كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

الوسترن من العنصرية البيضاء إلى ثأر الهندي المغدور

كيــف تكوّنــت أميركــا

محمد رضا

في صلب العلاقة بين الإنسان الأبيض والمواطن الأصلي للقارة الأميركية هي رغبة الأول الاستحواذ على الذهب الموجود في أراضي الثاني. وإذا لم يكن ذهباً فليكن الأرض ذاتها. إنه مفهوم دفع كريستوفر كولومبوس إلى الكتابة إلى ملكة إسبانيا رسائل عدّة يُحثّها فيها على إرسال المزيد من السفن والرجال لاستكشاف منابع الذهب الذي يُنقذ المملكة من عجزها الاقتصادي، ويُعزّز قدراتها القتالية في أوروبا. وكولومبوس هو الذي سمّى المواطنين الأصليين للقارة الجديدة بالهنود، لاعتقاده أنه حطّ في الهند، ولم يسع أحدٌ بعد ذلك إلى تصحيح هذا الوصف. لغاية اليوم، يسمّون الأميركي (الفعلي) بـ«أميركان إنديان» أو «الهندي الأميركي»، على أساس التفرقة بينه وبين الهندي في بومباي أو نيودلهي. كتب كولومبوس رسائل تدعو الى قتل المواطنين الأصليين (فيما هو اليوم أميركا الجنوبية حيث حطّ)، مع أنهم قاموا بخدمته ورعايته وتوفير أسباب الراحة. هذا ما تم في ما بعد، على مراحل. كل توسّع نتج عنه مجابهة بين فكر جديد قائم على دمج الدين والدولة كرأسي حربة: واحد يدعو إلى الإيمان بالخالق، والثاني يذبح باسمه تحت ستار يخفي الأطماع الاستعمارية المعتادة، أي الاحتلال والاستغلال والاستيلاء على الثروات.

أمم

هناك عدد من الأمم كوّنت الأميركيين (استخدم هذا الاسم للتدليل على ما يعرف اليوم بـ«الهنود الحمر») في أميركا الشمالية، عندما وصل الإنسان الأبيض اليها. بعد مئة عام، لم تعد هناك سوى قبائل، كل فريق منها ينتمي إلى من تبقى من تلك الأمم. قبائل عرفنا أسماءها من مشاهدة عشرات أفلام الغرب الأميركي (الـ«وسترن»)، لأنه عندما بدأ تصوير قصص الغرب الأميركي، تلك التي تدور في سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانينياته، كانت (القبائل) الوحيدة التي لا يزال ممكناً الحديث عنها كأشرار على قدر من التوحّش، وبلا أي نصيب من الرحمة والرأفة، وهذا كلّه عبارة عن عنصر إثارة درامية في أفلام تبحث عن أخيار وأشرار كي تعيش بنجاح وسط الناس. والقبائل الأكثر وروداً في هذه الأفلام آنذاك، كانت «أباتشي» و«سيوكس» و«نافاهو» و«إيراكوا» و«شايين» و«موهوك» و«أراباهو» و«أوغلالا» و«كومانشيز» و«كيووا» و«كراو» و«شيراكووا». لكل واحدة منها نصيبها من هجمتين مدمّرتين: واحدة في الحياة الواقعية عندما توسّع الإنسان الأبيض في الأراضي التي كان يرمي الوصول إليها واحتلالها، وثانية على الشاشة، عندما ألقت مئات أفلام الغرب الأميركي سياجاً حول الحقيقة مصوّرة الأميركيين الأصليين شعوباً لا تراث لها أو تقاليد أو مواقف تستدعي التعاطف معها على أي حال. في الهجوم الأول، قُسّم الأميركيون الى معسكرين: أصدقاء، وهي كلمة تعني أنهم تخلّوا عن محاربة الإنسان الأبيض وقبلوا بالأراضي (أو المستعمرات) التي أعدّت لهم. وأعداء: أولئك الذين قاوموا هذه الهجمة لاحتلال الأراضي والتوسع والاستيطان. لكن، في الصفتين، لم تكن المدنية أو الحضارة وصفاً يُنعت به الهندي إلاّ في شكل محدود، كأن يكون الأميركي الأصلي تبنّى الدين المسيحي ونزح فردياً إلى المدينة (إذا استطاع). وهذا، إذا حدث، لم يكن يمنع النازح من السقوط في التنميط العنصري. هناك كثيرون ينتمون إلى «الإنسان الأبيض الراقي» كانوا مستعدّين لاستقباله بالعنف والقتل، مسيحياً كان الآخر أو لم يكن.

