حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الحادي والستون

مهرجان برلين ينطلق هذا المساء بفيلم "أوسكاري" للأخوين كووين

الـ3D  للرجـال والـكلـمـة الأخـيرة لـلـنـسـاء!

برلين - من هوفيك حبشيان

مُربِكٌ مهرجان برلين هذه السنة. لا نعرف ماذا نقول في شأنه. التظاهرة التي لمّت شمل الألمان، تاريخاً وجغرافيا وقيماً، من خلال فنّ منحوه كثيراً بدءاً من عشرينات القرن العشرين من خلال تيار التعبيرية الألمانية، تنطلق هذا المساء بآخر انجاز للأخوين كووين، "ثرو غريت"، الذي يتصدر ترشيحات الأوسكار (عشرة، منها "أوسكار" أفضل فيلم). المهرجان مُربِك لأن الأسماء محيّرة، لا تحمس كثيراً للوهلة الأولى. محيّرة لمن يتناولها من دون أن يكون مطلعاً على تفاصيل أعمالها الجديدة. والأسماء محيّرة لأنها جديدة لم تثبت كفايتها بعد.

لذلك، يبدو المهرجان مشرعاً أمام الاحتمالات كافة، ولا شيء أكيداً سوى أن الادارة تفتح المجال أمام أساليب جديدة في البقاء والصمود ومقاومة العملاق "الكانيّ" الذي يستمر في اقتناص المكرّسين. لم يبق أمام المدير ديتر كوسلكيك الا مواجهة الارهاب السياسي بإرهاب سينمائي (مسلسل جعفر بناهي سيرافق المهرجان على مدار ايامه الأحد عشر)، والاشارة الى الظلم في بقع جغرافية حساسة، والاتيان بأفلام، منها حتماً ما سيثير الاستياء كالعادة. بالاضافة الى اسناد رئاسة لجنة التحكيم الى الممثلة ايزابيلا روسيلليني التي سقطت في الأعمال البليدة منذ عقد ونصف العقد.

لن تكون هناك زحمة كبيرة للنجوم أمام قصر الـ"برليناليه"، لكن السجادة الحمراء لم تكن يوماً من أوليات حدث كهذا، هنته أنه يُعقَد في ظروف مناخية قاسية لا تتيح المجال للبهرجة على هامش النشاطات. لكن عندما نعلم ان واحداً من أهم اباطرة الفن السابع، لا بل الفنّ في مجمله، انغمار برغمان، سيكون شبحه حاضراً، من خلال استعادة لم يسبق لها مثيل من قبل، فإن الحواجز المعنوية والمادية تسقط أمام متعة ملاقاة أفضل ما قالته السينما عن الطبيعة البشرية.

ثلاثة أفلام ثلاثية البُعد في التشكيلة الرسمية! هذا عنوان بذاته. مهرجان برلين يريد أن يحصد ما زرعته هوليوود منذ بعض الوقت لإنعاش شبابيك التذاكر. ستحصده، ثم تعطله أو تقترحه بصلصة أوروبية. لكن الأغرب ان اثنين من هذه الافلام الثلاثة هما لإثنين من أهم مخرجي السينما الألمانية: فرنر هيرتزوغ (بعد ترؤسه لجنة التحكيم العام الماضي) الذي خذلنا بنسخته الثانية لفيلم "الملازم السيىء" (أبيل فيرارا، 1992) وأثار هيجان "دفاتر السينما"، يعود هنا بوثائقي "كهف الأحلام المنسية"، يستكشف فيه مخرجنا المغامر مغارة شوفيه في منطقة ارديش (فرنسا). الى جنبه في برلين، سنجد زميلاً قديماً له، فيم فاندرز، الذي يحلّ في التشكيلة الرسمية بفيلم عن مصممة الرقص الالمانية الراحلة بينا بوش. الاثنان يقتحمان ميدان تقنية لا يزال الأوروبيون يختبرونها من دون أن يدركوا تماماً ما امكاناتها وتوظيفاتها الجمالية. لكننا نطمئن حين نتذكر ان كل فيلم لهذين الاثنين هو قول استيتيكي ايضاً.

