كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عروض لأبرز ما في السينما والجوائز للشباب

دبي - بشار إبراهيم

مهرجان دبي السينمائي الدولي

الدورة الثالثة عشرة

   
 
 
 
 

أقفلت الدورة الـ13 من «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، بانفتاحها الواسع على مستقبل السينما المُنتظر، سواء من خلال احتضانها برنامجاً خاصاً في إطار «سينما الواقع الافتراضي»، أو بالنظر إلى فيلم الختام «روج وان: قصة حرب النجوم» (ثلاثي الأبعاد)، بتوقيع غاريث إدواردز، في عرضه العالمي الأول، لتنطلق عروضه في صالات العالم بعد يومين من ذلك. الانفتاح على مستقبل السينما، والتحرّك صوبه عربياً، كانا وراء القصد من جوائز «المهرجان»، و «الملتقى»، و «آي دبليو سي»، و «الداخلية»، و «الجمهور»، التي تصبّ كلها في طاحونة العجلة الإنتاجية العربية، لعلها تدفعها خطوة نحو الأمام.

تطوير الإنتاج أيضاً

لا يكتفي «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بالاحتفاء بما استطاع الحصول عليه من عروض عالمية ودولية أولى، لأفلام عربية وعالمية كبيرة ومتميزة، وإن كانت هذه من أهمّ مقاييسه لنفسه، ورصده تطور أدائه، سنة بعد سنة، ودورة تلو أخرى. إنه يضيف إلى ذلك قدرته على تطوير الشقّ الصناعي لديه، من رصد أداء «سوق دبي السينمائي»، على مستوى الصفقات التي انعقدت، والمشاريع التي انطلقت، والمشاهدات التي تمّت، والوعود التي حيكت، لتتكامل دائرة الدورات والمهمات التي وضعها المهرجان، وألزم بها نفسه، وبالنظر إلى التطوّر الذي تشهده «منصات العرض»، و «المكتبة الرقمية»، وتعزيز الشراكات، و «نادي دبي للمستثمرين».

ستكشف وقائع العام المقبل (2017) أن عدداً وافراً من الأفلام العالمية، التي احتلت المراتب الأولى، على الصعيدين النقدي والجماهيري، وعلى صعيد الجوائز، ترشيحات وفوزاً، مرّ على شاشات «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، في برامجه المختلفة، بدءاً من حفلي الافتتاح والاختتام، مروراً ببرنامج «سينما العالم»، و «سينما الأطفال»، والعروض الخاصة. وسننتبه إلى أن أهمّ الأفلام العربية التي ستكون أبرز عناوين مهرجانات السينما العربية، للعامين المُقبلين، ستكون من ضمن ما عرضته شاشات الدورة الـ13، التي قطفت العروض الأولى لنخبة من أهمّ وأبرز الأفلام العربية، الطويلة منها والقصيرة، الروائية وغير الروائية.

طوى «مهرجان دبي السينمائي الدولي» دورته الـ13 إذاً، في حضور الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، الذي قام بتوزيع الجوائز على الفائزين. ففي مسابقة «المهر الإماراتي»، فاز ياسر النيادي بجائزة أفضل مخرج، عن فيلمه القصير «روبيان»، وفاز عبدالله الكعبي بجائزة أفضل فيلم إماراتي طويل، عن فيلمه «الرجال فقط عند الدفن»، وفازت شذى مسعود بجائزة أفضل فيلم إماراتي قصير، عن فيلمها «مَمْسوسْ». وفي مسابقة «المهر الخليجي القصير»، فاز السعودي محمد الهليل بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، عن فيلم «300 كم»، وفاز السعودي بدر الحمود، بجائزة أفضل فيلم خليجي قصير، عن فيلمه «فضيلة أن تكون لا أحد». وفي مسابقة «المهر القصير» العربي، فازت اللبنانية مونيا عقل بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، عن فيلمها القصير «صبمارين»، وفاز التونسي مهدي البرصاوي بجائزة أفضل فيلم قصير، عن فيلمه «خلينا هكا خير».

