كافأت «أكاديمية جوائز الفيلم البريطانية»، ليلة أول من أمس
فيلم «الأب» بجائزتين مهمّتين مقابل خسارته لجائزة أفضل فيلم، التي ذهبت
للفيلم الأميركي «نومادلاند» كما حققته كلووِي زاو. الجائزتان هما أفضل
ممثل وأفضل سيناريو مقتبس.
التقط «نومادلاند» ثلاث جوائز مهمّة أخرى لجانب أفضل فيلم
هما جائزة «أفضل مخرج» و«أفضل ممثلة (فرنسيس مكدورماند) وأفضل تصوير (جوشوا
جيمس رتشاردز).
كلا
هذين الفيلمين من الأعمال المرشّحة للأوسكار في مسابقتين. فهما يتنافسان في
فئة أفضل فيلم وفي فئة أفضل سيناريو مقتبس. ويبلغ عدد الترشيحات الأخرى
التي نالها «نومادلاند» في قوائم الأوسكار المختلفة أربعة، ففيلم زاو الذي
يدور حول امرأة تترك المدينة الصغيرة إلى رحاب الـ«كانتري» الواسعة، متنافس
في سباق أفضل ممثلة وأفضل إخراج وأفضل تصوير وأفضل توليف.
أما «الأب» فوجوده «الأوسكاري» متوفر، لجانب سباق أفضل فيلم
وأفضل سيناريو مقتبس، في نطاق 5 مسابقات هي أفضل ممثل أول (أنطوني هوبكنز)
وأفضل تمثيل نسائي مساند (أوليفيا كولمن) وأفضل توليف وأفضل تصميم إنتاجي
(يشمل الديكور والتصاميم الفنية).
ما حدث للموريتاني
فوز «الأب» بـ«بافتا» أفضل سيناريو مقتبس في محلّه. كتب
مخرج الفيلم فلوريان زَلر النسخة الأولى من السيناريو ثم سلّم المهام إلى
البريطاني كريستوفر هامبتون. فاز الفيلم على أربعة منافسين في فئة أفضل
سيناريو مقتبس هي «نومادلاند» و«النمر الأبيض» و«الحفر» و«الموريتاني».
مثل «الأب» قام مخرجا «نومادلاند» (زاو) و«النمر الأبيض»
(رامين بهراني) بالكتابة، بينما كتب آخرون «الموريتاني» (ثلاثة كتّاب
وأخرجه كَڤن ماكدونالد) و«الحفر» (كتابة موريا بوفيني وإخراج سيمون ستون).
ولم يدخل سباق «بافتا» من بين كل هؤلاء المخرجين (بمن فيهم فلوريان زَلر عن
«الأب» سباق أفضل مخرج التي فازت بها الأميركية - الصينية كلووِي زاو.
المخرجون الذين نافسوها على هذا الجائزة هم الدنماركي توماس
فنتربيرغ عن «دورة أخرى» والأسترالية شانون مورفي عن «بايبي تيث» والأميركي
- الكوري لي أيزاك تشونغ عن «ميناري» والبوسنية ياسميلا زبانيتش عن
«كوفاديس، عايدة؟» ثم البريطانية سارا غافرون عن «صخور».
في مجال السيناريو المقتبس، حيث حاز «الأب» على جائزة
«بافتا» عن هذه الفئة شهدت المنافسة أربعة أعمال كل منها بديع وصعب الكتابة.
في فيلم «الحفر» سيناريو مويرا بوفيني مقتبس عن رواية جون
برستون وبعض من قرأ الرواية وشاهد الفيلم لاحظ كم كانت الكاتبة أمينة
للأصل. ربما هذه الأمانة، بعد قراءتي السيناريو وحده، لم تكافأ كون النص
بدأ، كما الحال في الفيلم، بشخص راف فاينز كشخصية رئيسية وانتهى بعدة
شخصيات رجالية رئيسية، بينما دور المرأة (كما أدّته كاري موليغن) بقي
منفرداً ومعززاً. لا عجب أن لا موليغن ولا فاينز وجدا نفسيهما بين
المرشّحين لأي «بافتا».
الفيلم الثاني في عداد تلك التي رُشّحت للبافتا في نطاق
أفضل سيناريو مقتبس هو «الموريتاني»، الذي وضعه محمدو ولد صلاحي عن تجربته
حين اعتقل وأودع في غوانتانامو. أولئك الذين اقتبسوا السيناريو أخفقوا، ولو
إلى حد، في تحديد من الشخصية الرئيسية التي ستقود الفيلم النقدي. كما الحال
في «الحفر» توزّعت البطولة بين طاهر رحيم (في دور محمدو ولد صلاحي) وجودي
فوستر (في دور المحامية المدافعة عنه). لكن الممثل الفرنسي - الجزائري طاهر
رحيم نافس أنطوني هوبكنز في دائرة أفضل ممثل أول.
الثلاثة الآخرون هم الأميركي الراحل شادويك بوزمان («موخرة
ما رايني السوداء») والبريطاني ريز أحمد («صوت المعدن») والدنماركي ماس
ميكلسن («دورة أخرى) والهندي أدارش غوراف (عن «النمر الأبيض»).
السيناريو الثالث الذي نافس «الأب» على جائزة أفضل اقتباس
هو «نومادلاند» ذاته.
تحيلنا قراءة سيناريو «نومادلاند» إلى صورة تماثل في
حميميّتها ما نراه مترجماً على الشاشة. فران (مكدورماند) لا تغادر أي صفحة
من صفحات السيناريو ولا أي مشهد من مشاهد الفيلم. وما رسمه السيناريو من
ملامح لامرأة ستينية تجرّب الاستقلال عن العمل الدائم والحياة المستقرة
بالإقدام على ترحال دائم معبّر عنه جيداً في الفيلم، لكن ما يمكن أن يكون
سبباً مانعاً لفوزه هو أن «الأب» يلج المشكلة مباشرة من صفحته الأولى وحتى
الأخيرة.
