كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ضوء ...

فن وفكر في الفيلم التركي "أزمان ورياح"

عدنان مدانات

في حين تبهرنا التطورات التقنية المتوالية في مجال السينما، تظهر أفلام جديدة من دول من مختلف أرجاء العالم النامي تؤكد لنا أن الإبهار السينمائي لا يحتاج إلى كل هذه التقنيات بقدر ما يحتاج إلى مخرجين مبدعين ولديهم ما يقولونه سواء على صعيد الأفكار أم على صعيد الإنجاز الفني. هذا هو الانطباع الذي خرجت به بعد مشاهدتي للفيلم التركي الحديث “أزمان ورياح” للمخرجة التركية “رينا أردام”، والذي سبق لمهرجان دمشق السينمائي ان احتفى به في دورته الماضية، وهو الفيلم المملوء بالأفكار والمملوء بالفن.

يصور الفيلم قرية  صغيرة فقيرة تستلقي فوق قمة جبل عال في مواجهة البحر تزرع فيها أشجار الزيتون. أهالي القرية أناس بسطاء يخوضون صراعا ضد الطبيعة القاسية، يكسبون قوتهم اليومي من الزراعة ومنتجات الحيوانات القليلة التي يملكونها. يعيش سكان القرية وفقا لإيقاع الأرض والهواء والماء وتعاقب الليل والنهار والفصول، أيامهم مقسمة على خمسة مقاطع تجري فيها أحداث حياتهم اليومية، كل مقطع يبدأ مع بداية وقت جديد من أوقات الصلاة والتي يحددها صوت المؤذن وهو يدعو السكان للمسجد. يقوم أهل القرية بتربية أطفالهم حسب التقاليد التي تعلموها من آبائهم والتي فيها الكثير من التخلف. وهم نادرا ما يظهرون عواطفهم تجاه الأطفال ويعتبرون الضرب الوسيلة الأفضل للتربية. في الوقت نفسه غالبا ما يقوم الآباء بتفضيل ابن على آخر، في حين تعامل الأمهات بناتهن بقسوة. يصور الفيلم كيف يكرر الآباء الأخطاء التي ارتكبها بحقهم آباؤهم والتي تشكل الموروث الثقافي لمجتمعهم. يتكون الفيلم من خمسة أجزاء تبدأ من المساء وتنتهي صباح اليوم التالي بالتناسب مع أوقات الصلاة التي يؤذن لها شيخ القرية، حيث يؤكد الفيلم أهمية الدين والصلاة بالنسبة لحياة أهل القرية البسطاء، غير أن هذا لا يمنعهم من إساءة التصرف مع أبنائهم الصغار.

شخصيات الفيلم الرئيسية هم ثلاثة أطفال: عمر ويعقوب طفلان في حدود الثانية عشرة من العمر، ومعهما “يلدز” الطفلة. عمر هو ابن شيخ القرية وهو يحلم بموت والده الذي يعامله بقسوة ويفضّل عليه أخاه الصغير، وحين يكتشف أن الأحلام لا تتحقق، يبدأ بالبحث عن طرق ساذجة للتخلص من والده. فتارة يجعله يتعرض للبرد الشديد من النافذة المشرعة فوق رأسه حتى يزيد من حدة الرشح الذي يعاني منه ثم يفرغ علبة الدواء من الحبوب، وتارة يدفعه من فوق الجرف نحو حفرة مملوءة بالعقارب السامة وهو يشارك صديقه يعقوب أفكاره الشريرة هذه. وحين يكتشف عمر استحالة تحقيق مراده يتخلى عنه ويغرق في النحيب فيما عواطفه موزعة بين الحب والكراهية.

يدرس الأطفال في مدرسة القرية المكونة من صف واحد. ويكافئ الأهل معلمة الأطفال عن طريق إعطائها أرغفة من الخبز الذي يخبزونه من أجل طعامهم، إضافة إلى الحليب الذي يحصلون عليه من حيواناتهم. يعقوب مغرم بمعلمته ولكنه يخفي مشاعره هذه حتى عن صديقه عمر، وحين يرى والده ذات يوم يتلصص على المعلمة من خلال نافذة بيتها، يبدأ، مثل صديقه عمر، بالحلم بالتخلص من والده، أما “يلدز” التي تحاول أن تهتم بدروسها فتضطر للرضوخ لوالدتها التي تعاملها كخادمة وتفرض عليها القيام بالواجبات المنزلية، وتحاول أن تكون أما لأخيها الصغير، وهي في الوقت نفسه تكتشف تدريجيا أسرار العلاقة بين النساء والرجال. هم أطفال تتوزع أيامهم عل خمس مراحل، يكبرون ببطء وهم يتأرجحون بين الغضب والشعور بالذنب.

نحن أمام فيلم فيه من الأجواء أكثر مما فيه من الحكاية، فيلم عن الزمن والحياة و الطبيعة في كل تجلياتها وحالاتها، يقدم لوحة شعرية ومملوءة بالعاطفة والجمال لأوضاع قرية صغيرة، أسهم في رسمها ببراعة مدير التصوير. أبرز ما في الفيلم، والذي نال عليه جائزة أحسن تصوير في مهرجان اسطنبول السينمائي، التوازن الدقيق بين اللون والضوء بما يظهر الطبيعة في أجمل صورها ويعطي لحركة الناس داخل الطبيعة قيمة خاصة على رغم من سكون حركة الكاميرا في معظم مشاهد الفيلم.

فيلم “أزمان ورياح” يحكي عن الحب والعلاقات بين البشر، عن الحب بين الآباء وأبنائهم، عن الحب بين الأزواج، وعن حب الأرض الذي يتعلمه الناس في أثناء عيشهم الحياة. وما يهم هنا أن الحكي من خلال الكلمات قليل جدا في الفيلم، في حين أن الكثير مما يقال يجري التعبير عنه بصريا وبواسطة العلاقات المونتاجية بين الصور، أي أن المخرج يسعى لصنع فيلم ينتمي أقرب ما يمكن إلى السينما الصافية.

حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم من مهرجان اسطنبول الدولي وجائزة اتحاد النقاد السينمائي الدولي، إضافة إلى جوائز وترشيحات أخرى.

الخليج الإماراتية في 16 فبراير 2008