حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مهرجان كان السينمائي الدولي الثاني والستون

كان 2009

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

«المسيح الدجّال» لترير و«عناقات مكسورة» لألمودوفار و«البحث عن إيريك» للوتش في مهرجان «كان»

ثنائية العنف والجنس.. والذاكرة المدمّاة

نديم جرجورة/ «كان»

لم يكن العنف والجنس حكراً على أفلام آسيوية مشاركة في الدورة الثانية والستين لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، المنعقدة حالياً في المدينة الجنوبية الفرنسية «كان» لغاية الرابع والعشرين من أيار الجاري. ذلك أن هاتين السمتين ملتصقتان بالحياة اليومية للبشر، ومتسلّطتان على المسار العام للأفراد والجماعات معاً، سواء توصّل البعض إلى المصالحة مع الذات إزاء الجسد والجنس أم لا، وسواء نتج العنف من ضغط البيئة والانفعالات أم نبع من انتصار جانب على آخر في البنية الطبيعية للإنسان. ولأن السينما اختزلت الفنون والعلوم معاً، وباتت انعكاساً للحياة، إن لم تتفوّق عليها أحياناً وتبزّها وتسبقها في استطلاع المقبل من الأيام؛ ولأن غالبية الأفلام منسجمة والتشريح الإبداعي للذات والنفس والروح؛ بدا التركيز على ثنائية الجنس والعنف امتداداً حيّاً للواقع والمجتمع والعلاقات.

اختبارات

هذا ما ظهر جليّاً في فيلمي «المسيح الدجّال» للدانماركي لارس فون ترير و«عناقات مكسورة» للإسباني بدرو ألمودوفار. فالأول مستلّ من الاختبار الدموي للصراع الدائم بين الحياة والموت، من بين أمور أعقد وأخطر تناولها النصّ السينمائي المنخرط في أعماق جانب من دون آخر في داخل الإنسان (كي لا أسقط في التعميم، فأقول في الجانب الأسود مثلاً)؛ والثاني منسوج على وتيرة الصدام الدائم بين الانفعال والعقل، على مستوى الحب والعلاقة الحسّية والتواصل الروحي بين الأفراد. لم يكن الأول مجرّد تحليل نفسي للذات البشرية، لأنه غاص في لعبة الأساطير والاستعادة الدرامية لسطوة الشيطان على الأرض من خلال المرأة؛ ولم ينغلق الثاني على رومانسية تدفع أبناءها إلى الدمار الذاتي، لأنه مال إلى ابتكار حيوية ما في معاينة العناوين الثابتة للتركيبة الإنسانية الموزّعة على الحب والجسد والروح.

إليهما، اختارت إدارة مهرجان «كان» الفيلم الجديد للإنكليزي كن لوتش «البحث عن إيريك» للمسابقة الرسمية (مثلهما تماماً)، المختلف عن المسار السينمائي لصانعه، المرتكز غالباً على قراءة الصراع الطبقي والنضال من أجل الفقراء والمدافعين عن حقوقهم التاريخية في الأرض والحرية، كي يرسم ملامح العلاقة القائمة بين نجم ومُعجب به، بأسلوب مال إلى الكوميديا الخفيفة، القادرة على أن تكون تجارية بالمعنى العادي للكلمة. ومع أن الفيلم لم ينل إعجاب كثيرين من النقّاد والصحافيين، كما حصل بالنسبة إلى «المسيح الدجّال» تحديداً، إلاّ أن لوتش برع في مزج حكاية بسيطة بمناخ إنساني عام قائم، حالياً، في الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة أو المقيمة فيها، من دون ادّعاء بصري أو تنظير أخلاقي. والفيلم، بهذا، مختلف جذرياً عن فيلمي فون ترير وألمودوفار، مع أن «عناقات مكسورة» لم يبلغ المستوى الإبداعي الراقي الذي عرفه «المسيح الدجّال»، مثلاً. في حين أن كن لوتش، الملتزم قضايا الفرد والجماعة تاريخياً وآنيّاً، لم يتخلّ عن همومه العامة، مُدخلاً إياها في صلب السياق الدرامي بسلاسة وبساطة جميلتين، متّخذاً من مكانة أسطورة كرة القدم الإنكليزية إريك كانتونا عنواناً لحكاية منفتحة على الحبّ والذاكرة المدمّاة والرغبة في الانعتاق من قذارة الماضي وفساد الراهن.

مع ممثلين اثنين فقط هما الأميركي ويليام دافو والفرنسية شارلوت غينسبيرغ، اختار الدانماركي لارس فون ترير سيرة الصدام الأبدي بين الشيطان والله، من خلال قصّة زوجين يتعرّضان لواحدة من أبشع التجارب الفردية المتمثّلة بمقتل ابنهما الصغير أثناء ممارستهما الجنس معاً. ومع ممثلين اثنين أيضاً هما الإسبانيين بينيلوبي كروز ولويز هومار في الدورين/ المحورين الأساسيين للحبكة، قدّم مواطنهما بدرو ألمودوفار حكاية الحبّ المدمَّر والعشق المهزوم والحياة المجنونة والشبق الطالع من داخل القلب إلى حيوية الجسد في سعيه إلى التحرّر من سطوة العقل. لم يختلف كن لوتش عنهما باختياره، هو أيضاً، ممثلين اثنين أساساً متيناً لحبكة جميلة، هما الرياضي السابق والممثل/ المنتج الحالي الفرنسي الأصل إيريك كانتونا والممثل الإنكليزي ستيف إيفيتس. لعلّها صدفة، لكن الأعمق من ذلك كامنٌ في أن هناك توجّهاً ما إلى تركيز النصّ السينمائي على أساسيات جوهرية متمثّلة بثنائيات تصارع من أجل البقاء، وتقاتل من أجل التحرّر من قذارة الحياة وبشاعة الموت وسطوة الخطيئة وانعدام التوازن بين القيم وتناقضاتها. لعلّها صدفة، لكن الأجمل منها نابعٌ من كون هذه الثنائيات نفسها أقدر على تفكيك البنى المجتمعية والنفسية والروحية، بهدف إعادة صوغ المعاني الواقعية للبناء الفردي/ الجماعي للإنسان.