في مسابقة «المهر الطويل»، فازت المخرجة إليان الراهب بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، عن فيلمها غير الروائي «ميّل يا غزيّل»، وفاز اللبناني ماهر أبي سمرا بجائزة أفضل فيلم غير روائي، عن فيلم «مخدومين»، وفاز العراقي حسين حسن بجائزة أفضل فيلم روائي، عن فيلم «العاصفة السوداء»، وفاز المصري محمد حمّاد بجائزة أفضل مخرج، عن فيلمه «أخضر يابس»، وفاز المصري علي صبحي بجائزة أفضل ممثل، عن دوره في فيلم «علي معزة وإبراهيم»، وفازت اللبنانية جوليا قصّار بجائزة أفضل ممثلة، عن دورها في فيلم «ربيع».

وكانت فازت المخرجة دارين سلام بـ «جائزة وزارة الداخلية لأفضل سيناريو مجتمعي»، بقيمة 100 ألف دولار، بينما فاز ميشيل بوجناح بجائزة الجمهور من «بنك الإمارات دبي الوطني»، عن فيلم «أعمق المشاعر».

وفي جوائز سامسونغ للأفلام القصيرة فازت المخرجة إيلينا كوفالينكو بجائزة المركز الأول، عن فيلم «في قوقعتك»، وفاز نبيل شودري بجائزة المركز الثاني، عن فيلم «تذكرني»، وفاز المخرج كيريل كريباك بجائزة المركز الثالث، عن فيلم «إنفينيتوم»، وفازت المخرجة إيمان السيد بجائزة «استوديو الفيلم العربي لكتابة السيناريو» عن فيلم «بطانية»، وفاز خالد المحمود وإيمان العمراني وسعيد الظاهري وصابرينا البناي بجائزة وجوه مميزة من المهرجان.

النظرة العامة إلى الجوائز نلاحظ أنها توجّهت إلى قطاع الشباب، إذ إن الفائزين بغالبيتهم هم من السينمائيين المستقلين الشباب، الذين يُنجز بعضهم تجاربه الأولى، ما يدلل على حُسن توجّه المهرجان، وصحة رهاناته، بأن مستقبل السينما معقود على أيدي الشباب المستقل والمغامر والمبادر، كما في حالة المخرج الشاب محمد حماد، وتجربته مع فيلمه «أخضر يابس»، الذي قدم نموذجاً ناجحاً للسينما المستقلة، الشابة، الإنسانية، القادرة على التعامل مع موضوعها بنباهة وبراعة وإبداع شديد.

قامات من دون جوائز

صحيح أن النتائج تجاوزت عن حضور قامات كبيرة مثل المخرج مجدي أحمد علي، وحكيم بلعباس، ورجاء عماري، وجورج هاشم، فضلاً عن هادي زكاك، ومحمود المساد، وهم جميعاً من الأسماء المشهود لها في عالم صناعة الفيلم... ولكن ما ينبغي قوله إن أفلامهم الجديدة، جاءت قوية عنيدة متمرسة، قادرة على المنافسة، ونيل الاستحقاق بقوة، بل إن فيلماً من طراز «نحبك هادي»، للتونسي محمد بن عطية، جاء إلى المنافسة مسبوقاً بفوزه المتعدد الوجه، من برلين السينمائي، إلى «أيام قرطاج السينمائية»، سواء للفيلم ولبطله مجد مستورة.

ترسيمة جوائز «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، تثير مرة أخرى موضوع تشكيل لجان التحكيم، وحضور العنصر الأجنبي فيها، مما يباغت النقاد والسينمائيين والجمهور، بخيارات نتائج إشكالية، سنة بعد أخرى، فهل ما زال المُحكّم الغربي ينظر إلى الموضوع السينمائي العربي، من باب أنه «غريب» (إكزوتيك)، ما يجعله يفضّل المضمون ويغلّبه على الفني، أم أن المشكلة تكمن في حجم التوقعات، التي ليس لها بالضرورة أن تتوافق مع خيارات لجان التحكيم، التي تُعمل أدواتها ضمن أجواء ضاغطة، من حيث عدد الأفلام ذات السوية المتقاربة، وتنوّعها ما بين روائي وغير روائي في منافسة واحدة؟

