حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

معادلة تفوّق النساء على الشاشة الرمضانية !

القاهرة ـ حمدي رزق

هل الرجال مساكين في هذه الحال؟

سؤال يطرحه على نفسه المتفرج الواعي، وكذا الناقد المحترف.. اذا تأمل المشهد الدرامي الرمضاني هذا العام تأملا دقيقا، ليجد أن 70 بالمئة تقريبا من المسلسلات الرمضانية من بطولة نجمات، كل النجمات حاضرات باستثناءات محدودة ومن كل الأجيال، وليس من الجنسية المصرية وحدها. الوعاء الدرامي استضاف المصري نجمات سوريات كسلاف فواخرجي (« كليوباترا«- انتاج سوري مصري مشترك «) وسوزان نجم الدين « (مذكرات سيئة السمعة« انتاج مصري خالص«)، وتونسيات مثل درة التي تشارك في كل من «العار « وا» اختفاء سعيد مهران « وهما كذلك من الإنتاج المصري الخالص، أو التونسية هند صبري في مسلسل « عايزة أتجوز « .

أيضا النساء من كل الأنماط والنوازع النفسانية حاضرات: الجبارة، والقوية في غير تجبر، والعجوز، والشابة، والملكة والصعلوكة، والأنيقة والتي ترتدي أسمالا، والمصرية والأجنيبة، والمزواجة والعانس، كل أنماط. المرأة تلح بصورة مكثفة وطاغية على دراما رمضان هذا العام، والحقيقة أن هذه الظاهرة ولدت قبل عامين بوضوح، وأن بداياتها أقدم من ذلك بسنوات، لكن لماذا وصلت إلى هذه الذروة في شهر رمضان الجاري؟

ونعود للسؤال : وهل يكون الرجال مساكين في هذه الحالة؟ ربما أخذ الرجال فرصة درامية طويلة وثرية جدا. ومن استطاع منهم الصمود صمد واتخذ مكانه اللائق، ومن لم يملك شيئا حقيقيا يواجه به الهجوم النسائي الكاسح، اقتلعته الريح ..

وحسم هذا الأمر ربما يحتاج وقتا طويلا. غير ان الرجال من المتفرجين يبدون الأكثر استمتاعا بهذه الدراما التي تقودها المرأة والتي تحرر الرجل من ملل رؤية الحياة بمنظور الذكورية وحده، أو تأخذه الى عوالم جديدة لم يعشها من قبل، من أهم سماتها أنها نفس عوالمه. المرأة والرجل ألا يعيشان في بوتقة الهموم نفسهاعلى الخارطة نفسها ؟

كليوباترا.. الجبارة

أيا سيكون رأي النقاد في هذا العمل حين اكتمال حلقاته، فإن السورية سلاف فواخرجي صارت لها أرضية لا يمكن زحزحتها عنها لدى المشاهد المصري، الذي لم يكن يعرفها قبل مسلسل « أسمهان « رمضان قبل الماضي ومنذ هذا المسلسل، صار لها معجبوها ومريدوها في أوساط هذا الجمهور.

« كليوباترا « ثمرة سلاف الجديدة مع زوجها المخرج وائل رمضان والكاتب السوري قمر الزمان علوش. هي تلك المرأة الجبارة القوية المعروفة لدى المؤرخين بكليوباترا السابعة، آخر ملوك مصر من عصر البطالمة « 332 30 قبل الميلاد «، والتي، بانتحارها بالسم الزعاف، انتهى استقلال مصر لمدة 600 سنة حكمها فيها الرومان الى ان جاء الفتح العربي الإسلامي.

كليوباترا احدى المشهورات اللائي يزرن الشاشة الرمضانية هذا العام، ويشغلن بال الناس ويملأنها وهجا. صحيح أن البعض أخذ يعلق على أن ملامح سلاف ليست ككليوباترا الأصلية، وأن جسدها أيضا أكثر امتلاء بكثير من الملكة الرشيقة، لكن سلاف أقنعت المشاهدين على الأقل حتى الان.. برغم أنها أقرب في الشبه الى اليزابيث تايلور في شريطها الهووليودي الشهير عن كليوباترا منها الى الملكة الأصلية.