عموماً، هذا اختراع آخر يربك السينما الأوروبية، ولا يعرف القائمون عليها كيف ينافسون بها عاصمة السينما الأميركية، علماً ان الدخول الى هذه التقنية تجري عند السادة الأوروبيين من باب أفلام تجريبية غير جماهيرية، وهذه خطوة طليعية، لأن الـ3D كانت مخصصة عموماً الى الأفلام التي تذخر بالمؤثرات البصرية. الى هذين، ينضم مخرج التحريك ميشال أوسلو، خليفة بول غريمو (مخرج "الملك والعصفور" عام 1979)، بفيلم كرتوني عنوانه "حكايات الليل". أوسلو، لنتذكر قليلاً، كان قد أنجز الفيلم البديع "أزور وأسمر"، الذي لفّ الدنيا وشغل الناس، عن التسامح وامور أخرى من وحي زمن التعصب.

22 فيلماً في التشكيلة الرسمية، 16 منها في المسابقة الرسمية، علماً ان مسابقة العام الماضي كانت تتضمن 20 فيلماً. تقشفٌ أم اخفاق في وضع اليد على عناوين لافتة لسينمائيين لا شكّ انهم موعودون بالذهاب الى مهرجان كانّ؟ اللافت ان 12 من أصل 22 فيلماً هي أفلام تكاتفت دول عدة لصنعها. هذا يعني ان الانتاج المشترك لا يزال في طليعة اهتمامات السينما في الغرب، وهذا ما يسمح له بإنجاز الاعمال. 19 بلداً تشارك كاملاً أو جزئياً في المسابقة: الأرجنتين، النمسا، ألمانيا، فرنسا، انكلترا، المجر، ايران، اسرائيل، لوكسمبورغ، المكسيك، هولندا، بولونيا، كوريا، روسيا، سويسرا، تركيا، أوكرانيا، أوروغواي، الولايات المتحدة.

في المقابل، نلاحظ من القارة الآسيوية، غياب الصين واليابان، وهما بلدان سينمائيان كبيران، دعك من الغياب التام للعالم العربي. كذلك تراجع حضور لبلدان كإسبانيا وايطاليا وأسوج والجانب الشرقي من أوروبا. طبعاً التوزيع الجغرافي ليس أكثر ما يشغل مهرجان برلين، بقدر ما يهمه انتقاء أعمال تتماشى مع نهجه التحريري. فالفيلم الايراني مثلاً لا بدّ منه في كل دورة، نظراً الى التعاون السينمائي بين المهرجان وصندوق دعم للسينما الايرانية. هذه الدورة شاهدة على عودة أصغر فرهادي الذي صعقنا قبل عامين برائعته "عن ايلي"، بـ"نادر وسيمين، انفصال". ترى ماذا في جعبة أحد أذكى المخرجين الايرانيين الذي تم توقيفه عن العمل نتيجة مساندته قضية بناهي قبل ان يُسمح له بمتابعة التصوير؟! هذه المشاركة ليست الوحيدة للسينما الايرانية، اذ، بعد تأزم قضية بناهي الذي كان من المنتظر ان ينضم الى لجنة التحكيم، قررت ادارة الـ"برليناليه" التصعيد، ولم تقبل أقل من ان يُعرض فيلمه "ضربة جزاء" ("الدبّ الفضي"، 2006)، غداة الافتتاح، في الحادي عشر من شباط، اي في ذكرى الثورة الايرانية. علماً ان افلام اخرى لبناهي ستُعرض في برلين، وسيقدمها الى الجمهور من لهم علاقة بالسينما الايرانية. واحد من هذه الأفلام سيتولى رفيع بيتس (مخرج "الصياد"، 2010)، تقديمه الى الجمهور، وهو السينمائي الذي اعلن موقفاً واضحاً في الصحف من توقيف بناهي. اذاً، المهرجان كله في خدمة مخرج "الدائرة" هذه السنة.

