حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

كندة علوش دخلت قلوب «أهل كايرو»

محمد عبد الرحمن

تعرّف إليها الجمهور المصري في فيلم «ولاد العم»، وما لبث أن سطع نجمها في «هوليوود الشرق» من خلال مسلسلها الرمضاني. الممثلة الشابة فخورة بالتعاون الفني السوري ـــ المصري الذي حقّق ما عجزت عنه السياسة... وتستبعد مشاركتها في مسلسلات السِّيَر

على عكس العادة، لم يتوقّف الجمهور المصري ولا النقاد عند لهجة كندة علّوش في مسلسل «أهل كايرو». بدت لهجتها المصرية المطعّمة باللكنة السورية مبررة، بما أن الممثلة الشابة تؤدي دور صحافية، والدتها سورية ووالدها مصري. وقد تمكّنت علوش من الوصول سريعاً إلى قلوب المشاهدين المصريين بأدائها الهادئ والمتّزن لشخصية الصحافية التي تشارك في جهود ضابط المباحث (خالد الصاوي) لكشف لغز جريمة قتل غامضة.

وكانت الصحافة المصرية قد تعرّفت إلى علوش للمرة الأولى في فيلم «ولاد العم» الذي أدت فيه دور فتاة فلسطينية. لكن هذا العمل لم يعط الممثلة السورية حقها، بما أنه لم يحظ بحملة صحافية كبيرة بسبب نجومية أبطاله (منى زكي، وشريف منير، وكريم عبد العزيز) الذين لا يحتاجون إلى ترويج. غير أن الوضع اختلف تماماً مع مسلسل «أهل كايرو». إذ أشاد النقاد بهذا المسلسل الرمضاني، وحظي بمتابعة جماهيرية كبيرة، حتى بات الجميع يبحثون عن قاتل صافي سليم التي أدت دورها رانيا يوسف.

من جهتها، احتلّت علّوش مساحة رئيسية في المسلسل إلى جانب خالد الصاوي، فتطوّرت الخطوط الدرامية ليتابع المشاهد علاقة إنسانية جميلة تربط بين الممثلة السورية والنجم المصري. لا تتردّد علوش في الاعتراف لـ«الأخبار» بأن «أهل كايرو» هو العمل الأقرب إليها حتى الآن، والأكثر نضجاً على المستوى الفني. وتؤكّد أن مؤلف العمل بلال فضل، والمخرج محمد علي، وخالد الصاوي قدموا لها الدعم الكامل، «وتوافرت للمسلسل إمكانات سينمائية متميّزة جعلت النتيجة النهائية جذابة للغاية». هكذا تقول إنها تلقت منذ عرض الحلقات الأولى للمسلسل، ثلاثة عروض للمشاركة في أعمال درامية جديدة.

تشارك في الفيلم اللبناني ـــ الإيراني «سماء الجنوب» الذي يتناول فترة عدوان تموز

من جهة أخرى، لا ترى كندة علوش أن اكتشاف قاتل شخصية صافي سليم في الحلقات الأخيرة، سيفقد المسلسل بريقه عند إعادة عرضه، «بل إن العمل ينطلق من جريمة القتل للإضاءة على مجموعة من المشاكل التي يواجهها المجتمع المصري». وعند الحديث عن عامل التشويق في المسلسل، لا تنفي علوش أنها اعترضت مع أسرة المسلسل على الإعلان الترويجي الذي سبق عرض «أهل كايرو» في رمضان. إذ اكتشف المشاهدون في البرومو أنّ صافي سليم ستقتل، وبالتالي، بات الجمهور ينتظر هذه الجريمة منذ المشاهد الأولى للعمل، لكن عملية القتل لم تحصل إلا في الحلقة العاشرة.

وترى الممثلة السورية أن الدراما التلفزيونية لا تحتاج فقط إلى مخرجين سينمائيين لتحسين مستواها، بل أيضاً إلى إنتاج يتعامل معها بالطريقة نفسها التي يكون التعاطي فيها مع الأفلام السينمائية. أما عن المسلسلات التي أعجبتها في رمضان، فتشيد بـ«الجماعة» الذي تمكّن مع عدد آخر من الأعمال من تغيير صورة الدراما التلفزيونية لدى الجمهور.