في العام المنصرم، كان الأمر مثالياً على مستوى إنتاج أفلام «وسترن»، التي أعادت دراسة كيف تم تكوين الغرب الأميركي على ما هو عليه: تجارة الرقيق، بناء الثروات، دحر المواطنين الأصليين، الاستيلاء على الأراضي. وقد تزامن هذا كلّه وصعود الكنيسة الأنغليكانية ورموز الغرب ونهاياته. بكلمات أخرى «كيف رُبِح الغرب» (عنوان الفيلم أنتج في العام ,1962 تألّف من ثلاث قصص حول الموضوع، أخرج كل واحدة منها سينمائي مختلف: جون فورد وهنري هاذاواي وجورج مارشال). غير أن الظاهرة المثيرة للاهتمام كامنة في أن هوليوود نعت سينما «وسترن» رسمياً أكثر من مرّة. هذا النوع الذي كان مثل «البذر والقضامي» في متناول المشاهدين، وصل الى الطريق المسدودة مع جيل جديد غير عابئ في نهاية السبعينيات. قليلون فقط استطاعوا اختراق الحاجز غير المرئي من حوله، وأنتجوا أفلاماً وأخرجوها، وفي مقدّمتهم كلينت ايستوود في «غير المسامَح» (1992) وكيفن كوستنر في فيلميه «الرقص مع الذئاب» (1990) و«سهول مفتوحة» (2003). هناك أفلام جديدة صُوِّرت في العام ,2006 وعرضت في العام الماضي ومطلع هذا العام: «مسيرة متقطّعة» لوولتر هِل و«شلالات سيرافيم» لديفيد فون أنكن و«أدفن قلبي في ووندد ني» لإيف سيمينو و«سيكون هناك دم» لبول توماس أندرسُن و«103 الى يوما» لجيمس مانغولد و«اغتيال جسي جيمس على يدي الجبان روبرت فورد» لأندرو دومينيك. إن أفلام الغرب لم تكن أبداً نمطاً واحداً، وهذه الأفلام تعكس أكثر من نمط، ولو أنها لا تشملها كلّها بطبيعة الحال.

أمكنة متنوّعة

كانت أحداث أفلام الأمس تقع في المدن والبلدات الصغيرة، وأحداث أخرى عبارة عن رحلات في البرية محفوفة بالمخاطر، مع أو من دون قطعان الماشية (نوع الـ«كاوبوي» الحقيقي الذي يؤلّف جانباً مهمّاً من جوانب الـ«وسترن»)، بالإضافة إلى تنويع السجالات والمعارك بين الجيش الأميركي والمستوطنين الغربيين من ناحية، والأميركيين الأصليين من ناحية أخرى؛ إلى جانب تعريض بعضها الى عمليات تدجين، فإذا بهذه السينما تضم الـ«وسترن» الكوميدي والـ«وسترن» الموسيقي، والـ«وسترن» القائم على التحريات. الفرق بين «وسترن» ما قبل الستينيات و«وسترن» ما بعده كامنٌ في أنه لم يكن لدى هذه السينما مرجع حديث تعود إليه وهي تسرد حكاياتها المثيرة قبل الستينيات. في عدد منها، كانت (الحكايات) مبرّرات لمواجهات متشعّبة. الأميركي الأصلي في البداية كان مجرد خطر جامح وهمجي من المقبول اجتماعياً قتله. لاحقاً، أي في أواخر الثمانينيات، برزت أفلام تدعو إلى فهمه وثقافته، وإلى إعادة تقديمه كإنسان كانت لديه أسبابٌ للدفاع عن نوعية حياته. بعد الستّينيات، برز عامل مهم آخر: أصبح في متناول سينما الغرب الأميركي مرجعاً يتم تحديث الحكايات لتحاكيه، ولمقارنة ما تعرضه هذه الأفلام به، أي حرب فيتنام: «الرجل صغير كبير» لآرثر بن، «الجندي الأزرق» لرالف نلسون، «الزمرة المتوحّشة» لسام بكنباه، «خريف الشايين» لجون فورد، «غارة ألزانا» لروبرت ألدريتش؛ بالإضافة إلى أفلام أعادت رصف الغرب باحثة عن الحقيقة فيه، أو لترثيه وتنتقده، كـ«بات غاريت وبيلي ذي كيد» لسام بكنباه و«مونتي وولش» لوليام فرايكر و«بوابة الجنة» لمايكل شيمينو و«ماكاب ومسز ميلر» لروبرت ألتمان (والقائمة تطول). استفادت هذه الأفلام كلّها، إذا جاز التعبير، من تلك الحرب وما كشفته من خلفيات سياسية. فجأة، أصبح العنف الذي كانت تنقله نشرات الأخبار في اليوم الثاني أو الثالث لحدوثه، وليس كما هو الحال اليوم، منفذاً لاحتراف عنف على الشاشة يذكّر بالعنف المُستقى. أكثر من هذا، فإن هذه الأفلام سبرت أغوار مواضيع لم تكن مطروقة من قبل: بعضها لهدم ما بنته المخيّلة من بطولة بيضاء ومن نصاعة الغرب الأميركي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على الأقل.