من جهة أخرى، كانت الدورة الـ13 من «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، شهدت قبل يومين من اختتامها، الإعلان عن الفائزين بجوائز «ملتقى دبي السينمائي»، منصة الإنتاج المشترك في المهرجان، التي تقدّر جوائزها الإجمالية بـ50 ألف دولار، توزّعت على كل من المخرجة إليان الراهب والمنتجة لارا أبو سعيفان عن «العائلة الكبرى»، والمخرج عمر هفاف والمنتجة ماري بلدوشي عن «ما زالت الجزائر بعيدة»، والمخرجة دارين ج. سلّام والمنتجة ديمة عازر عن «فرحة»، والمخرج مهند حيال والمنتجة هلا السلمان عن ««شارع حيفا»، والمخرج داود أولاد السيد والمنتجة لمياء الشرايبي عن «تودا»، والمخرجة هيام عباس والمنتجة سابين صيداوي عن «غبار الطفولة». إلى جانب ذلك، اختار «ملتقى دبي السينمائي» خمسة من المشاركين في «الملتقى»، للحصول على اعتماد مجاني في شبكة المنتجين في «مهرجان كان السينمائي»، وهم: المنتجة ديمة عازر عن فيلم «فرحة»، والمنتجة لارا أبو سعيفان عن فيلم «العائلة الكبرى»، والمنتجة هلا السلمان عن فيلم «شارع حيفا»، والمنتجة كارول عبود عن فيلم «الحياة = شوائب سينمائية»، والمنتج خالد المحمود عن فيلم «مطلع الشمس». وكان المخرج الإماراتي عبدالله حسن أحمد فاز بجائزة «آي دبليو سي للمخرجين الخليجيين»، البالغة 100 ألف دولار، عن مشروع فيلمه «مطلع الشمس».

####

المنافسة المصريّة - اللبنانيّة لمصلحة الأخيرة كماً وكيفاً

أمل الجمل

أحد عشر فيلماً طويلاً من لبنان، مقابل ثمانية أفلام من مصر، منها فيلم مشترك بين البلدين، و4 أفلام قصيرة للأول مقابل 3 للأخيرة. هكذا بدت واحدة من سمات الطبعة الـ13 من مهرجان دبي السينمائي: طغيان عدد الأفلام اللبنانية والمصرية، كأن الأمر منافسة - غير مقصودة - بين البلدين، ومن المؤكد أنها مصادفة تسبَّبت فيها غزارة الإنتاج في هذا العام، إذ شاركت مصر في مسابقة «المهر الطويل» بـ «أخضر يابس»، «النسور الصغيرة»، «جان دارك مصرية»، «علي معزة وإبراهيم»، و»مولانا». إضافة إلى ذلك، شاركت مصر في إنتاج الفيلم اللبناني- الأردني «المحبس» للمخرجة صوفي بطرس، وهو تجربة يُتوقع لها النجاح التجاري لما تتمتع به المعالجة السينمائية من تلقائية ومزيج كوميدي رومانسي خفيف الظل. أما المساهمة المصرية في مسابقة «المهر القصير»، فاقتصرت على 3 أفلام: «البنانوة»، «أسبوع ويومين»، و»بائع البطاطا المجهول»، من إنتاج خالد أبو النجا وتمثيله. مثلما شاركت مصر بفيلمين ضمن قسم «ليال عربية»، هما «يوم للستات» و«الماء والخضرة والوجه الحسن»، والذي ترأس مخرجه يسري نصرالله مسابقة «المهر الإماراتي»، بينما كان المنتجة المصرية ماريان خوري أحد أعضاء لجنة تحكيم «المهر الطويل».

