بحضور
المخرجة المصرية ناديا كامل عرض مساء أمس وعلى مسرح البلد في عمان الفيلم
الوثائقي" سلطة بلدي" ضمن فعاليات ملتقى حكايا السنوي الذي أقيم مؤخراً في
العاصمة الأردنية عمان، ويكشف الفيلم الوثائقي الذي يحمل اسم "سلطة بلدي"
والحاصل على جائزة مهرجان الفيلم العربي لعام 2007 بسان فرانسيسكو كأحسن
فيلم وثائقي، يكشف التنوع الذي يولد التسامح والذي خفت حتى ساد في القرن
الـ21 الحديث عن الصدام بين الحضارات. وهو إنتاج مصري فرنسي سويسري ومدته
105 دقائق ويصور تفاصيل حقيقية من يوميات عائلة نادية لا سيما والديها
الكاتبين سعد ونائلة كامل. إذ تقرر العائلة في خضم الاصطفاف الديني الحاد
في مصر الحديثة أن تعرف الحفيد الصغير نبيل على تنوع أصول العائلة بعد قرن
من الزيجات المختلطة وهو الذي تجري في عروقه دماء مصرية وفلسطينية وايطالية
ولبنانية وقوقازية.
ويتناول
الفيلم قضايا حساسة للغاية تتعلق بالهجرة وتغيير الدين، والزواج المختلط
وهي قصة تمتد من مصر إلى إيطاليا وفلسطين وإسرائيل. يظهر الفيلم ان هذه
الهويات المتعددة كانت تعيش سويا في مصر حيث التقوا وحدث الإختلاط الفعلي
بينهم ثم عصفت بهم الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب العالمية الثانية
حتى تشتتت الأسرة المصرية وبقي المسلمون في مصر وذهب المسيحيون الى ايطاليا
واليهود الى فلسطين/اسرائيل ويظهر التماثل بين الأسرة المسلمة في مصر،
والمسيحية في إيطاليا، واليهودية في إسرائيل. فهم متشابهون، وبيوتهم تبدو
متماثلة، بالرغم من اختلاف اللغات المستخدمة في كل بلد، ففي مصر يتحدثون
العربية، وفي ايطاليا يتحدثون الإيطالية وبعض الكلمات العربية المتناثرة،
وفي اسرائيل يتحدثون خليط من العربية والفرنسية والإيطالية والعبرية.
ولقد أثار
الفيلم جدلاً واسعاً بين الصحفيين وفي الأوساط الفكرية أبان عرضه في مصر،
حيث ذهب بعضهم الى حد اتهام المخرجة بالترويج للتطبيع مع إسرائيل وعدم
إظهار معاناة الفلسطينيين. وشكا بعض المشاهدين من أن الفيلم يذهب بعيدا في
التعاطف مع الإسرائيليين. ومن الناحية الأخرى فقد رأى الكثير من الصحفيين
أن هذا الفيلم يتحدث عن الهوية المصرية وعملية الإختزال المتواصل التي تمت
على يد الأجندات السياسية، ورأى البعض الآخر ان الفيلم يطرح نقطة التعصب
والمحرمات التي طالمة أسكتت الفكر في مصر واستغلتها اسرائيل لتفعيل او
تبرير سياساتها الإجرامية، كما رأى آخرون ان الفيلم يفتح الملفات الكثيرة
المسكوت عنها في مصر ووصفوه باعلى درجات الوطنية. كما قدمت المخرجة للتحقيق
في نقابة المهن السينمائية بدون ايضاح لماهية التهمة ولا احد يعرف ان كان
هناك سند قانوني للإتهام فالنقابة اجلت جلسة التحقيق. وطالب بعض الصحافيين
بطرد المخرجة من نقابة المهن السينمائية بينما طالب صحافيون آخرون بالدفاع
عن حرية التعبير والفكر في الأوساط الفنية والثقافية واتهموا النقابة
بالقيام بدور المباحث السياسية، وحذروا من جو محاكم التفتيش المتفشي في
مصر. كما اعتبر الكثير من السينمائيين المصريين ان القضية هنا ليست قضية
فيلم ولكن قضية حريات اساسية.
