عن السينما العربية المتواضعة جداً في البرليناله الـ٧٠
د. أمل الجمل
أول سؤال يتبادر للذهن عقب مشاهدة الأفلام العربية التي تم
برمجتها في الدورة السبعين للمهرجان الألماني العريق - وأحد أهم ثلاثة
مهرجانات في للعالم - هو: مَنْ المسؤول عن تلك الأفلام الركيكة المستوى
فنياً وفكرياً، والتي لا تستحق ولا يمكن وصف أغلبها بأنها "سينمائية"،
مثلما لا يمكن وصفها بالتجريبية، فالتجريب منها بريء، خصوصاً فيلم «من
القاهرة إلى زرادشت»، فهو مسخ لا علاقة له بالسينما أو الفن إطلاقاً؟ حيث
نشاهد امرأة تقرأ أفكاراً وأبياتاً وتحاول الربط بينها وبين زرادشت، لكنها
تفعل ذلك من دون أي فن وكأنها تقرأ نشرة أخبار، طويلة بملل، ثم تترك الكادر
وتخرج، وفي تكوينات لاحقة تعمل على تكوين أشكال قبيحة لا معني من ورائها
سوى الاستخفاف بعقول المشاهدين، ثم يدعى صُناع العمل أن المونتاج يتم علي
الهواء مباشرة، وأنه في كل مشاهده سيتم تغيير النسخة، وفوق هذا وذاك
يقترحون على المشاهدين بأن يحضروا العرض التالي؛ ليقبضوا على الاختلافات
بين النسختين، وكأننا مثلاً أمام "ماستر بيس". والحقيقة أنني احترمت شجاعة
عدد كبير من رواد القاعة عندما خرجوا تعبيرًا عن رفضهم لمثل تلك العروض
المستهينة بعقولنا.
السؤال الثاني: هل معقول أن
السينما العربية
من المحيط للخليج لم تُنتج أفلاماً على مستوى فني لائق
يستحق المشاركة في أي من أقسام المهرجان سواء البانوراما أو حتى القسم
الجديد المستحدث "إنكاونتر" حيث بلغ عدد الأفلام المعروضة بجميع الأقسام
٣٤٠ فيلماً؟!
هل حقًا يمكن أن نصدق أن دولاً مثل لبنان أو تونس أو المغرب
أو الجزائز لم تُنتج خلال عام ٢٠١٩ أي فيلم يستحق العرض في برلين؟ هل يُعقل
أنه لم يوجد بمصر فيلم يستحق العرض هناك؟ وهنا يظهر التساؤل: لماذا وجد
الجونة أفلاماً عربية؟ لماذا وجدت مهرجانات عربية أخرى أفلامًا عربية على
مستوى جيد؟ أنا شخصيًا أعلم هناك أفلامًا روائية طويلة، عربية، حاولت
التقدم للعرض في برلين، وتم رفضها في هذه الدورة من البرليناله. لكن في
المقابل تم عرض فيلم "هبوط" لأكرم زعتري، أو فيلم سارة فرنسيس، أو فيلم
أحمد غنيم أو المسخ المسمى "زرادشت" مدعيًا أنه عملٌ سينمائيٌ، وأنه يخوض
التجريب، وذلك في الحقيقة ادعاء كاذب.
خطابات إلى صديق
هل العلاقات تلعب دورًا في الخيارات والاختيارات؟! أم أنه
موقف مناهض من السينما العربية؟! أو ربما الغرض منه الحط من مستوى تلك
السينما؟ أم أن القيادات الجديدة في مهرجان برلين لم تنجح أو ربما لم تُجهد
نفسها للبحث والتواصل مع مخرجين عرب. أو ربما لا يملكون نفس قوة العلاقات
التي تميز بها ديتر كوسليك، وكان يبدو واضحًا إتاحته الفرصة للعديد من
السينما العربية؟!.
على جانب آخر كان أهم فيلم عربي شاهدته هو الفيلم الوثائقي
"خطابات إلى صديق" للمخرجة الفلسطينية الأمريكية إيميلي جاسر. إنه مصنوع
بمهارة تحترم عقلية المتفرج، فيقدم تحليلاً، ورصدًا للمشهد في بيت لحم ومن
حوله. بهدوء والتزام فني وفكري، بأسلوب وثائقي مميز الملامح وظفت إيميلي
بمهارة، التعليق الصوتي الموسوم بهدوء "التون" وصدقه التعبيري، مثلما تميز
بالخفة وروح السخرية، كأنها أثناء ذلك كانت تعرفنا بالمكان تحكي عن علاقتها
به، تتحدث عن الجدران الشاهقة العازلة التي جعلت المكان أشبه بترسانة، أو
جدران سجن عازلة قاتلة نفسيًا. فعلت ذلك وكأنها تكتب خطابًا إلى صديق تشرح
له، وتحلل الوضع في بيتها وفي محيطه والذي يقع في نطاق بيت لحم.
