صفحات ذات صلة

كتبوا في السينما

 

متعب في خطواته. هناته لا تخفي نفسها، كان يتقدم ببطئ مشوب برعشة خفية، يده اليمني تتراوح بين ملامستها لقلبه، وبين محاولة رفع كلتا يديه لتحية الجماهير، ثم يبتسم، إبتسامة مسحوبة من رحم الموت لتعلن عن نفسها أنا أحيا ، يتقدم الي المنصة، يصافح الاعلامي عماد الدين أديب، يسلم علي سلاف فواخرجي التي كان من المفترض أن تكون حبيبته في فيلم حليم ، ثم يعانق الممثل السوري جمال سليمان، قبل ان يتقدم للمنصة ليحكي عن مأساة مرض شرس ظل يعاني منه لمدة عام كامل. كان هذا هو الظهور الأعلامي الأخير لاحمد زكي، في المؤتمر الذي عقد للأحتفال ببدء تصوير اللقطات الأولي من قصة حياة عبد الحليم حافظ .. هل كان ثم ما يربط بين هذا النجم الذي يخطو لامعاً صوب نهايته وبين الشاب الخجول الذي ظهر في مدرسة المشاغبين أقل زملائه في المسرحية نجومية، غير قادر علي مجاراة سعيد صالح وعادل إمام في إطلاق النكات، ويبدو أن مخرج المسرحية قد وضعه في دوره الحقيقي، شاب فقير ضعيف، لا يتحدث إلا إذا طلب منه ذلك. ربما تكون البراءة العميقة لسمرته هي الشيء الوحيد الذي لم يتغير بين المشهدين، تحركاً ما بين البداية والنهاية.

يتفق الجميع في الشارع المصري علي حب أحمد زكي، ليس هناك إجماع علي فنان بقدر الاجماع عليه، تقريباً مثلما اجمعوا سابقاً علي حب عبد الحليم حافظ، لكن لعنة حليم طالت أحمد زكي وحالت دون براعته في إحياء تلك الروح وبثها حية أمام المشاهدين. هذا الفنان الذي لم يختلف عليه الناس حين أدي دور جمال عبد الناصر، ولا حين جسد السادات بكل مميزاته الشخصية، بذاك الغليون، والصلعة، ونفحة الكلام الخاصة، إذ لم يبخل أحمد زكي علي محبيه بأي تنازل عن شخصيته الحقيقية في سبيل إخلاصه للدور تماما.. يتبرأ هو من عاداته، يخلع زي عبد الناصر ليرتدي بذلة السادات ويتأقلم مع مقاييسها بسهولة، لذا لم يكن من الصعب عليه أبدا بلوغ حزن العندليب الأسمر. الكل كان متشوقاً لرؤية أحمد زكي في زي حليم ، فالجمهور يضع ثقة بصرية تامة في أداء أحمد زكي، لم يساور الشك أحداً ما علي قدرته تلك. في السابق حين كان احمد زكي ممثلاً لجيل الشباب الطائش، أيام (كابوريا) و(مستر كاراتيه)، شكك الجميع في تمكنه من تأدية دور حليم، وتم الحديث عن العبث بالرموز وعن غلظة صوت وملامح أحمد زكي في مقابل رقتهما لدي عبد الحليم، أما الآن فهناك إتفاق فرح علي أنه قادر علي ذلك بلا رهان ولا منافسة، وأحمد زكي بثقة الحكماء وبصيرتهم يعرف أيضا أنه سيتمكن من ذلك، غير أنه كما هو معروف، فالموت لا يهتم كثيرا بالبشر، يترفع عليهم، يتجاهل متعمداً ما يفعلونه، ويتركهم يتأسفون علي ما كان يجب أن يحدث.

