استقطاب أفلام العرض الأول واحتماء شعبوي عبر تبني أعمال
فلسطينية.
بينما غاب العام الماضي دعما للقضية الفلسطينية، ينعقد
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا العام معلنا دعمه أيضا للقضية لكن هذه
المرة بعرض أفلام فلسطينية، واستضاف رموزا من صناعة السينما الفلسطينية.
وبعد الغياب والحضور تغيرت الكثير من الإستراتيجيات بتغير أعضاء في الهيئة
الإدارية مع مواصلة المساعي الجادة للحفاظ على تصنيف المهرجان دوليا.
القاهرة
- يعود
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الجديدة هذا العام ببرنامج
سينمائي ثري بعد أن توقف العام الماضي مع اندلاع الحرب على قطاع غزة، وكان
ذلك محل اختلاف حول صواب القرار أو خطئه، غير أن إدارة المهرجان وظفت
التوقف لإعادة ترتيب أوراقها والعودة بشكل مغاير إثر أزمات عدة تعرضت لها
الدورة الأخيرة التي عقدت منذ عامين، وواجهت انتقادات لضعف البرنامج الفني،
والارتباك الذي ساد مع خلافات نشبت بين القائمين عليه.
تنطلق النسخة الـ45 في الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري،
ويشارك فيها 197 فيلما، قابلة للزيادة بحسب كلام القائمين على المهرجان،
تمثل 72 دولة، وتشمل الفعاليات 16 عرضا للسجادة الحمراء، و37 عرضا عالميا
لأول مرة، و8 عروض دولية أولى، و119 عرضا لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
أسامة عبدالفتاح: غياب
المهرجان يحتم عودة قوية تحافظ على تصنيفه الدولي
توسع المهرجان هذا العام في تقديم عروض عالمية جديدة في
محاولة لجذب الأنظار إليه بعد تراجعه في السنوات الماضية، متأثرا بوجود
مهرجانات محلية قوية، أبرزها الجونة السينمائي، والزخم الذي حظيت به
مهرجانات عربية مؤخرا، وكان توقفه العام الماضي نقطة تحول للبوصلة نحو
عواصم عربية حرصت على استمرار فعالياتها.
واستحدث القاهرة السينمائي عددا من المسابقات التي تهدف إلى
تنويع الأفلام المعروضة بعد أن تأخر كثيرا في تخصيص جائزة للأفلام
الوثائقية، وأخرى مخصصة للأفلام التي جرى تصويرها من “المسافة صفر” في قطاع
غزة، وجائزة للسينما الفلسطينية، وبدا كأنه يسعى ليعكس الارتباط الثقافي
المصري بما يدور في الأراضي الفلسطينية، بما يمنح المزيد من التعاطف ويلعب
على نقاط الانتقاد التي وجهت لمهرجانات أخرى عبر الاحتماء برداء شعبوي يحيط
بمهرجان يشكل الحدث الفني المهم في مصر.
واختارت إدارة المهرجان الفيلم الفلسطيني الروائي الطويل
“أحلام عابرة” لعرضه العالمي الأول في حفل الافتتاح، تأليف وإخراج رشيد
مشهراوي، بطولة عادل أبوعياش، إميليا ماسو، أشرف برهوم، موسيقى جوهان
كورتيت، تصوير دريد منجم.
وعبر تخصيص جوائز لأفضل فيلم أفريقي طويل وأخرى لأفضل فيلم
آسيوي طويل اتجه المهرجان للتوسع في مواكبة التطورات في صناعة السينما في
العديد من الدول التي لم يكن لها تاريخ فني طويل.
وتوفر هذه الأفلام فرصة للوصول إلى أعمال فنية لا يتم تسليط
الضوء عليها دون أن يكون ذلك بحاجة إلى تكاليف باهظة عند شراء حقوق عرضها،
وبدا أن إدارة المهرجان ساعية نحو إحداث تنوع فني، وزيادة دائرة اهتمامات
المهرجان بما يجعله يظهر في حُلة جديدة تعد انطلاقة قوية مع مرور ما يقرب
من نصف قرن على تدشينه كواحد من أقدم المهرجانات في العالم العربي وأفريقيا.
ماجدة موريس: دورة
استثنائية تؤكد أن فلسطين يمكن دعمها دون ابتعاد أو توقف
قال الناقد الفني أسامة عبدالفتاح، وهو أحد مبرمجي مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي هذا العام، إن توقف المهرجان العام الماضي يحتم
ضرورة عودته بقوة بما يساهم في الحفاظ على تصنيفه الدولي ضمن الفئة (أ) في
الاتحاد الدولي للمنتجين بباريس، ومنذ اليوم الأول لقرار التأجيل كان هناك
توافق على أن يتم الاستعداد مبكرا للدورة الحالية، ما ساعد في أن يضم
المهرجان هذا العام أكبر عدد من الأفلام في تاريخه (حوالي 200 فيلم)، بجانب
التنوع الملحوظ في لجان التحكيم والمسابقات، وبالتالي أضحت لدى المهرجان
لأول مرة في تاريخه عشر لجان تحكيم.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن إدارة المهرجان هدفت إلى تعزيز
حضورها الفني عربيا، وضاعفت قيمة جوائز آفاق السينما العربية التي وصلت هذا
العام إلى 25 ألف دولار، فضلا عن التنوع في عرض أفلام في غالبية دول العالم
وعودة عرض الأفلام الروسية، كما أن مسابقة أسبوع النقاد الدولية تضمنت هذا
العام ثمانية أفلام لأول مرة في تاريخ المسابقة، وحرصت إدارة المهرجان على
أن يكون هناك عرض أول عالمي في جميع المسابقات.
