ملفات خاصة

 
 
 

"ضي"..

عن الفضائل الغائبة في رحلة بطل مختلف

جدة -رامي عبد الرازق*

البحر الأحمر السينمائي

الدورة الرابعة

   
 
 
 
 
 
 

للمرة الأولى خلال دوراته الأربعة، يفتتح مهرجان البحر الأحمر السينمائي فعالياته بفيلم مصري (إنتاج مصري سعودي مشترك).

فيلم "ضي" هو الثاني لمخرجه كريم الشناوي، بعد "عيار ناري" عام 2018، والتعاون الثالث له مع الكاتب هيثم دبور، بعد كلّ من "عيار ناري" والفيلم القصير "فردي" 2013.

من الجيد أن ينتبه مهرجان بحجم البحر الأحمر، لضرورة أن تكون السينما الإقليمية محل اعتبار، وأن يخلق من مناسباته الهامة منصة عرض تسمح بالاطلاع على أحدث إنتاجات السينما الإقليمية، خاصة مع الكم الكبير من الحضور الدولي الذي أصبح علامة مميزة بالنسبة للمهرجان الشاب. مع الأخذ في الاعتبار أنه سبق للبحر الأحمر في دورته الأولى، أن قدم العرض الأول للفيلم المصري "بره المنهج" تأليف وإخراج عمرو سلامة.

سيرة ومسيرة

ينتمي "ضي" إلى أكثر من نوع سينمائي، أو لنقل أكثر من شكل، ففي ظاهره، هو فيلم رحلة بطل، وفي الوقت نفس، هو فيلم طريق بامتياز، حيث يتتبع رحلة المراهق الشاب "ضي" المصاب بمرض عداء الشمس "البينو" بصحبة معلمة الموسيقى الشابة "صابرين"، وأخته المتذمرة الغاضبة، وأمه الحامية التي لا تطيق فراقه، وتود لو أنها حوطت عليه لا بطرحتها ولكن بكيانها كله. هذه الرحلة التي تتحرك من النوبة إلى القاهرة بعد قبول الفتى في واحدة من فقرات برنامج المواهب الشهير بحكم موهبته الصوتية المميزة وأداءه الجذاب لأغاني الجنوبي الساحر محمد منير.

تبدو رحلة البطل قائمة على الشكل الكلاسيكي المطعم بمبالغات ميلودرامية هدفها خلق أكبر قدر من التعاطف ومحاولة توريط المتفرج شعورياً مع الشخصية، وهي مبالغات نمطية نسبياً، مثل خوف الأم الزائد على "ضي"، واتهام أخته المستمر بأنها تدلله أكثر منها بحكم مرضه والمواجهات المضحكة بين "صابرين" والأم في مشاهد القطار، والصدف التي تحاول أن تبدو قدرية، كأن يصاب "ضي" في مشاجرة مفتعلة بالشارع وينقل إلى المستشفى، فيجد محمد منير هناك، كل هذه الميلودراما التي تتراوح ما بين التضخيم الشعبوي والصدفة الملقاة على قارعة الدراما، ربما استطاعت تغذية الرحلة بالتفاصيل وسياقات الحركة المطردة إلى الأمام، لكنها في المقابل أضرت كثيراً بالنوع الذي تأرجحت الحكاية بينه وبين الأشكال الأخرى ونعنى به "الشعرية".

في الدراما يمكن لأي حكاية أن يختار راويها النوع الذي يفضله، رحلة بطل أو فيلم طريق أو كوميديا هزلية أو إثارة عاطفية، فهو يرى أن رؤيته تتجلى من خلاله بشكلٍ يقترب من طموحه غير المكتمل دوماً في روايتها، ولكن يظل هناك نوعاً معيناً يجذب الحكاية دون إرادة منها أو من راويها، وغالباً ما يكون هذا النداء أشبه بنداء الغريزة، أي أن كل فكرة أو حكاية تفرز رائحتها الدرامية الخاصة التي تجذب النوع القادر على تلقيحها بصورة تؤطر أبعادها بالشكل والمزاج والأسلوب الاكثر تحققاً والأقرب اكتمالاً.

في "ضي" أو كما يحمل عنوانه الفرعي "سيرة أهل الضي" بما يوحي أن الفيلم ليس عن الشاب "ضي" فقط، ولكن عن مجموعة من البشر في سعيها الإنساني المشروع نحو مستويات مختلفة من التحقق المشمس والبراق، نقول إن التجربة رغم حيويتها النسبية في التعاطي مع رحلة البطل وحالة الطريق غير المنمق بالراحة ولا المفروش بالورود السهلة، يبدو ثمة مستوى شعري يراود الحكاية طوال الوقت عن نفسها، يجذبها باتجاهه بينما تقاوم هي التورط أو الانسياق وراء مذاقه الوجودي أو ربما نخبويته.

فتى من أعداء الشمس في مجتمع نوبي أسمر يتعرض للتنمر، لكنه يملك صوت جميل وإحساس شفاف يحاكي صوت وإحساس مطرب أيقوني خارج التصنيف، يتعرض للتنمر من قبل مجتمعه في حين يحاول الدليل/ المينتور بلغة الدراما أن يقوده في الطريق عبر الجحيم للوصول إلى مبتغاه، وهو شكل رحلة البطل التقليدية في الدراما الإغريقية، والدليل هنا ليس شخصية واحدة ولكنه 3 نساء من 3 مراحل عمرية مختلفة، تربطه بهم 3 سياقات إنسانية كل منها مغاير عن الأخرى.