يموت أحمد زكي في لحظة حافلة بالميلودراما وبالدلالات الأسطورية، بينما هو يمثل عبد الحليم. إنها لعنة المرآة القديمة: (يموت البطل فورما يري انعكاسه في المرآة)، والتي يتحداها أحمد زكي، فيما تكون هذه اللعنة صادقة علي غير عادتها وتفترس النجم في ذروة أداءه. يموت زكي بينما يؤدي دور الشخص الوحيد الذي يطاول قامته لا من حيث النجومية فحسب وإنما من حيث الكاريزما الخاصة.

يعي أحمد زكي هذا، فهل يتصور أحد أن يطلب فنان من منتج الفيلم الذي يؤديه أن يصور مشهد جنازته حال موته ويعرضها بدلاً من مشاهد جنازة بطل الفيلم الذي يمثله، اي بدلاً من مشاهد جنازة عبد الحليم حافظ، والذي مات في 30 مارس، مثلما مات احمد زكي في السابع والعشرين من نفس الشهر. هكذا أشيع عن احمد زكي انه فعل واعياً ليس فقط بأهميته المطلقة التي تطاول أهمية عبد الحليم وبطبيعة المرآة التي تفصل بينهما بل أيضاً واعياً بموته القادم. ذلك الموت الهادئ والمتوقع. هنا يكمن اختلاف هام بين النجمين: بالتحديد ففي اللحظة التي يتحقق فيها الوعي الصريح بالتشابه بينهما، من قبل أحمد زكي، يتم اختراق هذا التشابه، عبر اختلاف طفيف بين طبيعة تلقي نبأ موت أحمد زكي وتلقي موت العندليب.

كان الموت في حالة حليم موتاً مدوياً (انتحار الفتيات بإلقاء أنفسهن من البلكونات)، اما في حالة زكي فهو موت كموسي ثلمة، إنه موت بطيء وسرطاني بامتياز، كل يوم ينهش جزءاً جديداً، لا نفاجأ بالموت، علي الرغم من تفاقم كابوسيته في الأيام الأخيرة قبل وفاته. قبضة الموت تزور بلداً بأكمله (هل أقول عالماً عربياً؟). الكل كان يسأل متي سيموت (يختلف هذا السؤال بالبداهة عن سؤال هل سيموت أم لا؟) من هنا كان الحزن مضاعفا في زمن ما علي عبد الحليم حافظ، والآن الحزن أكثر علي أحمد زكي. يلتقي أحمد زكي مع حليم في عدة نقاط، بدءاً من الميلاد، فكلاهما فلاح شرقاوي، ينتمي لمحافظة الشرقية علي دلتا النيل، ورغم إختلاف نوعية عملهما الفني، كون زكي ممثلا، و حليم مطرباً، فكلاهما تمكن من الوصول لقلب الجمهور ببراءة نقية من المساومة علي الوسامة. لا يتمتع أيهما بمواصفات شكلية نموذجية تمكن الفتيات من عشقهما، والرجال من الغيرة منهما، كلاهما راهنا علي فنهما رغم المنافسات ووصلا لمكانتهما المميزة عبر إبداعهما الخاص، وكلاهما أيضا إشتركا في معاناة خبيثة مع المرض، انتهت بموت أوقف اي مشروع إبداعي مرتقب، فالموت الذي حال أيضاً دون تأدية حليم لأغنية من غير ليه التي غناها فيما بعد عبد الوهاب، حال أيضا هذه المرة دون تجسيد أحمد زكي لحياة عبد الحليم .