وإذا كان النقاد المصريون قد رأوا أن تطوّر مستوى بعض المسلسلات هذا العام هو مقدمة لعودة الدراما المصرية إلى مكانتها المتقدّمة، ترى علوش أن التعاون بين الفنانين السوريين والمصريين هو «أسمى حالات التعاون العربي الذي فشل على مستويَي السياسة والاقتصاد». وترى في بعض التصريحات السورية التي تنتقد التعاون المصري ـــــ السوري أمراً طبيعياً «لأن كل ظاهرة جديدة لها مؤيدون ومعارضون، والديموقراطية تحتّم على الجميع الاستماع إلى آراء الآخرين، لكن في النهاية، الحَكَم هو الجمهور الذي لم يعد يسأل عن جنسيات الفنانين تماماً كما كان يحدث في مرحلة الستينيات من القرن المنصرم».

وعلى الرغم من أن البعض تعامل مع وجود علوش في «أهل كايرو» على اعتباره نتيجة لظهورها في فيلم «أولاد العم»، إلا أنها تؤكد أنها تدخل كل عمل جديد «بوصفه خطوة مستقلة من دون انتظار النتائج». أما عن أعمالها الجديدة، فتقول إنها تشارك في فيلم «سماء الجنوب» اللبناني ـــــ الإيراني «وهو شريط يتناول عدوان تموز، ودور المقاومة اللبنانية من خلال علاقات إنسانية متشابكة وقصص حبّ مختلفة». وتشارك في العمل مجموعة من النجوم العرب بينهم حنان ترك، وكارمن لبّس، ويوسف الخال، وبيار داغر...

وفيما تتمنى علّوش أن تزيد الطاقة الإنتاجية للسينما السورية على ثلاثة أفلام سنوياً، إلا أنها في الوقت نفسه تفتخر بنجاحها في تقديم ثلاثة أفلام سورية خلال مشوارها الفني القصير، هي «شغف» لحاتم علي، و«التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» لهيثم حقي، و«مرة أخرى» لجود سعيد. وقد فاز هذا الشريط الأخير بجائزتين في «مهرجان دمشق السينمائي»، وسيشارك هذا العام في مهرجانَي «أبو ظبي»، و«القاهرة السينمائي». وعما إذا كانت مستعدة لتقديم شخصيات شهيرة في ظل هوس المنتجين بمسلسلات السير، تقول علّوش إنها تحبّ مشاهدة الأعمال التاريخية، لكنها لا تستمتع بأدائها.

كيمياء واضحة

تمكّنت المَشاهد التي جمعت بين خالد الصاوي وكندة علوش في «أهل كايرو» من جذب الجمهور. وترى علوش أن هذا الاهتمام طبيعي، وهو نتيجة منطقية للدعم الكبير الذي حصلت عليه من الممثل المخضرم في أول لقاء يجمعهما معاً. وتقول: «العمل معه متعة... عندما كنت أقرأ الحوار على الورق، كنت أُفاجأ في كل مرة بالطريقة التي يبثّ فيها خالد الروح في المشهد والحوار». وتضيف أن الصاوي وقف إلى جانبها ودعمها «كنا نقوم ببروفات حقيقية ومطوّلة قبل كل مشهد، وكنت أستفيد من نصائحه، وهذا المناخ لا يتوافر عادة في العمل التلفزيوني».

الأخبار اللبنانية في

10/09/2010

 

«وراء الشمس»... لماذا كل هذه الكآبة؟

وسام كنعان 

للمرة الأولى، دخلت الدراما السورية إلى عالم ذوي الاحتياجات الخاصة. لكنّ أداء بسام كوسا الممتاز، وعفوية علاء الدين الزيبق لم ينقذا العمل من بعض الفجوات

قبل أيام، أطلّ المخرج سمير حسين على شاشة «سوريا دراما» ليخبرنا أن نص مسلسله «وراء الشمس» (تأليف محمد العاص) أعيدت كتابته نحو سبع مرات قبل أن يظهر في صيغته النهائية. والغريب أنّ عملية إعادة الكتابة المتكررة لم تمنع النص من السقوط في أخطاء جسيمة تَمَكَّن المُشاهد من التقاطها أثناء متابعته العمل.

