اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رندا الشهال.. مفاجأة الرحيل

 

وداعاً رندا

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

تقدير..

المخرجة اللبنانية رندة الشهّال

محمد رضا

 
     
  

أمّت رندة الشهال السيـنـما من باب الأ يديولوجيا وحققت ثلاثة أفلام روائية طويلة فقط ما يعكـس صعوبة الطريق أمام المخرج اللبناني، والمخرجة اللبنانية بالتحديد٠

التقيت برندة الشهّال لأول مرّة في باريس في ستديو صغير كان يقع (وربما لا يزال) في أحد المتفرّعات الصغيرة من قوس النصر في الشانزليزيه٠ والذاكرة المحفوظة من ذلك اللقاء توحي بأنها كانت فتاة جادّة رسمت، ربما قبل هذا اللقاء الذي تم في مطلع الثمانينات، طريقها ووثقت به٠

بدت رندة الشهّال آنذاك سينمائية واعدة أكثر منها منجزة. إمرأة في مقتبل العمر لديها طريق طويل لكي تسير فيه وهي بعد في أول الطريق. وفي عالم عربي يتعرّض فيه المبدع لكل ما هو معروف -وغالباً مفتعل لا داعي له- من أزمات ومشاكل ومصاعب، فإن أحداً لم يكن يتوقّع أن تستطيع إحتلال مكانة لها بهذا القدر اليسير جدّاً من الأفلام٠ وهي ليست أفلام فنيّاً متكاملة وأوّلها لم يكن حتى جيّداً، لكن المرء احترم لديها ذلك الإيمان العميق برسالتها والبذل الداخلي لإنجاز أعمال تقول شيئاً عن القضايا وقضايا المرأة في مطلعها٠

كانت واحدة من سينمائيات لبنانيات قليلات استطعن تحقيق أفلام٠ إثنتان من جيلها تخطران على البال هما هيني سرور (»دقّت ساعة التحرير... برّا يا إستعمار«- هل يذكره أحد؟) وجوسلين صعب التي أنجزت قبل عامين »دنيا« ويبدو أن وقتاً طويلاً سيمر قبل أن نشاهد فيلماً آخر لها٠ لكن حتى يكون الأمر المطروح واقعياً لابد من القول أن الظروف ذاتها تواجه المخرجين اللبنانيين الجادّين عموماً. الذكور كما الإناث. الراحل العزيز مارون بغدادي هو الفلتة المحظوظة الوحيدة إذ استطاع مواصلة العمل ما بين لبنان وفرنسا منجزاً ما بين سنة 1975 وسنة 1992 ستة عشر فيلماً ما بين روائي وتسجيلي٠

الباقون، ومنهم برهان علوية وبهيج حجيج وغسّان سلهب وجان شمعون، تمر السنوات رتيبة عليهم وتعلو الغبار مشاريعهم وتمتد المواسم طويلة بين فيلم لأي منهم وآخر٠

رندة اهتمّت بقضية المرأة ووضعها في كل فيلم من أفلامها الروائية الثلاث٠ لكن يمكن أن يُقال الأمر ذاته لأي فيلم أنثوي الطرح او الموضوع، ما ميّز أعمال رندة أن طرحها لقضية نسائية كان دائماً محاطاً بالظروف التي صنعت هذه القضايا٠ المرء لم يكن دائماً مع تفسيراتها ومداخلاتها وتعريفها الظروف التي تجعل المرأة العربية ضحيّة، لكنه كان لابد له أن يحترم ذلك الرأي الذي تبديه٠ من الناحية الفنيّة الصرفة، فيلماها الأوّلان »رمال من ذهب« و»تضحيات« يبدوان اليوم، كما حين إنتاجهما، أشبه بتجارب عانت من كثرة الوارد من الأفكار وقّلة المتوفّر من معرفة تقنية وفنية٠ الثالث، »طائرة من ورق«، أفضلها.

آخر مرّة شاهدتها فيها كانت سنة 2006 حين جاءت الى لوس أنجيليس في زيارة واخذتها بسيارتي، وكان معنا جورج شمشوم، الى منزل المنتج اللبناني إيلي سماحة. كان المشروع الذي بين يديها (والذي قرأته وأعجبت بفكرته والذي لم تتمكن من تحقيقه للأسف) بحاجة الى تمويل وإيلي سماحة أبدى الإستعداد. لكن أما أن هذا الإستعداد كان وقتياً وإما أنه لم يكن موجوداً في الأساس. وعدها أيضاً أيمن حلواني عن شركة روتانا وكانت له طلبات على السيناريو والمباحثات بينهما بدأت ثم توقّفت. هذا الآخر لم يمض معها الشوط الذي كان يمقدوره إنجازها ذلك السيناريو٠

