حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

توثيق بصري لتحوّلات المكان والزمان المصريَّين

"تحرير 2011" للمصريين عزّت وأمين وسلامة

نديم جرجوره

ثلاثة مخرجين تعاونوا معاً لتحقيق فيلم وثائقي مؤلّف من ثلاثة أجزاء: "تحرير 2011: الطيّب والشرس والسياسي" ("مسابقة الأفلام الوثائقية"(. المخرجون الثلاثة هم: تامر عزّت وآيتن أمين وعمرو سلامة. الفيلم جزءٌ من الحكاية الشعبية المصرية، المواكبة لتحوّل سياسي واجتماعي وثقافي أدركته مصر بفضل "ثورة 25 يناير". تحوّل أدّى إلى كسر جدار الخوف من السلطة القامعة، وأفضى إلى إسقاط حاكم متربّع على عرش مصر لمدّة ثلاثين عاماً. الفيلم مستلٌّ من وقائع المواجهة السلمية اليومية، التي خاضها مصريون كثيرون على مدى ثمانية عشر يوماً. مستلٌّ من حقائق عاشها شبابٌ متحمّسون لخوض معركتهم السلمية ضد الطاغية، وملتزمون اللاعنف درباً إلى تحقيق الأهداف. الفيلم، الموزّع على ثلاثة عناوين أساسية، مرآة شفّافة عكست بعض المعاناة والألم والقهر والخوف، وشيئاً من الاعتزاز بالنفس والثقة بالقدرات الإنسانية السلمية على المواجهة. ثلاثة عناوين قدّمت الراهن انطلاقاً من مجريات الحدث، أو انطلاقاً من تاريخ قريب، استعاد المخرجون الثلاثة جوانب رئيسية منه، لتبيان المسار المأزوم الذي غرق فيه المصريون منذ ثلاثين عاماً، بل منذ سنين طويلة.

لا يُمكن فصل الأجزاء الثلاثة بعضها عن البعض الآخر. لا يُمكن، بالتالي، نسبة جزء ما إلى مخرج معيّن. بدا أن التداخل في السياق الحكائي محسوب بدقّة، والاختفاء وراء عمل جماعي دليل على تفكير نابع من توافق على مبادئ حدّدها الحراك الشعبي السلمي، ومختلفة عن بعضها البعض على مستوى هواجس كل مخرج منهم وأسلوبه الخاصّ بقراءة الآنيّ، ومحاولة إدراك المقبل من الأيام. في المقابل، حمل كل عنوان من العناوين الثلاثة تلك جزءاً من حكاية شعب ومجتمع وبيئة. ذلك أن "الطيّب" مرتبط بالناس الذين اختاروا الشارع للتحرّك، والنَفَس السلميّ للحراك، ووسائل المواجهة والمقاومة والتواصل والتقارب. و"الشرس" متعلّق بنماذج مختارة من بين ملايين الأشخاص، لرجال الشرطة وقصصهم وانفعالاتهم. أما "السياسيّ"، فلعبة ساخرة وجميلة: تقديم ملاحظات تحليلية للسياق الذي جعل حسني مبارك حاكماً ديكتاتورياً بامتياز، منذ تولّيه منصب نائب الرئيس، وانتقاله إلى الرئاسة إثر اغتيال أنور السادات، في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1981. في كل جزء قصّص لا تنتهي عن أناس التقوا الموت مراراً، لكن غالبيتهم تغلّبت عليه، بينما سقط آخرون شهداء كرامة وخبز وعدالة وحرية. في الجزء الأول، حكايات ميدانية عن آليات الاشتغال والتضامن، وكيفية اختراع الوسائل المتواضعة للحماية والمعالجة الطبية الميدانية والتصوير والكتابات وغيرها من التفاصيل اليومية، فإذا بالفيلم يؤرشف بعضها بالصوت والصورة. في الجزء الثاني، حكايات رجال شرطة ظنّوا الوظيفة وسيلة إنسانية وأخلاقية لحماية الناس، قبل أن يكتشفوا ويكشفوا ذاك القاع المليء بالفساد والغضب والتوتر. في الجزء الثالث، امتزج التحليل السياسي بالسخرية المريرة، عبر فهم دلالات استخدام مبارك وصحبه "صبغة" الشعر، وتنظيم أغاني وإعلانات له وعنه، وزرع صُوره في الأزقة والشوارع والطرقات العامّة، وتسمية كل شيء باسمه أو باسم زوجته.

إذا شكّل "الطيّب" مفتاح الحكايات كلّها في "تحرير 2011"، وإذا صنع "الشرس" صورة عن أحد أهمّ الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية وأخطرها، فإن "السياسيّ" بدا نموذجاً كوميدياً مليئاً بالمرارة الظاهرة في كلمات وتحاليل وروايات خاصّة وعامّة، تمحورت كلّها حول مبارك وزوجته وابنهما جمال ومريديهم. الكوميديا السوداء صفة أفضل لمناخ "السياسيّ". صفة مشبعة بالهزء المصري وقسوة الطبيعة البشرية، وبالقدرة الفردية على اجتراح معجزة التفلّت من كل قيد. ثلاثة أجزاء متتالية، رسمت ملامح حقبة راهنة ومفتوحة على مزيد من الأسئلة المتعلّقة بالحياة والمستقبل والبلد والبيئة الاجتماعية. ثلاثة أجزاء في فيلم وثائقي سرد واقعاً، وحلّل نظاماً وأشخاصاً، وقدّم جزءاً من حكاية الفرد المصري في مقارعته الخوف والتغلّب عليه أولاً، وتجاوز الخوف هذا باتّجاه العمل الفعلي على تحقيق حلم الكرامة والخبز والعدالة والحرية ثانياً.

من داخل المهرجان في

13/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)