دافعت الملكة عن استقلال مصر في عصر من أشد العصور انحطاطا سياسيا وعجزا وسيطرة أجنبية، في مواجهة أعتى امبراطورية في العالم القديم وهي الامبراطوية الرومانية، لذا كانت أسلحتها الجمال والحب والمكر والدهاء. غير أن كل هذه الأسلحة الفتاكة سقطت تحت سنابك الخيول الرومانية، وظلت كليوباترا أسطورة تحيط بها الغموض، وها هي تتجدد على الشاشة الرمضانية .

نازلي .. الغامضة

ما من شخصية مصرية نسائية أثارت حولها هذا القدرمن الجدل والآراء المتعارضة كشخصية الملكة السابقة « نازلي « زوجة الملك فؤاد « 1917 1936 « وأم الملك الأخير فاروق « 1936 1952 « .. رآها البعض امرأة فاضلة وطيبة ومظلومة ومكسورة القلب وانتهت حياتها في الغربة والمآسي.. وآخرون رأوها على العكس تماما من كل ذلك ..!

والدراما الرمضانية هذا العام ردت هذا الجدل الى الحياة مجددا، مع مسلسل « ملكة في المنفى « الذي يجسد حياة نازلي والذي قامت ببطولته نادية الجندي مع نخبة من النجوم والنجمات وكتبه محمد السيد عيد وأخرجه زهير رجب السوري الجنسية ومخرج مسلسل ليلى مراد العام الماضي.

والى الآن، نجح الكاتب ومع قلمه نجح أداء نادية الجندي في تبرير المحطات الغامضة من حياة نازلي الخاصة، كزواجها السري بأحمد حسنين باشا رئيس ديوان ابنها الملك، أو بمعاداتها لابنها هذا في أواخر عصره، وسكناها للعواصم الغربية وتصرفاتها غير المفهومة في مصر وخارج مصر، والتي أخذها عليها كثير من معاصريها ولايزال يأخذها عليها بعض المؤرخين.

من أهم هذه التبريرات التي ساقها المسلسل حتى الآن .. قسوة الملك فؤاد وفارق السن بينه وبينها (حوالى 40 سنة فارقا)، وشحه بالمال، واستبداده السياسي. والغريب أن المسلسل تبنى بصورة مؤكدة انتماء نازلي الى حزب الوفد وجدانيا، وهو الحزب الأكثر شعبية على الاطلاق قبل ثورة تموز يوليو 1952، والذي كان على عداء مستمر مع القصر. وهكذا فإن الحلقات آخذة بتلابيب الشخصية لتتحول بها الى صورة « البطلة الوطنية والضحية « الأمر الذي ينذر بجدل واسع وخطير حول التفاصيل التاريخية في هذا المسلسل خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

زهرة .. المزواجة

منذ عقود ليست بالقليلة، انتهى من المجتمع المصري توجه قديم كان سائدا ولاسيما في الريف، وهو زواج الرجل بأكثر من امرأة، ولاسيما هؤلاء الذين يتزوجون بثلاث نساء أو أربع. بل ان هؤلاء الذين يجمعون في عصمتهم زوجتين باتوا من الحالات المحدودة ويكادون ينقرضون في المدن الكبرى والقاهرة..فماذا لو أن امراة وهذه مسألة محرمة مئة بالمئة شرعا جمعت بين زوجين ؟ والسؤال الذي يبدو فانتازيا تماما : ماذا لو جمعت امرأة بين خمسة أزواج في الوقت ذاته..؟

زهرة التي تلعب دورها غادة عبد الرازق في مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة«، فتاة جميلة ولافتة للأنظار وفقيرة أيضا، من هنا تكمن الخطورة، فزهرة يأخذها جمالها الى الطموح، والطموح يرمي بها الى سباق يخوضه الرجال للزواج منها، ونتيجة خطأ غير مقصود لا تعلم عنه زهرة شيئا، تصبح في نفس التوقيت في عصمة خمسة من الرجال في الوقت ذاته،: حسن يوسف، باسم ياخور، أحمد السعدني، مدحت صالح.. والخامس يشكل اسمه مفاجأة كما يقول صناع العمل، لن يكشفوها سوى في آخر حلقتين من المسلسل .

