بعد توقف أربع تظاهرات سينمائية مهمة، اثنتان منها تميزتا
بالأهمية عربياً، مثلما حققتا سمعةً طيبةً دولياً، خصوصًا
دبي
السينمائي الذي صمد بقوة على مدار ١٤ دورة كانت ناجحة
ولافتة بكل المقاييس، وكنت على المستوى الشخصي، وما زلت أعتبره أنجح مهرجان
سينمائي أُقيم في المنطقة العربية.
ولا يقتصر مقياس النجاح عندي على الضيوف العالميين والتغطية
الصحفية الكبيرة وتنوع الأفلام، أو الحصول على حقوق العرض الأول لعدد ليس
هينًا من تلك الأفلام، لكن الأهم، في تقديري، أن
دبي
السينمائي كان قد نجح في اجتذاب الجمهور إليه حتى أصبح يبيع نحو ستين ألف
تذكرة أثناء فعالياته، منذ عام ٢٠١٥ بشهادة الخبراء، كما أسهم في تطوير
ونهوض
السينما
المستقلة في أرجاء الوطن العربي.
إنه تجربة يصعب محاكاتها في النجاح، لكن إعادة التجربة ليس
مستحيلاً بالطبع.
هنا، على أرض الإمارات كلاكيت خامس مرة؛ حيث تُولد تظاهرة
سينمائية جديدة نتمنى لها أن تصمد، وتنجح في البقاء الفاعل والمؤثر في
صناعة
السينما
الإماراتية، وذلك رغم التساؤلات العديدة المُعادة على ألسنة
كثير:
هل ينجح المهرجان الوليد في تعويض غياب مهرجانات أو تظاهرات
سينمائية كانت ناجحة، واستيقظنا ذات صباح ففُجعنا بخبر توقفها، دون أن نعرف
الأسباب الواضحة لذلك الاختفاء القسري؟!
لكن المخرج هاني الشيباني ربما وصله بعض من هذا الهمس
والتساؤلات، لذلك جاء تصريحه:
"نحن نعرف الظروف التي أدت لوقف مهرجانات بعينها، ونسعى
لاستمرارية العين السينمائي، في الإمارات، وكذلك نحاول أن نكون بديلاً
لمهرجانات أُلغيت، وتعثرت قبلنا".
الافتتاح بفيلم مصري
إذن، بعد غدٍ (الثلاثاء الموافق ٣٠ إبريل) بينما يختتم معرض
أبوظبي الدولي للكتاب فعاليات دورته التاسعة والعشرين، ففي ذات اليوم يفتتح
مهرجان العين
السينمائي دورته الأولى الممتدة من ٣٠ إبريل إلى ٣ مايو،
والذي يفتتح بالعرض العالمي الأول للجزء الثاني من الفيلم المصري "الكنز:
الحب والمصير"، للمخرج شريف عرفة، ومن إنتاج وليد صبري، وبطولة محمد سعد
وهند صبري ومحمد رمضان وروبي وأحمد رزق.
في هذا الجزء يستكمل ما انتهى إليه الجزء الأول "الحقيقة
والخيال"، حول حكايات "حتشبسوت" في العصر الفرعوني، و"على الزيبق"، خلال
العصر العثماني، و"بشر الكتاتني"، رئيس القلم السياسي، الذي يواجه تحديات
أخرى جديدة في عمله.
يُقام المهرجان في مدينة العين تحت رعاية معالي الشيخ سلطان
بن طحنون آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، ويتخذ المهرجان من
الصقر شعاراً للجوائز، ويأتي تحت شعار "سينما المستقبل"، ويتضمن عرض ٦٧
فيلماً ما بين طويل وقصير.
لا تقتصر المسابقات على الأفلام الخليجية والإماراتية فحسب؛
فهناك أقسام أخرى موازية تتضمن أفلاماً عربية وأخرى دولية، منها برنامج
"سينما التسامح"، وذلك بمناسبة احتفال دولة الإمارات بعام التسامح الذي
يتضمن عروضًا لثمانية أفلام، إضافة إلى برنامج "سينما العالم"، الذي يتضمن
ثمانية أفلام أيضاً، بجانب عروض هامشية وعروض الافتتاح والختام.
تضم مسابقة "الصقر الإماراتية" ٢٣ فيلماً، منها خمسة أفلام
طويلة، و١٨ فيلمًا قصيرًا، وتم اختيار ١٣ فيلمًا بمسابقة الصقر للفيلم
العربي والأجنبي.
أما مسابقة الصقر الخليجي، فتضم ٢٦ فيلماً، من بينها ستة
طويلة و٢٠ قصيرة، من السعودية والبحرين وعمان والكويت، إلى جانب مسابقة
الصقر للفيلم المدرسي، التي تضم خمسة أفلام من صنع طلاب المدارس.
بشرى رئيس التحكيم
من الأفلام المشاركة بمسابقة "الصقر الإماراتي" فيلم "مسك"
للمخرج الإماراتي حمد السويدي، والذي يُعرض للمرة الأولى عالمياً وخليجياً.
ومن السعودية يُعرض الفيلم الروائي الطويل "آخر أيام السيرك" للمخرج محمود
الشرقاوي في عرضه العالمي الأول، الذي يشارك ضمن مسابقة "الصقر الخليجي".
أما عن فئة الأفلام القصيرة، فيعرض الفيلم الإماراتي "40"
في عرضه العالمي الأول، وهو من إخراج طلال محمود.
وتدور قصته حول 3 حكايات مختلفة، تجمعها حكمة قديمة وهي
"يخلق من الشبه أربعين".
