كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

دراما مرئية

حضور التاريخ.. وتاريخ الحاضر

بقلم: د. حسن عطية

أثار عرض مسلسلي (الملك فاروق) و(المصراوية) منذ شهر رمضان وحتي تاريخه العديد من الجدل حول موضوع إعادة كتابة التاريخ دراميا، سواء بالتعرض لشخصية تاريخية دونما اهتمام كبير بالسياق الاجتماعي والسياسي الصانع لها والمؤثرة فيه، أو بالاهتمام بهذا السياق الصائغ للشخصيةوالمحدد لأبعادها، والمتقبل لدورها فيه، وقد انفجر علي صفحات الجرائد والمجلات حديث المبعدين عن احتواء أدراج مكاتبهم منذ زمن لدراما السيرة الذاتية ذات البعد التاريخي، وبخاصة في القرن العشرين.

ومن المتعارف عليه أن الدراما المرئية تقوم علي مبدأ إعادة صياغة الفعل الواقعي، ماضيا كان أم آتيا، في بناء جمالي يتأسس داخل السياق الاجتماعي القائم، ويستهدف التأثير في المجتمع الحي، فيخاطب جمهورا تعرفه، ويكون حاضرا في هذا البناء الجمالي بزمنه وقيمه، شاء مبدعه أوتصور أنه ينفلت منه لعوائم فانتازية يبتدع معها أفعالا خيالية سابحة في سماوات طوباوية، فحتي الفعل المتخيل له قاعدته الواقعية، ويصاغ لغاية واقعية، والمدن الفاضلة ماهي إلا موقف نقدي من الواقع الراهن.

وتقليب المبدع صفحات التاريخ بحثا عن الفعل الذي أثر يوما في الزمن الماضي، وغير من مصائر شخصياته، ولعب دوره الايجابي أوالسلبي في مجتمعه، ليس أبدا بهدف بعثه لذاته، وتقديمه كأيقونة متحفية تؤكد وقوعه في زمن ما، يحدث هذا في مجال الآثار، لكنه لايحدث مطلقا في حقل الدراما، الذي لايعرف المتحفية ولا تثبيت الفعل في صفحة زمانه، ولايعتقد في ذات الوقت بتكرارية التاريخ لأحداثه، بقدر مايدرك أن فعل الأمس قد يتشابه مع فعل اليوم، غير أن فعل الأمس أكتمل في زمنه، وانفجرت مقدماته في سياق معين، وعرفت نهاياته داخل هذا السياق، وكشفت الايام عن العلاقة التي كانت مختفية زمنذاك بين مقدماته ونهاياته، لهذا يأخذه المبدع تكأة للنظر في الفعل الآني، والذي تظهر مقدماته دون نتائجه بعلاقتها المنطقية بها، مما يمنح المتلقي فرصة التنبؤ بما سيصل إليه الحدث الجاري أمامه، بمده الخطوط بين ماهو واقع له وفيه والنتائج المختبئة في الزمن القادم، فيعمل علي تغيير مسار الحدث الواقعي، مما يجعل المستقبل قبض يديه، لازمن قادم بنتائج الافعال دونما إرادة منه، وبالتالي يعمل علي دفعه لتغيير واقعه.

القصور الفاخرة

هذا هو أهم أسس الابداع الفني عامة، والدراما المرئية خاصة، وتلك المتعرضة للتاريخ السابق بوجه أخص، فالدراما ليست إبداعا للتسلية، ولا تقوقعا داخل البنية باسم درامية الدراما، وإنما هي فعل يدرك عقلية متلقيه وفق توقعاته، فيحاوره دون خطابية من أجل تثوير أوتزييف وعيه بالواقع الذي يعيشه، فمبدع الدراما بالتالي مثقف متواصل مع واقعه الحي، ومتشابك مع قضاياه وهمومه، ومخاطب لمتلقيه بلغتهم وطرائق تعاملهم مع الحياة، ومشتبك معهم عبر سبل تلقيهم للرسائل العديدة الموجهة والمطاردة لهم من خلال كافة وسائط الاتصال الابداعي والاعلامي والمختلفة.