وأشار إلى أن الجوانب التسويقية والإعلامية حظيت باهتمام
واسع هذا العام بما يساهم في استعادة الصورة الذهنية الجيدة عن المهرجان،
وأن إدارته تكفلت هذا العام بتكاليف إقامة الإعلاميين من دول مختلفة بشكل
كامل، بدلا من الإقامة نصف فترة المهرجان مع تحمل الضيوف لتذاكر الطيران
فقط، وهو ما ساعد على زيادة أعداد المشاركين في التغطية الإعلامية، ومنحهم
الفرصة لوضع تقييم كامل لكافة عروضه وأنشطته.
وتواجه المهرجانات المصرية معضلة توفير التمويل المطلوب
لاستضافة النجوم واختيار الأفلام المعروضة، وهو ما يكون حاضرا في الترتيبات
اللوجستية لانطلاقه، وبات من الواضح أن عدم تحمل تكاليف إقامته العام
الماضي ساهم في تعزيز الموازنة التي مكنته من استعادة التواصل مع دوائر
إعلامية دولية غابت خلال السنوات الماضية لهذا السبب.
وقال الفنان المصري حسين فهمي، رئيس المهرجان، إن “مع
انعقاد الدورة هذا العام كان علينا أن نبدأ من جديد، ونشكل لجان تحكيم
جديدة، ونختار أفلاما جديدة، نظرا لأن بعض الأفلام التي اخترناها قد عُرضت
في مهرجانات أخرى، كما تغيرت ظروف الكثير من أعضاء لجان التحكيم. عملنا بجد
لاستعادة ثقة الجميع في المهرجان ونجحنا في إقناع المهرجانات الدولية بتفهم
الموقف. نسعى لإقامة دورة جيدة جدا هذا العام.”
وشكلت عملية إعادة هيكلة إدارة المهرجان مع إضافة الناقد
الفني عصام زكريا الذي يشغل منصب مدير المهرجان فرصة لإدخال تعديلات على
آليات اختيار الأفلام المشاركة. وكشف زكريا في بيان أنه “اتبع سياسة مدروسة
في شراء حقوق عرض الأفلام تعتمد على تقليل النفقات من دون التنازل عن جودة
الأفلام المختارة بعناية فائقة عبر تعضيد فريق البرمجة بالجمع بين
المتخصصين جغرافيا ولجان المشاهدة”.
وأكدت الناقدة الفنية ماجدة موريس أن مهرجان القاهرة أمام
دورة استثنائية لأنه مع توقف المهرجان العام الماضي وما صاحبه من تعثر
العديد من الأنشطة الثقافية والفنية بعد حرب غزة، كان لا بد من عودة قوية
تعوض هذا الغياب، وأن إدارة المهرجان سعت لتؤكد أنه يمكن دعم القضية
الفلسطينية دون ابتعاد أو توقف، وهو ما يظهر عبر برامج الأفلام الخاصة
بفلسطين، وتقديم 22 فيلما قصيرا تم تصويرها من المسافة صفر منذ اندلاع
الحرب، ما يشكل إنجازا تعول عليه إدارة المهرجان لتحقيق نجاحات فنية
وجماهيرية مهمة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن التوقيت ساعد رئيس المهرجان
حسين فهمي كي يُحدث تعديلات في البنية الإدارية، واستعان بعدد من المبرمجين
والنقاد الذين لديهم خبرات، وساعد على ذلك توسيع قاعدة اختيار الأفلام،
وعروض الأفلام المصرية المرممة التي تجذب جمهورها إلى دور العرض، وهدف إلى
أن يشمل المهرجان أذواقا فنية لمختلف الفئات ما يضمن نجاحه الجماهيري
والفني، كما أن التوسع في دور العرض بأنحاء مختلفة في القاهرة بدلا من
تركزها في وسط العاصمة يشكل عاملا إضافيا لجذب الجمهور.
وذكرت أن برنامج هذا العام يتمتع بالثراء الشديد ومتخم
بالمسابقات المتخصصة وتقديم رؤية عن واقع يعيشه العالم العربي من حروب
وأزمات، وأن هدف الحفاظ على القيمة والمكانة الفنية للمهرجان قد تحقق هذا
العام شريطة أن يستمر ذلك في الدورات المقبلة.
صحافي مصري |