الحصة الكبرى في المسابقة للدمّ الجديد. لا شيء مفاجئاً في مهرجان رفض على الدوام أن يكون منبراً للحداثة والروح الشبابية. يكفي النظر الى ملصق هذه الستة. شيء من الـ"ريترو"، وشيء من الشغب الشكلي، يجتمعان للتعبير عن حدث تجاوز الستين من العمر بسنة واحدة. العنصر النسائي هو الآخر كان حاضراً في كل مراحل تطور الـ"برليناليه"، وهذه الدورة لا تخرج على الدرب المعتاد، مع حضور طاغ للمخرجات، كما أعلن كوسليك في مؤتمره الصحافي. في لجنة التحكيم اربع نساء وثلاثة رجال (من ضمنهم المغيّب بناهي)، هذا يرسم منذ الآن بورتريهاً للائحة الجوائز، اذ الكلمة الأخيرة لهنّ. أما مادونا التي انتقدت بشدة مشاركتها الأخيرة في برلين، فيبدو أنها استأجرت سينما لعرض فيلمها الذي يحكي لقاء غرامياً بين امرأة مطلقة والملك الانكليزي ادوارد الثامن. وقال مصدر إن الفيلم قد يذهب الى كانّ في ايار المقبل!
 

أربعة أعوام بعد الوسترن الملهم "لا بلاد للعجائز" الذي عُرض في كانّ، يطلّ الأخوان كووين من برلين هذه المرة. هما اللذان جربا حظهما في السنوات الأخيرة في المهرجانين المنافسين، كانّ والبندقية، لكن لم يحالفهما الحظّ في اقتناص الجوائز في اي منهما. جديد الأخوين "ثرو غريت"، ريميك. لكن الريميك معهما يأخذ معنى آخر، ولا بد أن هناك سبباً ما في استعادتهما إحدى كلاسيكيات سينما الوسترن، وهو تحديداً فيلم لهنري هاتاواي من بطولة جون واين انتج عام 1969. جيف بريدجز هو الذي يتولى الدور الذي لعبه الكاوبوي الأميركي الأشهر، الى جانب مات دايمون.

من الأسماء التي تثير الريبة والاعجاب عند سماعها: بيلا تار الذي يشارك بـ"حصان تورينو". المخرج المجري قال مراراً ان هذا الفيلم سيختم مساره الذي انطلق قبل أكثر من ثلاثة عقود. لنر اذا كان الكلام مجرد كلام أم رغبة حقيقية في الانتهاء مع مهنة تثقل كاهل مخرجنا الغاضب. تشارك في انتاج الفيلم المجر وسويسرا وألمانيا وفرنسا، وهو تمثيل اثنين من الممثلين ظهرا في فيلم تار الأخير، "رجل من لندن"، التشيكي ميروسلاف كروبوت والمجرية اريكا بوك، وينضم اليهما الألماني فولكر سبانغلر، الذي سبق أن وقف قبالة كاميرا فاسبيندر في أحد أفلامه. عملية التقاط المشاهد التي جرت في المجر قيل انها استغرقت 35 يوماً. أما النص فكتبه تار مع رفيق القلم الخاص به لازلو كرازناهوركاي، وهو أفلمة حرة لفصل من الفصول التي وضعت خطاً نهائياً لمسيرة الفيلسوف فريديريك نيتشه: في الثالث من كانون الثاني من عام 1889، القى نيتشه بنفسه أمام خيل لاهث ومعذب قبل أن يفقد الوعي. هذا الحدث هو الذي أدخل الفيلسوف في صمت مطبق وجعله يغوص في الجنون. ويتردد أن ما يريده تار من هذه القصة هو النظر في مصير كلٍّ من صاحب الحصان وابنته، مع ادراج الجو العام للفيلم في مناخات فقر وبؤس سيكونان المدخل لنهاية العالم.
 

فقط ثلاثة افلام تعدّ الأولى لمخرجيها في التشكيلة الرسمية لهذه السنة: "ألمانيا" لياسمين سامديريللي، و"الجائزة" لباولا ماركوفيتش، و"اتصال مارجين" لجاي سي شاندور، الذي على رغم خطوته الاولى خلف الكاميرا، استطاع أن يقنع أمثال كافين سبايسي وجيريمي ايرونز وديمي مور وبول بيتاني، جامعاً إياهم في ثريللر من وحي الانهيار الاقتصادي. تتضمن المسابقة ايضاً باكورة الممثل رالف فاينز، "كوريولانوس"، وثاني فيلم لجوشوا مارستون، مخرج "ماريا الممتلئة نعمة" الذي سيروي في جديده "غفران الدم" معاناة عائلة البانية تواجه عملية انتقام.

