كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ضوء ...

دروس السينما الإيرانية

عدنان مدانات

نحن أمام قصة بسيطة لفيلم إيراني بعنوان “أين بيت صديقي”. عرض فيلم “أين بيت صديقي” في العام 1987 في أكثر من مهرجان سينمائي دولي ونال منها العديد من الجوائز وشكّل عرض هذا الفيلم الذي أبهر كل من شاهده بشفافيته وشحنة العاطفة القوية المبثوثة في ثناياه وعمق أفكاره مفاجأة سارة للأوساط السينمائية العالمية التي لم تكن تعرف شيئا عن السينما الإيرانية، وكان يظن أنها أصبحت مجرد بوق دعائي لأفكار الثورة الإسلامية. منذ هذا الفيلم سيصبح للسينما الإيرانية حضور كاسح في المهرجانات السينمائية الدولية وستحصد الأفلام الإيرانية أهم الجوائز في هذه المهرجانات وستضاف أسماء بعض المخرجين الإيرانيين إلى قائمة أهم المخرجين العالميين المعاصرين، ومنهم عباس كياروستامي، مخرج فيلم “أين بيت صديقي”.

بعد نجاح السينما الإيرانية عالميا تبين بعد انتشار الأفلام الإيرانية في العالم أن الفكرة المسبقة عنها بأنها بوق للسلطة غير صحيحة بتاتا، بل على العكس من ذلك فهي سينما تستقي مواضيعها من حياة بسطاء الناس وتتحدث بجرأة عن الفقر والتخلف والفساد في المجتمع المعاصر ولا تتورع عن توجيه اللوم إلى السلطة وإن من دون مباشرة تعرضها للمشاكل مع الرقابة.

تقوم الأفلام الإيرانية على مبدأ السهل الممتنع، فهي تروي قصصا بسيطة ظاهريا لكنها شديدة التأثير في النفوس وعميقة المعنى وواسعة ومتعددة الدلالات، أفلام تبرع في الكتابة على السطور وما تحت أو ما بين السطور، أفلام ذات حبكة قصة قد تبدو عادية للوهلة الأولى فيتفاجأ المشاهدون بتحولاتها غير المتوقعة التي تثري السرد وتجعله أكثر إثارة وتنجح في أن تنطلق من الخاص إلى العام وتكشفت عن براعة في السرد كان لها الدور الكبير في نجاح السينما الإيرانية عالميا ليس فقط في أوساط السينمائيين والنقاد المحترفين بل أيضا عند عامة المشاهدين.

السينما الإيرانية سينما مرتبطة بالتراث الإيراني الأدبي والفني وذات هوية وطنية واضحة، لكنها سينما منفتحة على الثقافات العالمية الكلاسيكية والمعاصرة. وقد قدر لي شخصيا أن أشاهد في العام 1993 في أثناء حضوري مهرجان الفجر للسينما الإيرانية في طهران العرض الأول لفيلم إيراني عنوانه على ما أذكر “نقطة الصفر” حول أزمة شاعر يعاني من العجز الإبداعي فيستدعي في خيالة كل المبدعين العظماء في كافة حقول الأدب والموسيقا والمسرح علهم يساعدونه في محنته الإبداعية، يستدعي شكسبير وتولستوي وبيتهوفن وكثيرين غيرهم كي ينجدوه. أثناء مشاهدتي لهذا الفيلم أصغيت لمقاطع من قصيدة تقول كلماتها المترجمة أسفل الشاشة “أريد أن أعيش هكذا، في كل عام أكتب كلمة، وفي كل جيل أخطو خطوة” فقد تبينت في هذه الكلمات واحدة من القصائد التي أحببتها للشاعر السوري الكبير محمد الماغوط من ديوانه “غرفة بملايين الجدران”. توقف بطل الفيلم لحظة بعد قراءة هذه الأبيات وختم قراءته لها فنطق بصوت حميم محمد الماغوط.

تعتمد السينما الإيرانية في غالبيتها، على الإنتاج البسيط غير المكلف، ولا تعتمد على التقنيات الحديثة المتطورة خاصة في مجال المؤثرات البصرية، ولكنها بالمقابل سينما متمكنة حرفيا ومهنيا لا تعاني من العيوب الحرفية التي نجدها في معظم الأفلام التي تصنع في دول العالم النامي، سينما متقنة صوتا وصورة، كتابة وإخراجاً، سينما يصنعها مخرجون موهوبون لكل منهم لمسته أو أسلوبه الإبداعي المميز. سينما لا تعتمد على نظام النجوم بل على الممثلين غير المحترفين الذين يتم انتقاؤهم من عامة الناس. وهم يظهرون على الشاشة بشكل مقنع وكأنهم يمتلكون الخبرة الطويلة في مجال التمثيل. وتنطبق هذا الملاحظة بخاصة على الأطفال الذين يقومون بأدوار البطولة ويتحملون عبء أحداث الفيلم كله. وهذا لا يعني انه لا يجري استخدام ممثلين محترفين، ففي العديد من الأفلام الإيرانية يوجد ممثلون محترفون إنما جنبا إلى جنب من غير المحترفين. والسينما الإيرانية محلية ووطنية التمويل تعتمد على وعي المستثمرين في القطاع الخاص من أصحاب الأموال الإيرانيين لأهمية الفن وبالتالي يقدمون الدعم اللازم لإنتاج الأفلام الوطنية.

وليس هذا فقط، فغالبية المخرجين، خاصة الذين اشتهروا خارج إيران فنانون يتمتعون بثقافة واسعة وشمولية، متعددو المواهب والإنجازات الإبداعية، هم في الوقت نفسه رسامون وكتاب روائيون وشعراء وحتى مفكرون وباحثون لهم مؤلفات في مجال فكرية ثقافية متنوعة.

تعطي السينما الإيرانية درساً حول إمكانية خلق سينما وطنية في دول لا توجد فيها سينما، إنما يوجد سينمائيون طموحون. وهذا ينطبق على العديد من الدول العربية، التي بدأ فيها الحراك النشيط لصنع أفلام وطنية من قبل جيل جديد، حيث تساعد التقنيات الالكترونية الرقمية على تحقيق هذاالطموح.

الخليج الإماراتية في 5 يناير 2008