«جندي أزرق» لرالف نلسون (1970) يخطّ موضوعاً موازياً للحرب التي قلق الأميركيون بشأنها: الجنود البيض يهاجمون قرية هندية (فيتنامية حينها). «بافالو بِل والهنود» لروبرت ألتمان (1976) عُني بهدم الهالة البطولية عن أحد رجالات الغرب الأميركي، وقام ألتمان قبله بإخراج «ما كاب ومسز ميلر» (1971)، حول النزعة الرأسمالية التي تأخذ مداها في صقيع بعيد وناء من الغرب الأميركي. كذلك، فإن «مونتي وولش» (1970) لوليام أ. فراكر (مدير تصوير سابق تحوّل الى الإخراج لفترة) كان أول فيلم «وسترن» عن البطالة في الغرب الأميركي، في الوقت الذي لم يكن فيه «رجل صغير كبير» لآرثر بن في العام نفسه سوى تذكير بمذابح فييتنام من جهة، وبحث في الهوية الضائعة للأميركي الأصلي من جهة ثانية. غير أن بعض الأفلام الجديدة اختلف تماماً عن أفلام السبعينيات (لا تتيح المساحة هنا سبر غور جوانب أخرى في سينما الغرب الأميركي في واحدة من أهم عقودها)، وعن كل ما سبقها في أي فترة زمنية. أكثرها اختلافاً فيلما «سيكون هناك دم» لبول توماس أندرسون و«اغتيال جيسي جيمس على يدي الجبان روبرت فورد» لأندرو دومينيك. تعامل الفيلم الثاني مع شخصية عرفتها السينما الأميركية أيام السينما الصامتة (خمسة في تلك المرحلة، ونحو ثلاثين من بعدها)، لأنها شخصية حقيقية كشخصية «بيلي ذ كيد» التي تناولتها السينما الأميركية أيضاً في نحو خمسين فيلماً، أهمها «بات غارِت وبيلي ذ كيد» (1973) لسام بكنباه. في غالبية هذه الأفلام، كان جيسي جيمس شخصية بطولية، على الرغم من أنه كان في الواقع لص قطارات ومصارف وقاتلا أودى بحياة سبعة عشر شخصاً. فيلم دومينيك ينتقد هذه الصورة من دون التعرّض إليها، وذلك بمجرّد أن يقدّم ما يبدو الصورة الصادقة عن الرجل والفترة، وعن الشخص (الحقيقي) الذي قام باغتياله (روبرت فورد)، وما حدث له بعد ذلك. لكن ما هو مختلف هنا ليس قرار المخرج سبر أغوار الواقع عن رواية لجول دالي، كتب رون هانسن السيناريو مقتبساً إياه عنها (إنه أول سيناريو لفيلم رئيسي له)، بل في معالجة عمل كان يمكن أن ينضح بالمعارك والمغامرات على طريقة معظم أفلام الـ«وسترن»، على نحو فنّي كامل تماثل فيه العناصر المختلفة (الكتابة والتصوير والمونتاج أساساً) الواقع عبر اتخاذ موقف المتأمل والفاحص، وعبر منح الفيلم إيقاعاً حياتياً هادئاً يناهض دواعي التشويق الاعتيادية.