ومن تلك المنطقة الشائكة، انطلقت سهام كثيرة تلاحق مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة« حتى في فترة تصويره وقبل عرضه، بل لاحقته دعاوى قضائية، واضطر مؤلفه المخضرم مصطفى محرم الى أن يتحصل على موافقة من الأزهر الشريف على الحلقات، لكي لا يستطيع أحد بعد ذلك ان يلاحق المسلسل، وأعطاه الأزهر الموافقة بالفعل، في سابقة هي الأولى في تاريخ المسلسلات الاجتماعية المصرية..!
والى الان حققت زهرة اهتماما جماهيريا وشغفا وفضولا، غير ان مصيرها لايزال مجهولا ويزداد غموضا، كلما تعرفت الى رجل جديد من رجالها الخمسة.

علا ..العانس

العنوسة باتت أزمة حقيقية في المجتمع المصري وفي كثير من المجتمعات العربية، حتى تلك التي لا تعاني فقرا ولا مصاعب اقتصادية، اذ تحصل الأزمة فيها بسبب المغالاة في المهور، فيما تنشأ في مجتمع كالمجتمع المصري من صعوبة الحالة الاقتصادية في أوساط الشباب المؤهل عمريا للزواج. وليس ببعيد ذلك الشريط السينمائي المعنون « بنتين من مصر « الذي عرض قبل شهرين فقط والذي تناول هذا الملف بصورة قاتمة للغاية، فيما ذهب مسلسل « عايزة أتجوز» الذي تقوم ببطولته هند صبري الى معالجة الأمر كوميديا.

المسلسل هو أول عمل درامي مصري يؤخذ عن مدونة إلكترونية، كانت تحمل الاسم نفسه، لكاتبة في الثلاثينيات من عمرها تدعى غادة عبد العال، وتحولت الى كتاب صدر في الأسواق وحقق مبيعات كبيرة، حتى حولته غادة الى هذا المسلسل الكوميدي، الذي يحول أزمة العنوسة الى ملهاة ضاحكة ليست بها دمعة واحدة.

البطلة علا عبد الصبور أو هند صبري صيدلانية ناجحة، وتعمل في وزارة الصحة المصرية، وتنتمي الى الطبقة الوسطى، وهي الى ذلك لا ينقصها الجمال ولا الخلق الحسن، لكنها، كما يقولون، فاتها قطار الزواج، الذي لا يغني عنه النجاح العملي في المجتمعات الشرقية. وتبدأ علا المتطلعة الى زوج أي زوج في البحث عن كتاب رائج يحمل عنوان « كيف تصطادين عريسا؟»، وتبدأ في تطبيقه بحذافيره، ومن هنا يفد على بيت أسرتها في كل حلقة عريس جديد، لكنها تكتشف هذا البون الشاسع بين كتاب وبين حياة حقيقية من لحم ودم، وهكذا فان خطتها النشطة لاصطياد عريس تتحول إلى المزيد من الإحباط !

كاريزمات جديدة

الدراما جزء أصيل من الواقع المعاش، وقراءة هذا الواقع في مصر الآن، تقول بأن ثمة اتجاها الى « تمكين المرأة»، وهذا في الحقيقة ليس توجها مصريا وحسب، بل يمكن أن نلاحظ أنه توجه عربي أيضا.. وهذا التوجه آخذ بالاتساع ليشمل مجالات كثيرة، وحقوقا كثيرة أيضا في المشاركة بكل النواحي التي تتطلب إسهام المرأة ومن بينها الفن. هذا جانب مهم من تفسير انتشار دراما المرأة في موسم المشاهدة الأساسي في شهر رمضان الجاري وفي موسميه السابقين كذلك.

