كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

مـهـرجـان «الأفـلام الحـمـيدة»!

طارق مصطفى

استبعاد فيلم «الجزيرة» من «مهرجان المركز الكاثوليكى المصرى للسينما السادس والخمسين» بسبب مشاهد العنف، يطرح أكثر من تساؤل عن معايير اختيار الأفلام والأسباب التى من أجلها يتم استبعاد أخرى، وهل تحول المهرجان العريق الذى يعد أهم وأكبر مركز للأرشيف السينمائى المصرى إلى داعم جديد لوجهة النظر التى تحكم على السينما من منظور أخلاقى.

وإذا كان كذلك فكيف يمكن لهذا المهرجان أن يحافظ على تألقه فى كونه حافظة رائعة للسينما المصرية بمختلف أنواعها وتوجهاتها ويحاصرها فى الوقت ذاته بالمنظور الأخلاقى المتدين. فى مقر المركز، كم هائل من الصور تزين جدرانه وترصد تاريخا كاملا من الوعى بأهمية السينما، هذا الوعى ارتبط طويلا باسم «فريد المزاوى» الذى يعد الأب الروحى لهذا المهرجان الذى بدأ يخطو خطواته الأولى فى عام 1951 ويبدو أنه كان يعى جيدا أهمية ترويج وحفظ الثقافة السينمائية، لذا فإنه عادى جدا أن ترى صورة لفاتن حمامة وهى تداعب المسئولين عن المهرجان، وأخرى لكمال الشناوى وهو يطالع كتابا ما داخل مكتبة المركز، فقد كان المهرجان بمثابة فجر سينمائى ولد على يد فريد المزاوى، والذى توفى عام 1988 تاركا خلفه للأب يوسف مظلوم مدير المركز الكاثوليكى المصرى مهمة ثقيلة ومعه ميشيل إسكندر مدير المركز واللذين فيما يبدو اعتبرا أن المعيار الوحيد للأفلام التى يجب أن تشارك فى مهرجان المركز هو الأخلاق.

التدين الذى صبغ المهرجان اعتبر فيلم «الجزيرة» غير أخلاقى على أساس أنه عنيف بينما وافق على مشاركة فيلم «مرجان أحمد مرجان»، والذى يرفع شعار «الفساد من أجل الفساد» فيما يشبه ترسيخا لحالة التواطؤ والفساد الاجتماعى الأخلاقى التى يعيشها المجتمع، ناهيك عن مشاركة فيلم «تيمور وشفيقة» فى فعاليات المهرجان بالرغم من أن الفيلم بدوره ليس أكثر من توثيق لحالة الردة الثقافية والمجتمعية.

سألت مشيل إسكندر أحد أعضاء اللجنة التى تختار وتستبعد الأفلام فقال: إن الفيلم يثبت أنه ليس بالمال وحده يحيا الإنسان.

·         هل كان المهرجان يعانى من نفس المشاكل التى يعانيها الآن ؟

- فى الستينيات والسبعينيات لم نكن نعانى من مشاكل مع الأفلام أما الآن فالأفلام أصبحت أكثر جرأة فى تناول الموضوعات المثيرة.

·         لماذا تم منذ عامين استبعاد فيلم مثل «السفارة فى العمارة» ؟

- لقد وجهت لنا انتقادات حادة عندما منعنا مشاركة «بحب السيما» وبالرغم من فكرته الرائعة، إلا أنه كان مليئا بمشاهد صعبة جنسيا. أما «السفارة فى العمارة» فلأن البطل كان غير سوى وبتاع ستات وكمان إحنا مالناش فى السياسة.

·         فى عام 1965 تم إلغاء الدورة رغم عرض 40 فيلما فى ذلك العام؟

- ربما كانت الأفلام كلها فى هذا العام غير مناسبة أخلاقيا لمعايير المهرجان.

·         ولماذا تم استبعاد «الحرام» فى 1966 فى حين شارك فيلم ضعيف مثل «زوجة من باريس»؟

- هو «الحرام» مش موجود؟!! ياراجل طبعا ماهو أخلاقيا الحرام ماينفعش يشارك.

·         هل فى المراكز الكاثوليكية الأخرى بدول العالم توجد مهرجانات مماثلة؟

- كل مركز مستقل تماما ويقوم بأنشطة مختلفة. بالنسبة لميشيل إسكندرخان المعيار الذى يهم هو ما الذى تقوله الصورة المباشرة، حتى وإن كانت جوفاء أو مزيفة ووفقا لهذا المعيار لا يصبح من الغريب استبعاد أفلام مثل «ليلة سقوط بغداد»، «بحب السيما»، فى حين يصبح لـ«كده رضا» الأولوية هذا العام بالرغم من أنه فيلم بالمفهوم الأخلاقى المباشر مبنى على مجموعة من الأكاذيب التى تتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية والتى سيطرت على اختيارات اللجنة التى تشكلت برئاسة الأب يوسف مظلوم مدير المركز والمهرجان وعضوية «الأب بطرس دانيال، ومشيل إسكندر وجوزيف فكرى» للأفلام.