لكن قبل الغوص في تفاصيل هذه الأخطاء، تبقى الإشارة ضرورية إلى أن فكرة دخول الدراما السورية إلى عالم ذوي الاحتياجات الخاصة مبادرة تستحقّ التشجيع. كذلك، فإن الجرأة التي عولج فيها الموضوع، واستعانة صنّاع العمل بعلاء الدين الزيبق المصاب فعلاً بـ«متلازمة داون ـــــ Down Syndrome» ليجسّد إحدى الشخصيات الرئيسية، مثّلا خطوة جديدة. ولا يمكن أن ننسى أن النجم بسام كوسا برع في تأدية دور الرجل المصاب بالتوحّد. لكن لم يرافق أداء كوسا المميّز أي تصعيد درامي، رغم أن بدر (كوسا) يتعرّض لأزمات عدة، منها دخول والدته (منى واصف) في غيبوبة، ومغادرة أخته الوحيدة (ميسون أبو أسعد) المنزل، ثمّ إرسال الشرطة له إلى مستشفى خاص بالمصابين باضطرابات نفسية.

إذاً، لم تمنع جهود كوسا الكبيرة من وقوع المسلسل في أخطاء عدة. ولعلّ أبرز هذه الفجوات كانت التقارب العمري الذي حاول العمل الإضاءة عليه بين بدر وشقيقته الوحيدة، وهو تقارب غير واقعي. إذ يجسّد كوسا دور رجل في الخمسين من العمر على أقل تقدير، بينما لا تتجاوز أخته عقدها الثالث. وقد يكون المبرر وراء ذلك هو صعوبة إيجاد ممثل سوري في الثلاثينيات قادر على تجسيد الدور كما أداه كوسا. كذلك، عجزت إمكانات الماكياج الفقيرة في الدراما السورية عن تصوير كوسا كأنه رجل ثلاثيني. ولا تقف الغرابة عند هذا الحدّ، بل فجأة يكتشف المشاهد أن شقيقة بدر تدخل السجن بتهمة الدعارة من دون معرفة أية تفاصيل إضافية عن الموضوع!

من ناحية ثانية، نجح المسلسل في تصوير الروح المرحة التي يتمتّع بها غالباً المصابون بـ«متلازمة داون». هكذا برع علاء الدين الزيبق بأدائه، بعدما تمكّن المخرج من تدريبه جيّداً، فقدّم شخصية لها مفرداتها وتيمتها الخاصة. غير أنّ ردات فعل والديه (رضوان عقيلي ونادين) بدت مستغربة، إذ تصرّفا في أكثر من مشهد كأنهما يكتشفان ابنهما للمرة الأولى. ورغم تعاطي الزيبق مع محيطه على نحو عادي، إلا أنه يبدو في المسلسل كأنه ولد معزول عن المجتمع، لا أصدقاء له. إذ لم يتمكّن المشاهد مرة واحدة من رؤيته وهو يقوم بأي عمل مفيد للمجتمع، بعيداً عن هواياته. رغم أن المعروف هو أن ذوي الاحتياجات الخاصة بدأوا يندمجون في مجتمعاتهم ويمارسون مهناً عدة.

ومع تطوّر الأحداث، يتابع الجمهور معاناة منى، بعدما عرفت مع زوجها عبادة (باسل خياط) أنها تحمل طفلاً مصاباً بـ«متلازمة داون». وفي الوقت الذي تتمسك الأم بطفلها على اعتبار أنه ابنها الأول، يعارض الزوج إنجاب طفل مريض، ويبذل قُصاراه حتى يتخلص من الجنين، لكن الزوجة تتشبث بخيارها وتتأثر بعلاء الدين لكونه يعيش بالقرب من أهلها، وببدر الذي يعمل عند خالها. وتبدو حالة منى وزوجها مستغربة، إذ لا تراود الأم لحظة واحدة فكرة التخلص من الطفل. كذلك، لا يتطرّق العمل إلى الجانب الديني الذي يحرّم الإجهاض.