في الندوة التي أقيمت عقب الفيلم في قاعة "كينو أرسينال
واحد" عندما سئلت المخرجة الفلسطينية إيميلي: عن سر استخدام التعليق الصوتي
وتوظيفه على شكل رسالة أو خطاب تكتبه إلي صديق؟! جاء ردها بأنها كانت تشعر
بالتضامن وأهمية الصداقة بين هؤلاء الصحفيين والذين يحاولون نقل الصورة. من
هنا جاءتها فكرة كأنها تكتب خطابا. ومن خلالها تحكي عن بيت لحم، حيث تعيش
بين الجدران، أو بمعنى أدق حيث تُحاصرها الجدران، تحكي عن سنوات النضال، عن
الرصاصة التي أصابتها وانفجر النزيف، عن سيارة الإسعاف التي نقلتها
للمستشفى، ثم اكتشافها لاحقًا أنها صورت الجندي الذي أطلق عليها الرصاص،
وترينا ذلك بالفعل.
إن إيميلي تحمل معها جواز سفر أمريكيًا، لكنها تقيم في بيت
لحم، وفتحت شركة هناك للعمل وتدعو آخرين للانضمام إليها. هنا يسألها أحد
الفلسطينيين الشباب: "أنت معك جواز سفر أمريكي، فلماذا تظلين في بيت لحم أو
فلسطين؟! لماذا لا تهربين وتفلتين بجلدك؟".
تقول إيميلي إنها تتفهم تساؤل الشاب، لكنها أيضًا تجد نفسها
وهويتها في هذا المكان. يتأكد هذا الصدق في إجابتها عندما تشاهد الفيلم.
إنه فيلم بسيط هادئ غير مدعٍ، يعتمد على الأرشيف والصور التي التقطتها
إيميلي بكاميراتها الخاصة، أو تلك التي التقطتها الأصدقاء بعدسات
كاميراتهم، والبعض الآخر منها استعانت به من أرشيف بعض الدول، وقدمت خرائط
متنوعة مختلفة توضح الاختلافات.
الموعود
أما فيلم المخرج المصري أحمد الغنيمي والمعنون بـ"الموعود"
فيتحدث عن منطقة آثار الفسطاط والحراسة عليها ومنع الناس من السير بينها،
لكن الدولة في نفس الوقت لا تقوم بفرض حماية جيدة لتلك المنطقة الأثرية
شديدة الأهمية. رغم اللقطات الثابتة للمكان، للأطفال وهم يلعبون، للرجال
الثلاثة أثناء جدالهم، رغم أهمية الفكرة، لكنه في النهاية يظل شيء أقرب؛
لتحقيق تليفزيوني، ليس به جهد إبداعي.
فيلم أكرم زعتري
أما لبنان فتشارك بفيلم "الهبوط" إخراج أكرم زعتري، وهو من
الإنتاج اللبناني الإماراتي. كما تشارك أيضا في قسم "فورام" بفيلم: "كما في
السماء كذلك على الأرض"، إخراج سارة فرانسيس. فاتني فيلم سارة؛ لتعارضه مع
أحد الأفلام الأخرى المهمة، لكن الزملاء لم يتحدثوا عنه بشكل إيجابي. أما
فيلم أكرم فحضرته وأصابني بالإحباط؛ لتراجع مستواه عن فيلم السابقة "ثمانية
وعشرون ليلة وبيتاً من الشعر".
في شريطه الجديد يعتمد أساسًا الزعتري على التجريب في إصدار
وتشكيل الأصوات، وبعض التكوينات البصرية، لكن التجريب به تمادي وإطالة
زائدة على الحد، وتفقد التجريب معناه، إذا بدا وكأنه يملأ الوقت، ويعبئ
شريطًا. وعمومًا هذا ليس العرض الأول للفيلم، فقد تم عرضه ضمن أحد المعارض
في أبوظبي.
إذا استثنيا فيلم "نرجس" للجزائري كريم عينوز، لأنني لم
أشاهده أيضًا بسبب تضارب مواعيد العروض مع أفلام أخرى دولية فضلت عدم
تفويتها، فإنه يبقي حتى الآن الحضور العربي الوحيد المهم مُتمثلاً في اسم
المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر في تحكيم المسابقة الدولية. وكذلك في اسم
المخرجة المصرية هالة لطفي عضوًا في لجنة التحكيم للعمل الأول، هذه الفئة
التي فاز بها قبل سنوات الفيلم التونسي "نحبك هادي" للمخرج محمد بن عطية،
والذي حصل أيضًا مجد مستورة بطل الفيلم على جائزة أفضل ممثل هناك في ذات
العام. إضافة إلى تواجد مركز
السينما العربية
والذي بدأ منذ ست سنوات بمشاركته في السوق، حيث يهتم بفتح
نوافذ تُتيح اللقاءات مع المنتجين السينمائيين من حول العالم.
على جميع الأحوال تأتي المشاركة العربية الهزيلة على خلفيات
دورة اتسمت بالضعف بشكل عام، تلك الدورة التي تختتم فعالياتها غدًا السبت
حيث تُعلن الجوائز، ولنرى كيف ستتعامل لجان التحكيم مع الأفلام الألمانية
وكذلك سينما المرأة على وجه التحديد، ومع الاثنين سيكون لنا وقفة لاحقًا. |