في غضون ثلاث صفحات أولى نطالع الإنكار الذي دافع به الأب
عن نفسه، القلق الذي ميّز حال ابنته وامتزاج الواقع والخيال عند الأول.
والسيناريو يكمل لعبه على هذه الأوتار بنجاح حتى تلك النهاية الأكثر
تأثيراً عاطفياً من كل نهايات الأفلام المتنافسة في هذا النطاق. وفي النص
كاملاً نقرأ كذلك أن المواجهة المباشرة هي بين أب وابنته، وتلك الضمنية هي
بين الأب ونفسه.
أما «النمر الأبيض»، فالجهد فيه واضح منذ أن تصدّى المخرج
رامين بهراني لرواية معقّدة وطويلة وضعها صديقه الهندي أرافند أديغا. نظرة
غير منحازة على هذا السيناريو تشي بأنه كان الأغزر في تنويعاته الدرامية من
أي فيلم آخر والموازي في عمق تناول شخصيته مع «الأب». ربما التعليق حال دون
سلاسة ما يطرحه، لكن على الورق لا يتبدّى هذا كمشكلة.
زحمة شخصيات وكائنات
سيناريوهات أفضل سيناريو أصلي (غير مقتبس من وسيط سابق)
مثيرة بدورها للاهتمام. احتوت على «امرأة شابة واعدة» و«دورة أخرى» و«مانك»
و«صخور» و«محاكمة شيكاغو 7».
الفيلم الذي فاز بها هو «امرأة شابّة واعدة» (فاز أيضاً
بـ«بافتا» أفضل فيلم بريطاني) الذي كتبته مخرجة الفيلم إيمرالد فَنل. هو
أفضل من سيناريو «صخور» (على جودته) ومتميّز عن الثلاثة الأخرى بكونه أكثر
مباشرة في التعامل مع الحيز الزمني والمكاني والشخصي لبطلته.
سيناريو «امرأة شابّة واعدة» (المستوحى من تجربة المخرجة
الخاصّة) هو عمل حرفي يسير على منهج كلاسيكي أميركي بدءاً بتخصيص المشهد
الأول (مواجهة بطلة الفيلم كاساندرا كما قامت بها - أيضاً - كاري موليغن
لرجل حاول استمالتها) لشرح الحال الحاضر لتلك الشخصية. بعد ذلك، ينتقل
السيناريو من نطاق تخصيص الحالة الفردية إلى تخصيص الحالة الاجتماعية.
هنا تضخ الكاتبة - المخرج العناصر المهمّة في تأليف العمل
من تأطير المكان والشخصيات لما سيقع لاحقاً، بما في ذلك نبرة العمل ذاتها
(خفيفة، درامية، كوميدية... إلخ).
سيناريو «دورة أخرى» هو وضع قائم بذاته: مجموعة من الأصدقاء
وحوار حول الماضي والحاضر والخفي من المشاعر. «صخور» (لم أقرأه بعد) يبدو
شبيهاً بالفيلم الفائز من حيث معالجته حال فتاة تجد نفسها أمام مهمّة
العناية بنفسها وبشقيقها الأصغر سناً بعدما تركتهما والدتهما فلجأ إلى
الحياة في الشارع.
لكن سيناريو كل من «مانك» و«محاكمة شيكاغو 7» هو الأكثر
اختلافاً من الفيلم النسائي الفائز إلى درجة النقيض منه.
«مانك»
(إخراج ديفيد فينشر عن سيناريو والده الراحل جاك فينشر) مكتوب بنفس مزدوج.
هو سيرة لمرحلة من مراحل حياة السيناريست هرمان مانكويتز، وفي ضمن ذلك هو
سيرة لهوليوود أواخر الثلاثينات والأربعينات. لجانب هذين الخطّين
المتواردين طوال النص، هناك إحاطة بالظروف التي سبقت تصوير فيلم أورسن وَلز
«المواطن كاين».
يخلق ذلك نصّاً غزيراً ومكثّفاً يحتاج القارئ فيه لمراجعة
بعض مشاهده عدّة مرّات حتى ولو قرأه في ليلة واحدة. الذي يمكن أن يكون قد
حدث ما وجّه جائزة أفضل سيناريو أصلي لفيلم إيمرالد فَنل يكمن في نقطتين
أهمّهما أن المحيط الاجتماعي للشخصية الرئيسية أكثر وضوحاً وركيزة رئيسية
في تحديد هدف السيناريو. الثاني هو أنه أبسط قراءة. ليس من استعادات كثيرة
ولا توجه في أكثر من سلسلة من الأحداث.
حال «مانك» شبيه بحال «محاكمة شيكاغو 7». سيناريو آرون
سوركِن من زاوية أن فيلم سوركِن هو أيضاً عن أحداث حقيقية تقع في الماضي
(الستينات). كذلك هو فيلم زاخر بالمواقف والشخصيات ويتّكل كثيراً على ملكية
المخرج في وضع حوارات ولو أن العديد منها يتبدّى كما لو كان من كتابة خبير
منشورات الدعاية أو التقارير الإخبارية.
ومثل «مانك» ينتقل في استعادات وقطع مزدوج بين حاضر وآخر
ماضٍ ولو على نحو متسارع وغير دراسي.
لم يشر سوركِن إلى مصادر عمله. هناك كتب عدّة حول محاكمة
الرجال السبعة الذين حشدوا لمظاهرات تندد بحرب فييتنام، ولا يمكن أن يكون
سوركِن قد ألّف السيناريو من دون الرجوع إليها. |