كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

دراما مرئية

هل يملك التليفزيون مفاتيح السينما الجادة؟

السلطان في مواجهة غجرية الشعر

بقلم: د. حسن عطية

انشغلت الأسبوع الماضي في تسجيل برنامج خاص بحصاد عام 2007، تعده وتقدمه هذا الشهر قناة النيل الثقافية باسم (اوسكار الثقافية)، وتمنح فيه جوائزها الفنية لأفضل الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة والعروض المسرحية والأعمال التشكيلية، وأيضا جوائزها الأدبية للأعمال الروائية والقصصية القصيرة والشعرية، وكان لي حظ مزاملة الأصدقاء: الكاتب والسيناريست د. محمد كامل القليوبي والناقد محمد عبدالفتاح والفنانين التشكيليين محسن شعلان ود. صلاح المليجي، وذلك في المجموعة الفنية، التي احتفت بعدد من الأفلام والمسرحيات والمعارض واللوحات الجدارية التي تم اختيارها من معدي البرنامج كأبرز أعمال العام الفائت.

أثارني في البداية غياب أي تقييم أو حتي احتفاء بالدراما التليفزيونية، والتي تعد القناة أحد بيوتها الرئيسية، كما أن هذه الدراما التليفزيونية تعد الوحيدة التي لا موسم لها، حتي وان هيمنت بشراسة علي شهر رمضان، إلا أن تواجدها طوال أشهر العام، وعلي العديد من القنوات الأرضية والفضائية، واتساع معدل مشاهدتها يجعلها أكثر الفنون المرئية مشاهدة وتتبعا وجدلا، وعندما تساءلت عن السر لم أجد اجابة شافية، ويبدو ان القناة 'كبرت دماغها' وفضلت الابتعاد عن 'دوشة' التقييم ومنح الجوائز التي كادت ان تعصف بمهرجان الاعلام الأخير، ولاكت الألسن الكلام حول التوازنات والتدخلات وتحويل الجوائز الثانية لأولي مكرر وإبراء ذمة لجان التحكيم من الجوائز المعلنة، لذا قررت قناة النيل الثقافية ان تبتعد عن الشر الكامن في عقر دارها، وتغني للأغراب الذين انشغلوا بدورهم باستفتاءات وتكريمات واحتفاءات، يري الفائز فيها انها أفضل ما حدث، ويري الخارج من جنتها أنها تفتقد النزاهة والموضوعية.

إلا أن ما أسعدني فعلا في برنامج (أوسكار الثقافية) متعدد الحلقات، هو اتاحته لنا فرصة مشاهدة نماذج من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، التي لا نراها الا في المهرجانات وخاصة مهرجان الاسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، بعد ان غابت تماما عن دور السينما، وغيبها التليفزيون نفسه والذي ينتج الكثير منها، من علي شاشته، ولا تنثر عليها الا بصعوبة شديدة في برنامج هنا، او عرضا في قناة فضائية هناك.

فيلم الجوائز

ومن بين هذه الأفلام مغبونة الحق، والتي انتجها قطاع القنوات المتخصصة، وحصل علي عدة جوائز عربية ودولية، اخرها في مهرجان القاهرة للإعلام العربي الشهر الماضي، حيث حصل مخرجه 'عزالدين سعيد' علي جائزة الابداع الذهبية الأولي، وحصلت جهته المنتجة علي جائزة الانتاج، كما حصل بطله 'احمد فؤاد سليم' علي الجائزة الذهبية الأولي لأفضل ممثل، وهو فيلم (السلطان)، الذي كتب القصة والسيناريو والحوار له مخرجه نفسه، متشبعا بروح 'نجيب محفوظ' ولحظة رحيله الجسدي عن دنيانا.

