثمرة سنوات طويلة من التعاون مع الصحافة.. باعتبار أن الحيز الذي أتيح في "الوسط" كان حيزاً هاماً، وكان حلماً راودني طويلاً.. تجربة استمرت ما يقارب العام، بدأت في سبتمبر من العام الماضي، ولكنها تجربة لم تستمر لحسن الحظ.

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004