حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (OSCARS 2011)

الإنكليزي الذي هزم الأميركيين في عقر دارهم الأوسكارية

فيكي حبيب

ليس فيلماً عن الإمبراطورية البريطانية، رغم ان إطاره العام لا يبتعد عن البلاط الملكي. ولا هو فيلم عن الحرب العالمية الثانية، رغم ان إعلان الحرب على النازية يشكّل ذروة الأحداث، ولا حتى عن الصراع على السلطة، رغم ان امتلاك السلطة قد يكون المحرِّكَ الأساس فيه. هو ببساطة صراع مع الذات: مخاوف الطفولة وتحديات الحاضر، الأحلام والتخبطات، التطلعات والانكسارات... عناوين لا يمكن إلا أن تجذب عين السينما الباحثة دوماً عن أي فرصة لتعرية النفس البشرية. ولئن كان «الضحية» هذه المرة ملك بريطانيا، تصبح عملية التلصص عملة رابحة متى أجاد صناع الفيلم تقديم الحبكة.

صمت ملكي

الملك المقصود، هو جورج السادس، والد الملكة اليزابيت. والفيلم «خطاب الملك» صاحب النصيب الأهم في حفلة توزيع جوائز الأوسكار (أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل وأفضل سيناريو أصلي). أما الحبكة، فعرفت كيف تقتنص المشاهدين والأوسكار من خلال مواجهة مشوّقة قلبت الأدوار بين «ملك بريطانيا» و«طبيب» من عامة الشعب.

منذ اللحظات الأولى يضعنا الفيلم في عمق المواجهة: هدوء تام يخيم على ملعب مكتظ بحشود تترقب بلهفة خطاب «دوق يورك» (كولين فيرث). انتظار يتحوّل الى لحظات صمت حرجة، نكاد نسمع فيها دقات قلب الدوق العاجز عن التلفظ ببنت شفة، في حين تبدو الحشود أكبر فأكبر، والشماتة أقوى. خيبة ستسطر الإطار العام لهذا الدوق الذي سيصبح في ما بعد «ملك بريطانيا» بعد تخلي أخيه «دوق وندسور» عن العرش بسبب ارتباطه بمطلقة أميركية ثم رغبته في الزواج منها (هذا السبب الذي كان يبدو رومانطيقياً في الماضي بات في الفيلم، كما في الواقع التاريخي، في مهب النسيان، منذ أعلن ان سبباً رئيسياً آخر كَمَنَ في خلفية ذلك التخلي، وهو ارتباط تلك السيدة بالنازيين وشعور المؤسسة الحاكمة البريطانية بأنها ربما تقود «دوق وندسور» إن وصل الى العرش الى تفاهم مع الألمان، هو الذي كان في الأصل ميالاً إلى هتلر). فالأمير، ورغم كونه شخصية عامة، يعاني من رهبة الحشود، بل من مشكلة نطقية («التأتأة») تقف حائلاً دون تولّيه مسؤوليات كبيرة، تضعه منطقياً في مواجهة ملكية دائمة مع الشعب كما مع الآخرين. كيف لا، وهو يعيش في عصر تحوّل فيه أهل البلاط الى «ممثلين»، بشهادة والده الملك جورج الخامس، مع اختراع الراديو الذي شكّل فتحاً في عالم التكنولوجيا في ذاك الوقت، وترتب عنه واجبات لإتقان أصول اللعبة، وخلْق ثقة بين الملك وشعبه، تبثها الكلمات المتطايرة عبر الأثير. امام هذا الواقع، ينفتح الفيلم على دقائقه الأجمل من خلال مكاشفة مع الذات إثر تلك المواجهات التي تضعنا امام ممثلين من طراز رفيع: كولن فيرث في دور الملك، وجيفري راش في دور المعالج النطقي ليونيل لوغ. مكاشفة تفضح اموراً كثيرة حول مخاوف «بيرتي»، كما يحلو للمعالج تسميته لكسر الحواجز بين الطبيب ومريضه، رغم تحفظات هذا الأخير الذي يبدو في البداية متمسكاً بالبروتوكول وأصول التعامل بين أهل البلاط والعامة، كما يفترض بالملك ان يكون. لكنّ هذا لن يدوم طويلاً، فسرعان ما ستصبح العلاقة أكثر ودية ان لم نقل حميمية، مع بوادر شفاء الملك على يدَي المعالج الأوسترالي، وشعوره بالحاجة الماسة اليه للتغلب على «تأتأته» من خلال أسلوبه الخاص بالرجوع الى ماضي «المريض» والبحث فرويدياً عن مخاوف الطفولة وسبب شعوره باللا أمان، لنكتشف ان طفولة الأمير لم تكن وردية نتيجة تفضيل المربية أخاه عليه، وتعنيفها له.