لبنان المحظوظ

كانت السينما اللبنانية محظوظة في هذه الدورة، ليس فقط لأنها شاركت بحصة كبيرة، وليس فقط لكون غالبية إنتاجها تحقق من طريق التعاون المشترك مع دول عدة، أهمها فرنسا، لكن أيضاً لأن مستوى الأفلام فنياً وفكرياً شهد تطوراً ملموساً، خصوصاً أن بعض أفلامها جمع بين رقي المستوى الفني والابتعاد من الابتذال، وبين الصبغة والخلطة التجارية القادرة على جذب جمهور شباك التذاكر – وهو أمر بالغ الصعوبة - ومنها فيلم «اسمعي» للمخرج فيليب عرقتنجي، والذي يتماهى مع فكرة فيلم «تحدث إليها» للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، لكن بنسخة عربية لبنانية متطورة شديدة الذكاء والطرافة وتُحقق لمشاهديها متعة بصرية وسمعية كبيرة، والفيلم يُشكل نقلة نوعية في مسيرة مخرجه. فمخرج الفيلم الذي شارك في كل من الإنتاج وكتابة السيناريو، جعل بطله «جوود» مهندس صوت، وسيماً ومرهف الإحساس وخجولاً – على رغم ملاحقة النساء له أثناء عمله بتسجيل أصوات الطبيعة والممثلين لتوظيفها في الأفلام التي يعمل عليها إلى جانب دراسته الجامعية، ومن ثم عندما يعصف به الغرام وتصاب حبيبته، فتاة الإعلانات، بالغيبوبة، يُحاول إيقاظها والتواصل معها عبر التسجيلات الصوتية المفعمة بالحياة سواء في عالم البشر وأصواتهم في السوق أثناء ندائهم على مختلف أنواع السلع من الأسماك والفواكه، بأسلوب يُؤجج الرغبة في الحياة ويجعلنا نتمسّك بها، ومنها إلى أنغام الموسيقى وتلك الأصوات النابعة من جسد الراقصات، وقهقهات البشر المنطلقة إلى عنان السماء، إلى أصوات الطيور وحفيف الأشجار وهدير البحر والرياح. هذا كله، تصحبه كلمات الشاب العاشق الذي يحاول استعادة حبيبته، لكن نظراً الى أن الأهل صاروا متشددين وقد منعوه من زيارة حبيبته، لذلك تصبح «مروة»، الأستاذة في الجامعة وأخت عشيقته، هي جسر المرور لتنفيذ الخطة فتأخذ منه التسجيلات وتشغلها للأخت من وراء الأهل. لكن «مروة» عندما تسمع التسجيلات تشعر كأنها وقعت في غرام «جوود»، على رغم أنها مرتبطة وعلى وشك الزواج من رجل إنكليزي أغوته برقصها وقررت الارتباط به كي تخرج من لبنان ويصبح لديها جواز سفر لا يحتاج إلى تأشيرة، فإلى أين يُمكن أن تقودها عواطفها؟ وكيف تتصرف إزاء حبها الكبير لأختها المغيَّبة والرجل الذي ستسافر معه بعد أيام قليلة ليعيشا سوياً؟ وهل يستسلم لها العاشق المغروم؟

