اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

دراما رمضان ـ 2008

 

رمضان 2008

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

ما أُعدّ للتسلية يمكنه التطرّق للمشكلات الجادة

معهد غوته الألماني ينتج مسلسلاً رمضانياً

نجم والي

 
     
  

في العام الماضي قرر معهد غوته الألماني تغيير برنامج عمله التقليدي في العالم، فبدل أن يركز فقط على مهمة نشر الثقافة الألمانية ولغة غوته في أرجاء المعمورة، قرر هذه المرة تطوير برامج ثقافية مشتركة في تلك البلدان التي ينشط فيها المعهد بشكل متميز، كما هي الحال في بعض البلدان العربية. لكن أن يصل الأمر بالمعهد إلى أن يقوم بإنتاج مسلسل تلفزيوني للفضائية الفلسطينية في رام الله، فذلك هو مفاجأة المفاجآت التي قدمها المعهد هذا العام، ومتى؟ في شهر رمضان، كأنه أراد أن يقدم قبل حلول عيد الفطر هدية للفلسطينيين. عن هذا الموضوع، وكيفية نشأة المسلسل كتب الصحفي الألماني تورستن شميتز ما ننقله هنا بتصرف.

على الشوارع الرئيسية في وحول مدينة رام الله ينظم رجال الشرطة المواصلات. وجوههم تعبر عن الفخر لكونهم، على الأقل، يملكون زياً موحداً رسمياً وسلطة، رغم أن المجال الذي يؤثرون فيه محدود. وسبب ذلك يعود إلى إجراء استورده الناس في رام الله من أوروبا منذ وقت طويل، الإجراء الذي يُسمى: "موجات التوقف". فعلى كل شوارع رام الله تقريباً بنى ملاكو البيوت مرتفعات واطئة من الأسفلت غير مرئية، تجبر أصحاب السيارات على التوقف. لكن أغلب سائقي السيارات لا يريدون إخضاع أنفسهم لسلطة هذه المرتفعات لكي تتحكم بمعدل سرعة سياراتهم. لذلك من يركب سيارة في رام الله سيتعرض للاهتزاز طوال الرحلة.

المطبات تلك التي تمتلئ بها شوارع رام الله، والتي بناها الأهالي أمام بيوتهم، لكي يجبروا أصحاب السيارات على تخفيف سرعة سياراتهم، هي العنوان الذي منحه العاملون على المسلسل التلفزيوني الفلسطيني الجديد. المسلسل الذي بدأ مع بداية شهر رمضان، يتوزّع على عشر حلقات، كل حلقة نصف ساعة. رمضان هو في الحقيقة شهر بلا حوادث كبيرة: في النهار يمر النهار ببطء، لأن الصائمين يبدأون أولاً بالأكل والشرب والتدخين بعد غروب الشمس، وحدها شاشات التلفزيون يمكن رؤيتها تلمع نهاراً في شهر رمضان في أغلبية البيوت الفلسطينية. المسلسل الفلسطيني هذا يمكن مشاهدته في البلدان العربية المجاورة وعلى برنامج الستاليت للفضائية الفلسطينية في ألمانيا وفي كل مكان في العالم.

عن طريق كلمة "مطب" يُراد التعبير عن مشاعر بطلة المسلسل التي تصعد وتهبط في مجرى يومها الصعب بالعيش على تلك الأراضي التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، والتي ستنشأ عليها في يوم ما دولة فلسطينية خاصة. لكن من وراء الكلمة هذه يُراد أيضاً التلميح، بأن المسلسل يُقدم طعاماً غريباً عن الأطعمة التقليدية أو بكلمة أخرى: مواضيع صعبة الهضم. صحيح أن المسلسل من إنتاج وتمويل وزارة الخارجية الألمانية بالتعاون مع قناة "أرته" الفرنسية، إلا أن صاحب فكرة المشروع هو فريد مقاري، مدير معهد غوته في رام الله حتى نهاية العام، قبل أن ينتقل بعدها إلى بيروت. "مطب" هي بمعنى ما هدية يودع بها مضيفيه بعد ست سنوات من العمل في الضفة الغربية. إنها هدية غير عادية، لأنه كما يقول، "يريد عن طريق المسلسل لمس المحرمات في المجتمع الفلسطيني". المسلسل يخفي في طياته مادة متفجرة للمجتمع الفلسطيني، الذي لا يختلف كثيراً عن مجتمعات عربية أخرى فيما يتعلق بتمسكه بالمحرمات.

الممثلة الرئيسية في المسلسل تعمل في منظمة غير حكومية (أن جي أو)، منظمات يوجد منها الآلاف في الأراضي الفلسطينية وفي إسرائيل. المنظمات غير الحكومية هذه هي جزء من تجارة مزدهرة أنتجتها معامل الانتفاضة، والتي يعمل في صفوفها آلاف من الناس في المنطقة: أي نهاية للصراع في الشرق الأوسط يعني أيضاً نهاية للمنظمات هذه! المطبات المتخيلة للمنظمات غير الحكومية والتي مقرها مدينة رام الله، تهتم بإعادة افتتاح المطار، ببناء سينما وبمشروع للتصرف بالقمامة.

الممثلة الرئيسية الثانية، سميرة الفلسطينية التي تبلغ 23 عاماً من العمر، مختصة بالعمل في مشروع بيئي يهتم بالأطفال واللاجئين في المخيمات المحيطة بمدينة جنين.