الكل يحسون أحمد زكي قريباً منهم، برغم كونهم لا يعرفونه إلا قليلاً.. حياة النجم الأسمر محاطة بالغموض نسبياً أكثر من بقية زملائه.. وكذلك فنه .. من منا يستطيع الإشارة إلي شخصية أداها ويقول: هذا هو أحمد زكي الحقيقي. وعندما أهداه إثنا عشر معتمراً عمرتهم في العشر الأواخر من رمضان الأخير كان هذا تصرفاً غير مسبوق مع نجم لا يمت للجمهور بصلة شخصية غير ما يرونه في أفلامه، وهو، يا للدهشة، يختلف في كل مرة عن المرة السابقة، لأنه دائما ما يعيد إنتاج شخصياته، يتقمص الشخصية المنوطة به أن يمثلها فيؤديها ببراعة تامة، فيتحرك من طه حسين إلي آدم ابو خطوة الي السادات الي حليم بسرعة وبمهارة. إنه الإخلاص المطلق لموضوع فنك لا لذاتك،وكأنه بذلك يؤكد العبارة التي قالها يوما عن نفسه في أحدي حواراته (أنا مجرد شخبطات علي ورق، يخرج منها الضابط والمدمن، والاستاذ، والرئيس). من هنا جاء ما أشيع عن احمد زكي أنه طلب من منتج الفيلم تصوير جنازته بدلا من جنازة عبد الحليم في فيلم العندليب: وكأنه بذلك يجعل من فيلم العندليب مستحيلاً بدون موته، أي بدون موت أحمد زكي نفسه. كأن الجمهور يتشوق لرؤية فيلم يحوي موت بطله الحقيقي، فيلم لم يكتمل كما أراده مخرجه وكاتب السيناريو وإنما كما أراده بطله الأسطوري المحاط بألحفة المرض البيض، تسكنه مندوزا وحشية، هي الوحيدة التي كان بيدها تحديد كم من الوقت سيعيشه النجم المريض، كما حددت من قبل كم من الوقت سيعيشه النجم الذي كان مريضاً. هكذا تطابق المندوزا الصورتين في المرآة علي بعضهما، تضعهما مقابل بعضهما وتجعل الواحدة منهما تستمد من الأخري وجودها.

كاتبة من مصر

كاتب من لبنان

القدس العربي بتاريخ 28 مارس 2005

 

ملف أحمد زكي

أحمد زكي يعود إلى القاهرة لاستكمال علاجه فيها

أحمد زكي أستاذ يحلم النجوم بالوقوف أمامه

حكاية صراع الامبراطور مع الالام في الغربة

الفنانون العرب والمصريون يلتفون حول أحمد زكي

محمد هنيدي:أحمد زكي مقاتل مملوء بالإيمان والتفاؤل

تصوير الضربة الجوية بعد الشفاء مباشرة

مديرة منزل احمد زكي تبحث له عن زوجة

ملف أحمد زكي

احمد زكي طلب استخدام جنازته لتصوير رحيل عبد الحليم في الفيلم!

الاجماع علي محبة الممثل يشبه الاجماع علي حب المطرب الراحل والتشابهات بينهما غريبة

ليلي علوان و ناجي طرابلسي

الحاجة رتيبة..علامة استفهام في حياة أحمد زكي

منهم لله.. شوهوا صورتي.. علاقتي مع المرحوم ابني زي الفل!!

حزن الدنيا كوم.. وحزني كوم تاني!!

سحر صلاح الدين  

علامات استفهام غامضة.. وحصار حديدي.. حول الحاجة رتيبة والدة أحمد زكي التي طالتها شائعات وحكايات تفوقت علي أساطير ألف ليلة وليلة.. والحقيقة إنها امرأة عادية مثل سائر الامهات.. توفي زوجها وهي شابة صغيرة.. واضطرت للارتباط بغيره.. وذهب أحمد إلي بيت جده.. ولا نجد في هذا عيباً أو حراماً.

ورغم المحاذير والاسرار وصلنا إليها لنكشف الحقيقة.. ونحترم وصية أحمد زكي ل "الجمهورية".. بألا نتوغل في خصوصياته.. إلا لتصحيح الأمر.. ووضع الأمور في نطاقها المظبوط بعيدا عن الأقلام المغرضة التي حاولت المتاجرة به حياً وميتاً.

في اللحظات الحرجة الأخيرة في حياة زكي كان الكل يسأل بدهشة أين الحاجة.. من ابنها الكبير.. اليس من الواجب أن تكون إلي جواره.. وهو قاب قوسين أو أدني من الرحيل إلي جوار ربه..؟!