ولم يتمكّن «وراء الشمس» من الهرب من مأزق التطويل والثرثرة الزائدة الذي وقعت فيه أغلب الأعمال الرمضانية، إضافة إلى تركيزه على الكآبة والسوداوية التي أرخت بظلالها على تفاصيل العمل بمساعدة الموسيقى التصويرية لطاهر مامللي.

الأخبار اللبنانية في

10/09/2010

 

رامي عبد الرازق يكتب: كادر ثابت 

كان من الممكن أن يكون مسلسل الجماعة واحداً من أجمل وأهم المسلسلات التاريخية التي تتناول الواقع السياسي المصري من خلال إعادة قراءة فترة مهمة من التاريخ المعاصر عبر البحث في تاريخ أحد أهم التيارات السياسية التي ظهرت خلال النصف الأول من القرن العشرين واستمرت حتي الآن، ولكن الرؤية التي اختارها وحيد حامد قصمت ظهر المسلسل وجعلته أشبه بتوءم ملتصق أحدهما صحيح البنية والثاني مشوه ومريض صحيح أن فكرة بدء المسلسل من الحاضر الآتي من خلال شخصية وكيل النيابة الذي يريد البحث في تاريخ الإخوان لكي يفهم فكرهم هي فكرة سليمة النية درامياً لكنها للأسف نفذت بشكل مباشر إلي درجة خطابية وأجبرت الكاتب علي أن يتناول تاريخ مؤسس الجماعة وتفاصيل نشأتها في شكل فلاش باك طويل تقطع استرساله مشاهد حبيبة وكيل النيابة وجدها المستشار الذي يمثل «جبرتي» الإخوان بالنسبة لوكيل النيابة وأمه والخادمة التي ترتدي النقاب حينا وتخلعه حينا آخر وكلها تفاصيل أولاً تفتقد للصراع الدرامي الجيد أو علي الأقل تمثل صراعاً ساكناً بدرجة خاملة، بينما اتسم الفلاش باك الذي هو بدن الكيان الدرامي بتصاعد رشيق ورسم صورة لطبيعة شخصية البنا ونشأته وإن شابه غياب الحس التوثيقي سواء علي مستوي ذكر الأماكن أو التواريخ إلا قليلا وكان الأولي أن يركز الكاتب علي رسم صورة بانورامية للواقع السياسي والاجتماعي المصري الذي نشأ فيه البنا وهو ليس فرضاً لوجهة نظرنا علي العمل ولكنه احتياج نفسي وذهني للمتلقي، خصوصا أن ما حدث بعد ذلك وطوال أكثر من عشر حلقات ومع احتدام صراع الإخوان مع الحكومة ودخولهم المعترك السياسي وعالم التنظيمات السرية والاغتيالات لم يرتد بنا الكاتب إلي الحاضر بل يكاد يكون قد نسي هذا الخط تماما أو شعر أنه لا يمكن أن يقطع علي المتفرج هذا التشبع والاستغراق في متابعة التفاصيل التاريخية التي ترسم صورة جيدة جداً لواقع الجماعة الحالي من خلال تتبع جذور نشأتها جماعة دينية ثم تشعب فروعها وتجذرها داخل المجتمع المصري وعلاقتها بالسلطة السياسية وقربها من القصر لحزب أغلبية حزب الوفد في الشارع المصري ثم انقلاب القصر لضرب ومقاطعتها ثم تكوين التنظيم السري واغتياله اثنين من رؤساء وزارة مصر بل إن بعض المشاهد حوت نقداً اجتماعياً وقراءة للحاضر مثل المشاهد التي كان يتم البحث فيها عن أسماء لنشاطات الجماعة مثل معهد حراء أو مركز بدر، وهي جذور إطلاق الأسماء الدينية علي المنشآت المدنية والتي أصبحت فيما بعد الموضة الغالبة علي الشارع المصري ودعمه خروج الجماعة من السجن في السبعينيات وعودة المصريين من دول الخليج بأفكار الدولة الدينية كل هذا من خلال جو درامي متماسك وأداء تمثيلي متقن من أغلب العناصر التي تم اختيارها حيث تألق إياد نصار وتفوق علي نفسه خاصة في الحلقات الأخيرة التي قدمت انكسار البنا أمام الضربات الحكومية للجماعة، وأحمد عزمي في دور عبدالرحمن السندي بكل غموض الشخصية وسيكوباتيتها الدموية وبأداء يعتمد علي نظرات العين وجمود الملامح إن الجماعة بحق مسلسل يحتاج إلي حديث مطول يشتبك معه في تحليل سياسي وفني علي قدر الجهد المبذول فيه.