يجد المهرجان نفسه هذه السنة غارقاً في الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالعالم شرقاً وغرباً، في ظلّ الحديث عن وجود أفلام مثيرة للغثيان في القسمين الموازيين، مثل الـ"فوروم" و"البانوراما" اللذين لا توحي العناوين فيهما بأي شيء، نظراً الى حداثتها وجهلنا لمضامينها. بين قضية بناهي وحادثة الفيلم الوثائقي المسروق عن السجين ميكاييل خودوركوفسكي، لا ينسى ديتر كوسليك أن مَن يقطن الصالات المظلمة من الصباح الى منتصف الليل، لا يقصدها فقط من أجل الحزن بل من أجل الحلم ايضاً...

 

برغمان الذي طارد الحبّ والموت...

استعادة شبه كاملة يقيمها مهرجان برلين هذه السنة للمخرج الاسوجي انغمار برغمان بعد ثلاثة أعوام ونصف العام على رحيله. أفلام له وعنه في نسخات مرممة.  

وهب معبد السينما نحو 60 عملاً، ينتمي معظمها الى التراث السينمائي العالمي. تقاليد بلاده أسوج وسلوكياتها طارت الى العالم على متن أفلامه ذات الافكار الكبيرة. الوضع الانساني جسّد العنوان العريض لسينما كان لها تأثير بالغ الاهمية في وجدان معظم السينمائيين العالميين. من النادر لقاء مخرج، سواء في الغرب أو الشرق، لا يضع برغمان في لائحة الخلاّقين الذين يعزّون على قلبه.

دارت سينماه على مواضيع انسانية عميقة، واستجوب كل تلك التفاصيل والأشياء غير الخاصة بزمان ومكان معينين. طارد الحبّ والموت، وتطرّق الى العزلة والقلق والايمان، ودائماً كان همّ اعادة الانسانية الى الانسان يتوّغل في أقل وحدة تصويرية. واذا كانت أفلامه قد شُبِّعت بالحزن والتعاسة والبحث المزمن والمرضي عن أجوبة، فذلك لأنه تعاطى مع الحياة باعتبارها التراجيديا الكبرى. لم تخلُ أفلامه من الثقل العاطفي، وعرف كيف يسلك لغة الصورة طريقاً للدخول الى القلب والعقل في آن واحد، وهذا كله كان طالعاً من ايمان عميق بأن السينما، بحسب تصريح شهير له، هي وسيلة التعبير الوحيدة المتبقية، وتمثّل بالنسبة اليه غريزة. اعتنق السينما ديانة، الشك فيها أبلغ من اليقين.

حياته السينمائية كانت صاخبة ومثمرة في الخمسينات والستينات، وصولاً الى الاعتراف وقمّة المجد في السبعينات، وشبه الاعتزال الاختياري في الثمانينات، والعودة الاستثنائية الى حلم السينما البهيّ في الالفية الثالثة مع "ساراباند"، عاكساً نظرة سوداوية لواقع الشيخوخة. للجانب التشكيلي والتقني والبصري أهمية كبرى في أفلامه، وهو ثمرة تعاون تاريخي ووثيق بينه وبين مدير التصوير الكبير سفين نيكفيست. فالكادرات القريبة والضخمة والقوية، على وجوه الممثلات الأثيرات لديه، من بيبي اندرسون الى ليف أولمان مروراً بأولا ياكوبسون، جعلت منه فناناً متكاملاً يستخدم كاميراه كريشة، أو تشكيلياً يرسم الاجواء الانسانية بألوان غالباً ما تكون قاتمة ودافئة، ولا نبالغ اذا قلنا إن أقل لقطة لديه هي بذاتها درس سينمائي. كذلك، تميّزت لغته السينمائية بالوصلات التوليفية ذات الاظلام التدريجي والفلاشباكات، والميل الى التراجيديا والمعالجة النفسية والطرح الميتافيزيكي. ظلّ الانسان محور اهتمامه الدائم، لا سيما المرأة التي حمل صوتها ومشروعها ورؤيتها من فيلم الى آخر، حدّ انه صار يُعرَف بـ"مخرج النساء". 