داخل المجتمع

ميزة الفيلم الكبرى، أنه من خلال الأسلوب الفني للمخرج والمعالجة السينمائية، جعلنا كمشاهدين نتسلل الى المجتمع اللبناني لنرى تطوره الذي أصاب مختلف شرائحه وكيف بلغ الصراع مداه بين المتحررين والمتشددين اجتماعياً، والانغلاق الذي أصاب بعض جوانبه وناسه بعد أن كان يُضرب بهذا البلد المثل في التحرر والانعتاق من القيود. لكن ذلك كله يتم بأسلوب لمَّاح، وعبر مواقف بدت تلقائية وصادقة بأداء متقن وجذاب، لممثليه، بمن فيهم أصحاب الأدوار الثانوية. وإلى جانب «اسمعي» و»المحبس»، عُرضت خمسة أفلام لبنانية أخرى على مستوى فني لافت، منها «ذاكرة باللون الخاكي»، «نار من نار»، «ميِّل يا غزيّل»، «يا عمري»، «خارج الإطار أو ثورة حتى النصر». صحيح أن أقوى وأهم الأفلام المصرية التي شاركت في مهرجان دبي السينمائي الثالث عشر كان «أخضر يابس» للمخرج الشاب محمد حمَّاد، الذي قدَّم معالجة سينمائية قوية – بهدوء بالغ وصوت منخفض يكاد يبلغ حدود الهمس - لحالة المجتمع المصري والتدهور والانحدار اللذين بلغهما من خلال شخصية فتاة شابة بلغت سن اليأس مبكراً جداً، وكيف تنقلب على أفكارها الراسخة المؤمنة بها وهي أثناء ذلك تصحبنا في جولاتها اليومية لنعايش معها هذا الخراب بالشوارع. هذا إلى جانب الفيلم الوثائقي «النسور الصغيرة» للمخرج محمد رشاد في أولى تجاربه الوثائقية الطويلة، وكذلك الفيلمين القصيرين «أسبوع ويومين» للمخرجة مروة زين، والبنانوة» لناجي إسماعيل، لكن اللافت أن شريطي «يوم للستات» و«الماء والخضرة والوجه الحسن»، أخفقا تجارياً وفنياً، ومن ثم جاء عرضهما صادماً للمتلقي عموماً وللنقاد بخاصة. أما فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي والمقتبس عن رواية بالاسم نفسه للكاتب إبراهيم عيسى، فقد انقسمت الآراء في شأنه، إذ أُعجب به كُثر من الجمهور والنقاد الذين امتدحوه بقوة، إلا أن فئة أخرى من النقاد هاجمته - في كواليس تلك الدورة السينمائية - واعتبرته فيلماً شعوبياً شديد السطحية بغض النظر عن خيانته الرواية، وهو يستحق أن نعود إليه لاحقاً بمقال تفصيلي.

الحياة اللندنية في

16.12.2016

 
 

ترقبوا (مولانا) والجائزة لـ(أخضر يابس) في دبي السينمائي

طارق الشناوي

لا تطوى صفحة جوائز المهرجان بمجرد الإعلان عنها، يظل هناك دائما حق أصيل للجميع فى قراءتها مثلما كان أيضا من حق لجنة التحكيم أن تقرأ الأفلام طبقا لأبجديتها الفنية.

لكل لجنة بالتأكيد قناعتها، وكثيرا ما يحدث تفاعل بين أعضائها يبرز فيه الأكثر تأثيرا، حيث يؤدى فى البداية إلى وضع المحددات التى تصبح بمثابة الدستور الذى تلتزم به، جاءت جوائز المهرجان وهى تحمل مفاجأة لبعض من كان يتصور أن الشريط السينمائى يساوى أولا الفكر الذى يحمله والفكرة التى يتبناها، وكلما كنت إيجابيا فى الاختيار باتت الجائزة أقرب إليك من حبل الوريد، هؤلاء يقيمون السينما من خلال أن يطلوا على القضية التى يحملها الفيلم، الشريط السينمائى لا تتعاطى معه فكريا وتغض الطرف عما هو دون ذلك، رغم أنه أساسا منتج جمالى تحكمك بالضرورة معايير جمالية فى تذوقه.

فى المظاهرات يكفى أن تقول مثلا ليهتف وراءك الناس (نموت نموت وتحيا مصر)، وهو نداء حماسى يخلو من ظلال الإبداع، بينما فى الشعر تقول (بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىَّ كرام)، فى تلك المسافة بين الهتاف والإبداع تكمن روح الفن وتستطيع أن تُمسك بجذوره التى ترشق مباشرة فى الوجدان.

ماذا تقول؟ هى الرسالة كيف تقول هو الإبداع، وبالتأكيد انحازت اللجنة إلى (كيف) قبل (ماذا)، ومن الممكن أن يقف على طرفى النقيض فيلمان مصريان برغم أن المسابقة عربية، والفيلم الفائز بالجائزة الكبرى للمهرجان (المهر الذهبى) هو العراقى (العاصفة السوداء)، الفيلم ناطق باللغتين الكردية والعربية للمخرج حسين حسن، كما أن جائزة لجنة التحكيم جاءت للفيلم اللبنانى (ميل يا غزيل) الليان الراهب، ورغم ذلك فإن التناقض فى الرؤية بين ماذا تقول وكيف تقول تجده يعلن عن نفسه أكثر فى الفارق بين منهج التعبير السينمائى فى (مولانا) مجدى أحمد على و(أخضر يابس) محمد حماد.