والمخرج 'عزالدين سعيد' ليس غريبا عن عالم الفيلم الروائي القصير، فقد اخرج سبعة أفلام كتب لغالبيتها السيناريو والحوار، وليس غريبا عن جوائز المهرجانات، فقد فاز في مهرجان الاذاعة والتليفزيون عام 2005، بجائزة الابداع الذهبية ايضا عن اخراجه لفيلم (الغرفة رقم 12)، كما فاز الفيلم نفسه بجائزة الانتاج الذهبية لادارة الانتاج المتميز بقطاع القنوات المتخصصة كأفضل فيلم روائي قصير، والذي كتب له السيناريو والحوار المخرج نفسه مع 'مكاوي سعيد' عن واحدة من قصص نجيب محفوظ المثيرة للجدل والدائر محتواها حول العلاقة بين الحياة والموت.

ثم قدم فيلمه الثاني من داخل عالم نجيب محفوظ، والسادس في مسيرته الفيلمية، بعنوان (الزيارة) كتب له ايضا السيناريو والحوار عن قصة بذات العنوان لأديبنا الكبير، وحصل عنه علي جائزة أفضل مخرج لفيلم روائي قصير في مهرجان الاذاعة والتليفزيون عام 2006م.

اما في فيلمه الحالي الذي وضع علي وجهته اسم (السلطان)، بكل الدلالات الصوفية والاجتماعية والسياسية التي يحملها هذا الاسم، وان اغرق مشاهده منذ البداية في عالم من الأفكار المجردة، حيث تقدم لنا المشاهد الأولي الرسام التشكيلي 'رفيق' صاعدا سلم أحد المنازل ليصل الي حيث يعيش الروائي الكبير، ساءلا اياه عن أحدث رواياته، لكي يرسم لها غلاف الكتاب الذي ستنشر فيه، في اعتياد دائم معه. يقابل هذا الصعود للرسام عجز من الروائي عن العثور علي فكرة تصلح لروايته الجديدة، وهو هنا يبحث بداية عن الفكرة، قبل التفكير في الموضوع الروائي الذي يحمل هذه الفكرة للجمهور المتلقي، وهو لايستطيع كمبدع أن 'يدوس علي زرار ليكتب'، مقابل الرسام القادر علي ان 'يدوس علي زرار ليرسم'، مما يضعنا، وقبل ظهور تترات الفيلم، أمام موضوع يتعلق بطبيعة الإبداع، فيما بين رأي يقول بأن الابداع إلهام يهبط علي الفنان دون تمهيد أو إعداد منه، ورأي آخر يقول بأن الإبداع إلهام يهبط علي الفنان دون تمهيد أو إعداد منه، ورأي آخر يقول بأن الإبداع ذا علاقة بتنظيم وترتيب الأجواء الممهدة لظهوره، كما انه صنعة أو حرفة لابد من المبدع أن يتمكن منها، ويهيأ نفسه لاستقبال الأفكار وصياغة الموضوعات وتهذيبها لتخرج في أبهي صورة لجمهورها.

كان مبدعنا الكبير 'نجيب محفوظ' مع الرأي الثاني، يعد نفسه جالسا بالساعات علي مكتبه ليبدع أياما محددة في الأسبوع، وأشهرا معينة في السنة، بينما مبدعنا في فيلم (السلطان)، والذي جسد معاناته بمهارة المخضرم 'احمد فؤاد سليم'، حائر يتخبط بحثا عن هذه الفكرة الجديدة التي يؤسس عليها روايته التي يشعر انها روايته الأخيرة، فيجلس ليكتب عن شخص آخر، بطل روايته الجديدة. وفتي مرموق يعيش وسط حارته التي احترفت الشكوي والعويل، وتردد أغنيها أنات الهجر والحرمان، وكأنها مجتمعنا الحالي، فقرر ان يبحث لنفسه عن صديق بعد ان غابت الصداقة الحقيقية عن حياته، وغاب معها الحب، وعليه الان ان يفتعل العاطفة التي احتضرت، لكن الأفكار تفور برأسه، والهواء يطاير الصفحات التي يكتب عليها روايته، وبمونتاج متواز يعاني الروائي من شعور حاد بالتداعي والاحتضار، في الوقت الذي تصعد فيه طفلة غجرية الشعر شجرة غير محددة المعالم، ما ان تصل لمنتهاها حتي يسقط الروائي من فوق كرسيه علي الأرض، وتسقط التترات علي الشاشة لينقل بعدها الي المستشفي.

أخبار النجوم في 19 يناير 2008