 

إستعادة

عشرة أفلام لأريك رومير في بيروت

الــكـــــــلام يــولّـــــد ايــروســيـــة

مضى عام على رحيل اريك رومير. "متروبوليس" (أمبير - صوفيل) تستذكر السينمائي الفرنسي الكبير من خلال عرض عشرة من أهم أعماله. الناقد في مجلة "بوزيتيف" جان كريستوف فيراري كان موجوداً مساء الاثنين الماضي للتعريف عن رومير في حدث يستمر الى الاربعاء المقبل.

اريك رومير، هذا المخرج الذي يتعذر تصنيفه، دأب على إظهار شرّ الانسان المحيق. ومن فرط ما أحبّه وداعب خيره وشرّه، بدا في الآخر كأنه حليف لهذا الشرّ، مع انه كان له دائماً في المرصاد. كان يقول: "كلنا نعيش في النقصان ووحده الحب يتيح لنا تحقيق الذات". هذا الحبّ هو ما كان يملأ قلبه. الحبّ كان يسكن كل كلمة تقال وكل كلمة تبقى طي الكتمان. رومير مجدّ الكلمة بكل أحوالها: الكلمة التي تمسك، والكلمة التي تحرر، والكلمة التي "تقتل"، والكلمة التي تحيي، وسواها من كلمات تقع في منتصف الطريق بين الحزن والبهجة. سلّى بحواراته المشاهدين، انطلاقاً من ايمانه بأن الأدب لا يتنافى مع السينما. الهدف الاساسي هو دائماً ارادة حقيقية في فهم مجريات لعبة الحياة والتواصل معها. أما ابطاله فيتلاقى البعض بالبعض الآخر من دون أن يكون أيٌّ منهم في انتظار هذا اللقاء.

انه، بلا شك، سينمائي التواصل وانعدامه في آن واحد. وكلما كثر النقاش عنده بيّن الشرخ! رومير توظيف أدبي غير مسبوق للسينما، وقد شلّ بسبب هذه التقنية آلية عمل عناصر كثيرة في أفلامه. الرجل كانت له طموحات أدبية منذ البدء، لذلك استطاع تقريب هذين الفنين، الواحد من الآخر، على نحو بات الكلام المباح عنده يولّد ايروسية ما. حرر الكلمة من أفواه الشخصيات، واضعاً اياها في فوهة السينما.

في سجلّه نحو من 25 فيلماً، منها مجموعته الحكواتية التي باشر العمل عليها منذ ستينات القرن الماضي، وبلغ عددها في المحصلة النهائية: ستة أفلام من سلسلة "حكايات أخلاقية"، والعدد نفسه من "كوميديات وأقاويل" (الثمانينات)، اما "حكايات المواسم الأربعة" (التسعينات)، فتوقفت عند أربعة أفلام. كان طوباوياً يشكو من خجل مرضي يجعله متحفظاً ومغلقاً على نفسه. كان من أركان "الموجة الجديدة" التي اعتبرته رمزاً لسينما المؤلف. بين رفاقه وزملائه، كان الأكثر ثقافة وابهة، لكن اقلهم ارتياداً للصالات. سينيفيليته كانت من نوع آخر، أتت في مرحلة متأخرة بعض الشيء. عندما بلغ الخامسة والعشرين، بدأ يرتاد السينماتيك الفرنسية حيث اكتشف كلاسيكيات السينما الصامتة: غريفيث، مورنو، أيزنشتاين، كيتون وشابلن.

تقرّبه من اندره بازان في منتصف الخمسينات أتاح له اعتناق الكتابة السينمائية، فترأس "دفاتر السينما" عام 1957. بعد باكورته "رمز الأسد" (1959) فتح فجأة مع "ليلتي عند مود" (1969) جناح سينماه على الجمهور العريض. هذه التحفة نصبته، نموذجاً أبدياً لما يجب أن يكون عليه فيلم المؤلف. مذذاك مضى صحبة كاميراه في شؤون الحياة وشجونها، انطلاقاً من حبه للقال والقيل، وللهمس داخل الغرف المقفلة، مأخوذاً على الدوام بهذا الحس التربوي المبطن، الذي كشف لاحقاً الفرق، كل الفرق، بينه وبين زملاء له، حمل واياهم في حقبة سابقة راية واحدة.