أيضا ربما يكون المجتمع المصري أخذ بالتحرر التدريجي من النظرة الذكورية القديمة لفكرة « الكاريزما «، فحتى وقت قريب كانت الكاريزما للبطل والنجم. اليوم ثمة كاريزمات نسائية ولاسيما في الدراما التليفزيونية التي تخطو على هذا الدرب بسرعة أكبر من نظيرتها السينمائية. اليوم اذا قدمت نجمة مسلسلا يحترم عقل المشاهد ويأخذ بيده بعيدا عن الثرثرة والتطويل أو الحكي المبالغ في تفاصيله إلى عالم من الدراما الحقيقية لحما ودما، فإن المشاهد المصري لن يتوقف طويلا أمام جنس بطل العمل أو لن يرفضه لكون بطلته واحدة من بنات حواء.

من جانب آخر، فإن العين التي ترى المشهد على هذا النحو هي عين المشاهد وكذا عين الناقد، اما العين التي تكمل الصورة فهي عين المنتج.. فماذا ترى هذه العين من مشهد الحضور النسائي الطاغي الذي تجلى على الشاشة الرمضانية في السنوات الثلاث الأخيرة ووصل الى ذروته هذا العام.

المنتجون صاروا أيضا أكثر وعيا، ولاسيما أن ليس ثمة « شباك تذاكر» معروف الحسابات مقدما كما هي الحال في السينما. هنا هامش للمغامرة يمكن اللعب من خلاله، والدراما النسائية في المسلسلات أثبتت قوتها. وهذا حصل بالتدريج.. المنتجون يعرفون أن فاتحة هذا الأمر جاءت عبر يسرا ومسلسلاتها التي بدأتها منذ منتصف التسعينيات كبطلة مطلقة، وأن يسرا هي أول فنانة في مصر والعالم العربي تم تسويق الأعمال باسمها فضائيا. ولكن بالتدريج ومع صعود جيل منى زكي وحنان ترك ثم جيل منة شلبي وهند صبري، أصبح التسويق باسم البطلات أكثر اتساعا، وانضمت اليهم سمية الخشاب وغادة عبد الرازق فضلا عن بطلات فترة الثمانينيات كليلى علوي وإلهام شاهين اللتين تمثلان اسمين مضمونين تسويقيا، وكذا أسماء تلقى رواجا تقليديا في عالم بيع المسلسلات كفيفي عبده ودينا وغيرهما .

اذن فهذا « المزيج « التسويقي حقق نجاحه تدريجيا، حتى اكتمل له هذا النجاح. واذا كانت الدراما التليفزيونية تخضع اليوم لآليات السوق والعرض والطلب والتوزيع الخارجي كما كانت حال دراما السينما في السبعينيات والثمانينيات فإن من من الواضح أن التسويق يقبل اليوم على مسلسلات المرأة أكثر من اي وقت مضى.

المنتجون يدركون تفاصيل هذه المعادلة أتمّ إدراك، وعلى أساسها يعملون، ومن هنا فلا غرابة لو تنبأنا بالمزيد من الحضور الرمضاني في العام المقبل، ولكن اذا كانت نسبة بطولة المرأة للمسلسلات في حدود 70 بالمئة هذا العام، فكم ستكون في العام المقبل ؟ الإجابة لن نعرفها قبل رمضان القادم ..!

المسقبل اللبنانية في

22/08/2010

 

مسلسلات وحوادث رمضانية!

ماجد كيالي 

مناسبة هذا العنوان لا تتعلق بالمسلسلات التلفزيونية فقط التي بات شهر رمضان يشتهر، أو يغصّ بها، وإنما هي تشمل مسلسل الحوادث الطبيعية والسياسية والاجتماعية، أيضاً.

