بشير الديك كتب المجتمع المصري في الدراما والسينما
كتابات الديك اتسمت بتقديم نماذج مختلف لشخصيات مبتكرة رغم
بساطتها وقربها من الشخصية المصرية الشعبية.
القاهرة
- مع
انتهاء عام 2024 ودع الوسط الثقافي والفني المصري السيناريست بشير الديك عن
عمر ناهز 80 عاما، والذي يُعدّ واحدا من أبرز كتّاب السيناريو في الوطن
العربي، وكان رئيس جمعية مؤلفي الدراما. اتسمت كتابات الراحل بالجرأة
والتنوع وكشفت الكثير من ملامح المجتمع المصري، حيث عبر من خلال 50 فيلما
و13 مسلسلا عن حكايات واقعية بأسلوب غير متوقع حيث عمد في كل أعماله إلى
الهروب مما يتوقعه المشاهد، وتقديم نماذج مختلف لشخصيات مبتكرة رغم بساطتها
وقربها من الشخصية المصرية الشعبية.
ولد الديك في 27 يوليو 1944، في محافظة دمياط (شمال مصر)،
وتخرج في كلية التجارة قبل أن تظهر موهبته في الكتابة من خلال نشر القصص
القصيرة في بعض الصحف والمجلات المحلية وهو ما أفسح المجال أمامه لاحقا
للكتابة للسينما والتلفزيون. بدأ رحلته في عالم الدراما بمشاركة السيناريست
مصطفى محرم في كتابة حوار أول أفلامه "مع سبق الإصرار والترصّد" عام 1979
من بطولة محمود ياسين وميرفت أمين.
وكوّن بشير الديك والمخرج عاطف الطيب ثنائيا سينمائياً
ناجحا عبر 6 أفلام تُعدّ من أبرز ما قدّمته السينما المصرية خلال
الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وهي "سواق الأتوبيس" 1982، و"ضربة
معلم" 1987، و"ضد الحكومة" 1992، و"ناجي العلي" 1992، و"ليلة ساخنة" 1995،
و"جبر الخواطر" 1998، ومع محمد خان قدّم عدداً مماثلاً من الأفلام وهي
"الرغبة" 1980، و"موعد على العشاء" 1981، و"طائر على الطريق" 1981،
و"الحريف" 1948، و"نص أرنب" 1982، و"يوسف وزينب" 1984.
وخاض السيناريست الراحل تجربة الإخراج عبر فيلمين "الطوفان"
الذي لعب بطولته محمود عبدالعزيز وفاروق الفيشاوي، و"سكة سفر" من بطولة نور
الشريف ونورا، لكنه لم يُكمل في مجال الإخراج على الرغم من نجاح الفيلمين.
وفضل الديك العمل في كتابة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية
التي قدّم من خلالها نحو 13 عملا، من بينها: "الناس في كفر عسكر"، و"حرب
الجواسيس"، و"أماكن في القلب" للمخرج نادر جلال، فيما أخرج خيري بشارة
المسلسل الأخير للراحل بعنوان "الطوفان"، وقد حقق نجاحا لافتا عند عرضه،
كما كان الكاتب الراحل قد شرع في كتابة مسلسل يتناول سيرة الممثل الراحل
أحمد زكي على أن يقوم ببطولته محمد رمضان، لكن المشروع توقف.
◙
كتابات الراحل اتسمت بالجرأة والتنوع حيث عبر من خلال
الأفلام والمسلسلات عن حكايات واقعية بأسلوب غير متوقع
وعن مسيرته في كتابة السيناريو، قال الكاتب الراحل في حوار
له مع الصحافيين المصريين محمد غالب وإمام أحمد "وعن كتابة السيناريو يواصل
"بشير الديك": "كتابة السيناريو حالة خاصة جدا، أنا أعشق هذا العالم، عالم
صناعة التفاصيل، كنت أحب الاهتمام بكل تفصيلة، وبعضها أمور تتعلق بالإخراج،
مثل زاوية التصوير، قطع المشاهد بمشاهد أخرى، الصورة والألوان والأداء
والإحساس."