مواجهات تقْلِبُ الأدوار، إذ تحوّل الملك فرداً من عامة الشعب بأخطائه وعيوبه، فيما يبدو المعالج سيداً يملي أوامره كيفما شاء. انزياح طبقي رأى فيه الكاتب جوناثان فريدلاند في صحيفة «غارديان» أحدَ «أكثر عناصر الفيلم جاذبية»، فالفيلم يصور العائلة المالكة عائلة عادية قبل جيلين من العادية التي دخلت إليها من طريق الأميرة ديانا ومأساتها. وهي عائلة عادية الى درجة أنه حين يُسأل إنكليزي ما عمّن هو أعظم شخصية بريطانية يقول فوراً: ونستون تشرشل. وللوصول الى هذا، يرى فريدلاند ان مسألة مثل «إعجاب» دوق وندسور بالنازية، تمر في الفيلم مرور الكرام، لأنها ليست ما يهم الإنكليز، ما يهمهم هو عادية العائلة (ولا سيما قبول الملك المقبل بصداقة ابن الشعب العادي، الذي كان يتحدث أمامه بأنه كان يُضرب في صغره لأنه يستخدم يده اليسرى لا اليمنى).

بين العادي واللاعادي

ومن الأمور اللافتة في الفيلم ان يكون التركيز على خطاب إعلان الحرب على ألمانيا، بدلاً من خطاب اعتلاء العرش. ذلك ان هذا الاعتلاء قد يبدو أمراً عادياً، وفي المقابل يشكل دخول لندن الحرب، منعطفاً تاريخياً يمكن مقارنته بالثورة الفرنسية. من هنا يمكن الوصول الى استنتاجات تتعلق ببساطة الفيلم وكونه حكاية عائلية، لا جزءاً من التاريخ البريطاني... الأمر الذي حقق له نجاحه وأوسكاراته، في وقت من الواضح ان الجمهور العريض يميل الى دخول الحياة العائلية أكثر من دخول الحياة الملكية من باب السياسات العريضة.

والأكيد ان «خطاب الملك» نجح هنا في التحديد في رسم صراع حميم وعلاقة نفور سرعان ما تتحول الى صداقة. ولن نبدو مبالغين ان قلنا ان هذا الفيلم هو في نهاية الأمر فيلم عن الصداقة، وربما ايضاً عن سلطة المعرفة، حيث سرعان ما نكتشف مع مرور الدقائق الأولى في الفيلم، ان الأستاذ سيتمكن من «السيطرة» على الأمير، ثم الملك الإنكليزي. وهذه «السيطرة» – حيث تتكافأ معرفة الأستاذ مع سلطة تلميذه ثم تميل لصالح الأستاذ - هي موضوع ثالث وأساسي من مواضيع هذا الشريط.

منذ فوز «خطاب الملك» بالأوسكار، رأى بعض الصحافة فيه فوزاً لـ «التقليدية على الحداثة»، وربما أصابوا بعض الشيء، فهو تقليدي في أسلوبه الإخراجي، ولكن ليس في موضوعه، ولا في رسمه المابعد حداثي لشخصية الملك، من دون ان يخرج من ذلك بموعظة أو درس في السياسة أو غير السياسة، فهذا الفيلم يبدو من التواضع، بحيث لا يظهر انه يتطلع الى ما هو خارج موضوعه. غير انه يقدم هذا الموضوع في نظرة الى السياسة (كما الى التكنولوجيا) تبدّي الإنسان وروحه على المفاهيم والمنظومات الفكرية، فما يبقى من الفيلم كله هو تلك المجابهة بين شخصين تقف خارج لعبة الهزيمة أو الانتصار. مجابهة يخرج منها الاثنان رابحَيْن في مواكبة للغة والبعد الحواري. ولافت هنا ان هذا الانتصار الذي يشكل نهاية سعيدة، إنما يأتي على خلفية الإعلان عن حرب لن تكون سعيدة على الإطلاق (دخول الحرب العالمية الثانية ضد النازية). ولعله منذ زمن طويل لم يطالعنا فيلم سينمائي يبدو في ظاهره ثرثاراً، لكن الحوار يلعب فيه دوراً أساسياً... بل دوراً ممتعاً، بحيث ان غياب جملة واحدة عن المتفرج لا تهدده فقط بعدم الفهم، بل بعدم الوصول الى المتعة.