رحلة غير عادية

هذه ليست رحلة عادية في مستواها الشعري، إنها ليست رحلة البحث عن "زيكو" لكي يغني "الغزالة رايقة"، فالرحلة تعيد اكتشاف الشاب لنفسه ولعلاقته مع العالم، وتعيد إنتاج مشاعر الرفقاء أو الأدلاء المصاحبين له، هي رحلة تكشف واكتشاف، تارودنا فيها مشاهد شعرية مبهجة وجودياً، مثل مشهد وصولهم إلى الأقصر في الفجر، ومشاهدتهم المناطيد الملونة وهي تملأ وترتفع إلى السماء مثل حلمهم بأن يسطع "ضي" ويصعد نجمه عالياً رغم كونه قادم من أقصى الجنوب يحمل مرضاً عضال يجعله في مرمي الإصابة بالتقرح والإجهاد لمجرد وقوفه في الشمس، التي بدلاً من أن تتحول لمصدر الدفء والنور تصبح وحشاً خارقاً يحول دون وصوله إلى مبتغاه أو مكافآته.

لا يبدو الفيلم مخلصاً للشعرية التي تنضح بها حكايته، كأنه يخشى أن يوصم بالنخبوية، فيخلطها بقدر كبير من الميلودراما، سواء عبر الحوار المستمر الذي لا ينقطع ولا يترك فرصة للمتلقي أن يتأمل في ما وراء المعلومة، أو ظاهر الحكاية، كم هائل من الحوار الذي لا يترك مساحة للنظرات أن تحكي ما في الصدور، ولا للأغنيات العديدة بصوت الفتى أن تلقننا ما هو أبعد من حدود الرحلة الجغرافية الضيقة.

صدف بعضها ملفق، كلقاء منير في المستشفى، وبعضها مفتعل، كلقاء لميس الحديدي على بوابة مدينة الإنتاج الإعلامي بعد أن فات موعد برنامج المواهب، إصرار على شرح العلاقات الشعرية بشكلٍ مدرسي، كالحوار بين "ضي" وأخته حول علاقتهما المعقدة بسبب تدليل الأم وكيف أنه يعتبرها هي الليل وهو النهار ويستغرب دوماً من أنها لا تدرك حجم ارتباط العاطفي الأخوي بها ولا مكانتها في حياته!.

حتى عندما يحكي "ضي" عن حرمانه الطويل من أن يرمي أسنانه للشمس الشموسة التي تتحول كما أشرنا من قوى طبيعية إلى وحش مخيف بالنسبة له، ثم يفقد ضرسه في الخناقة المفتعلة، عندما تظن إحداهن أن أمه خاطفة إياه، فبدلاً من أن يحتفظ السيناريو باللحظة الأثيرة التي تمثل ذروة هامة جداً في النهاية لضي وعلاقته بالشمس والحلم، نجده يتعامل معها بصورة مسرحية، حيث يصطف هو وأمه وأخته والمدرسة على شاطئ النيل، وكأنهم في استعراض مدرسي، وتقول له أمه جاهز! فيلقي الضرس إلى قرص الشمس! وتموت اللحظة الشعرية الحلوة التي زاحمها الاصطفاف الزائد عن الحاجة.

الأصوات الطبيعية

الغريب أيضاً أنه في فيلم عن قصة لفتى جميل الصوت لديه إحساس ماسي بالكلمات والألحان الجميلة لمطرب أسطوري نجد شريط الصوت مزدحم بهذا القدر الكبير من الموسيقى التصويرية، هذا شريط صوت لا يعرف فضيلة الأصوات الطبيعية للبيئات المختلفة التي تتحرك فيها مجموعة الرحلة، ولا يعي حجم الصمت المطلوب من أجل إفساح المساحة الشعورية للأغنيات التي تنطلق من حنجرة الفتى في مواقف ولحظات بعينها لتخلق ذكرى شعرية تعطر حركة الأرواح وتهدأ من قلق النفوس وتسحب المتلقي من جفاء الواقع إلى طراوة الحلم والخيال القابل للتحقق أو الخضوع لسطوة الممكن.

منذ المشاهدة الأولى للفيلم، ولا يكاد شريط الصوت يخلو من مقطوعة موسيقية رنانة وميلودرامية ونمطية حتى أن دخول الأغنيات يصبح هو الاستراحة المطلوبة من ضجيج الموسيقى المستمر والمشوش على كل اللحظات الحلوة أو التي تحتاج للهدوء، من أجل تأمل ما هو أبعد من مجرد حدوثها أو تفاصيلها المباشرة.

الشعر والصمت والحكي بالنظرات كلها فضائل غائبة عن التجربة الملفتة والمختلفة، ويكفي أن نضرب مثلاً بالتتابع الخاص برجل الإطفاء المقنع، الذي يحاول مساعدة "ضي" وأخته بتوصيلهما بعربة المطافئ من الأقصر إلى قوص بعد أن تفرقا عن صحبتهم، الأم والمدرسة الرقيقة التي تتعرض لتنمر الأم طوال الوقت في محاولة لتخفيف حدة الصراع وخلق ريليف طريف بالأمثال على لسان الأم والتي تحمل قدراً كبيراً من الخشونة والسخرية.