في الحلقة الأولى رأينا إمرأة شابة غير متزوجة، يلاحقها صديقها عبدالله، وهي ستستسلم له في النهاية. لم تستطع مقاومة حبه. بعد ذلك في الحلقة الثانية نراها تحمل منه، إثم قاتل في النهاية، بالفعل وبمعنى الكلمة: أخوها يريد إعادة شرف العائلة ويهدد أخته بالقتل. مدير معهد غوته في رام الله يقول، جرائم الشرف منتشرة جداً في المجتمع الفلسطيني، لكنها "لا تُعالج كموضوع، وأقله في التلفزيون". ولكي تكون أحداث المسلسل أكثر صدقاً أجرى العديد من الحوارات مع مديرة مشرفة على بيت للنساء في بيت لحم. الحوارات تلك فتحت عينه أكثر، وجعلته يصبح على دراية، إلى أي مدى انتشر العنف ضد النساء في المجتمع الفلسطيني، والذي للأسف "يُخفى دائماً تحت البساط".

عن طريق تحرياته تلك اكتشف مقاري العديد من الأمور الموازية المشابهة لما كان يحدث في ألمانيا الشرقية. "كما هو الأمر في ألمانيا الشرقية، يعي المرء في المجتمع الفلسطيني المشاكل الموجودة، لكنه لا يهتم بحقوق المرأة، أمر يُبرر بسبب الاحتلال. هذا يعني غالباً: طالما هناك احتلال، ليس عندنا وقت بالإهتمام بحقوق المرأة وقضايا البيئة"، في ألمانيا الشرقية كان الأمر شبيهاً، "نحن في معركة ضد الإمبريالية، حقوق المرأة في المقام الثاني".

عن طريق المسلسل الذي صور بكاميرا واحدة، اراد مقاري أن يهز الناس. يتناول المسلسل أيضاً موضوعة العنف ضد كل المؤسسات، لأن هناك رأياً سائداً يقول إن كل ما يأتي من الغرب هو باطل: المسلسل يبدأ بإعتداء إشعال نار. ثلاثة فلسطينيين منقبين، يشعلون النار في المكان الذي بُنيت عليه سينما كان سيتم افتتاحها من قبل المنظمة الغير حكومية في جنين. فى النهاية يظل من غير المعروف، إذا كان سيتم افتتاح السينما أم لا؟ فضلاً عن ذلك، بذل العاملون كل الجهد ليظل الصراع الحالي بين حماس وفتح خارج التناول، نفس الأمر فعلوه مع قضية الجنسية المثلية أو مع تصوير مشاهد فيها قبلات أو جنس: "في هذه الحالة سنكون ذهبنا إلى مدى بعيد"، يقول مقاري، لهذا السبب جعلوا "البلبلة التي نشأت مع الصراع الأخوي خارج الموضوع"، لأن الصراع، كما يقول مقاري، من الصعب رؤيته بوضوح. لذلك نرى في أحد المشاهد التي تصور في أحد المكاتب صورة القائد الفلسطيني "ياسر عرفات"، لكن لا صورة للرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، الذي عليه أن يسمع التهمة المنتشرة ضده في أوساط المجتمع الفلسطيني، بأنه دمية بيد إسرائيل. الحب المثلي لا يأتي ذكره في المسلسل مطلقاً، ولو تعلق الأمر برغبة مخرجه، لكان أدخل ذلك كموضوع أيضاً. لكن، يقول هو، في هذه الحالة سيرفض التلفزيون الفلسطيني الذي هو تحت سلطة عباس، عرض المسلسل. سيناريو المسلسل كتبه مقاري مع الفنان الفلسطيني جورج خليفي، الذي هو مخرج المسلسل أيضاً. أما إختيار الممثلين وتدريبهم فقد تم تحت إدارة الألمانيتين القادمتين من ميونيخ، الخبيرتين بالمسلسلات التلفزيونية "غيرزينه هيرش" وكريستينه كوخ"، واللواتي يعملن ككاتبات دراما ايضاً في بعض المسلسلات الألمانية.

وبينما تزدحم المسلسلات العربية بالكيتش، فإن ما يثير العجب هو أن مسلسل "مطب" يعج بالمواضيع الجادة. في أحد المشاهد تتشاجر زوجة مع زوجها الذي يعمل أيضاً في منظمة غير حكومية. إنها تشكو بصوت عال، بأنه يذهب إلى عمله ويترك لها وحدها عمل البيت وتصحيح الواجبات المدرسية البيتية لأبنائهما. هي أيضاً تريد الحصول على وظيفة! في النهاية يرضخ الزوح ويعدها بأنه في المستقبل يأتي إلى البيت كل مساء لكي يراجع مع الأولاد لإمتحان الكيمياء.

بشكل مركز يُناقش المرء في فريق عمل "مطب" رغبة مقاري بأن يمنح في المسلسل دوراً لإسرائيلية "خيرة". وفيما يتعلق به، يخطر على باله في هذا السياق نموذج "أميرة هاس"، الصحفية الإسرائيليلة وكاتبة التحقيقات مراسلة صحيفة "هارتس" في الأراضي الفلسطينية، المواطنة الإسرائيلية التي تصر على الإقامة في الضفة الغربية، رغم ما يمكن أن تتعرض له من مخاطر. لكن فريق العمل لا يريد في المسلسل محامية إسرائيلية كمنقذة من فوق "تحرر سجناء فلسطينيين من سجن إسرائيلي"، كما لو أن الفلسطينيين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم بأنفسهم.

في النهاية اتفق الفريق على شخصية محامية إسرائيلية، أسمها "شلوميت"، لعبت دورها ممثلة فلسطينية، لكن الإسرائيلية هذه ما تزال شخصيتها غير مكتملة. في مجري الحلقات العشر عليها أن تتعلم، بأنها تخسر نفسها عن طريق اهتمامها بالفلسطينيين. في النهاية تنجح المحامية بالدخول بهدوء وبرقة إلى عالم الفلسطينيين، رغم كل الموانع والمطبات!

المستقبل اللبنانية في 21 سبتمبر 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)