جورج السادس يتأتئ والملكة السوداء تنهار والجوائز بالمرصاد 

كما حدث بالنسبة الى معظم توزيعات جوائز الأوسكار لهذا العام، كان فوز ناتالي بورتمان بجائزة أفضل ممثلة، وحصول زميلها كولن فيرث على جائزة أفضل ممثل، متوقعين بصورة عامة... الى درجة ان أحداً - على حد علمنا - لم يراهن على خسارة أي منهما. وليس هذا فقط لأن الفيلمين اللذين ظهرا في بطولتهما نالا، منذ البداية إجماعاً، وليس فقط كذلك، لأن النقاد أجمعوا على حتمية هذا الفوز... بل لأن الدور الذي قام به كل منهما في فيلمه، كان دوراً استثنائياً، وربما نادراً في سينما هذه الأيام. ولنضف الى هذا أن ممثلين سابقين لكل منهما، في أفلام وأدوار مشابهة، حققوا الفوز الأسمى في أوسكارات الأعوام السابقة (نقول هذا وتفكر بهيلاري سوانك، وهيلين ميلر وداني داي - لويس... في أفلام مثل «طفلة المليون دولار» و«الملكة» و«ستكون هناك دماء»). يعني هذا تقريباً ان اختيار الدور بعناية، في موضوع اشتغل عليه بعناية، وبين يدي مخرج يفهم تماماً دور الشخصيات ومستوى ادارته لها في فيلمه، أمر قد يحدد سلفاً حتمية الفوز.

الأوسكار... في الوقت المناسب

مهما يكن من أمر هنا، فإن ناتالي بورتمان لم يكن عليها أن تنتظر دورها اللافت بل الكبير في «البجعة السوداء» لدارين ارونوفسكي، حتى تكشف عن أوسكارية حاضرة لديها منذ أدوارها المبكرة. وكذلك يبدو شأن كولن فيرث الذي قبل أن يلعب دور جورج السادس في فيلم «خطاب الملك» لتوم هوبر، كان قام بأدوار أكدت تميز أدائه، كما أكدت ذلك التميز العام الذي ما برح يطبع أداء الممثلين ذوي الأصول البريطانية ويؤسكرهم بعد ان يحقق لهم نجاحات عريضة لدى النقاد ولدى الجمهور. ولئن كان في إمكاننا ان نقول ان هذا «التكريم الأسمى» في عالم الفن السابع، أتى غير متأخر كثيراً، ولا مبكراً الى حد كبير بالنسبة الى ناتالي بورتمان، مما لا شك فيه أن الأمر ليس كذلك بالنسبة الى فيرث. فالفاتنة الأميركية المولودة في القدس عام 1981 من أبوين بارحا إسرائيل نهائياً بعد ولادتها بثلاثة أعوام، لا تزال في عزّ صباها. وهي إذا كانت خلال السنوات الأخيرة قد لعبت أدواراً حققت لها نجاحاً، فإنها قلّ ان فعلت ذلك في أفلام أوسكارية (في هذا السياق ميز كثر من النقاد بين حضور بورتمان الطاغي في أفلام مثل «أقرب» و«أ... للانتقام» و«غاردن ستيت» و«أشباح غويا»، وبين الأفلام نفسها...)، بل انها ذات مرة تخلت طواعية عن حلم «أفضل ممثل في كان» لزميلة إسرائيلية لها مثلت معها ومع هيام عباس في فيلم «منطقة حرة» لعاموس غيتاي...

مهما يكن، لا بد من الإشارة الى أن أوسكار هذا العام، لم يكن أول جائزة تحصل عليها بورتمان التي عرفت كممثلة مسرحية أيضاً، ولا تكف عن اعلان رغبتها في أن تتحول كلياً الى الإخراج، هي التي بدأت مسارها السينمائي وهي بعد في الرابعة عشرة (عام 1994) حيث قامت بدور ماتيلدا في «ليون» للوك بيسون الى جانب جان رينو.