هذا التتابع مثلاً والذي ينتهي بكشف رجل الإطفاء المقنع لوجهه المحترق، أو حتى تحرره بعد ذلك من القناع بسبب "اللمسة الوجودية" التي حققتها رحلة "ضي" حين تقاطعت مع حكايته، يمكن تقبله بشكل مفهوم وحميمي في المستوى الشعري للحكاية أو في إطار النوع الأقرب لمثل هذه التفاصيل، بينما تسحبنا الميلودراما إلى أرض المبالغات، والتي تجبر المتلقي على تطبيق الواقع على الحدث بصورة ضحلة، مما يفقده اقتناع العقل بدلاً عن رجاحة الشعور الذي لا يشترط منطق حاد للأمور، ولا سبب حقيقي لحركة عربة مطافئ رابضة أمام محطة القطار بدعوى أن هناك حريقاً في بلدة أخرى على بعد 40 دقيقة!

تبقى الإشارة إلى أن رطانة الحوار وكميته، سلبت ممثلة مثل أسيل عمران في دور المدرسة فرصة التعبير الشكلي والملامحي وقلة زلات اللسان الخاصة باللهجة الصعيدية، التي لم تأت سلسة بالقدر الكافي، وبدلاً من أن يبذل الوجه الشاب طاقاته في البوح بالنظرات، استغرقت الممثلة الجميلة في محاولة ضبط اللسان وتخفيف اللغة بالإتقان والتجويد.

أما إسلام مبارك، في دور الأم فهي صاحبة حضور طاغٍ، وهي مخضرمة بالشكل الذي جعلها تقفز فوق هنات أدائية كثيرة سببها الميلودراما السائلة التي بللت مشاهد عديدة بالدموع بدلاً من مقاومة الانهيار بحكم تكوين الشخصية الخشن والمربك في محبته المراوغة وغير المعلنة بصورة طبيعية.

المكسب الحقيقي

ويمكن الجزم بأن المكسب الحقيقي تمثيلياً على مستوى الاكتشاف والحضور وتجاوز اللحظات الانفعالية دون مبالغة وبوعي فطري، هو الممثلة الشابة حنين سعيد، في دور أخت "ضي"، والتي بدا تقمصها، رغم نمطية شخصية الأخت الغيورة نسبياً- محاط بسياج من الانتباه والتركيز والحسبة المنضبطة لنبرة الصوت وتعبيرية الملامح، وهو أمر لا يمكن إغفال التوجيه الإخراجي لكريم الشناوي فيه، وهو ذات التوجيه الذي حقق أداءً متوازن وعفوي بصورة كبيرة للفتى الألبينو بدر محمد في دور "ضي"، خصوصاً مع استخدام الخجل الفطري لدى أعداء الشمس في تهذيب قلة الخبرة للشاب الصغير، وإخفاء عيوب التشخيص بمهارة شديدة خلف قناع النبرة المترددة أو العيون الهاربة من تحديق الآخرين، أو بسبب مشكلات الإبصار المعروفة لدى أعداء الشمس، وكلها ميزات تحسب للمخرج الشاب في ثاني تجاربه التي بلا شك زادت من رصيد خبراته في التعامل مع الشريط السينمائي والحالة الفيلمية، والتي تختلف كثيراً عن التعاطي مع الدراما التلفزيونية، رغم تحققه القوي والبارز فيها خلال السنوات الأخيرة.

* ناقد فني

 

####

 

محمد حفظي لـ"الشرق":

السعودية مليئة بالمواهب.. وتوسيع نشاطي بالمملكة جاء بعد دراسة

جدة -محمد عبد الجليل

قال المنتج المصري محمد حفظي، إنّ شركته "فيلم كلينك" ستشهد توسعاً في الربع الأول من عام 2025، عبر تأسيس فرع لها في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.

وأكد حفظي، لـ"الشرق"، أن "هذا الأمر كان قيد الدراسة لعدة سنوات، والشركة سيكون نشاطها داخل أنحاء المملكة وليست مدينة الرياض فحسب"، لافتاً إلى وجود العديد من الأماكن هناك يمكن التصوير فيها، والتعاون مع صُنّاع السينما المحليين، مثل جدة والعلا.

وأضاف: "نرغب في الاستفادة من المواهب السعودية التي لديها قصص لتحكيها، وهم الأقدر على سرد تلك القصص من أي شخص آخر".

وأشار إلى رغبته في تعزيز العلاقات مع مجتمع السينما المحلي بالمملكة وتعميق الشراكات مع جهات سعودية.

وتأتي تلك الخطوة، بعدما نجح محمد حفظي، في بناء علاقات مع مجتمع السينما السعودي، من خلال عدة مشروعات، منها فيلم المغامرات "هوجان" للمخرج المصري أبو بكر شوقي، وإنتاج مشترك مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، فقد سبق وعُرض لأول مرة إقليمياً في مهرجان البحر الأحمر العام الماضي بعد عرضه الأول في تورونتو

أفلام جديدة 

وجاء هذا التوسع السينمائي، بالتزامن مع مشاركة محمد حفظي، في إنتاج عدة أفلام جديدة، منها مشاريع سعودية مصرية مشتركة، أبرزها فيلم "الست" عن حياة المطربة أم كلثوم، وهو بطولة منى زكي، ومحمد فراج، وعمرو سعد، وأحمد حلمي، وكريم عبد العزيز، وسيد رجب، وأحمد داود، وأحمد أمين، وتامر نبيل، والعمل تأليف أحمد مراد، وإخراج مروان حامد.