مواقف سياسيّة

غير أن «اغتيال جسي جيمس..»، على الرغم من حسناته المذكورة (وحسنات التمثيل أيضاً)، لا يطرح موقفاً سياسياً يتجاوز قرار صانعه تقديم صورة غير مبهرة عن الشخصية الواقعية المذكورة، في حين أن فيلم بول توماس أندرسون «سيكون هناك دم» ولوجٌ في العناصر التي كوّنت الحياة الأميركية في مطلع القرن العشرين، عندما كانت الثورة الروسية لا تزال وليدة، والتربة الأميركية مستعدة لتشرّب أفكار جديدة كانت بدأتها بالفعل. «سيكون هناك دم» ليس عملاً سهلاً. إنه ليس الـ«وسترن» الذي في البال. يدور موضوعه حول دانيال (دانيال داي لويس)، الرجل المتوحّد الذي لا يثق بأحد ولا يحب أحداً، الذي بحث في مطلع الفيلم عن الفضّة في منجم، قبل أن ينفجر بئر نفط صغير أمامه، ما غيّر كل اهتماماته، فبدأ التنقيب في هذا الحقل واستثماره. بسبب الثروة التي حققّها بفضله، يشتري أرضاً في كاليفورنيا تدر عليه من النفط والمال ما يجعله أحد أكبر أصحاب النفط المستقلّين. لم يغيّر الثراء من طبع دانيال، بل زاده توحّشاً وانفراداً وكرهاً بمحيطه. غير أن الفيلم إذ يستغني عن شخصية نقابي شيوعي ورد في الرواية الأصلية التي وضعها «اليساري» أبتون سينكلير في الثلاثينيات، يعتني بتقديم شخصية أخرى موازية تتمثّل بشاب أنغليكاني يؤمن أن الله يتحدّث إليه ويهديه لصالح المؤمنين في الكنيسة، ويطلب منه حثّ بطل الفيلم على قبول المسيح عوض صدّه. في مشهد صارخ، نرى دانيال يتظاهر باعتناقه الديني متمادياً في صلواته ومتحمّلاً الجهد البدني الذي تفرزه نوعية العبادة المتّصلة بتلك الكنيسة، لا لشيء إلاّ ليضمن أن السكّان المحليين (جلّهم من العاملين المستوطنين) لن يتركوه وحقله وحيداً. بذلك، يفحص المخرج تاريخاً من العلاقة المتوازية بين الرأسمالية والكنيسة الأنغليكانية لم يسبقه إليه أحد، على الرغم من أن الفيلم يذكّر في بعض أوجهه بعمل روبرت ألتمان الرائع «ماكاب ومسز ميلر».

قبل ظهور هذين الفيلمين، أنجز المخرج وولتر هِل («48 ساعة» و«آخر رجل واقف و«حرارة حمراء»..) فيلم «مسيرة متقطّعة» (تمثيل: روبرت دوفال وتوماس هايدن تشيرش): عن رجلين يكتشفان تجارة رقيق ضحاياها صينيات أتى بهنّ تاجر من الصين يريد تسليمهن الى حيث يتحوّلن الى عاهرات. يتدخل الرجلان عندما يلاحظان مدى الغبن والعنف الممارسين عليهن، ويصبح عليهما حماية فتيات لا يجدن الإنكليزية ومواجهة رجال صاحبة الماخور الذين يودّون قتلهما واسترداد الفتيات. جدير بالذكر هنا أن فيلم هِل السابق هو «جيرونيمو»: جيرونيمو آخر محاربي «أباتشي» في الغرب الأميركي (انتمت القبيلة إلى جنوبي ولاية أريزونا وإلى قسم مما هو الآن نيو مكسيكو، بمحاذاة قبائل أصغر مثل «بيما» و«نافاهو»): لمدّة عشرة أعوام أو أكثر بقليل، قاد جيرونيمو محاربين لا يتجاوز عددهم 33 فرداً ضد الجيشين الأميركي والمكسيكي، إلى أن اضطر للاستسلام في العام ,1881 قائلاً: «يوماً ما كنت حراً كالريح. الآن أصبحت سجيناً». لكن الفيلم لم ينل نجاحاً يُذكر، ولم يتوقّف عنده معظم النقّاد، مع أنه شهادة نيّرة وواقعية عمّا حارب من أجله هذا القائد الشرس، وعن دافع الإدارة الأميركية إلى تمكين الإنسان الأبيض من الاستيطان في تلك المجاهل الثرية. من شاهد الفيلم سابقاً والآن يلاحظ أن ما انطبق على هنود «أباتشي» ينطبق على الفلسطينيين اليوم. إنه ليس من قبيل الصدفة تلك المشاهد المدروسة التي ربما وردت في سيناريو جون ميليوس ولاري غروس أو التي نفّذها هِل، والتي يتحدّث فيها الفيلم عن حريّة شعب لم يقترف ذنباً وعن أرض يراها تنسل من بين أيديه، وهو لا يستطيع فعل شيء حيالها سوى تركها تمضي لتصبح ملكاً لمستوطنين جدد.