... قفزة الى النجومية

أما بالنسبة الى كولن فيرث، فالأمر يختلف، سناً ومساراً بالتأكيد. فالمبدع الإنكليزي الذي أدى دوراً شديد الصعوبة، والقوة في «خطاب الملك»، تجاوز هذا العام سن الستين. وأهل الجوائز لم يبخلوا عليه بجوائزهم منذ عام 1989، حين كانت انجازاته لا تزال تلفزيونية، ولا سيما في أوروبا حيث نال جوائز «البافتا» و«جائزة الفيلم الأوروبي» وجوائز الجمهور، مرات، ورشح مرات أكثر منها من دون أن يفوز... لكنه في المرات كافة، كان ذلك عن أدوار أثارت من حوله وحول أدائه عواصف إعجاب، ثم حين لا يفوز، عواطف غضب، ولا سيما في العام الفائت 2010، حين نال «كأس فولبي» في البندقية ثم «البافتا» الإنكليزية، لكنه «عجز» عن نيل الأوسكار عن فيلم «رجل عازب»... ومن هنا، بالتحديد، إحساس النصر المزدوج الذي لا بد واتاه عندما نال تباعاً، وعن الدور نفسه في فيلم «خطاب الملك»، «البافتا» و«الغولدن غلوب» ثم «الأوسكار».

ومع هذا، كما قلنا، لم ينتظر الجمهور طويلاً قبل أن يبدي إعجابه بكولن فيرث كممثل تلفزيوني، شارك في أكثر من 15 مسلسلاً وفيلماً للشاشة الصغيرة بين 1984 و2006، ثم الآن كممثل سينمائي، لا يتوقف منذ أفلامه الأولى (بين 1984 و1995) عن أداء أدوار لافتة من دون أن تكون أساسية، عن اثارة إعجاب عام، كانت أولى تجلياته الكبرى في «المريض الإنكليزي» حيث لم يحل قِصَرُ دوره عن لفت النظر اليه. وهو منذ ذلك الحين وفي أدوار تتفاوت أهمية وطولاً، يملأ الشاشة الكبيرة بحضور لطيف وواثق من نفسه، في أعمال مثل «شكسبير عاشقاً» الى جانب جوزف فينس وغوينث بالترو، ثم بخاصة في «يوميات بريدجت جونز» الى جانب رينيه زيلويغر، الفيلم الذي قفز به الى النجومية. وإثر ذلك توالت أدواره «البطولية» من أفلام أوليفر باركر المقتبسة عن أوسكار وايلد، الى الرومانسيات الهزلية مثل «ما تريده الفتيات» و«الحب... الآن»، وصولاً الى «الفتاة ذات اللؤلؤة» ولا سيما «حيث تكذب الحقيقة» لأتوم ايغويان... وطبعاً من الصعب هنا التوقف عند كل فيلم من الأفلام التي شهدت كولن فيرث في بطولتها خلال السنوات الأخيرة وإن كان يمكن المرور بـ «ماما ميا» و«صورة دوريان غراي»... مع العلم ان الفترة المقبلة ستشهد اطلالتين جديدتين لكولن فيرث، مرة في «الأرض الموعودة»، ومرة أخرى في الجزء الثالث من حكايات «بريدجت جونز». وما يمكننا أن نقوله منذ الآن هو ان علينا ألا نتوقع من أي من هذين الفيلمين أن يؤكد تفوقاً لكولن فيرث، أتاحته له فرصة «خطاب الملك»، من دون أن يعني هذا ان هذا الممثل لن يحاول في اختياراته المقبلة أن يكرر تجربته الأكثر نجاحاً وقوة حتى الآن.

الحياة اللندنية في

04/03/2011

 

ليالي الأوسكار العربية

د. بدرية البشر 

كنت أشاهد حفل توزيع الأوسكار 83، إذ وزعت فيه الجوائز على الأفلام الأمريكية والدنماركية والكندية والبريطانية، وفاز فيه فيلم "خطاب الملك" بجائزة أفضل فيلم، وهو يحكي قصة ملك عانى تأتأة وعجزاً في التحدث بطلاقة، أسفر عنها صعوبة قراءته للخطاب الملكي الذي يحتاج إليه الشعب في المناسبات الحاسمة، ويكشف الفيلم أن الملك مثل كل البشر عانى مشاكل نفسية تسبب فيها اضطهاد عاناه في صغره ممن حوله، فالاضطهاد لا يشوه المواطنين فقط؛ بل الرؤساء أيضاً.