كما يشارك محمد حفظي، في إنتاج فيلم "مسألة حياة أو موت" بطولة سارة طيبة ويعقوب الفرحان، وإخراج أنس بطاح، ومن المقرر تصويره في جدة خلال الفترة المقبلة.

وتدور أحداث الفيلم في إطار من الرومانسية والكوميديا السوداء، حول فتاة شابة تدعى "حياة" تؤمن بأنها ملعونة وتريد إنهاء حياتها، لكنها تلتقي بجراح قلب انطوائي يُدعى "يوسف" يعاني من بطء في نبضات قلبه.

ويُجدد حفظي تعاونه مع المخرج أحمد عبد الله، في فيلم "برلين" بطولة الثلاثي منة شلبي، ويسرا اللوزي ومحمد حاتم، ويتناول الفيلم قصص ثلاثة مهاجرين عرب يعيشون في برلين حيث تتشابك حياتهم في أجواء سريالية.

وتضم القائمة، فيلم "هجرة" للمخرجة السعودية شهد أمين، ويروي العمل قصة درامية عن رابطة بين أجيال مختلفة من النساء السعوديات خلال رحلة عبر الصحراء.

وذلك بخلاف فيلم "صيف عام 67" بطولة نيللي كريم وعمرو المصري، وإخراج أبو بكر شوقي، ويروي العمل قصة صداقة بين صبي مصري وفتاة نمساوية في ظل تعقيدات عائلتيهما، وفيلم "ملكة القطن" للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني، وتدور أحداثه في قرية سودانية لزراعة القطن، حيث تواجه فتاة صغيرة تحديات جديدة مع قدوم رجل أعمال شاب من الخارج.

وأخيراً، فيلم "رائحة أبي" للمخرج المصري محمد صيام، وبطولة كامل الباشا وأحمد مالك، ويحكي العمل قصة أب وابنه يكشفان أسراراً عن بعضهما البعض خلال ليلة طويلة.

٦ أفلام

يذكر أن "فيلم كلينك" تشارك في الدورة الحالية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، بـ6 أفلام دفعة واحدة، وهي: "البحث عن منف لخروج السيد رامبو" إخراج خالد منصور، و"إلى أرض مجهولة" للمخرج مهدي فليفل، و"سنو وايت" لتغريد أبو الحسن.

وإلى جانب فيلم "الفستان الابيض" للمخرجة جيلان عوف، و"عبده وسنية" للمخرج عمر بكري، والفيلم السعودي "هوبال".

 

####

 

بريندان فريزر يوجّه رسالة لمبدعي السعودية: أنتم تسيرون في الطريق الصحيح

جدة -محمد عبد الجليل

خلال مشاركته في مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، وجه النجم الكندي بريندان فريزر رسالة دعم للمبدعين السعوديين، وذلك خلال حديثه مع الجمهور ضمن جلسة نقاشية، دعا فريزر صانعي الأفلام المحليين إلى الاستمرار في تقديم قصصهم الخاصة قائلاً: "استمروا بما تفعلونه. أنتم تسيرون في الطريق الصحيح. أنتم تروون قصصاً تعرفونها، وتملكون وحدكم تفاصيلها".

وأشار إلى أن المبدعين السعوديين يمتلكون أساساً قوياً بفضل تقاليدهم الثقافية التي ترتكز على السرد القصصي، وأضاف: "الثقافة العربية معروفة بأنها أمة من الحكّائين. لهذا السبب، أعتقد أنكم تجاوزتم الجزء الصعب؛ أنتم تعرفون ما تفعلونه وتريدون فعله، الباقي سيأتي بطبيعة الحال – صدقوني".

وشدد فريزر على أهمية اتخاذ طريق المخاطرة في الفن والإبداع، قائلاً: "عليكم المخاطرة، أن تكون مبدعاً هي مخاطرة. هذا هو المكان الذي تتعلمون فيه وتكتشفون فيه أكثر، فالمخاطرة هي مفتاح الاكتشاف الحقيقي"، داعياً الفنانين إلى اختيار المشاريع التي تدفعهم إلى التفكير مرتين واتخاذ قرارات جريئة.

وأضاف: "البطل ليس دائماً الشخص الذي يحمل سيفاً ودرعاً، البطل هو الشخص الذي يقف بثبات ويدافع عن موقفه. كفنانين ومبدعين، علينا أن نفعل الشيء نفسه".

فريزر، الذي بدأ مسيرته المهنية في التسعينيات وأصبح رمزاً للسينما العالمية بأدواره الشهيرة، أشاد بالجهود السعودية في دعم قطاع السينما وتطوير البنية التحتية للإبداع، وأشار إلى أهمية سرد القصص من منظور محلي، معتبراً أن هذا النهج هو الذي يحقق صدى واسعًا لدى الجمهور.

الحصان "بيكاس"

وقدم بريندان فريزر تحية مؤثرة لحصانه "بيكاس" -والذي يعني النمش بالإسبانية - والذي كان له دور كبير في تقديم الدعم النفسي له خلال فترة ركود مسيرته المهنية، "لقد كان لدي حصان لفترة من الزمن. للأسف لم يعد معنا الآن، لم ينقذ حياتي، ولكنه أنقذ جزءاً عاطفياً مني".