فمن جهة الحوادث الطبيعية، مثلاً، فقد شهدنا كوارث مختلفة، فبينما تعرضت خُمس أراضي الباكستان للغرق، والذي هدد حياة حوالي عشرين مليون مواطناً باكستانياً، شهدت بلاد الروس، المشهورة بجليدها، موجة حرائق غطت سماواتها بسحب دخانية كثيفة وداكنة! وبين هذا وذاك فقد تعرضت منطقتنا لموجة حرّ غير مسبوقة، في شهر الصيام.

طبيعي أن الحوادث الطبيعية الكبيرة (كالزلازل والبراكين والمد والجزر والفيضانات وموجات الحر والقرّ) ما زالت خارج قدرة الإنسان، على الرغم من كل ما بلغه من تطور علمي وتكنولوجي، وقدرة على السيطرة والتنظيم. لكن المشكلة عندنا ما زالت أكبر وأعمق من كل ذلك بكثير. فوسط هذه الكوارث البيئية، التي ترسم مستقبلاً غامضاً للبشرية، شهدنا مناقشات جد ساذجة أو بدائية، هكذا تجادلنا وانقسمنا بشأن رؤية «هلال رمضان»، فثمة بلدان صامت يوم الأربعاء، وبلدان أخرى في يوم الخميس، وامتدت هذه المناقشات لتحديد مواعيد الصيام والإفطار في بلدان يطول أو يقصر فيها النهار، وفي بلدان ليس فيها غروب أو شروق بمعنى الكلمة! أيضاً، ثمة وجهات نظر بشأن طريقة صوم المرأة «الحائض» والمرأة «النفسا»! وبمناسبة موجة الحر التي ضربت هذه المنطقة فقد ظهرت فتاوى عديدة بشأن جواز الصيام والإفطار لمرضى السكري والكبد والكلي وغيرها، وذلك بحسب درجة المرض، كما للعاملين في الأعمال الشاقة، وبحسب درجات الحرارة. علماً أن القاعدة بأن الإسلام دين يسر لا عسر، و»لا يكلف الله نفساً إلا وسعها»، وأن ليس على المريض ولا على المسافر حرج. هكذا انشغلنا بهذه المناقشات، والتفصيلات، عن كل ما يهددنا، من حوادث سياسية واقتصادية واجتماعية، ومعها أيضاً الحوادث البيئية، التي تبدو آخر ما نفكر فيه (بحسب حسام عيتاني ـ «الحياة»، 17/8).

في الحوادث السياسية، فقد شهدنا في رمضان استمرار مسلسل الانقسام الفلسطيني، ففي هذا الشهر انقطعت الكهرباء عن القطاع، بسبب عدم تسديد قيمة تغذية محركات توليد الطاقة في القطاع (للشركة الإسرائيلية المغذية). وبينما اتهمت سلطة حماس (في غزة) سلطة فياض وفتح (في رام الله) بأنها تقف وراء ذلك، اتهمت سلطة رام الله سلطة غزة بأنها تجبي ثمن فواتير الكهرباء من أهالي القطاع وتنفقها على أجهزتها، بدل تسديدها. وبين هذا وذاك فإن مليون ونصف مليون من أهالي غزة، باتوا محرومين تقريباً من متعتهم الوحيدة وهي التسمر أمام شاشات التلفزة، بعد تضييقات سلطة حماس على الناس، لجهة مراقبة سلوكيات التنزه «العائلي» عند شط البحر، وإزاء ارتياد النساء والفتيات للمقاهي والكافتريات!

في غزة أيضاً لم تسلم «الجبهة الشعبية» من مضايقات حماس، رغم أن هذه الجبهة ضد المفاوضات وضد اتفاق أوسلو، ومع الكفاح المسلح، حيث قام أفراد من الأجهزة الأمنية الحمساوية بمصادرة محتويات مقر للجنة الشعبية للاجئين في رفح (15/8)، وعملوا على كسر إضراب كانت الجبهة نظمته احتجاجاً على استمرار أزمة الكهرباء، التي «طالت كل مناحي الحياة وفاقمت معاناة وآلام المواطنين في غزة»، بوسائل القوة. وكانت أفراد من الشرطة الحمساوية اعتدوا بالضرب على صحافي يعمل في «الجزيرة نت».

