اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رندا الشهال.. مفاجأة الرحيل

 

وداعاً رندا

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

هوامش على رحيل المخرجة رندة الشهال...

سينما قدمت الإنسان من حيث لم نتوقع

إبراهيم العريس

 
     
  

هناك، على الأقل فيلمان يبرران، بقوة، وضع المخرجة السينمائية اللبنانية الراحلة، رندة الشهال، في خانة أولئك المخرجين اللبنانيين المميزين الذين صنعوا، بدءاً من السنوات الأولى للحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1989) مجموعة أفلام قدمت وثيقة متكاملة حول تلك الحرب، وأيقظت السينما اللبنانية من سبات عميق، ناهيك بأنها قالت - وكان هذا شيئاً جديداً في لبنان - ان للسينما كلمتها في السياسة (وفي النضال بالنسبة الى مبدعين مثل رندة الشهال). واللافت أن هذين الفيلمين اللذين نشير إليهما هنا، وثائقيان، وليسا من النوع الروائي الذي واصلت رندة الشهال طريقها فيه. إنما بتوفيق جاء أقل من توفيقها في المجال التسجيلي: أول الفيلمين هو باكورة أعمالها «خطوة خطوة»، والثاني «حروبنا الطائشة» (ويعنونه آخرون «حربنا الطائشة»). بين الفيلمين حازت الشهال نضجاً كبيراً، من الناحية السياسية كما من الناحية الفنية. والفيلمان يمكن أن يقال عنهما اليوم، إنهما رسما حديّ الحرب، البداية والنهاية. ففي الأول عرضت المخرجة «أسباب» الحرب ضمن إطار تصور يساري معاد للإمبريالية كان سائداً في ذلك الحين. وفي الثاني عرضت «نتائج» الحرب من خلال مشاهد رائعة وصادقة دارت حول عائلتها والمقربين إليها وكيف تعاطوا مع تلك الحرب، فلم يعتبروا في الواقع شيئاً، لكنها - أي الحرب - غيرت الكثير فيهم.

إن مشاهدة هذين الفيلمين اليوم، والمقارنة بينهما وبين السينما الأخرى التي حققتها الشهال، ستكون لمصلحة سينماها الوثائقية على حساب الروائية، خصوصاً إذا أضفنا إليهما «تحفة صغيرة» أخرى حققتها كذلك عن «أيام زمان»، ما يشي في نهاية الأمر بأن هذه الفنانة الشابة التي فاجأت عالماً سينمائياً بأسره بموتها المبكر، كانت ذات حسّ مرتبط بزمن معين ومجتمع معين، كانت ستصل الى قمة إبداع ومكانة حقيقيين في تاريخ السينما اللبنانية والعربية، لو انها ركزت عملها عليه. لكنها، بدلاً من هذا، اختارت ما يعتبره السينمائيون، عادة، الطموح الأكبر: السينما الروائية. وهي حققت في هذا المجال عدداً لا بأس به من شرائط، قد يكون كل واحد منها حقق نجاحاً من هنا أو جائزة من هناك. بل إننا رأينا بأم العين نساء يبكين في عرض ثقافي قاهري لواحد من أعمالها الروائية الأخيرة «طيارة من ورق». غير ان هذه الشرائط ظلت دائماً عند حدود الطموح و «الرغبات الفنية» أكثر مما عند مستوى الإنجاز المتكامل. ولعل السبب الأول في هذا، هو أن رندة الشهال أرادت من السينما الروائية أن تكون بين يديها أداة لقول القضايا الكبرى. وما قول القضايا الكبرى، على طريقة رندة الشهال، سوى الغوص في لعبة استفزازية، يقيناً أنها كانت تتقنها، وتملك من الإمكانات المادية ومن الشجاعة ما يسهلها عليها.