وأوضح أن “بيكاس” كان أحد الخيول التي ظهرت في مسلسل “Texas Rising” عام 2015، وقام بتبنيه بعد انتهاء التصوير. وأردف قائلاً: “أرسلته عبر شركة فيديكس. نقلته من إل باسو، وأوصلته إلى مطار جون إف كينيدي. ثم سار مباشرة إلى الحظيرة التي استأجرت مكاناً له فيها بالقرب من منزلي، واستلقى على نشارة خشب جديدة وكأنه يقول: ‘حسنًا، انتهى الأمر’.”

بين نورماندي واليابان

خلال الجلسة، كشف فريزر عن فيلمه القادم Pressure للمخرج أنتوني ماراس، وهو فيلم إثارة تدور أحداثه حول الساعات الـ72 الحاسمة التي سبقت يوم إنزال الحلفاء في السفينة نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية

يؤدي فريزر دور القائد الأعلى لقوات الحلفاء، دوايت دي آيزنهاور، مشيرًا إلى أن الفيلم يركز على أهمية التنبؤات الجوية في تلك الفترة. وقال عن المخرج ماراس: "إنه مخرج رائع يعرف كيف ينقل الواقع بطريقة تجعل الجمهور يشعر وكأنه يشاهد الأحداث كما لو كانت تحدث أمام عينه".

كما تحدث فريزر عن فيلم آخر بعنوان Rental Family، وهو دراما كوميدية أخرجتها اليابانية-الأمريكية هيكاري. تدور القصة حول ممثل أمريكي يعيش في طوكيو ويعمل مع شركة تقدم خدمات "تأجير أفراد الأسرة" للقيام بأدوار عائلية مستأجرة.

 وصف فريزر التجربة بأنها "تجربة غير مسبوقة" وأشاد بطوكيو قائلاً: "لا يمكنك الحصول على وجبة سيئة في هذه المدينة".

واستعرض فريزر التحديات التي واجهها خلال سنوات غيابه عن الساحة، كما تطرق إلى دوره في فيلم The Whale، والذي فاز عنه بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، مشيراً إلى أن تصوير الفيلم خلال جائحة كورونا أضاف طابعاً عاطفياً خاصاً إلى العمل.

وكشف السبب الحقيقي لاختياره لهذا الدور، قائلاً المخرج دارين أرونوفسكي كان يبحث عن "ممثل لم يُشاهد منذ فترة" لتأدية دور تشارلي، مدرس اللغة الإنجليزية المنعزل والمصاب بالسمنة المفرطة، "وكنت أنا ذلك الشخص".

واختتم فريزر حديثه بالإشارة إلى اهتمامه بالعمل كمنتج في المستقبل، مؤكداً: “لست مخرجاً ولا أرغب في أن أكون كذلك، ولكنني أرى نفسي مستقبلاً في مجال الإنتاج".

 

الشرق نيوز السعودية في

09.12.2024

 
 
 
 
 

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

صناع العمل يستعدون لإنتاج «جزء ثالث»

جدةانتصار دردير

استعراضات مُبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر» الذي جاء بعنوان «سكر: سبعبع وحبوب الخرزيز» الذي عُرِض وسط حضور عائلات سعودية وأطفال ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي.

وشهدت السجادة الحمراء في المهرجان ظهور طاقم الفيلم، وفي مقدمتهم الفنانة المصرية ماجدة زكي، ومحمد ثروت، ومعتز هشام، وياسمين العبد، وبافلي ريمون، والأطفال المشاركون في الفيلم، إلى جانب المخرج تامر مهدي، والكاتبة هبة مشاري.

ويُعد «سكر» أول فيلم غنائي من نوعه في المنطقة موجه إلى العائلات والأطفال، وهو مستوحى من قصة «Daddy Longs Legs» العالمية الشهيرة بـ«صاحب الظل الطويل».

تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الأطفال واليافعين يعيشون داخل دار للأيتام، ويتعاونون معاً لمواجهة ظروف حياتية صعبة في ظل قسوة «رتيبة» مديرة الدار التي تؤدي دورها ماجدة زكي، في حين يرسمون أحلاماً وردية لمستقبل مشرق ينتظرهم. الفيلم من إنتاج «إم بي سي استوديوز»، بالتعاون مع «أروما للإنتاج».

وفي الجزء الثاني من الفيلم تتواصل مغامرات الأطفال، وينجحون في إثبات براءة الطبيب بعدما زُج به في السجن ظلماً، وقد نجح اختراعه في شفاء ابنة القاضي من الحمى، ويقدمون استعراضاً مبهراً داخل السيرك، كما يحتفلون بعيد ميلاد «سكر» التي تقدّم دورها حلا الترك والتي نجحت في الحصول على مقعدٍ ذهبي بالمدرسة الملكية، في حين تستعيد «رتيبة» طفولتها عبر طفلة تُشبهها في مظهرها وملامحها، وتغني معها «كيف كبرنا يا صغيرة وراح كلٌ لمصيره»، فيما تحذّر «سكر» قائلة: «لا تعتقدي أن بُعد المسافة يمنعني من عقابك إن أخطأتِ».