وفي حديث عن مجايليه من ممثلين، يقول "كل كاتب سيناريو يرى
شخصياته في خياله، ويرى الأسماء التي يمكنها أن تلعب هذه الشخصيات، خاصة
سعاد حسني وأحمد زكي، بسبب الخصوصية التي تميزهما، يمكنهما أداء الشخصيات
المركبة، والتقمص بدرجة عالية من الإبداع. هذا يكون في ذهني طبعا. حين أعرف
مثلا أن نادية الجندي ستقدم فيلما، ويطلب كتابة السيناريو والحوار الخاص
به، أكتب ما يناسب قدرات الفنانة."
ويوضح أن "الأدوار الشابة التي فيها معاناة، كانت تناسب
أحمد زكى بصورة أكبر، نحن كجيل كان بالنسبة لنا كل الأدوار الشابة تناسب
أحمد زكي، لقد كان قادرا على أن للكاتب والمخرج كل ما يريدانه. أما نور
الشريف فهو ممثل بارع، وله مساحة يؤديها أفضل من غيره، هناك شخصيات تناسب
نور الشريف ولا تناسب أحمد زكي أو عادل إمام مثلا."
ونعته نقابة المهن السينمائية، كما نعاه المركز الكاثوليكي
المصري للسينما ووزارة الثقافة ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي وعدد من
المؤسسات الفنية والثقافية. ونعاه وزير الثقافة المصري، الدكتور أحمد فؤاد
هنو، مؤكداً أن بشير الديك "أحد أعمدة الإبداع السينمائي والدرامي الذي
أثرى الساحة الفنية بأعمال خالدة حفرت مكانها في وجدان الملايين"، مشيرا
إلى أن أعماله “عبّرت عن قضايا المجتمع المصري بروح راقية ورؤية إبداعية
متميزة، وكان نموذجًا للمبدع المتفرد، متعاونًا مع كبار نجوم السينما
والدراما على مدار مشواره الفني الطويل، الذي شهد أعمالا ستظل شاهدة على
عبقريته وإخلاصه للفن."
ووصفه المخرج مجدي أحمد علي بأنه "القلم الحر الذي لم يخط
حرفا يخالف ضميره، ذهب وترك عالماً لم يعطِه حقه،” مضيفا “لم ينقطع عطاؤه
حتى اللحظات الأخيرة، لكن أحداً لم يلتفت لجمال إبداعه وعِفّة أخلاقه."
ووصفه الصحافي محمود مجدي بالقول "بشير الديك كاتب كبير
ويعد من المفكرين الذين كتبوا للسينما، وعلى الرغم من إنتاجه الغزير
وكتابته لأعمال متنوعة في السينما والتلفزيون إلا أنه ابتعد عن الساحة
الفنية منذ 15 عاما.. هاجم بشير الديك ظاهرة الإعلانات الرمضانية وانتقد
كثرتها بشكل كبير مما جعلها تطغى على الدراما فأصبح الوضع كثير من
الإعلانات قليل من الدراما، وجعل الموضوع يتحول إلى شيء مضجر وممل وكأنما
يدفعوا المشاهد دفعا لمشاهدة الإعلانات فأصبح الوضع على حد تعبير الكاتب
الراحل له ثمن غال جدا، في مجتمع شديد الرأسمالية ولا توجد فيه قوانين
المجتمع الرأسمالي، الكل يسعى للربح أي كانت الوسيلة."
ويتابع "رأى الديك أن السوق والحس التجاري مسيطر على أغلب
الموضوعات الدرامية.. يسيطر على المنتجين هاجس الربح وليس لهم علاقة
بالمجتمع من حولهم وهذا المنطق هو الذي جعله يبتعد عن السوق بإرادته، وتلقى
أكثر من عرض للعودة والكتابة للدراما والسينما لكنه لم يستطع الاندماج مع
الواقع حاليا بجانب سنه الكبير كما أن هموم المجتمع لم تعد همومه الشخصية." |