«شلالات سيرافيم» لديفيد فون أنكن و«103 إلى يوما» لجيمس مانغولد فيلما «وسترن» تقليديان، إذ إن الصراع الأساسي فيهما قائمٌ بين بيض وبيض يقفون على صفّي القانون. مرّ من دون أن يشعر به أحدٌ، لكن الثاني توقّف عنده الجمهور والنقاد معاً: إنه إعادة لفيلم أخرجه دلمر ديفيز في مطلع الخمسينيات (تمثيل غلن فورد وفان هفلن)، وكان جيّداً حينها، لكنه أصبح أجود وأكثر واقعية في النسخة الجديدة هذه التي مثّل فيها كريستيان بل وراسل كرو. أما «أدفن قلبي في ووندد ني» لإيف سيمينو، فله دلالات سياسية لم تكن إيجابية دائماً. أولاً، إنه مقتبس عن كتاب ناجح صدر في العام 1971 (طبع أكثر من عشرين مرّة)، ألّفه دي براون مستوحياً كتابه غير القصصي هذا مما حدث لقبيلة «سيو» بعد انتصارها على الجنرال كاستر (بطل أفلام عدّة) في موقعة «ليتل بيغ هورن» في العام .1876 قاد الجنرال حملة تأديب وقهر ضد القبيلة الشاسعة التي امتدت أراضيها في سهوب كبيرة وسط الولايات المتحدّة وشماليها (وصولاً الى الحدود الكندية)، تألّفت من «سيوكس» و«شايين» و«كرو» و«بوني». حين واصلت الإدارة الأميركية قضم أراضي هذه القبائل لحماية المستوطنين البيض الضاغطين في واشنطن، تآلفت تلك القبائل وغيرها في المنطقة المذكورة وقاومت حملة كاستر، لكنها ووجهت بدفاع عسكري مدروس أدّى إلى خسارته معظم فيالقه ومقتله وسط فرقته الخاصّة، عندما اندفع صوب فخّ محكم مع رجاله الذي لم يبق منهم أحد حيّاً.

إن موقعة «ووندد ني» لم تنته على هذا النحو، بل شهدت مآسي عند الأميركيين الأصليين، تقرأها في الكتاب فيعصف حزن شديد في قلبك إذا كنت ملمّاً بالمنوال المتعاقب من قهر القوى الكبيرة على الأصغر منها. لكن المخرج وكاتبه دانيال جيات لم يكونا معنيين كثيراً بنقل المآسي التي وقعت على نحو يؤدي الى إيصال الرسالة ذاتها التي أنجزها الكاتب، بل تمرّغا في الوحل الواقع بين الطرفين، وأعطيا حقّاً للبيض والهنود معاً، وبدآ عمــلهما بعبارة تذكّر المُشَاهد بأن القبائل الهندية كانت تغزو بعضها البعض دائماً قبل أن يغزوها الإنسان الأبيض، كما لو أن هذا هو عذر للنهاية المأسوية التي شهدتها 500 أمّة، كل واحدة منها تألّفت من عشرات القبائل وسكنت أيامها في ما يعرف اليوم بأميركا الشمالية.

)هوليوود(

السفير اللبنانية في 15 فبراير 2008