وكان الجزء الأول من الفيلم قد عُرض على شاشات السينما العام الماضي، وحقق تفاعلاً لافتاً. ويضم الفيلم أطفالاً من دول عربية عديدة، وتؤدي بطولته الممثلة البحرينية حلا الترك أمام معتز هشام، وريهام الشنواني، وإسلام إبراهيم، وعباس أبو الحسن، وياسر الطبجي، كما شارك فيه المطرب أحمد سعد.

والتقت «الشرق الأوسط» بعض أعضاء فريق عمل الفيلم؛ حيث كشف المخرج تامر مهدي عن وجود جزء ثالث من الفيلم تجري كتابته، قائلاً إن «رد الفعل على عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر أسعدنا جميعاً، وهو مؤشر قوي لنا لاستمرار العمل، لا سيما أن أحداث الجزء الثاني تقود إلى بدايات جديدة في حياة أبطاله»، لافتاً إلى «بدء المؤلفة كتابة جزء ثالث».

بينما أوضحت الكاتبة هبة مشاري أن «الغرض من تقديم جزءٍ جديد أن نربي ولاءً لدى الأطفال من خلال التعلق بشخصيات الفيلم»، مشيرة إلى أن «فكرة تقديم سلسلة أجزاء نابعة من رغبتنا في تحقيق متعة للطفل وتقديم رسائل إليه وإلى الأسرة تُسهم في تكوين شخصيته بشكل متكامل».

وقال الفنان معتز هشام إنه «استمتع بالعمل طوال فترة التصوير، كما استمتع بمشاهدته»، مؤكداً أن «فيلم (سكر) يُعد تجربة مختلفة تماماً عن كل أدواره؛ إذ أتاح له لأول مرة أن يغنّي ويقدم استعراضات».

من جانبها، عبرت الفنانة ماجدة زكي عن سعادتها بالمشاركة في الفيلم وحضور عرضه بمهرجان البحر الأحمر السينمائي لأول مرة، مؤكدة في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الجمهور الذي تدفق لحضوره من الأطفال والعائلات كان مشجعاً في تفاعلهم مع الفيلم وفرحة الأطفال وتصفيقهم مع الأغنيات والموسيقى كان أمراً رائعاً.

ولفتت ماجدة إلى أن نقطة ضعفها بصفتها فنانة هي المشاركة في أعمال للأطفال، وأنها حينما اختارها المخرج تامر مهدي لهذا العمل قال لها إنه عملٌ للأطفال، وكانت هذه هي كلمة السر لقبولها به، لا سيما أن المؤلفة هبة مشاري كتبته بتميز كبير، ومع المخرج تامر مهدي الذي أحبت العمل معه، مؤكدة إدراكها بأهمية تنشئة أطفالنا على أُسُس وقيمٍ مثلما نرعى نبتة صغيرة حتى تكبر بشكل سليم، مشيرة إلى أن الفنانة الكبيرة كريمة مختار التي تعدها مثل والدتها كانت من جعلتها تحب تقديم أعمال فنية للأطفال، وأنها تحاول السير على دربها. وأعلنت ترحيبها بالمشاركة في جزء ثالث من الفيلم الذي أحبته وأحبت فريق عمله، وفق تعبيرها.

 

الشرق الأوسط في

09.12.2024

 
 
 
 
 

هوبال”.. فيلم سعودي يظهر صراع الإنسان مع العزلة ممزوجاً بسحر الصحراء

تبدأ أحداث الفيلم وسط عمق الصحراء وسحرها في ليالي الخريف

جدة - سعد المسعودي

بينما اكتظت القاعة الرئيسية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الرابع بالنقاد وصُنّاع السينما العالمية وجمهور جدة المحب لسحر السينما، جذب الفيلم السعودي هوبال للمخرج عبد العزيز الشلاحي جمهور المهرجان، والفيلم السعودي هوبال عمل متكامل كتبه مفرح المجفل، وأخرجه عبد العزيز الشلاحي، وضم نخبة من النجوم، منهم: مشعل المطيري، ميلا الزهراني، إبراهيم الحساوي، مطرب فواز، عبد الرحمن عبد الله، دريعان الدريعان، حمدي الفريدي، ريم فهد، ونورة الحميدي.

إذ تبدأ أحداث الفيلم وسط عمق الصحراء وسحرها في ليالي الخريف، إذ تنعزل خيمة بيضاء في مشهد يخفي داخله مأساة فتاة صغيرة تُصاب بمرض الحصبة، ما يدفع عائلتها لعزلها خوفاً من انتقال العدوى، في ظل إحراق ملابسها باستمرار.

هذه القصة تأتي عرضية للحبكة الرئيسية التي تدور حول رب الأسرة، “ليام” (الذي يؤدي دوره إبراهيم الحساوي)، وهو رجل في الثمانين يعتقد أن علامات الساعة قد اقتربت، ما يدفعه لفرض العزلة على عائلته واتباع نمط حياة صارم بعيداً عن مظاهر الحضارة.

في أثناء الفيلم، يظهر “عسّاف”، الشاب الذي يحب ابنة عمه “ريفة” المصابة بالحصبة، إذ يقرر مخالفة تعليمات الجد بحثاً عن علاج لها. تتوالى محاولاته التي تقابل بالفشل، بينما يزداد المرض تفشياً داخل الأسرة، ويشتد خوفه من فقدانها كما فقد ابنة عمه الأخرى. تتفاقم الأحداث مع اختفاء الجد في أحد تجاويف الأرض “الدحل”، ما يفتح المجال لنزاع داخل العائلة بين من يتمسك بتعاليم الجد ومن يرغب في كسر العزلة والخروج إلى القرية بحثاً عن النجاة.

