كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

سينما من دون نجوم..

عدنان مدانات

تاريخيا، نشأت الفنون والآداب نتيجة الحاجة إلى التخاطب والتعبير عن الأفكار والمشاعر والمواهب الإبداعية، ولم يتم التعامل مع الآداب والفنون من قبل كسلعة إلا في زمن لاحق رافق تطور المجتمعات المدينية مع بداية عصر النهضة، ولم يحصل هذا التعامل مع منتجات الآداب والفنون بوصفها سلعة على وضعه الدائم وصيغته المتكاملة إلا منذ مطلع القرن العشرين. أما السينما فوضعها مختلف، فهي وبعكس بقية الفنون والآداب ذات الأصول الطاعنة في التاريخ، نشأت في مرحلة تاريخية متأخرة وتحديدا في أواخر القرن التاسع عشر كاختراع تقني، ولكنها سرعان ما تطورت في القرن العشرين وخلال سنوات قليلة فقط إلى صناعة وتحولت منتجاتها الفيلمية إلى سلعة تنطبق عليها شروط ترويج السلع. ومن أهم هذه الشروط الإعلان والدعاية المكثفة التي تأخذ بألباب المستهلكين وعواطفهم، وتستخدم لهذه الغاية شتى العناصر المتنوعة التي تتضمنها صناعة السينما.

والممثل النجم واحدٌ من العناصر التي استخدمتها صناعة السينما منذ العقد الأول للقرن العشرين للدعاية لنفسها والترويج لمنتجاتها الفيلمية. ويترتب على الترويج للنجم الغرس في أذهان رواد السينما عامة، سواء كانوا من المعجبين بالنجم المحدد أم لا، فكرة أن هذا النجم ممثل موهوب ومبدع تبرز موهبته عبر مختلف الأدوار التي يؤديها وفي جميع الأفلام التي يشترك فيها أو يضطلع ببطولتها، بحيث لا يراود المشاهد الذي غرست الدعاية في ذهنه القناعة بموهبة هذا النجم أي شك يمكن أن يهز هذا القناعة.

غير أن هذه القناعة غالبا ما تكون غير مطابقة للحقيقة وللواقع، فالكثير من النجوم لا يتمتعون بموهبة تمثيلية إبداعية حقيقية، إنما قد يتمتعون بجاذبية شخصية أو بوسامة الوجه مما يقربهم من المشاهدين ويتسبب في الإعجاب بهم، كما أنهم قد ينجحون، كممثلين، في أدوار معينة تناسب شخصياتهم، وقد يفشلون في أداء أدوار أخرى تحتاج إلى براعة خاصة. وفي بعض الأحيان يمكن أن يبدو الممثل ناجحا في أداء دوره بشكل مقنع فقط بسبب من الجهد الذي بذله المخرج، وفي أحيان أخرى قد يحصل ذلك بالصدفة. غير أن هذا كله لا يغير شيئا في آلية الدعاية وفي توجهاتها نحو تكريس صورة الممثل النجم، ما دام أن هذه الصورة تفيد في ترويج السلعة، أي الفيلم، خاصة وأن الصورة، وثباتها، تصبح ضمن هذا الهدف في المرتبة الأولى من الأهمية، فلا يشترط هذا الثبات ولا يحتاج حتى لأن ينوّع الممثل النجم في طرق أدائه وتعبيرات وجهه واستجاباته للمواقف التي تحصل معه.
ولهذا بتنا نلاحظ أن الكثير من الأسماء المشهورة في عالم نجوم السينما خاصة، صنعتها الآلة الدعائية وليس الموهبة والمقدرة الأدائية التمثيلية الحقيقيتين.

هكذا يمكن اعتبار عملية صناعة النجم ضرورة تسويقية لا ضرورة فنية. والنجوم بالتالي، هم أداة تسويقية لسينما هي تجسيد لصناعة تنتج أفلاما بهدف أن تكون سلعة رائجة ومدرة للأموال، وليس منتجا فنيا يحمل قيما جمالية وفكرية ومضامين إنسانية. ومن هذه الزاوية يمكن فهم السبب في تغيير المفهوم الصارم للنجم وتفريغه من مضمونه عن طريق الاستغناء عن المواصفات الخاصة التي حددت له مع انتشار نظام النجوم ، وتسهيل عملية تصنيع النجوم الجدد من ممثلين صار يجري إطلاقهم بكثافة وإسباغ لقب النجوم عليهم بسرعة، وإن لم يكونوا كذلك في واقع الأمر.

لا يضير السينما كفن أن يكون هناك نجوم من الممثلين والممثلات من ذوي وذوات الشعبية لدى جماهير مشاهدي الأفلام.. ما يضير السينما كفن وكفكر وكمجال ثقافي وليس ترفيهيا فقط، هو إشاعة وتسيد نظام النجوم بحد ذاته، لأن ذلك يساهم في نشر مفاهيم خاطئة عن السينما ككل وعن فن التمثيل كعنصر رئيسي من عناصر السينما وفي تسطيح علاقة المشاهدين بها، مما يتسبب في جعلهم يقبلون على ارتياد الصالات التي تعرض الأفلام التي تنتج بناء على نمط من السينما يقوم على الترفيه، ولا يقبلون على مشاهدة الأفلام التي تنتمي إلى نمط آخر من السينما ليس الترفيه أساس أولوياته، بل الإبداع الفني والعمق الفكري.

هناك بالمقابل نمط آخر من السينما لا يستند إلى قاعدة صناعية إنتاجية قوية، كما لا يحظى بفرص التسويق التجاري الواسع، في حين يحظى باحترام وتقدير محبي السينما ذات المستوى الراقي الفني والفكري. ينتشر هذا النمط من السينما من خلال جهود سينمائيين مستقلين في أوروبا وأميركا، وكذلك ، وعلى نحو أكثر تميزا، من خلال سينمائيي أميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا (البرازيل، إيران، السنغال، وغيرها).

ما يميز هذا النمط الآخر المقابل من السينما هو تقديم خبرة مغايرة كليا في مجال التمثيل واختيار أبطال الأفلام. ففي هذا النمط المغاير من السينما لا تسيد للنجوم، بل اختيار لممثلين للأدوار الرئيسية، غالبيتهم من الناس العاديين ومن غير المحترفين وحتى من الأطفال، وهم في معظم الأحوال ينتمون إلى القرى والأحياء الشعبية، لكنهم مع ذلك يبدون على الشاشة شديدي الإقناع ويثيرون الإعجاب لصدق تعبيرهم الفني. وهذا النمط المغاير من السينما بات في السنوات الأخيرة يحظى بتقدير متزايد من قبل محبي السينما الحقيقية.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 15 فبراير 2008