الدستور المصرية في

09/09/2010

 

رسالة أهل الحارة إلى مصر:

شكرا يا مصر ورسالتنا إلى صناع الحارة: شكراً بجد!

دعاء سلطان 

ما كل هذا الدفء الذي نضحت به الشاشة في آخر حلقات مسلسل «الحارة"؟!

ما كل هذه العذوبة والحنان الذي «طبطب» بهما المؤلف أحمد عبدالله والمخرج سامح عبد العزيز علي رؤوس أبطالهما؟!

ما هذا النور الذي انعكس علي وجوه الأبطال جميعا؟! من أين جاء؟! ما مصدره؟!

هل يمكن أن يملك من قست الحياة عليهم وحطمت أحلامهم، سماحة وبراءة تهز قلوبنا إلي هذا الحد؟! أم هي براعة المؤلف أحمد عبدالله وعيون المخرج سامح عبد العزيز هما ما نقلا لنا حياة هؤلاء البشر بهذه الصورة العذبة؟!

كلا السؤالين يمكن الإجابة عنهما بالإيجاب، ففي داخل النفوس المحطمة التي عبثت بها الدنيا وخربتها، تقبع نقطة بيضاء لم يلوثها «كيد الدنيا» فتش عنها عبدالله والتقطها سامح عبدالعزيز، فأخرجا لنا أجمل ما فيهم وفينا في أهل الحارة - أهلنا القساة الطيبون الأشرار المغلوبون المجرمون الضحايا فنحن كل هؤلاء نحن هذا المزيج المربك شديد التعقيد.

دون سذاجة وبوعي يحسد عليه قدم لنا الثنائي عبدالله وعبدالعزيز أهل الحارة، دون أن ينجرفا وراء جدعنة الناس الغلابة الطيبين الذين ستجدهم دائماً وقت الشدة، ففي المسلسل كثير من الأنذال وكثير من السفلة ودون أن يتغنيا بالفقراء الأشراف الذين ينقلهم لنا السذج من كتَّاب الأفلام والمسلسلات علي أنهم أبطال، وكأن الفقر إنجاز، وكأن الفقراء سعداء بفقرهم ففي «الحارة» فقراء تعساء كما قال الكتاب وكما يقول الواقع يسرقون وينهبون ويغدرون، وفي «الحارة» أيضاً ودون ضجيج وصراخ مسلمون ومسيحيون يعانون نفس الفقر ونفس العوز ونفس الحاجة لا يستمتعون بفقرهم ولا يضحكون بسعادة كالبلهاء لأنهم أشراف ومرتاحو البال والضمير في «الحارة» أناس طبيعيون نصف أشرار وربع طيبين وربع مرضي معتلين يلعنون الفقر صباحاً ويقضون الليل في إجراء معادلات شديدة التعقيد لتجهيز وجبة إفطار الصباح التالي يتمنون الموت بدلاً من الحياة كالأموات يعانون الفشل الكلوي ويهلكون في القطارات المهملة التي استوردتها حكومتنا الرشيدة لبشر تهملهم وتستكثر عليهم حياة آدمية بسيطة في «الحارة» بشر يستمعون إلي خطبة في الجامع ولا يصدقون الشيخ المنفعل دوماً والذي يصدق نفسه تماماً، ثم يديرون وجوههم شطر «الغرزة" للهروب من عذاب حسابات رزق شحيح في الحارة عوانس وأرامل ومطلقات وفتيات بعن أجسادهن بلا مقابل وبمقابل، والفارق بينهن ضئيل جداً يكاد لا يري في «الحارة» أمين شرطة أصبح شرطياً يعاني كل عقد النقص يتجبر علي الغلابة ويتعاون مع الدنيا علي قهرهم في «الحارة» بيوت ضيقة كئيبة وأروح مطفئة ومتع مفقودة وقلوب تحمل كثيراً من الحزن كثيراً من القهر كثيراً من الإحباط، وبعضاً من دفء يظهر ويستدعي ببخل يعادل موضوعياً بخل الحياة التي تضن عليهم بالبهجة.