التالي ما كتبته عن »طائرة من ورق«، الفيلم حين شاهدته في مهرجان ڤنيسيا العام 2003 حيث نال جائزة لجنة التحكيم المعروفة أيضاً بالجائزة الفضّية . كانت علاقتي معها متوتّرة بسبب ما تعرفه عني من رأي سلبي بخصوص فيلميها السابقين، لكن حين شاهدت »طائرة من ورق« طلبت من الراحل العزيز غسّان عبد الخالق إبلاغها إعجابي بالفيلم ثم كتبت مقالتي التالية في صحيفة »الحياة« (ولاحقاً نشرتها في كتابي السنوي »كتاب السينما«. ردّاً على ذلك أبلغتني عن طريق غسّان أنها سعدت لرأيي٠ 

 

طائرة من ورق

 *** 1/2  

تقدّم رندة الشهال صبّاغ في ثالث وأفضل عمل روائي لها الى اليوم فيلماً على مستوى فني جيّد برسالة متبلورة ضمن رؤية سياسية خاصّة وذات بعد إنساني وأنثوي مثير للإهتمام في الوقت نفسه. والصفة الأنثوية هنا هي تأكيد على منحى أفلام رندة الروائية الثلاثة الى اليوم، فأفلامها من بطولة نساء حيث المرأة، بوجوه مختلفة إنما عادة ما هي وجودة ودودة تستحق التعاطف ولا تحصده، هي مفتاح ما تتناوله من مشاكل إجتماعية تود المخرجة طرحها٠

قوّة »طائرة من ورق« تكمن في أنه، في الصلب، هو قصّة حب بين فتاة درزية أسمها لميا (فلافيا بشارة) وبين مجنّدي درزي في الجيش الإسرائيلي أسمه يوسف (ماهر بسيبس) وذلك في قرى الجولان. قرى محتلة من قبل اسرائيل، وأخرى لم يتم إحتلالها وذلك إثر حرب الـ 1973 وجميعها درزية٠ نشاهد لميا أوّلاً وهي تشارك أخيها الصغير اللعب بطائرة من ورق. ونحس برغبتها المتمثّلة في الإنعتاق من اللحظة الأولى التي نراها فيها وقد أشرأب عنفها ليلاحق تلك الطائرة وهي تموج في الهواء٠ حينما تسقط الطائرة على الأسلاك الشائكة التي نصبها الجيش الإسرائيلي مقسّماً تلك القرى الى نصفين، زارعاً حولها الألغام الخفية، تغامر لميا بحياتها لأجل تخليص الطائرة من الأسلاك والعودة بها. هنا تلفت نظر ذلك المجنّد الواقف على برج المراقبة في الجانب الإسرائيلي، والى حد مراقبتها بعد ذلك كلما بدت له. فعلتها تلك تستدعي اجتماع الشيوخ وكبار المعنيين في القرية السورية التي تعيش لميا فيها حيث يتم على أثر الإجتماع القرار بتزويج الفتاة من قريب لها يعيش مع أمه في الجانب المحتل٠

لا هي تريده ولا هو يريدها أيضاً، لكنها تُزفُّ إليه على أي حال ولا تختلط به. وحياتهما -وقد انتقلت للعيش معه بموجب موافقة خاصّة من السلطات الإسرائيلية- سريعاً ما تصبح حلماً بالإنعتاق ورغبة في الإفتراق. ماحدث لها هي أنها انتبهت بدورها الى ذلك المجنّد الذي منذ أن لمحها وهو منشغل بها. الان، هي منشغلة به أيضاً ولا تريد العودة الى قريتها كما يقترح عليها زوجها. لكنها في النهاية تعود. تخاطر في أن تصبح عانساً (حسب التقاليد لا تُعرض على أحد آخر) على أن تبقى لجانب زوجها، لكن قلبها الآن بات مع المجنّد في صومعته السعكيرة وهي ستخاطر بحياتها من جديد لأجل اللقاء به٠

الطريقة التي صاغت المخرجة هذا اللقاء رمزية: مرّة أخرى تجتاز المسافة المزروعة بالألغام، لكننا هذه المرّة نراه تنفجر إذ داست على لغم. نشاهد أشلاء متطايرة. فجأة ما تظهر لذلك العسكري في برجه وما يدور فوق ذلك البرج بالغ الأهمية. إنها هي التي تعلّم العسكري أنها تريده. وهي التي تعلمّه أيضاً كيف تريده: "سأفك أزرار سترتك، ستخلع هذه السترة. الحذاء أيضاً. أهم شيء هو الحذاء ... وتلك النجمة" وتأخذ لميا قبّعة العسكري حاملة الرمز العسكري الإسرائيلي وترميها. ما تفعله رندة الشهّال هنا هو أنها تتيح لبطلتها تعرية المجنّدم ن حياته العسكرية وتحويله الى إنسان من جديد. تمنحه الأكسجين الذي هي وتخلق الوضع الوحيد الذي يمكن لسلام حقيقي أن ينمو ويعيش: إسرائيل بلا عسكر٠