من هنا فان الدراما في تصديها لأفعال البشر في الماضي البعيد أوالقريب، وإعادة صياغتها جماليا، تعمل علي تحضير التاريخ أمام متلقي اليوم، أي أننا نري التاريخ حاضرا أمامنا وكأنه يحدث اليوم، فنري الملك فاروق والملكة نازلي والنحاس يتحاورون أمامنا وكأنهم يتكلمون عن موضوعات نعيشها بالفعل، وهو ماجعل البعض يري في هذا المسلسل حديثا عن الديمقراطية التي يتمني أن تكون حقيقية في حياتنا اليوم، ويشير إلي الشوارع النظيفة علي الشاشة علي أمل أن تكون شوارع اليوم مثلها، دون أن ينتبه إلي أن الفن لاينقل الواقع كما هو، بل يغسله كما كان يفعل 'محمد كريم' في أفلامه مع 'محمد عبد الوهاب'، حيث كان يغسل طرقات القري التي يصور فيها، وينظف ناسها ومواشيها، ويخفي أي شيء يشوه الصورة الفنية لهذا الواقع، وهو الحادث حتي اليوم في أعمالنا المرئية، فثياب الفلاحين الفقراء نظيفة، وبيوت المعدمين واسعة ومنظمة، ومن الافضل ألا تظهر أصلا، ويكفينا القصور الفاخرة والفتيات الجميلات.

والأمر كذلك من زاوية أخري حيث تعمل الدراما علي تاريخ الحاضر لمتلق قادم، فترصد صراع رجال الاعمال وطموحات الصاعدين وغرق العبارات وموت الشباب علي السواحل الاوربية. وفي كلتا الحالتين، هي تعمل علي توثيق الفعل أوالافعال التي تتصدي لرصدها وتمثلها، فتجعل من العمل المبدع وثيقة جمالية نطالع عبرها ­ اليوم أوغدا ­ الواقع القائم، والقيم السائدة فيه، والمفاهيم المتداولة داخله، وهذا العمل المبدع، المتحول لوثيقة دالة علي زمنها، هو قراءة خاصة لمبدعه، فردا كان أم جماعة، للفعل المتصدي له ولزمنه ولسياقه الاجتماعي. قراءة تتوازي أو تتداخل أو تتناقض مع قراءات أخري لذات الفعل، سواء وقع هذا الفعل واكتملت تفاصيله وتم توثيقه بكتابات ومدونات تاريخية، وحتي بمروريات فولكلورية لها صفة الثبات في المخيلة الشعبية وذلك بالنسبة للآداب والفنون الشعبية، أو مازال فعلا جاريا في الزمن الحاضر، ولم تكتمل له أركانه الخاصة به . وهي بالتالي تقدم عملا خاصا بصاحبه معلوم الهوية، لا نصا مقدسا، يطرد صاحبه من جنات الخلد إذا ماقدم هذا الفعل الماضي أو الحاضر ملونا برؤيته الخاصة، أو مفسرا وفقا لايديولوجيته المؤمن بها، أو مقللا لحجم وفاعلية أشخاص نتصور بناء علي قراءتنا الخاصة أنها وحدها الفاعلة، أو أنها علي الاقل شاركت في هذا الفعل، أو أن غيابها ناتج عن جهل مبدعها أو لحاجة بنفس يعقوب، والجدل الذي ثار حول مسلسل (الملك فاروق) أظهر هذا الخلاف حول شخصية آخر ملوك مصر والسودان، أكثر مادار حول بناء العمل الدرامي وتماسكه الفني، بل بدا أمر هذا المسلسل أشبه بما هو معروف في علم النفس باختبار، الذي تلقي فيه بقعة من الحبر علي ورقة مسطحة تطوي، ثم تعرض مفتوحة أمام أعين البشر، فيسقط كل واحد من الرائين ما بداخله عليها، ويري بقعة الحبر وكأنها تمثل مايود أن تمثله أو مايتصور أنها تمثله، فالكار هين لثورة يوليو رأوا فيه تمجيدا للزمن الافضل الذي أغتاله العسكر، وتمنوا عودته، والغاضبين علي الزمن الحالي، رأوا فيه نظاما يودون تحقيقه اليوم دون عودة إطاره القديم، بينما انخدع بعض ثالث بما روج حوله بأنه تصحيح لما تم تزييفه في كتب التاريخ، واجهه بعض رابع معتبرا أن ماجاء به هوالتزييف بعينه لهذا التاريخ.

أخبار النجوم في 12 يناير 2008