ثنائيات

فالثنائي الأول (غينسبيرغ/ دافو) محمّل بسطوة الأسطورة الدينية والأخلاقية عن النزاع الأبدي بين الشرّ والخير، في محاولة جادّة وبديعة للقول، من بين أمور أخرى قد تكون أهمّ وأخطر، إن لا شيء في الدنيا قادرٌ على تحديد ما هو الشرّ وما هو الخير. والأمور الأخرى، إذ تنصهر في إطار التحليل النفسي للمبطّن في الذات الفردية، تتوزّع على مفاهيم العلاقة بين الرجل والمرأة، وانعكاس الشيطان في المرأة، وانكسار هذا الشيطان في واحدة من معاركه الأبدية. لم يكن الفيلم (المسيح الدجّال) سهلاً، لأنه غائصٌ في متاهة الفرد وتمزّقاته وأسئلته المعلّقة عن الحياة والموت والعلاقة الجنسية والحب الشبقي والذنب والخطيئة/ الخطأ. لم يكن بسيطاً، لأنه مصنوع بأدوات سينمائية جاذبة، كاستخدام الأسود والأبيض في مدخل الحكاية ونهايتها، وكلعبة التوليف والدلالات والرموز المكثّفة التي استخدمها المخرج في تعريته المرء أمام نفسه أولاً وأساساً. والثنائي الثاني (كروز/ هومار) انعكاسٌ لمرارة الانفعال وحيوية السينما في مقاربتها أحوال الدنيا ومنعطفاتها، ولازدواجية الشخصية نفسها الراغبة في قتل الماضي والتفرّغ للحاضر، إذ إن ماتيو/ هاري (هومار) سينمائي مقيم في ظلام عينيه المغلقتين إثر اصطدام عشقه الحقيقي بالموت، ولينا (كروز) منشغلةٌ بانفعالها وإن تطلّب الأمر تمرّداً صعباً على العشيق الثري إرنستو مارتل (خوسي لويز غوميز)، المهووس بها حتّى الجنون. لكن الثنائي المذكور، وإن كان جزءاً ثابتاً في صناعة الحبكة الدرامية للفيلم، شكّل مفتاحاً جمالياً للتواصل مع شخصيات أخرى، لا تقلّ معاناتها عن تلك التي عاشها السيناريست/ المخرج المتحوّل من ماتيو إلى هاري والصبية الجميلة لينا، الراغبة في أن تكون ممثلة، قبل أن تكتشف الحب الحقيقي والانفعال الجسدي الأجمل في علاقتها بماتيو، قبل أن يتحوّل إلى هاري إثر وفاتها في حادث سير مفجع. والثنائي الثالث (كانتونا/ إيفيتس) مشارك فعلي في تشريح جانب من البيئة الإنكليزية، بانطلاقه من العلاقة العشقية بين ساعي بريد يُدعى إريك بيشوب (إيفيتس) ولاعب كرة القدم إيريك كانتونا، البطل السابق في فريق «مانشتسر يونايتد»، وصولاً إلى معاينة حسّية للواقع الإنساني المقيم في الفقر والقهر والتمزّق. ومع أن الفيلم مبني على شخصية كانتونا، الذي أدّى دوره الحقيقي فيه، إلى درجة الأنانية القصوى في إظهار نفسه (ألم يقل في الفيلم ما ردّده مراراً في حياته اليومية، من أنه ليس إنساناً/ رجلاً بل إيريك كانتونا؟)؛ إلاّ أن النصّ مشغول بتقنية كوميدية لا تخلو من تسليط درامي على الواقع القاسي الذي يعيش فيه فقراء الضواحي، إذا جاز التعبير. وأنانية كانتونا تبدّت، أيضاً، في تأديته دور المحلّل النفسي والمنقذ الأخير لبيشوب من ورطته في علاقته المعلّقة بحبيبته القديمة، والمساعد الأساسي له في عملية إنقاذ ابنه من تورّطه في العمل مع إحدى العصابات.

على الرغم من هذا كلّه، يُمكن القول إن «المسيح الدجّال» أقوى هذه الأفلام الثــلاثة، درامياً وجمالياً وإنسانياً وقدرة على طرح الأسئلة الوجودية، من منظار الباحث عن معنى أن يكون الشيطان سيدّاً على الحياة والموت معاً. في حين أن «عناقات مكسورة» لم يبلغ مرتبة الإبهار المعتاد في جزء بارز من السيرة المهنية لبدرو ألمودوفار، مع أنه حافظ على نسق عاديّ في قراءة العلاقات الإنسانية بين البشر. و«البحث عن إيريك»، عمل محكم البناء، ومشغول بتقنية كوميدية لا تخلو من تحليل اجتماعي لبيئة ولأناس.

السفير اللبنانية في 20 مايو 2009

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)