وليس الوضع أفضل في رام الله فهناك تقوم السلطة بكل ما من شأنه تجفيف مصادر تمويل حركة حماس، ووضع حد لأنشطة جمعياتها، وتقييد حركة ناشطيها، ووصل الأمر حد أن السلطة قررت وقف تلاوة القرآن قبل الآذان. لكن الطريف في هذا الأمر أن محمود الهباش (وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة) برر ذلك بأن «قراءة القرآن قبل الأذان أمر غير شرعي، لم يرد في الدين، أو السنة، ولم يقل به أحد من العلماء، ولذا قررنا وقف استخدام مكبرات الصوت إلا لرفع الأذان، وخطبة الجمعة، وصلاة التراويح»!

وعلى كل ففي هذا الشهر قامت سلطة حماس بالإفراج عن مئة سجين لديها (من مناصري فتح)، كـ«مكرمة» من رئيس الحكومة المقالة في غزة! فيما أفرجت السلطة الفلسطينية عن 8 محاضرين من جامعة النجاح الوطنية بنابلس (من مناصري حماس) بعد مضي عدة أيام على اعتقالهم.

في المسلسلات التلفزيونية يمكن أن نذكر مسلسل «المسيح»، الذي عرضت أولى حلقاته في بداية شهر رمضان (على قناتي «المنار» وNBN) ثم أوقفت، فهذا المسلسل أثار حساسيات وعصبيات كان لبنان بغنى عنهما. المشكلة أن السيد المسيح في هذا المسلسل بدا أشقر، وذا عينين خضراوين، في إيحاءات تغريبية. لكن المشكلة أكثر أن هذا المسلسل من إنتاج إيراني («إسلامي»)، وأنه، بحسب الزميلة نهلة الشهال («السفير»، 17/8)، «قوِّل السيد المسيح ما لم يقله»، وأن شقرة السيد المسيح في المسلسل كانت «غربة وليست تجميلاً». والأنكى من كل ذلك أن المسلسل المذكور بدا وكأنه يأتي ضمن مسلسلات وقائع الإنكار والإلغاء والهيمنة، حيث ينوب طرف ما عن الآخر في عرض صورته وفي روايته عنها، وحيث «الخوف الآن، وعلى هامش ذاك المسلسل ودلالاته، أن نكون باشرنا الانتقال من فرض السياسات إلى فرض العبادات». (بحسب حازم صاغية، «الحياة»، 17/8).

مع ذلك ثمة نكهة جديدة في المسلسلات التلفزيونية الرمضانية، فعلى رغم استعصاء العمل العربي المشترك، شهدنا أعمالاً تلفزيونية مشتركة، فثمة مسلسلات مصرية أبطالها سوريون، وأخرى سورية أبطالها مصريون، وثمة نجوم من لبنان والجزائر وتونس والعراق والكويت في هذه الأعمال. وهكذا لم يبق لنا حجة بشأن اقتصار العمل العربي المشترك على وزارات الداخلية فقط.

وثمة مسلسلات حاولت تبريد الأجواء الحامية، فمثلاً بثت فضائية فلسطين (رام الله) حلقة من المسلسل الفكاهي الساخر «وطن على وتر»، خصصت لزيارة هيفاء وهبي الى غزة، ولقائها بإسماعيل هنية (أبو العبد)، رئيس الحكومة المقالة. ففي هذه الزيارة المتخيلة (لم تحدث) أكدت هيفاء تعاطفها مع معاناة أهل القطاع واستعدادها للتخفيف منها، ولم يخلو الأمر من مداعبة «أبو العبد». المشكلة أن هذه الحلقة (وكذا المسلسل الذي يعده ويشارك فيه عماد فراجين، مع خالد المصو ومنال عوض) لاقت هجوماً من بعض وسائل إعلام حماس، برغم أنه برنامج سياسي مخصص للسخرية من الحياة السياسية الفلسطينية الراهنة، وهو السبب في حيازته على شعبية فلسطينية واسعة. ويبدو من ذلك أن الفلسطينيين، الذين لا يستطيعون شيئاً لجهة مساءلة قياداتهم أو محاسبتها، لا يحق لهم، أيضاً، أن يضحكوا، أو أن يداعبوا أحداً من القيادات المهيمنة عليهم، وعلى مصيرهم، منذ نصف قرن!