ميشيل إسكندر قال: إن المهرجان لا علاقة له بالسياسة رغم أنه فى عام 1969 فاز «شىء من الخوف» بجائزة أحسن فيلم وفى العام الذى تلاه فاز «الأرض» بجائزة أحسن فيلم، إلا إذا كانت هذه الأفلام استعراضية وليست سياسية.

إن وجود المركز جاء تلبية لرغبة دينية تبناها فى ذلك الوقت المركز الكاثوليكى العالمى للسينما والذى عمل بإيعاز من الفاتيكان على إنشاء عدد من المراكز داخل عدة دول تهتم بالسينما على اعتبار أن الفنون أفضل راع للقيم الدينية، ومنذ تأسيس المركز فى عام 1949 وهو يعتمد على مقولتين منشورتين فى المنشور البابوى الذى أصدره قداسة البابا «بيوسى الحادى عشر» عن السينما.

الأولى تقول: «إن مهمة الفن ورسالته الجوهرية هى أن يكون عنصرا مواتيا لتحقيق الكمال الأخلاقى فى الإنسان لذا وجب أن يكون أخلاقيا هو أيضا فالسينما يجب أن تصبح أخلاقية وأداة للتربية والثقافة».

أما المقولة الثانية فتنص على «أن نستعمل الخبرات الذهنية دون أن نفقد الخيرات الأبدية».

المركز الكاثوليكى للسينما بمصر نجح منذ البداية فى أن يسير على الدرب وفقا لهاتين المقولتين، حيث اتجه إلى إصدار ما يعرف بالبطاقات الفنية التى كان يتم توزيعها على العيادات والمستشفيات والمدارس وتطورت بعد ذلك لتصبح دليلا سينمائيا سنويا، هذه البطاقات كانت تهدف إلى ما يسمى بـ«دعم المثل الأخلاقية والقيم الإنسانية» وتعود على أساس مقولة فريد المزاوى: «يجب ألا يقدم الفيلم للجمهور ما يأبى على نفسه رب أسرة كريمة عالم بواجبه المقدس تقديمه إلى أفراد عائلته، ومن ناحية أخرى لا يستحسن أن يرى الأولاد ما يرفه أحيانا عن والديهم.

من هذه المقولة انطلق المركز من خلال هذه البطاقات إلى خلق ما هو أكثر غرابة منه ذلك بإرفاق هذه البطاقات أو التقارير التى كانت تتضمن معلومات أساسية عن الأفلام، بالإضافة إلى نقدها من الناحية الفنية، مما يعرف بـ «تقرير الصلاحية الأدبية «الخلقية» للأفلام السينمائية».

هذا التقرير كان يقوم على تقسيم الأفلام، إلى :

1- أفلام صالحة للجميع حتى الأطفال

2- أفلام صالحة للعائلات ويستحسن فيها مصاحبة العائلة، وهى الأفلام التى قد تتضمن مشاهد « انتحار - سرقات واختلاسات- لعب الميسر - شرب الخمر - مواقف زوجية وأسرية- قبلات - جريمة تسميم الطفل ».

3- الأفلام الصالحة للبالغين، وهى التى لا تناسب الصغار من الأطفال والمراهقين، والتى قد تتضمن «قصصا وموضوعات غير صالحة للصغار - العلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة. الجو المقبض والخائف بصفة عامة- مناقشة مع شخصية «الشيطان» يمكن إساءة فهمها من غير البالغين.

4- أفلام صالحة للبالغين مع التحفظ وهى لا تناسب البالغين الذين وصلوا حديثا إلى درجة البلوغ الفكرى والجنسى، وهى الأفلام التى قد تتضمن « إغراء جنسيا - جرائم جنسية- تقليد الفتيات الصغيرات للراقصات فى العرى - التعاطى العلنى للمخدرات»

5- الأفلام التى لا يستحسن حضورها وهى التى لا تناسب المشاهد البالغ وهذه الأفلام إما أنها تخالف القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية مخالفة صريحة أو أنها تروج لمبادئ خاطئة كأن تتضمن «المقارنة بين الأديان - اليمين الكاذبة- التعذيب الوحشى»

6- الأفلام التى يجب الامتناع عن حضورها والتى تتضمن الترويج السافر للمبادئ الهدامة التى تتعارض بوضوح مع الأخلاق العامة والقيم الدينية».

كتاب اليوبيل الذهبى للمركز أمثلة لبعض الأفلام التى تم تقييمها من قبل المركز وفقا لهذا المنطلق مثل فيلم « بافكر فى إللى ناسينى» لحسام الدين مصطفى ,1959 حيث جاء فى التقرير «أن هذا الفيلم يمتنع عن حضوره لأنه يتضمن قصة تافهة حشدت فيها الأحداث لمجرد تطوير المشاهد الاستعراضية للبطلة « هند رستم » تمثيل ردىء - إثارة فاضحة فى الحركات والملابس والمواقف وطريقة تصوير هند رستم !!»