وفي هذا
الصدد صرحت نادية كامل مخرجة الفيلم "هذا الفيلم اولا وقبل وبعد فيلم يناقش
قضية مصرية عن طريق طرح تسجيلي لوقائع اسرة معينة، وقد اتخذت القرار الصعب
ان اخوض في المسائل المؤلمة للمجتمع المصري كفرز المصريين على اساس الدين
او العرق، واستحلال معاناة الأفراد تحت شعارات سياسية جوفاء. كما وددت ان
الفت النظر الى التبعات المحتملة لعقلية الفرز والإستحلال المتصاعد منذ
عشرات السنين على الحاضر الذي نعاني منه كلنا." وتقول المخرجة "انا مسئولة
عن انسانيتي، لا يمكنني التغاضي عن انسانيتي وانا اتناول المواضيع
السياسية.
كما أضافت
في اعتقادي ان السياسة بدون البوصلة الإنسانية تؤدي الى التوحش الكامل
والقسوة غير المقبولة حتى ولو كان الحق الى جانبنا. وموقفي السياسي من
عدالة القضية الفلسطينية ومن دور اسرائيل واضح على طول الخط في الفيلم،
ولكن المؤلم والشيق في الفيلم هو ما افتحه من تساؤلات عن مصر.. وكل من في
الفيلم يتكلم عن علاقته بمصر او علاقته بالإشكالية التي تواجهها وتطرحها
امي وهي الشخصية الرئيسية في الفيلم. وقد رفضت بوعي استخدام القضية
الفلسطينية بشكل خطابي او وقائي بالتحديد لأنها تستخدم كثيرا للتبرير
والتفويت."
ومن
الجدير بالذكر فإن المخرجة المصرية نادية كامل المخرجة ولدت في القاهرة سنة
1961 حيث تواصل حياتها وعملها. وهي ابنة والدين عملا بالصحافة ولهما تاريخ
طويل من العمل السياسي، فنشأت نادية كامل في بيت منغمس في السياسات
التقدمية وشغوف بالفنون والثقافة الشعبية. وقد درست في مجال الكيمياء
والميكروبيولوجي قبل أن تتمكن من توجيه كل طاقتها إلى عشقها الدائم لفن
السينما في عام 1990.
ومن خلال
عملها كمساعدة إخراج لرواد في صناعة الأفلام المستقلة في مصر المعاصرة،
ومنهم عطيات الأبنودي ويوسف شاهين ويسري نصرالله، حصلت نادية كامل على قدر
كبير من الخبرة والتجربة في صناعة كل من الأفلام التسجيلية والروائية.
وعندما بدأت في العمل على أولى مشروعاتها في عام 2000، ايقنت نادية كامل أن
ساحة الإنتاج المصرية متشبعة وليس بها إلا سوى هامش لا يذكر للمخرجات
والمخرجين الجدد وللموضوعات غير التقليدية. فتوصلت إلى أن تناول الموضوعات
الجريئة التي تتطرق إلى الطابوهات والمحرمات، يقتصر وجودها على هوامش
الخطاب المصري التقليدي وهي الموضوعات بذاتها التي كانت تأمل نادية كامل أن
تناقشها ي مشروعاتها. فالمسألة إذا تتطلب منها المجازفة بإنتاج أفلام خاصة
بها محدودة الميزانية.
وقد تم
إنتاج فيلمها الأول، سلطة بلدي، من هذا المنطلق وبروح الاستقلال التام.
وبعد مرور خمسة أعوام من العمل المنفرد، انضمت إليها شركتان مشاركتان ("لي
فيلم ديسي"، و"?ينتورا فيلم") في استكمال إنتاج هذه الحكاية العائلية التي
تحتفي وتتمسك بقرن من التفتح على الثقافات والتعددية المصرية.
موقع "إيلاف" في 17
يناير 2008
|