فيلم »طائرة من ورق« محاولة المخرجة لتقديم صورة عن الصراع العربي- الإسرائيلي من دون ولوج الحرب، وبل من دون تقسيم الجانبين الى ألوان٠ وهي تفعل ذلك عبر مفاتيح كثيرة بينها الرسالة التي تحملها، لكن، مشهدياً، تضيف الى هذه الرسالة رغبتها في تقديم بطلة تعيش أنوثتها. والفيلم أنثوي جدّاً كفيلمي المخرجة السابقين رنما من دون التوقف عند المسائل الكبيرة وحدها. هنا تقحم الكاميرا نفسها في جمال المرأة وفي حركاتها الصغيرة وتلاحظ تلك التفاصيل الحية الجميلة الساكنة تحت الجلد والمتحركة فوقه. ومن حسن حظ الفيلم أن رندة وجدت ممثلة مثالية لهذا الدور هي فلافيا بشارة. فتاة شابة تملك العينين ونظراتهما المناسبة. لون البشرة وحجم الجسد وقدراً كبيراً من القوّة الذاتية المجسّدة٠

في المقابل، إخراج رندة للشخصيات الرجالية أقل تفصيلاً وعناية للأسف. ليس فقط أن أيا منها لا يشترك في الحوار الناتج على مستوى البعد الإنساني المطروح، ولا يؤلّف قدراً كافياً من الإسهام في الدراما الحاصلة، بل بطولة الجميع بإستثناء زياد الرحباني (الذي لم يكن يمثّل بقدر ما كان يشخّص) على الدرجة الأولى من سلّم الإجادات. ربما هذا مقصود وهو بالتأكيد يساعد على إبراز لميا كشخصية قويّة، لكن في مقابل تسجيل هذه الحسنة، يتعرّض الفيلم الى تفاوت بين القدرات. الممثل الذي يؤدي دور الزوج الشاب لديه ردّات فعل محدودة جدّاً يمارسها ولا تتغير من مشهد لآخر لأن الشخصية خُلقت هامشية ولا تتعلم غير أن تدقى كذلك، لكن من الجيّد والمفيد لو أنها فعلت وشاهدنا تطوّرها وكيف أصيبت بالروح المتمرّدة لبطلة الفيلم٠

الى ذلك، هناك إحساس مفقود بالوقت وبترتيب بعض المفارقات خصوصاً الوقت الذي تمضيه بطلة الفيلم في الجانب الإسرائيلي بعد زواجها... أهو بالأيام أم بالأسابيع. وهناك حقيقة أننا إذ علمنا متى لفتت نظر المجنّد الدرزي لا نعلم متى لفت هو نظرها٠ رغم هذا، هذا أفضل فيلم روائي حققته المخرجة اللبنانية الى اليوم. وسبق لها أن أخرجت »شاشات الرمل« و»المتحضّرات« . وكل منهما عانى من إشكالات متعددة كاشفاً عن أن عقل المخرجة قد يكون مليئاً بالأفكار، لكن الأفكار لا تصنع فيلماً جيّداً بالضرورة. »شاشات الرمل« و»المتحضّرات« كشفا عن جرأة في الطرح، لكن عن فوضى في السرد وعثرات في الصياغة الفنية والسردية الإجمالية٠

هنا تعكس رندة الشهال اليوم تقدّماً واضحاً في هذا المجال. لقد وضعت سيناريو أفضل بكثير من مرّتيها السابقتين. انتبهت، او وافقت في نهاية الأمر على النقد الذي ذكر مكامن الضعف السابقة وتجنّبت العديد منها. تجاوزت عثرات الأمس لتبدو اليوم مدركة أهمية أن تلتزم بسيناريو بسيط في الظاهر توليه عناية مركّزة ما يجعله قادراً على استيعاب البيذة والأجواء وتقديم الفكرة شفّافة ورقيقة وفي ذات الوقت صادقة وعميقة. هي أيضاً الوحيدة بين المخرجين العرب التي على علاقة جيّدة مع المنتج ورجل الأعمال طارق بن عمّار (أشرف على التركيبة الإنتاجية ) بعدما أخفق في التعاون معه كل مخرج عربي قصده من قبل بمن فيهم أسماءاً نيّرة مثل الناصر خمير ورضاي الباهي وأحمد الراشدي ومحمد لخضر حامينا٠

CAST & CREW

Director: Randa Chahal Sabag

Producer: Humbert Balsan

Cast: Flavia Bechara, Ziad Rahbani, Randa Asmar, Julia Kassar, Lialiane Nemri, Renée Dick, Nayef Naji

Script: Randa Chahal Sabag

Camera: Alain Levent

Editing: Marie-Pierre Renaud

Sound: Jérôme Ayasse, Fawzi Tabet, Joël Rangon

Music: Ziad Rahbani

Production Design: Sylvain Chauvelot

مدونة "ظلال وأشباح" في 28 أغسطس 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)