مثال آخر لفيلم «نساء وذئاب» 1960 أيضا لحسام الدين مصطفى، حيث نجد فى التقرير العبارات التالية «التقييم الخلقى : لا يستحسن حضوره فقصته تقوم على خادمة تترك ابنها فى الغيط، وتعود لسيدها الذى اغتصبها ترجوه الاعتناء به فيطردها وتتحول إلى فتاة ليل. يحاول الفيلم تبرير موقف السيدة المستهترة فى سلوكها نحو المجتمع.

لم يختلف مهرجان المركز الكاثوليكى فى مصر منذ بدايته فى ديسمبر 1952 عن منهج المركز فالأفلام التى يتم اختيارها يجب أن تكون هى الأفلام «ذات المواصفات المثالية من الناحية الأخلاقية!!»، وبالتالى وفقا لهذا التعبير المطاط كان يتم استبعاد أفلام لصالح أفلام أخرى أقل فنيا، وفى بعض الأحيان كان يتم الاستبعاد فى الجوائز مثلما حدث فى ,1964 حينما تم منح الجائزة لـ «أم العروسة» وليس لـ «الباب المفتوح»، ربما لأن الأخير من وجهة نظر المركز كان يعمل على هدم قيم أسرية بعينها.

ولكن الغريب أن يصل الأمر عام 1965 إلى إلغاء المهرجان بالرغم من أن هذا العام شهد عرض 40 فيلما بزعم أنه لم يتم التوصل فى التصفيات إلا إلى فيلمين هما «العائلة الكريمة» لـ«فطين عبد الوهاب» و«الرجل المجهول» لمحمد عبد الجواد.

وتفاجأ فى عام 1971 باستبعاد «الاختيار» ليوسف شاهين من جوائز المهرجان لصالح فيلم ضعيف فنيا هو «أختى» لبركات، بشكل عام كانت الأفلام التى تشارك ليست جميعها على نفس المستوى الفنى ففى إحدى دورات المهرجان فيلم مثل « عيب يا لولو يا لولو عيب » فضلا عن خلو القائمة التى شاركت خلال تاريخ المهرجان من أفلام مثل « عرق البلح - للحب قصة أخيرة - البرىء - الهروب - العصفور - المتمردون» بينما تسجل بأفلام مثل «عبود على الحدود - الكافيير - بص شوف سكر بتعمل إيه - خلى بالك من جيرانك ».

كل هذا يطرح العديد من التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بازدواجية معايير المركز فى الاختيارات حيث تم قبول مشاركة «سهر الليالى» بالرغم من وجود مشهد جنسى به لكون المشهد « بين زوج وزوجته!!»

من هنا يطرأ تساؤل مهم: هل أصبح وجود المهرجان بمثابة خلل سينمائى ؟!

يقول نادر عدلى : بالرغم من أنى مقتنع بأنه لا يصح أن يكون هناك مهرجان يقيم الأفلام على أساس أخلاقى، فيمنع فيلما بسبب وجود مشاهد للشذوذ به، إلا أنه لا يمكننا تجاهل حقيقة أن هذا المهرجان أو المركز الكاثوليكى على وجه التحديد يضم بين أرجائه أهم أرشيف سينمائى مصرى.

الحقيقة الثانية أنه منذ بدايات المركز، ومن ثم المهرجان كانت هناك وجهة نظر أكثر تفتحا واستنارة تبناها فريد المزاوى الذى أسس المركز مع الأب بطرس فرنزسيسى، حيث لم يكن هناك فى ذلك الوقت هذا التعارض الوهمى بين الفن والأخلاق، بمعنى آخر لم يكن هناك ذلك الهاجس الأخلاقى المسيطر الآن بدليل أن الأفلام التى كانت يتم اختيارها.. كانت أهم أفلام الموسم السينمائى، والتى ربما لو عرضت على لجنة الاختيار الآن لرفضوها.

الناقد السينمائى رءوف توفيق يؤكد على أنه ليس مع فكرة وجود مهرجان ذى مرجعية دينية قائلاً: أنا أرفض هذا الخلط بين الدين والفن. ولكن هذا المهرجان له خصوصية تتسم فى أنه كان معنيا منذ البدء بتدعيم السينما المصرية وتسجيل حركتها وتطورها فأرشيف المركز لم تستطع وزارة الثقافة القيام به. ربما يعانى من خلل، ولكنه خلل فى الاختيارات، وأعتقد أن اختيارات هذا العام والتحفظات الأخلاقية المحيطة بها تؤكد أن وجهة النظر التى كانت وراء اختيار الأفلام هى وجهة نظر متشددة دينيا، ومن هنا أنا أرى ضرورة تدعيم لجنة الأفلام بعدد من السينمائيين، فهذا هو الحل لمساندة هذا المهرجان العريق. الناقد يوسف شريف رزق الله يرى أن معايير هذا المهرجان ثابتة لم تتغير، ولا أعتقد أن هناك مانعا من التقييم الأخلاقى فى الاختيارات، ولا أعتقد أنه يصنع خللا، فربما يكون الجزيرة من وجهة نظرهم ملىء بجرعة مكثفة من العنف، وبالتالى من حقهم أن يختاروا الأفلام وفقا لمعاييرهم الخاصة.

روز اليوسف المصرية في 14 فبراير 2008