وفي برنامج "سينما التسامح" يُعرض للمرة الأولي عالميا فيلم
"أرض التسامح" للمخرج ناصر اليعقوبي، ويتحدث الفيلم عن قيم التسامح التي
رسخها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
قبل ساعات قليلة كُشف الستار عن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة
"الصقر الإماراتي"، وتتكون من رئيس اللجنة الممثلة والمنتجة المصرية بشرى
رزة، بعضوية الممثل إبراهيم الحساوي والشاعر إبراهيم محمد والمستشار الفني
للجمعية العمانية للسينما محمد الكندي، أما لجنة تحكيم مسابقة "الصقر
الخليجي" فيرأسها د. هشام جمال الدين، وكيل المعهد العالي للسينما
وأكاديمية الفنون في مصر، وأعضاؤها الكاتب والمخرج الإماراتي ناصر الظاهري
والمخرج والمنتج الإماراتي خالد محمود، والناقدة اللبنانية مارلين سلوم،
بينما مسابقة "الصقر للفيلم العربي والأجنبي" ومسابقة "الصقر للفيلم
المدرسي" فيترأسها المخرج والمنتج البحريني بسام الذوادي وأعضاؤها الممثلة
ميساء مغربي، والممثل منصور الفيلي، والكاتب أحمد سالمين.
زايد الرمز
يتولى تنظيم المهرجان شركة "سينما فيجن فيلمز" ومقرها
"توفور فورتي فايف"، ويتولى منصب المدير العام للمهرجان المنتج والمخرج
الإماراتي عامر سالمين المري الذي ألف وأخرج فيلم "عاشق عموري" ٢٠١٨، والذي
حصد ثلاثة جوائز منها جائزة أفضل مخرج في مهرجان دلهي السينمائي. كما سبق
لعامر أن أشرف على إنتاج عدد من الأفلام الإماراتية المهمة، منها فيلم
"ساير الجنة" والذي حصد عددًا من الجوائز، وهو من إخراج وتأليف أخيه سعيد
سالمين.
يُؤكد عامر سالمين أن "رسالة المهرجان ورؤيته تهدف لخلق جيل
من صناع
السينما
في الإمارات، وكذلك دعوة للإبداع وتخليد الرموز والأحداث
والقصص التي تستحق أن تُروى، ولذلك وبما أننا نحتفي بمئوية زايد الوالد
القائد المؤسس- رحمه الله- من حق كل مقيم أيضاً أن يعبر عن هذا الرمز
سينمائياً، لذا نسعى لرؤية هذا التعبير، ولذلك فُتحت المسابقات للإماراتيين
والمقيمين، وكذلك للإخوة الخليجيين، من السعودية والبحرين وعمان والكويت".
أما هاني الشيباني، المدير الفني للمهرجان، فأكد أن "أهداف
المهرجان تتمثل في تطوير
السينما
الإماراتية وإبراز الإبداعات والإمكانات الفنية، وتنمية
المعرفة الثقافية والسينمائية عند الطلبة والجمهور المحلي وصقل المواهب
الشابة فنياً، ليكون بوابة لعرض الأعمال الإماراتية المتميزة، وتعزيز
التعاون بين الكتاب والأدباء والسينمائيين لتحويل أعمالهم الإبداعية إلى
أفلام سينمائية، بجانب تقديم الدعم المعنوي والمادي للسينمائيين
الإماراتيين والمقيمين، من خلال الجوائز المقدمة".
من الجدير بالذكر أن
مهرجان العين
ليس العمل الوحيد الذي يجمع بين المخرجين سالمين والشيباني؛
إذ قاما بتأسيس شركة "غبشة فيلمز" للإنتاج السينمائي التي يشاركهما فيها
أيضاً علي المرزوقي، مدير العلاقات العامة بالمهرجان ذاته، ويُعد فيلم "خلك
شنب"، من توقيع الشيباني هو باكورة إنتاج هذه الشراكة السينمائية، والمتوقع
عرضه هذا الصيف.
التكريمات
كان من المتوقع تماماً أن يكون في طليعة الشخصيات المكرمة
في العين السينمائي المخرج والمدير الفني السابق لمهرجان
دبي
السينمائي الدولي، مسعود أمر الله، ليس فقط بسبب دوره
الكبير والفاعل في مهرجان دبي، ولكن لأنه- أساساً- وبشهادة أغلب صناع
الأفلام يُعتبر الأب الروحي للسينمائيين الإماراتيين، منذ تظاهرة "مسابقة
أفلام من الإمارات" التي ظهرت للوجود بإمارة أبوظبي، وكانت نواة مهرجان
أبوظبي السينمائي، وقد استمر هذا الدور الفاعل والمؤثر لمسعود أمر الله
العلي، كالمرشد الناصح الأمين، المخلص للسينمائيين حتى بعد أن تولى منصبه
في مهرجان دبي.
وسيحتفي
مهرجان العين
السينمائي، خلال الحفل الافتتاحي بإنجازات عدد آخر من
الفنانين، تقديراً لمسيرتهم الفنية والسينمائية، من بينهم الممثلة الكويتية
حياة الفهد، التي قدمت العديد من الأدوار المميزة، وكان أول فيلم تشارك في
بطولته "بس يا بحر" عام 1971، وآخر أفلامها "نجد"، إضافة إلى تكريم الكاتب
الإماراتي عبدالرحمن الصالح الذي كتب أول فيلم خليجي "بس يا بحر" عام 1971،
والممثل السعودي إبراهيم الحساوي الذي أبدع في مجالات عدة، منها التمثيل،
والإخراج والإنتاج، وأثرى الساحة السينمائية السعودية بعدد من الأفلام
الطويلة والقصيرة، كان آخرها فيلم "عايش" عام ٢٠١٠. |