تفسر الحاجة رتيبة هذا الموقف بقولها:

كنت أزوره وأقابله.. وأجلس بجواره ثم أعود إلي الشرقية.. لاني لم أكن اتحمل رؤيته علي هذا النحو.. كان قلبي يتمزق.. وأنا امرأة ريفية.. ورغم ان السفر الدائم يسبب لي متاعب لا يعلم بها الا الله.. إلا انه ابني وحبيبي وأكبر أولادي وأعزهم إلي قلبي.. فهو العطوف الكريم الذي يحب الجميع.. ويعطي الجميع بلا حساب.. ويساندهم.. ولا ينسي أهله واخوانه في كل مناسبة.. بالهدايا والعيديات وكان يساعد الغريب قبل القريب.. فراق أحمد.. صعب صعب.. ولكنها إرادة الله.. الناس لا تعرف كيف تفارق الأم أول بختها.. "انه سندي.. ومين ياخد بايدي بعده".

حقيقة علاقتنا

كان ضرورياً أن نسأل.. عن كل ما كتب هنا وهناك ومدي صحته.. فقالت بصوت حزين: ربنا يسامحه.. كل من كتب عني أو عن ابني كلمة كاذبة.. غير صحيحة وعندما كنت أعرف بهذا الكلام كنت أبكي وأقول حسبي الله ونعم الوكيل.. لقد بني لي ولاخوته بيتا في الحسينية شرقية وعلاقته بي وبكل اخوته غير الاشقاء "زي الفل".

ورغم مشاغله كان يعرف أخبارنا ويتصل بنا دائما.. ويدعوننا إلي بيته وأنا لم أفرط فيه بعد وفاة والده الحاج عبدالرحمن وكيف تفرط الأم في ابنها.. ووالده كان ميسورا.. وكنت أنفق عليه من فلوسه.. التي كانت تحت سيطرة المجلس الحسبي ثم جاء بعد ذلك إلي القاهرة.. لكي يدخل المعهد وبدأ يصرف علي نفسه ويعتمد علي دخله بعد ذلك.. ثم بدأ يصرف علينا جميعاً.

وأحمد طول عمره.. بيحب يكون في حاله.. ولا يحب ان يشكي همومه لأحد.. ويحب يشوف السعادة لغيره.. قبل ما يشوفها لنفسه.

..ولم تتوقف الشائعات التي طالت الحاجة رتيبة.. فقالوا إنها لم تذهب إلي المقابر.. مع ابنها إلي مثواه الأخير؟!

وقالت مندهشة ازاي يا ناس ده ابني.. أنا عندي كام أحمد لقد ذهبت الي قبره.. ورجعت بعد دفنه إلي بيت شعبان ابن خالته بمدينة نصر.. ثم إلي شادر العزاء.

ولا يمكن لأي انسان في العالم أن يحزن علي أحمد مثل حزني.. لانه "حتة مني" وربنا يعوضني عن أحمد بهيثم أشوف فيه المرحوم.

وهيثم ربنا يكون في عونه.. أصبح يتيما مثل أبيه.. لكنه سيعيش في عيون جدته واعمامه وخالاته.. ومصر كلها.

وحسمت الحاجة رتيبة الأمر بخصوص شقة المهندسين وقالت: حد الله بيني وبين "حاجة هيثم".. عندي بيتي وحياتي.. وهيثم يحتاج أن نقف بجانبه في مستقبله.. ولا نأخذ منه.

وكل كنوز الدنيا لا تعوضني عن أحمد.. وانهارت في البكاء.. بلا توقف.. ونظن انها.. ستبكي طويلا طويلا.. كان الله في عونها.. وعوننا!!.

الجمهورية المصرية

29 مارس 2005

 

صور لأحمد زكي

كل شيء عن أحمد زكي

شعار الموقع (Our Logo)