مما لا شك انه كان صاحب سرّ. وهذا ما منع الآخرين من تقليده. "من يقلّدني تأتي نهايته على يده"، كان يقول سيرغي بارادجانوف. كلام مشابه نستطيع أن نقوله في شأن رومير. غامر تكراراً في متاهات الحب والمصادفة والأقدار الخائبة والعلاقات المكلومة: قد يكون هذا تعميماً خطيراً في وصفنا لعمله. لكن هذه هي الخلاصة التي يتركها في البال بعد نحو 60 عاماً من السينما وقرابة 25 فيلماً. مع ذلك، اذ سبق لنا أن غرقنا يوماً ما في بلاغته وطول اناته، فلا شك ان المرء كان يخرج من عنده مزهو القلب كأنه احتسى كأساً من الخمر.

كان رومير من سلالة المستفزين، لكن بتحفظ شديد جعل معالجاته تبدو من زمن غابر. ظل يعمل في زاوية خاصة له، من دون ان يزعج أحداً، وأحياناً بسرية مطلقة. هويته الفرنسية المتينة لم تكن عائقاً امام اعتباره فناناً ذا امتدادات كونية، يشمل خطابه الفقير والغني، الملحد والمؤمن، الأمي والأكثر ثقافة. سينماه لعبة ثلاثية بين التصريح والبوح والامتحان. والكاميرا، كما نعلم، هي امضى الاسلحة في معالجة امراض مجتمع متستر على قضايا القلب، لا سيما في مرحلة بدء تشكيل ملامح انحلال المبادئ في جمهورية ترفع راية ثلاثية اللون، "حرية مساواة أخوة". في اسلوبه نمط مسرحي واضح، من حيث ستاتيكية حركة الكاميرا أو مواقع التصوير. عموماً، ضمّت سينماه خصائص غالباً ما تصنَّف في خانة الـ"انتي" سينمائية، من حيث انعدام الحوادث. تحليله كان يأتي هادئاً وهادفاً، في حين أن نظرته الى السينما راوحت بين النظري والرغبة في نيل الاعجاب. ولا شك أن ثمة فرقاً كبيراً بينه وبين رفاقه، أهمّه الرؤية النبيلة للسينما.

بعيداً من النكات والكليشيهات التي تطاول الأحوال العاطفية لكلا الجنسين، أطلق لغة أكثر عمقاً للتعاطي مع الأشياء الصغيرة التي تصنع حيواتنا. ولم تنقص هذه اللغة اشارات فسق ورذيلة محببة. ولا شكّ ان هناك ثابتة غالباً ما تعود على الفيلم بنتائج عكسية، وهي عدم لمس الجسد، لكونه ربما معبد الروح ومأوى الكلام عند رومير. ولعل ما صنع غرابته، بمعزل عن أي تيار أو موضة، هو الاهمال المقصود للواقعية. في هذا السياق، كيف لنا أن ننسى انه صاحب أغرب فيلم تاريخي على الاطلاق: "الانكليزية والدوق"، حيث اللوحات في خلفية الصورة احتلت مكان الديكورات التقليدية. وحده جنون رومير كان قادراً على جرعة مماثلة من الفانتازيا الرقمية.

(hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

فيلم يخيف بوتين يسرقه اللصوص مرتين!