أبدع الفيلم في تصوير جماليات الصحراء وتفاصيلها، مع استخدام موسيقى مؤثرة من تأليف سعاد بوشناق وتصوير لافت يعكس قسوة الحياة في الصحراء وسحرها في الوقت ذاته. التمثيل جاء متناغماً، حيث أبدع الجميع في تقديم صورة درامية عميقة عن صراع الإنسان مع الطبيعة والعادات والتقاليد.

يحمل الفيلم رسائل متعددة، أبرزها شجاعة المرأة وحكمة أهل الصحراء، مع تقديم مواقف إيجابية تجمع بين التمسك بالتقاليد والانفتاح على المدنية. يظهر ذلك من خلال شخصية “ميلا الزهراني”، التي تقود السيارة وتطرح حلولاً عقلانية للخروج من الأزمة، لكن تعنت زوجها يؤدي إلى حالة من الندم بعد فقدان والده. كما أدرج كاتب الفيلم، مفرح المجفل، إشارات تاريخية لحرب الخليج الثانية، مستعرضاً الطائرات الأمريكية في سياق زمني يعود إلى فبراير 1990.

الفيلم يثير تساؤلات حول قرارات الشخصيات، مثل مغامرة الأب الحكيم بعلاج الفتاة المصابة رغم معرفته بخطورة العدوى، وعجز الابن الشاب عن اتخاذ القرار الحاسم لنقلها إلى المستشفى.

 

العربية نت السعودية في

09.12.2024

 
 
 
 
 

السعودي "صيفي" ينافس ضمن مسابقة "البحر الأحمر السينمائي": زمن التناقضات

وائل أبو منصور يواصل مغامرته المليئة بالتوقعات

فراس الماضي

يبدأ الفيلم السعودي "صيفي" بمشهد البحر المفتوح، حيث يلوح الشفق كحدود مجهولة، ثم يظهر رجل منهك كأنه خارج من صراع وجودي، يحمل حقيبة، ويقف لاهثا على الرمل المبلل. في لحظة تبدو فجرا جديدا، ينسحب هدير الموج تدريجيا، ويصبح صوت تنفّس الرجل أوضح، كأن البحر ذاته يهدأ ليمنح البطل فرصة أخيرة للتنفس.

هذا هو المدخل الذي اختاره المخرج والكاتب السعودي وائل أبو منصور لفيلمه الطويل الثاني بعد "مدينة الملاهي" (2020)، والذي شهد عرضه الأول ضمن الدورة الرابعة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، وهو ينافس إلى جانب 15 فيلما عربيا ودوليا آخر ضمن "مسابقة البحر الأحمر" المخصصة للأفلام الطويلة.

زمن التسعينات

"صيفي" ليس مجرد إضافة جديدة إلى الإنتاج السينمائي السعودي، بل هو عمل يحمل ثقل التوقعات، خاصة أنه لمخرج يُعوّل عليه الكثير. يزيد من أهمية هذا الفيلم كونه الإنتاج الوحيد لهذا العام من "تلفاز 11" التي أثبتت مكانتها كمحرك رئيس في تطور المشهد السينمائي السعودي.

يروي "صيفي" قصة صيفي (أسامة القس) وهو رجل أربعيني يتشبث بحبال الحياة بينما ينهار عالمه تدريجيا من حوله، في وسط يشبه المرآة التي تعكس ملامح زمن التسعينات من القرن الماضي، تلك الحقبة المليئة بالتناقضات، وبالشخصيات التي تقف على تقاطع الفن والدين والسياسة، وتنبض بصخب الأشرطة والتسجيلات التي تحمل أصواتا وخطبا سرية، مثل قنابل موقوتة تهدد بانفجار الحقائق وكشف المستور.

يعيش صيفي إذن في قلب تناقضات ذلك الزمن، غارقا في وهم الثراء السريع. يدير متجرا لبيع أشرطة الكاسيت (شريط الكون)، بما فيها تلك التي تحتوي على خطب دينية ممنوعة وتسجيلات سرية يُزوده بها المهدي (حسام الحارثي)، المستشار الديني لرجل الأعمال والشيخ المعروف أسعد أمان (أحمد يماني). على الجانب الآخر، يدير صيفي فرقة شعبية تُحيي حفلات الأفراح الجماعية، بمساعدة صديقه المخلص زرياب (براء عالم).

هذه الشاعرية لا تنحصر في الموسيقى التصويرية فحسب، بل تمتد إلى الكاميرا التي تبدو متعاطفة بإفراط مع شخصية صيفي

على تقاطعات حياته المعقدة، تظهر شخصيات أخرى تشكل ظلالا من ماضيه ومنافذ لهروبه من الحاضر، مثل طليقته رابعة (عائشة كاي)، المنغمسة في جلسات الاستشفاء بالطاقة، وأختها رابية (نور الخضراء)، وكلتاهما تقدمان وجها آخر للوهم الذي يغلّف هذا العالم، تضعانه أمام العديد من الخيارات وتحيطان به عبر كمّ هائل من الألوان.