المسقبل اللبنانية في

22/08/2010

 

«وراء شمس»: الدراما القيمية

موسى شرف الدين()

إن قضية الإعاقة واحتياجات الأشخاص المعوقين وأسرهم ليست منة أو شفقة أو برا أو تبرعا أو نذرا أو كرم أخلاق آو عملا أريحيا أو عملا خيريا اختياريا أو صدقة أو فطرة أو دفع بلاء. إنها قضية قيمية محورها الحق الموروث وليس التعاويذ وكتب العرافات وفك السحر والطلاسم وأسرار المنجمين والفلكيين وملوك الجن. حقوقه المعوقين مشروعة أسوة بسائر بني البشر أللهم الا إذا اعتبرناهم مواطنين من خارج الوجود أو مشروعا للترحيل إلى الفردوس المفقود.

ومن يحلو له إطلاق تسميات مخففة مثل «ذوي احتياجات الخاصة» نقول: أنهم لم يقرروا يوما تبوؤ هذا الحيز الاجتماعي حركيا أو حسيا أو تفكيريا، ولا طاقة لهم على رفض ما هم فيه حتى لو أرادوا ذلك, ويسعون على مدار حياتهم التمثل بنا والعيش ضمن مواصفاتنا. وأن حاجاتهم الخاصة ليست ترفا أو غنجا أو ضربا من الكماليات بل أنها من الضروريات في الحياة، كالماء والغذاء والهواء والكساء والدواء، صبحا وظهرا ومساء. فهم إذا «ذوو حقوق منتهكة».

يعتبر الأشخاص المعوقون عقليا وأسرهم الحلقة الأضعف بين سائر المعوقين، وان نوعية حياتهم تكاد تكون الأكثر هشاشة والأكثر تعرضا للتهديد والأقل قدرة على التكيف مع المتغيرات والأضعف في مهارات تواصلهم.
إن حقوق الأشخاص المعوقون عقليا وأسرهم عرضة للانتهاك على مدار الساعة، وغالبا ما تؤخذ قرارات تتعلق بمصائرهم بالنيابة عنهم. فلا يسألون عن رأيهم وعن مدى موافقتهم على موقع معين أو نمط حياة أو حتى وجبة طعام أو لون قميص أو حذاء. وقلما يؤخذ برأيهم إذا ما عبروا عنه- وكثيراً ما يُوبخون ويحاصرون باللاءات والممنوعات وتجلد رغباتهم بالرفض والزجر والصراخ ويطاردون بالتوصيات والإنذارات والتنبيهات دون بذل الجهد في شرح ما يطلب منهم, أو الإصغاء لرغباتهم وتلبية المتيسر منها.

إن الأشخاص المعوقين عقليا يمارسون، هم وأسرهم، حياة مقيدة بكافة أنواع الشروط. والكثير منهم يحبط عند أية محاولة أو أية مبادرة لأنهم يكفًرون في قدراتهم وإمكانياتهم حتى يتكرس لديهم الشعور بالقصور والإحباط والعجز والسلبية مدمنين على تلقي المساعدة والأخذ، والإقلاع عن اقتناص فرص العطاء.
الأشخاص المعوقون عقليا وأسرهم هم ضحية التمييز بامتياز فهم المكون الناقص بين الأخوة وبين أفراد المجتمع لناحية ما يتمتع به سواهم من أفراد الأسرة ,ناهيكم عن أسرتهم المسكونة بالوصمة مجتمعيا, وكل احتياجاتهم الغذائية والمنزلية والتربوية والصحية والتشغيلية والسكنية والترفيهية تاتي مستهلكة ومستعملة، وقلما يتمتعون بالحصول على حاجاتهم وفق رغباتهم بل وفق مزاجيات وميزانيات وموازنات الآخرين. وهم الحرف الناقص من تقاطع الكلمات والخطابات والقصائد والمعلقات، وهم الكلمة الساقطة في البرامج والإستراتيجيات والأجندات, وأرقامهم دائما سلبية في الموازنات والميزانيات.