هذا الغوص جاء مع دائرة التحدي التي رافقته، على حساب القدرة على تحويل الفيلم، من فيلم ذي نزعة إنسانية الى فيلم عن الإنسان. ولعل ما نقوله عن سينما رندة الشهال هنا ينطبق على معظم السينما الأيديولوجية التي تنطلق من الأفكار لتصل الى السينما. فالحال أن ما يقف وراء أفلام رندة الشهال مثل «شاشات من رمل» و «الكفار» و «متحضرات» وأخيراً «طيارة من ورق»، كانت أفكاراً سياسية، صائبة أو غير صائبة ليس هذا هو الموضوع، تُزيّن، لتصل الى الناس، بلغة سينمائية لا تخلو طبعاً من أناقة ومهارة وحداثة. فرندة الشهال تخرجت في أرقى معاهد السينما في فرنسا وكانت تنتمي بالتأكيد الى سينما جيلها في العالم كما في لبنان، وكان المهم بالنسبة الى المخرجة، إيصال هذه الأفكار، ما جعل شخصياتها أقرب الى الرموز، منها الى الكائنات البشرية.

والغريب أن ما ترصده في سينماها التسجيلية (أو الوثائقية) هو عكس هذا تماماً، بما في ذلك ما تقدمه لنا في «خطوة خطوة» عملها المهم الأول. إذ هنا، حتى وإن أرادت أن تبرهن على أن الصراع الدائر في لبنان (1975 - 1976) كان من فعل سياسة الوزير الأميركي (السابق) هنري كيسنجر، المسماة سياسة الخطوة خطوة، داعمة هذا بتحليل سياسي يتوافق مع مقتضيات تلك المرحلة، ومع كونها - أي رندة الشهال - في ذلك الحين، عضواً في تنظيم يساري، تمكنت في مشاهد عدة من الفيلم، من تصوير البشر كائنات حية تعيش الحرب والصراع كما يعيشها أي إنسان يقلق، يحب، يأكل.

جيل الصمت والرحيل

وهي لاحقاً، بعدما خفّت حماستها السياسية، وصورت «حروبنا الطائشة»، فعلت ما هو أفضل: أتت بأناس حقيقيين، بينهم أخوها تميم، لتضعهم أمام الكاميرا، طالبة منهم أن يرووا تجاربهم. فكانت النتيجة أن تلك الخطابات بدت صادرة من عمق أرواح تعاني حقاً وتعيش حقاً، فيما راحت كاميرا الشهال تخترق أفئدتهم وتقدم إلينا، من خلالهم، الإنسان في نضاله في سبيل العيش، لا المناضل / الرمز في عيشه السياسة المؤدلجة.

بالنسبة الى النقد الجاد، والجمهور المعني، كان في الوسع وصف «حروبنا الطائشة» بأنه فيلم نهاية الحرب. فيلم الدرس الإنساني العميق الذي يمكن لنفس مرهفة وفؤاد معنىّ، أن يستخلصاه من صراع عبثي (طائش بحسب العنوان)... ما جعل كثراً يتوقعون لرندة الشهال مستقبلاً سينمائياً يضعها على تماس مع قضايا وأفكار وتطلعات تعرفها جيداً ويمكنها ان تصورها بالكاميرا نفسها المحبة المتفرسة القلقة. لكن نجاح «حروبنا الطائشة» أيقظ في داخل المخرجة نزوعاً الى تبني القضايا الكبرى. وكان هذا مشروعاً بالطبع، شرط أن يكون المبدع في قلب تلك القضايا معتبراً إياها جزءاً من حياة يعيشها ويرصدها، لا أن يتعامل مع تلك القضايا من مواقع أيديولوجية، معتبراً إياها جزءاً من سجال عام لا بد للكاميرا من أن تتدخل فيه. فتتدخل إنما من خارجه. وهكذا رأينا سينما رندة الشهال تدنو من قضايا ومسائل لعل من حقنا التساؤل دائماً عما إذا كانت عايشتها حقاً. مسخّرة سينماها المتفوقة دائماً، إما للحديث (الاستشراقي في نهاية الأمر) عن بعض أصول نساء خليجيات متخيلات (في «شاشات من الرمل»)، وإما عن معاناة صحافيين وأفراد فرنسيين، أو غير فرنسيين في القاهرة مثلا («الكفار»)، أو عن قضية العنصرية الاجتماعية المتفشية في لبنان تجاه الخدم السيرلنكيين وغيرهم («متحضرات»). ربما في أخيرها «طيارة من ورق» دنت كاميرا رندة الشهال من موضوع كان يمكن القول إنها على تماس معه... لكنها إذ وفقت في البعد العام لفيلمها وموضوعه السياسي/ الإنساني، لم توفق في بعض التفاصيل، ومنها حشر صديقها الفنان زياد الرحباني في الفيلم، في دور ضرب إيقاع الفيلم كله، من دون أن يكون لوجوده أدنى مبرر.

