كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

أفلام شبابية تنقصها الحبكة

رجا المطيري

ليست السينما فقط بل كل وسائل الإعلام تستهدف جمهور المراهقين وصغار السن وتسعى لاجتذابهم بالبرامج والأفلام الخفيفة المثيرة التي تحاكي همومهم العاطفية وتصور علاقاتهم مع المحيط من حولهم. وسبب هذا الاستهداف منطقي لأن المراهق جاهز على الدوام لمتابعة آخر الأفلام ومستعد لتشرب ما تقدمه من صرعات، فهو خالي البال ولا يعمل ولديه الكثير من الوقت ليبدده، كما أنه المستهلك الأكبر لدخل العائلة، فالآباء يعملون ويمنحون أموالهم لأبنائهم لكي يصرفوها في متعتهم الخاصة من دون أن يشغلوا بالهم بجدوى هذه المتعة وفائدتها لهم. لذلك كله وجهت الاستوديوهات الكبرى تركيزها على المراهقين فأنتجت الأفلام الشبابية الخفيفة رغبة في تحقيق أعلى ربح ممكن.

الفيلم الشبابي هو أي فيلم يتناول حياة الشباب وينظر في علاقاتهم العاطفية ومخاوفهم من المستقبل المجهول، باختصار هو الفيلم الذي ينظر للحياة من خلال أعين الشباب. ولو تأملنا تاريخ السينما الأمريكية منذ بدايته لوجدنا العديد منها قد أنتج على فترات مختلفة لعلّ أوضحها فترة الخمسينات التي حفلت بسلسلة من الأفلام الشبابية المميزة أهمها تلك التي لعب بطولتها النجم الراحل (جيمس دين) مثل فيلمه العظيم (متمرد بلا سببRebel Without a Cause) الذي أطلق شرارة شبابية ستبلغ ذروتها الكبرى عند نهاية الستينات وبداية السبعينات والتي كانت بحق فترة الشباب بثوراتهم الفكرية والثقافية التي طالت جميع المخرجات الفنية من سينما وتلفزيون وموسيقى. وقد كانت أفلام تلك الفترة ناضحة بالقلق الوجودي وبمعاني الحرية والانطلاق ومن أشهر تلك الأفلام فيلم (بيان الفراولةThe Strawberry Statement) للمخرج ستيوارت هاغمان الذي فاز عنه بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان (كان) عام 1970وهو يحكي القصة الحقيقية لاحتلال مجموعة من الطلاب مقر جامعة كولومبيا الأمريكية عام 1968ليطبقوا فيها "الحرية" بمعناها المطلق، أيضاً هناك فيلم (الخرّيجThe Graduate) الذي أطلق نجومية الممثل المعروف (داستن هوفمان) عام 1967وفيلم (أمريكان غرافيتيAmerican Graffiti) الذي أنتجه فرانسيس فورد كوبولا وأخرجه جورج لوكاس عام 1973ويحكي قصة شاب يقضي آخر ليلة مع رفاقه قبل أن يغادر المدينة للالتحاق بالكلية.

في موازاة هذه الأفلام الجادة كان هناك حضور للأفلام الحالمة المرحة والبسيطة التي عرفت بالأفلام الهروبية كناية عن ابتعادها عن الواقع وهروبها من تعقيداته. وقد صنفت كأفلام شبابية لأنها انطلقت من زاوية الشباب وعكست رؤيتهم الساذجة للحياة سواء من خلال أسلوبها المرح المليء بالرقص والسعادة أو في أفكارها التي تهزأ بالواقع ولا تتعامل معه بالجدية المطلوبة. وهذا النوع تحديداً هو الذي استمر إلى الآن وهو الذي ينصرف إليه الذهن عند ذكر الأفلام الشبابية، ومع أنه حقق شهرته في الخمسينات مع أفلام المغني الأسطوري (ألفيس بريسلي) إلا أن حضوره الطاغي والمتعاظم بدأ من الستينات مع أفلام مثل (قصة الحي الغربي West Side Story). أما الاتجاه الرومانسي الغارق في الشاعرية فقد مثله خير تمثيل فيلم (قصة حبLove Story) بموسيقاه العظيمة وقصته التي تتحدث عن معاناة شاب يرى حبيبته وهي تموت أمامه بسبب المرض، وبنفس الأسلوب الشاعري يقدم فيلم (جيرميJeremy) الذي ظهر عام 1972معاناة الشباب من الوسط المحيط الذي لا يعبأ بمشاعرهم وذلك من خلال قصة الفتاة سوزان التي تجد حب حياتها في الفتى عاشق الموسيقى جيرمي ثم تفاجأ بقرار والدها الانتقال إلى مدينة أخرى بحثاً عن فرص عمل أفضل؛ وهكذا تنتهي قصة الحب ويبدأ الشقاء.

