كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

النمطية والامتثال والتحريض في «الورود الصغيرة الحمراء» لزانغ يوان

عدنان حسين أحمد

ينتمي المخرج الصيني زانغ يوان (1963) الى حركة الجيل السادس السينمائية في الصين. وهو خريج أكاديمية الفيلم في بكين. ظهر اسمه مباشرة بعد قمع التظاهرة التي انطلقت من ساحة تيانانمين عام 1989، والتي أنجز عنها لاحقاً فيلماً وثائقياً يحمل عنوان «الساحة». ومن هنا اقترن اسم يوان بالتمرد على النظام الشمولي في الصين. وقد وُضِع غير مرة في الإقامة الجبرية في محاولة يائسة لترويضه، عسى أن يغير من نبرة التحدي التي تنطوي عليها معظم أفلامه الوثائقية والروائية. وفيلم «الورود الصغيرة الحمراء» لا يشذ عن بقية أفلامه الجريئة التحريضية المستفزة.

امتثال

تدور أحداث هذا الفيلم الروائي بعد الثورة الصينية التي تحولت فيها الصين الى بلد اشتراكي ذي طابع شمولي مستبد يميل الى النمطية، وينأى عن التنوع والاختلاف. والأطفال الصغار الذين يلعبون دور البطولة في هذا الفيلم هم أبناء الطبقة العاملة الذين يجدون أنفسهم في رياض الأطفال التي تحتضنهم، وتربي فيهم روح التماثل والتطابق في كل شيء، بينما يذهب الآباء الى المصانع والمعامل طوال ساعات النهار. يُسند دور البطولة المطلقة في هذا الفيلم الى الطفل «كويانغ» الذي لم يبلغ عامه الرابع، ولا يزال متعلقاً بوالديه. حينما يتركه والده يظل يبكي على رغم عناية المربية المعلمة «لي» وطاقم المدرسة الداخلية به.

يعاني كويانغ من مشكلات عدة من بينها انه لا يحسن نزع أو ارتداء ملابسه، لذلك يتحول الى موضوع للسخرية أمام رفاقه الصغار من كلا الجنسين. كما أنه يبلل فراشه ليلاً، ولا يستجيب للأوامر التي تصدرها المعلمات إلا بعد لأي كبير. وأكثر من ذلك فإن لديه نزوعاً نحو العزلة والتوحد، وكأنه محتفٍ بعالمه الداخلي الخاص، ولا يريد التكيف والانسجام مع أقرانه الصغار الذين ينالون رضا المعلمات ويحصلون على زهور صغيرة حمراء تثميناً لطاعتهم والتزامهم بالأوامر المدرسية.

كلما تزداد الضغوط على كويانغ يزداد تمرداً، ويتضاعف عناده، لكنه لا يفهم السر الكامن وراء حرمانه من هذه الورود الصغيرة الحمراء المثبتة على لوح كبير معلق على أحد جدران المدرسة الداخلية. لم يبقَ كويانغ على براءته الأولى، إذ سرعان ما يكتشف في نفسه القدرة على مشاكسة الآخرين، فيخرج عن الطوق الذي ضربته إدارة المدرسة عليه. ويبدو أن عمليات غسل الدماغ لا تنفع معه. لأن السجن الانفرادي لم يروضه، فكيف بالعقوبات التي يعتبرها مألوفة وعابرة طالما أنها تطبق على الجميع؟ يحاول هذا الطفل الصغير أكثر من مرة أن يهرب من هذه المدرسة الداخلية ذات الشروط القاسية، ولا شك في أن محاولات الهروب تنطوي على معان مجازية يمكن تأويلها من دون عناء كبير بأنها هروب من النظام الشمولي المستبد الذي يخنق بناءه صغاراً وكباراً.

يتضاعف تمرد هذا الطفل الى درجة أنه يرى في معلمته «لي» وحشاً مخيفاً، لها ذيل طويل، وتلتهم الأطفال الصغار كلما سنحت لها الفرصة. لا شك في أن أداء الطفل كان جذاباً، ومقنعاً. كما أنه يثير تعاطف الآخرين لأنه يريد أن يكون متحرراً على الأقل من ضغوطهم وشروطهم القاسية التي تحد من حركته، وتقيد من تواصله مع صديقته الصغيرة التي تحبذ صحبته، وتبدد وقتها معه طوال النهار. وحينما ينهمك معها في بعض الألعاب البريئة كأن يكون هو الطبيب، بينما تلعب صديقته دور المريضة، تلاحقه الشكوك عندما يهم بزرقها إبرة كاذبة لأن المعلمة تظن أنه غير مؤدب ويحاول أن يرى الألبسة الداخلية للفتيات الصغيرات.

لعبت روضة الأطفال بوصفها مكاناً ضيقاً، دوراً مهماً في تعزيز رؤية المخرج التي ترى في الصين، هذا البلد العملاق جغرافياً، سجناً يحاول حتى الأطفال الصغار أن يهربوا منه، فكيف بالكبار الذين تتفاقم عليهم الضغوط في بلد لا يحسن غير التركيز على النمطية والمشابهة والامتثال؟ والغريب أن الأطفال الصغار حينما يخرجون للنزهة مع معلماتهم لا يشاهدون سوى القطعات العسكرية التي تتدرب ليلاً نهاراً، عندما يقلدون حركات الجنود فإنهم لا يتعلمون سوى أداء التحية وبعض العبارات التي لا تخرج عن حدود الطاعة العمياء.

ولا بد من التنويه الى أن فيلم «الورود الصغيرة الحمراء» حظي باهتمام أبرز المهرجانات الأوروبية من بينها مهرجان برلين السينمائي، ومهرجان سندانص السينمائي كما عرض بنجاح في الدورة السابقة لمهرجان مراكش الدولي في المغرب.

كما ان القنوات التلفزيونية المتخصصة بعرض الأفلام السينمائية قد انتبهت الى أهمية هذا المخرج الجريء فقررت عرض معظم أفلامه كما تفعل «فيلم 4» البريطانية.

الحياة اللندنية في 11 يناير 2008