يقيناً أن رندة الشهال لو عاشت أكثر ودرست في شكل أفضل تجاربها (الجريئة بالتأكيد)، لكان من شأن سينماها أن تكون أكبر. ولكن هذا ما اختاره لها القدر، لتلحق بأفضل زملائها، مارون بغدادي، موقعة في جيل بأسره من السينمائيين اللبنانيين والعرب، خسارة كبيرة، حاجبة ما كان طموحها وذكاؤها الوقاد، قادرين بعد على إبداعه.

وبالتأكيد ما هذا الرحيل المبكر لرندة الشهال، إحدى المؤسسات الحقيقيات لجيل الحرب في السينما اللبنانية، وإحدى أبرز مبدعات السينما العربية الجديدة، سوى إشارة الى موت جيل وربما أكثر من جيل: جيل من المحزن أن أفضل أهله يرحلون أو يصمتون، وهم بعد في عز عطائهم.

الحياة اللندنية في 29 أغسطس 2008

 

سينمائية لبنانية من جيل المؤسسين ... رحيل رندة الشهال

بيروت - ابراهيم العريس 

بعد مضي عقد ونصف عقد على الرحيل المفجع للسينمائي اللبناني مارون بغدادي، يفقد جيل الحرب، من السينمائيين في هذا البلد، مبدعة أخرى، هي: رندة الشهال.

ويقيناً ان رحيل صاحبة «حروبنا الطائشة» و«طيارة من ورق» يؤشر الى مصير جيل بأسره من مبدعين أخذوا على عاتقهم، منذ الشهور الأولى لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، عبئاً مزدوجاً: من ناحية اعادة خلق سينما لبنانية بالكاد كان لها وجود مستقل قبلهم، ومن ناحية ثانية، التعبير بالكاميرا عن الحرب ثم محاولة تجاوزها. بعضهم، قام بالمهمة وبعضهم الآخر أخفق، لكنهم في طريقهم مهدوا لولادة جيلين متلاحقين من سينمائيين يدينون لهم بالكثير. درست الشهال، ابنة طرابلس، السينما في باريس، مع فنون النضال السياسي اليساري، وتميزت مسيرتها بالتوازن بين النجاح والإخفاق، لكنها، ظلت وفية لبداياتها المشاكسة، ولأصدقاء اثنوا دائماً على كرمها الفني واهتمامها بشتى ضروب الإبداع، ناهيك بطموحها الكبير الذي جعلها دائماً تخوض مجازفات فنية صعبة، ساهمت في احساسها بتلك المرارة التي طبعت ســنواتها الأخــيرة متضافرة مع مرض صارعته طويلاً وبشجاعة، إضافة الى فقدان متلاحق لرفاق وأصدقاء، وخيبات أمل ســياسية.

هذا كله جعل رنده الشهال متفردة في عالمها، محيّرة في علاقتها بسينماها... وشخصية استثنائية في الحياة الثقافية اللبنانية.

الحياة اللندنية في 27 أغسطس 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)