فهم أبعد من أن يزودوا بالجديد والجميل والمكلف إذ لا طاقة لهم على رفض ما يقدم لهم من أثاث وثياب وبرامج ترفيهية وصحية وسوى ذلك من الأمور. وإذا ما وصلوا إلى الحياة الجنسية فهناك الانتهاك الأقصى ولا مجال للسماح لهم بممارسة هكذا محرمات مع فرص استغلالهم على شتى الصعد. أما الأمومة والأبوة فالتعقيم سمة مفروضة في الكثير من مجتمعات العالم.

والكثير منهم يتعرض للمعاملات غير اللائقة لناحية الوصمة والملاحقة بالتسميات المهينة والكثير منهم يجبر على تناول العقاقير والأدوية المخدرة دون ضرورات طبية، بل رغبة ومراعاة لمزاج ولراحة المحيطين بهم. فالتغني بالحقوق الثقافية والمدنية والحماية من المعاملات المهينة والتعذيب تبدو ضربا من ضروب الآمال والأحلام المستحيلة المنال إلا في ما ندر.

هذا غيض من فيض مما لا يمكن التصدي له إلا عبر إجراءات تنطلق من الأحاسيس والمشاعر وليس من الشعائر، ومن القلوب والنفوس وليس من التمنيات والطقوس، ومن تلافيف الألباب وليس من اتساع الممرات والمنحدرات والأبواب.

و لابد من إرساء مرتكزات ومداميك في الوعي والثقافة الاجتماعية التي تتعزز بتراكم التجارب والمشاهدات والنقاشات والتي يشكل الإعلام بكافة أنواعه ووسائله، مقروءة كانت أم مرئية أم مسموعة.

إن اتخاذ القيمين أحد المسلسلات الرمضانية السورية قرار الخوض في هكذا مواضيع يعتبر ظاهرة فائقة التطور والالتزام بمواضيع تطال الشرائح الأضعف في المجتمع. والملفت في الأمر هو نجاح المسلسل في توفير كافة المهارات والمواهب والمعرفة والقدرات التي من شأنها ترجمة هكذا مواضيع مصيرية وتكاد تلامس المحرمات ونقلها إلى الواقع بسلاسة وانسيابية ودون تصنع. بالرغم من الهواجس والإشكاليات التي يمكن أن تتأتى عن العرض المتسلسل وبشكل يومي ولفترة زمنية طويلة (30 حلقة) وما تفرضه من تحديات في تأمين فترات التشويق وشد انتباه المشاهدين على مختلف قناعاتهم، إضافة إلى ندرة الشركات الراغبة في استثمار إعلاناتها عبر عروض هكذا مسلسلات والتي توضع عادة في خانة مغايرة وغير المشوقة. إن هكذا أمور جرى تخطيها منذ زمن بعيد في الإعلام الغربي الذي ذهب بعيدا في تلك المجالات نظرا للانتقال التدريجي عبر فترات زمنية طويلة. أما في عالمنا العربي فقد كانت هناك محاولات من وقت لآخر دون أن ترسم منهجية متتابعة.

()رئيس جمعية أصدقاء المعاقين ورئيس المنطقة العربية في منظمة الاحتواء الشامل.

[ السطور أعلاه كتبت لتكون تحية لمن أولوا تلك الأهمية النادرة للمعوقين في مسلسل «وراء الشمس» الدرامي، الذي أخرجه سمير حسني وكتب نصوصه محمد العاص، وأنتجه هاني العشي.

المسقبل اللبنانية في

22/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)