الموسيقى شريكا سرديا

هذا التعدّد في الأوجه والاختيارات، يجد انعكاسه في أحد أهم المكوّنات التي يستند إليها فيلم وائل أبو منصور، وهي الموسيقى التصويرية التي وضعها الأخوان فابين ومايك كورتزر (فيلم "مندوب الليل)، إذ لا تحضر كخلفية فحسب، بل كشريك سردي يأخذ المشاهد من ضجيج المدينة إلى هدوء البحر، ومن الفرح الزائف إلى الحزن الكامن، ومع ذلك، يبالغ الفيلم أحيانا بالشاعرية التي تجعل بعض المشاهد تبدو محاولة لإضافة طبقة جمالية فوق سردية لا تحتاج إليها.

هذه الشاعرية لا تنحصر في الموسيقى التصويرية فحسب، بل تمتد إلى الكاميرا (الفيلم من تصوير شاشانك سانا) التي تبدو متعاطفة بإفراط مع شخصية صيفي. هناك ما يشبه شفقة يائسة تقدمها عدسة الكاميرا، وكأنها تحاول فرض شعور معين على المشاهد بدلا من منحه فرصة لاستكشاف ذلك الشعور بنفسه. هذا التعاطف البصري يتجلى بوضوح على سبيل المثل في مشاهدة صيفي وهو يصعد الدرج إلى العم سعيد، أو في تلك الابتسامة التي تتشكل على وجهه عندما يسمع دعاء العم سعيد له. هذه اللقطات ليست مجرد لحظات عابرة، بل اشارات صريحة لتكثيف طابع محدد عن شخصية صيفي: مكانته بين الشخصيات الأخرى، ودوافعه، ونياته.

يتجاوز الفيلم، عبر الموسيقى والتصوير، دوره كراوٍ ليصبح محاميا عن شخصية صيفي. هذه التركيبة، على الرغم من جاذبيتها الجمالية، تترك المشاهد أحيانا خارج الإطار السردي، وكأنه مستبعد من المشاركة في الرحلة. الصورة تنحاز إلى صيفي قبل أن تمنحنا الفرصة لتكوين هذا الانحياز، ويدفعنا قسرا لرؤيته حتى تنتصر له قبل أن نأخذ موقفا في شأنه.

بين الأقنعة

ما يجعل الحديث عن هذا العنصر ضروريا، هو تكوين الفيلم، الذي يبدو تحقيقا موضوعيا يوثق حقبة زمنية بعينها، وفي الوقت ذاته ينسج خيوطا خيالية تدور أحداثها في عمق تلك الحقبة، فقد يكون تحقيقا في منطقة متغيرة تتصارع فيها التناقضات: رجال دين يختبئون وراء أقنعة زائفة، فساد رجال المال الذي يلتهمون من حولهم، فرق طربية تكافح للبقاء على قيد الحياة، وفي قلب كل هذا، يقف بطل يحمل وهما كبيرا بأن مصيره قد يتغير بمجرد امتلاكه شريط تسجيل واحدا.

في وسط هذه المحاور كلها، يحاول الفيلم إشباع هذه الخطوط، فهو يُحاكي جمهورا يستحضر الماضي، ويسعى خلف الحقيقة لمن يتوق إلى كشف المستور، ويقدم وعد الخلاص لمن يبحث عن بصيص أمل. تشعّبات تجعل العمل موزعا بين الحنين والحقيقة والخلاص التي تتصارع في داخله.

بين الألم الشخصي والتمرد العام، تتحول حكاية الانتقام من مجرد تصفية حساب إلى تعبير عن رغبة عميقة في الانتصار على عبثية القوى

يتمتع "صيفي" بجرأة لافتة في استكشاف عوالم الوهم وتفكيكها، وعلى الرغم من ذلك يقع أحيانا في التكرار، من خلال انغماسه في موضوعات مألوفة اخرى تناولها في عدد من الأفلام السعودية، في انتقاله بين ثيمات الكرامة ومواجهة رجال الدين الزائفين، مرورا بعصابات الأثرياء، ومن ثم ثيمة الانتقام.

لكن الانتقام هنا، كما في العديد من الأفلام السعودية، ليس مجرد فعل شخصي، بل صرخة أعمق تعبر عن تمرد ضد قوى أكبر منها، قوى تُخضع الشخصيات وتُطوعها كمسامير صغيرة داخل ماكينة ضخمة تُدار بلا رحمة. ورغم وضوح هذه الثنائية، يبوح فيلم "صيفي" بنوع هذا الانتقام على نحو خاص، الذي يقدّم المؤلف لحظة الانتقام كبوصلة حاسمة توجه بطله، كأن الفانتازيا تحرّر هذه الشخصية من قيود العالم المحيط.

يبوح فيلم "صيفي" عاليا بهذه اللحظة التي لا تأتي خافتة أو رمزية، بل واضحة وصاخبة، وبين الألم الشخصي والتمرد العام، تتحول حكاية الانتقام من مجرد تصفية حساب إلى تعبير عن رغبة عميقة في الانتصار على عبثية القوى التي تحاول سحق بطل الفيلم.

 

مجلة المجلة السعودية في

09.12.2024

 
 
 
 
 

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

فصل جديد بتاريخ السينما القطرية يُكتب في جدة

جدة: «الشرق الأوسط»

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».

 

الشرق الأوسط في

11.12.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004