الحقيقة أن هذا الحفل الباذخ بعروضه وأزيائه وموسيقاه وموضوعاته وتعدد جنسياته ونجومه بدا لي شديد الرفاهية مقارنة بالليالي الأوسكارية التي نعيشها نحن العرب هذه الأيام، بل يجعلك تشعر أمام هذا العالم الأول المشغول بصناعة سينما باذخة منذ ما يقارب القرن، بأننا نحن العرب لسنا بحاجة إلى صناعة أفلام مثل أفلام الأوسكار هذه، فلدينا أفلام نعيشها، ومهما اجتهدت السينما في محاكاتها فلن تصل إلى حجم الصدمة ولا الدهشة في الواقع الأرضي، ولعل آخر هذه الأفلام فيلم القذافي وشعبه الليبي المسحوق.

الأفلام العربية الوثائقية التي ستوفرها لنا ثورات هذه الأيام فيها كل ما نحتاج إليه ويغنينا، بدءاً بالنكتة والغناء والرقص وانتهاء بقصف الطائرات وقنص الرصاص، وبكائيات الموت والشهادة، وتستطيع أن تختم بالفيديو كليب الشهير الذي لقي رواجاً كبيراً، وشاهده في أيام نصف مليون عربي يغني فيه القذافي أغنية "زنقة زنقة دار دار"، لكنني أؤكد لكم أنه بعد رحيل القذافي وآخرين طبعاً، سنضطر إلى ملء الفراغ السينمائي، ونفكر في صناعة سينما حقيقية.

الأهم من فيلم خطاب الملك هو فيلم الشبكة الاجتماعية "ذا سوشال نيت وورك" الذي نال أكثر من جائزة، ليس بسبب قوته الفنية بل بسبب قصته التي تمسّنا، والتي أعادت صنعنا في الحياة بينما صنعتها السينما الأمريكية في فيلم، الفيلم يصور قصة شاب جامعي عبقري لكنه يعاني مشكلة الاندماج الاجتماعي ويتوق إليه، فيخترع موقعاً على شبكة الاتصال الفضائي ليكون نادياً للتجمع الطلابي، ويسمي هذا الموقع "فيس بوك" ينضم إليه كل شباب الجامعة التي يدرس فيها، حتى أصبح اليوم أكبر دولة في العالم وعدد أعضائها 500 مليون إنسان. الفيلم الذي نال جائزة الأوسكار للسيناريو المقتبس والموسيقى والمونتاج من الأكاديمية الفنية، لا بد أنه هذه الأيام مرشح للحصول على جوائز عديدة من الشعب العربي، فمخترع الـ"فيس بوك"، الذي لم يكن يطمح حين فكر في تأسيسه إلا إلى مواعدة فتيات الجامعة، لم يكن يعرف أن هذا الـ"فيس بوك" هو الذي سيقود الثورات العربية، ويغير وجه العالم العربي، وأن شبابه لن يكتفوا بالبحث في فضاء الإنترنت عن مواعدة الفتيات فقط، بل سيعثرون فيه على آلية للتحرر من مظالم السلطات المستبدة، فتوصلوا عبره إلى إنكار المظالم والسرقات وقمع الحريات وأشكال الفساد المتعددة التي لم يقو جيل آبائهم على إنكارها. اكتشف الشباب العرب أنهم مجتمع كبير من الثائرين والطامحين إلى التغيير، فنظموا مظاهر احتجاجاتهم المليونية، وأعلنوا مطالب التغيير.

ترى هل هي مجرد تقنية أو موقع اسمه الفيس بوك هو الذي خلق هذه الوحدة الوطنية التي فشلت مناهج التعليم ووسائل التثقيف والعمل المدني في خلقها؟ أم أنها ثورة جيل وعقول وثقافة جديدة؟ هل هي آلية أم وعي جديد وأخلاق جديدة صنعتها تلك المشاهدات المستمرة للحيوات المجاورة التي تصنع فيها حضارة حقوق الإنسان والشفافية واحترام الحريات، بينما يسقطون هم في التخلف؟ هل هو الـ"فيس بوك" أم وعي عصر الـ"فيس بوك" الذي أوجد روابط الوصل، ونظم الصفوف، وأسقط الطغاة، حتى شاعت نكتة تقول إن موت الرؤساء لم يعد بواسطة الرصاص ولا بالسم لكن بواسطة "فيس بوك".

نقلا عن صحيفة "الجريدة" الكويتية

الـ mbc.net في

09/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)