الألماني سيريل توتشي أنجز فيلماً وثائقياً عن قضية رجل الأعمال الروسي ميكاييل خودوركوفسكي، الموقوف منذ عام 2005 لأربعة عشر عاماً في السجن، وهو الملياردير المعارض لنظام فلاديمير بوتين، اتهم بالتهرب من دفع الضرائب وحوكم في جلسات قضائية أشبه بالمهزلة كما أعلنت منظمات حقوق الانسان. كان عرض الفيلم يُنتظر على أحر من الجمر في الدورة الحالية من مهرجان برلين. في محاولة اولى لتدمير هذه الوثيقة الفيلمية، سُرقت النسخة الاصلية الموجودة على حاسوب المخرج من داخل غرفته في الفندق خلال اقامته في مدينة بالي، مع التذكير بأنه كان يتعرض للمضايقات المباشرة والمطاردة "البوليسية" منذ مرحلة التصوير، بحيث صارت حياته مهددة حتى في بلاد مثل ألمانيا على يد المافيا التابعة لبوتين، الامر الذي جعل الشرطة تنصحه بعدم التنقل من دون حماية. بعد السرقة الاولى، عاد توتشي ومنتج الفيلم انطلاقاً من المادة الاصلية التي كانت موجودة في برلين. لكن، ما إن انهاه حتى استطاع اللصوص سرقة الفيلم مرة ثانية، ما يجعل منتجة الفيلم من جديد مستحيلة نظراً الى ضيق الوقت. في مقابلة مع صحيفة ألمانية، أقر توتشي بأن الجهة التي تهدده نجحت في اخافته. بيد انه بحسب المعلومات المتوافرة لدى ادارة المهرجان، من الجائز أن تُعرض نسخة غير نهائية للفيلم، كان توتشي قد بعث بها لـ"البرليناليه"، في مرحلة سابقة.

 

... وكليرمون فيران يحتفي بالفيلم القصير

منذ ستة أيام، يواصل مهرجان كليرمون فيران الفرنسي، اقتراح مختارات من أهم الأفلام القصيرة في صالات مكتظة كالعادة بجمهور لا يملّ من المشاهدة والمعاينة، اكان ذلك صباحاً ليلاً أم مساء. الحرارة المعتدلة هذه السنة أضفت نوعاً من البهجة على هذه التظاهرة السينمائية الملقبة بـ"مهرجان كانّ الفيلم القصير"، التي أسسها هواة سينما قبل 33 عاماً، لتصير اليوم مرجعاً دولياً، على رغم وقوع المهرجان في بقعة جغرافية أقرب الى القرية النائية منها الى المدينة. كان المكان مشهوراً على مرّ السنوات لكونه المقر الأساسي لمصانع اطارات "ميشلان" الفاخرة، قبل أن يطير صيته كمكان ا تنطلق منه المواهب السينمائية.

مئات الأفلام من كل حدب وصوب، حدّ أن المشاهد لا يعود يعرف أين يذهب وماذا يتابع، مع الاهتمام الدائم طبعاً بالمسابقة الدولية التي تتضمن 80 فيلماً، معظمها ذو مستوى رفيع، باستثناء بعض العناوين التي دسّت لسدّ فراغ ما ولمراعاة جغرافية، كما هي الحال للأسف دائماً وخصوصاً مع المنطقة العربية. هناك عشرات النشاطات المرافقة والاقسام الموازية، كـقسم "لابو" الذي يقدم 40 فيلماً تجريبياً يجنّ من خلالها مخرجون يطلقون العنان لمخيلتهم من دون حسيب أو رقيب. الأفلام هنا لا تحصى ، لكن حبّ المشاهدة يفرح القلب، خصوصاً النقاشات التي تدور بين الشباب وتنتقل من مقهى الى آخر، خصوصاً في المقهى المقابل لمقر المهرجان، "لونيفير"، الذي يفتح أبوابه في هذه المناسبة حتى طلوع الفجر. للأسف، ضيق المساحة وتضارب مواعيد النشاطات، حالا دون أن نتناول تفاصيل الدورة 33 في هذا الاسبوع، لكن سنعود بالمزيد في وقت لاحق.  

برنامج العروض

         اليوم:

اليوم: "ركبة كلير" (1970).

        الجمعة 11:

• 18:30"الحبّ ما بعد الظهر" (1972).

          السبت 12:

• "برسفال الغالي" (1978).

          الاحد 13:

•  "بولين في الشاطئ" (1982).

         الاثنين 14:

• "ليالي البدر" (1984).

         الثلاثاء 15:

• "الشعاع الأخضر" (1986).

         الاربعاء 16:

• "حكاية شتوية" (1991).

(•) تبدأ العروض كافة الساعة الثامنة والنصف مساء

النهار اللبنانية في

10/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)