في «الحارة» هناك كل شيء في مصر وعن مصر حالة كشف مؤسفة واختراق واع للبيوت المغلقة علي أحزانها لكن أجمل ما في «الحارة» أن أحداً من صناع العمل لم يدع أن المسلسل يتناول قضية الوحدة الوطنية أو إهمال الحكومة أو الفساد أو المخدرات أو العنوسة أو وهم البحث عن الآثار أو مرضي الفشل الكلوي أو العمالة المصرية في الخليج أو الدعاة الجدد أو صحة المصريين التي انهارت لم يدعوا شيئاً فخرج عملهم كأصدق ما يكون، وفتح المسلسل معه الباب لنوع جديد من الدراما لم تعهده الشاشة الصغيرة التي كثيراً ما كذبت علينا ونقلت لنا حياة الفقراء الذين يعيشون في نعيم راحة البال، وأغلق معه - وهذا هو الأهم- باب البطل الأوحد في المسلسل، فكل من كانوا في «الحارة» نجوم مشرقون متألقون واعون لطبيعة وأهمية ما يقدمونه لم يتعاركوا علي زيادة مشهد أو حذف مشهد لم ينفعلوا علي طريقة وضع أسمائهم علي تيتر المسلسل مدركين أن الدور هو النجم والمخرج والمؤلف هما ربا العمل احترموا أنفسهم واحترموا ما يقدمونه، فاستحقوا احترامنا.

في نهاية المسلسل تشرق وجوه الأبطال المنهكين أخيراً يستدعون الفرحة ويعافرون معها كي تخرج تلقائية صادقة وللصدفة تخرج فعلاً طبيعية ومثيرة للبهجة والشجن في آن واحد، فنصدق أنهم سعداء فعلا يقف محمود عبد المغني أمام شاشة التليفزيون ليتحدث إلي برنامج استضافه بعد اختيار أمه للحج «بالشحاتة» ليقول بفرحة طفولية بريئة: شكراً يا مصر ثم خلفية لنجوم العمل جميعاً وهم فرحون ببلاهة لا يمثلونها، فهكذا يفرح من سرقتهم سكين الحياة وفرمهم قطار الدنيا، فبعد هذه الحالة من السعادة يدركون جميعاً أنهم سيعودون إلي صراعهم مع الحياة إنهم واقعيون جداً حتي إن كريمة مختار تصارح الأعمي عندما يطلب منها أن تدعو له أن يسترد بصره بأن هذا مستحيل هكذا دون مواربة فقط هم يختلسون لحظة بهجة عابرة بالتأكيد ستشحن أرواحهم للنصف ساعة القادمة، ليعيدوا الكرة مرة أخري حقا إنها نهاية تقشعر لها الأبدان البليدة قبل الشغوفة بالبشر.

شكراً يا مصر علي الفقر وقلة الحيلة وشحاتة الحنان والعطف والاهتمام شكراً يا مصر علي أكباد الفقراء التي أكلها الفقر والفساد شكرا علي كسرة نفوسنا وهوان أهلك عليك وعلي من يحكمونك من أهل «الحارة» إلي مصر: شكراً يا مصر وألف شكر لمن شعروا بنا وقدمونا وقدموا أهل «حارتنا» بمنتهي الأمانة والضمير بلا زيف أو ادعاء شكراً لأنهم أعادوا الصدق إلي الشاشة الصغيرة ونجحوا في إثبات أنها من الممكن أن تنقل لنا صدقاً ينفذ إلي قلوبنا وجرأة لا تخدش مشاعرنا وشجناً يطهر كل نفس راقية!

الدستور المصرية في

09/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)