ومع أن هذا النوع من الأفلام قد اختط لنفسه مساراً ثابتاً وواضحاً في آلة الإنتاج الهوليودية في نهاية السبعينات والثمانينات بأفلام شبابية ناجحة مثل (غريسGrease) و(حمى ليلة السبتSaturday Night Fever) لجون ترافولتا، فيلم (وقت سريع في ثانوية ريدمونت Fast Times at Ridgemont High) لشون بين، وفيلم (الدخلاءThe Outsiders) الذي أخرجه فرانسيس فورد كوبولا عام 1983وشارك في بطولته النجم المعروف توم كروز، مع ذلك، سينتظر هذا النوع حتى نهاية التسعينات ليأخذ شكله النهائي الذي يحدد مجال الفيلم الشبابي في قصص الحب بين الجنسين ومعاناة طلاب المرحلة الثانوية في تكوين العلاقات العاطفية وذلك في قالب من الكوميديا والمرح، وسيكون الفضل في هذا لفيلم (الفطيرة الأمريكيةAmerican Pie) الذي حقق نجاحاً كبيراً عام 1999ممهداً الطريق لسلسلة من الأفلام الشبابية التي تسير على نفس النسق. إن ما ينقص الكثير من هذه الأفلام هي الحبكة والصنعة الفنية إذ يشعر القائمون عليها أن لا حاجة لمزيد من التعقيد فالتبسط في تصوير العلاقات العاطفية وبأسهل قصة ممكنة سيكسبهم مزيداً من الجمهور الباحث عن المتعة فقط، لذلك اتجهت أغلب الأفلام الشبابية لأسهل طرق جذب الجمهور عبر تناول الأفكار الغريزية المباشرة بشكل مثير وغير عميق، والمثال على هذا سلسلة (الفطيرة الأمريكية) التي مهما تعددت أجزاؤها فإنها لا تخرج عن إطار الحديث عن العلاقات الجنسية بشكل مباشر لا يخلو من الوقاحة أحياناً، فهذه السلسلة تعتمد فقط على إثارة الموضوع مع إهمال شديد للصنعة الفنية، لكن الاهتمام بالحبكة والتفنن في سرد الحكاية الذي هو غاية الفن وسبب تسمية الفن ب(الفن) لا يلغيان المتعة ولا الإثارة، إذ ليس هناك من تعارض بين أن تقدم ما هو مفهوم وبسيط ومثير وجذاب وبين أن تقدم ذلك في قالب فني محكم البناء بسيناريو رصين وحبكة متقنة تتقاطع فيها الشخصيات بشكل مدروس، ولو أردنا تتبع الأفلام التي حققت هذه المعادلة فإن القائمة لن تضم إلا عدداً قليلاً من الأفلام، مثل فيلم (بالكاد يمكن الانتظارCan t Hardly Wait) الذي أنتج عام 1998من بطولة جنيفر لوف هيويت، وفيلم (عشرة أشياء أكرهها فيك) عام 1999من بطولة الممثل الذي رحل عن الدنيا قبل أيام هيث ليدغر.

أما آخر الأفلام الشبابية التي حازت الحسنيين فهو فيلم (سيء جداًSuperbad) الذي ظهر السنة الماضية 2007وحقق نجاحاً ممتازاً يؤهله لأن يكون نموذجاً مثالياً للفيلم الشبابي الذي يتحدث عن هموم الشباب في قالب فني مصنوع بإتقان. الفيلم يحكي قصة صديقين في الثانوية يعيشان آخر أيامهما سوياً قبل أن ينتقلا للمرحلة الجامعية ومن أجل القضاء على كل العقد النفسية التي كانت تسيطر عليهما منذ الطفولة يخططان مع صديق ثالث للمشاركة في واحدة من أهم الحفلات التي يقيمها طلاب المدرسة وكل واحد منهم يحدوه أمل الالتقاء بفارسة أحلامه، لكن الطريق إلى هذه الغاية الجميلة لن يكون مفروشاً بالورود كما كانوا يعتقدون. الجميل في الفيلم هو حبك الأحداث وربطها مع بعضها البعض بطريقة مشوقة خلقت العديد من المفارقات المضحكة، الشخصيات كانت تتحرك باستمرار وتتقاطع مع بعضها البعض في نقاط محددة وفي مدى زمني لا يتجاوز الليلة الواحدة، والاعتماد على مبادئ الصدفة والتضاد والجهل بالمصير وسوء الحظ والنحس والغاية المستحيلة كلها تعطي انطباعاً بمدى الإتقان الذي صنع به السيناريو، حيث لم يعتمد فقط على الموضوع وما يقدمه من أفكار مستفزة للجمهور المراهق، بل زاد على ذلك بالعناية بالصنعة وبسبك الحدث وصياغته بشكل فني زاد من متعته وأكد أن الفيلم الشبابي الناجح هو ذلك الذي لا تنقصه الحبكة المتقنة.

الرياض السعودية في 31 يناير 2008