قبل أن يعرض الفيلم كان الكل يترقبه أتحدث بالطبع عن (مولانا) فكلنا نكتوى بالنيران وننتظر عملا فنيا يشفى غليلنا، وعندما حدث الاعتداء الغاشم على الكنيسة المصرية، تأكد الجميع أن هذا هو البرهان، أن الفيلم على الموجة تماما، بل طالب البعض بسرعة عرضه بمصر، بالمناسبة أتصور أن الفيلم سيحقق نجاحا جماهيريا لما يثيره من قضايا آنية، والمخرج مجدى أحمد على والبطل عمرو سعد يتوق كل منهما لتحقيق هذا النوع من النجاح الرقمى، كل منهما لديه إحساس بأن شباك التذاكر سيمنحه قوة إضافية داخل معادلات الوسط الفنى، التى تحيل كل شىء إلى معادلة حسابية، وأتصور أن عند عرض الفيلم تجاريا سيتحقق الرقم المرتقب، إلا أن حسابات لجان التحكيم فى تقييمها للإبداع لا تضع أبدا الحس الجماهيرى ضمن المعايير، وهكذا فاز المخرج محمد حماد فى أول تجربة درامية له، لأنه قدم السينما وهى فى أنقى وأرقى درجاتها، عندما ترنو لكى تُصبح سينما خالصة، وعلى موقع (المصرى اليوم)، وقبل إعلان الجوائز بساعات، كتبت كل شىء تكاد أن تراه ولا تراه، هكذا نسجت الإضاءة الشريط السينمائى فى (أخضر يابس) لتبدو الشاشة وجهاً آخر لتلك الشخصيات التى تعيش بيننا ولكننا فى العادة لا نراهم، أن تكافح البنت للحفاظ على غشاء البكارة يُصبح هدفا لا يمكن التضحية به، وهو المكسب الوحيد الذى حققته بطلة الفيلم التى تقف أمام الكاميرا لأول مرة هبة على، لا نعلم الكثير دراميا عن الشخصية، حيث يمنحنا المخرج المعلومة باقتضاب، هى قد وصلت إلى المنطقة الخطر نهاية الثلاثينيات، ومن هنا يكشف الفيلم فى جانب ما عن العنوان (أخضر يابس)، فى الحركة والنظرة والكلمة، هناك شىء يسير بخطوات للجمود قبل أن تصل بنا لنهاية العمر تكتشف أنك لم تعش أبدا الحياة، أن تندم لأنك فعلت شيئا خيرا من أن تندم لأنك لم تفعله، تلك هى الحكمة التى عادة لا نعرها اهتماما، إذا كنا فى النهاية سننتهى إلى التراب، فلماذا لا نجرب أن نعيش؟ الفيلم يضبط إيقاعه على مفتاح الإضاءة الخافت كصورة وتختفى تماما الموسيقى لأن التعبير بالشاشة يخلق نوعاً هامساً من الموسيقى، والشخصيات المحدودة فى الفيلم تبدو أيضا وكأنها تهمس فى الحضور، فلا تشى بأى تفاصيل مجانية، تتقدم إليك أيضا فى خفوت، لا يوجد فى الحقيقة قضية درامية وصراع بقدر ما أنت ترى مأساة إنسانة تعيش الحياة وهى فى الحقيقة لا تعيشها، (تكات) المترو وعجلاته تضرب على القضبان لحنا واحدا لا يتغير مثل حياة البطلة، وكأنه معادل صوتى لأنين سنوات عمرها المهزومة، الزمن سرق منها حتى الفرح الذى تمنحه الطبيعة للبشر أجمعين بأن لديهم طفلا يواصل حياتهم للزمن القادم.

وأضيف الآن أننا أمام سينما، ورغم ذلك فإنه كان وسيظل من حق قطاع من المخرجين أن يقدم نوعا آخر، سينما مضبوطة على موجة الناس، قد تضحى بين الحين والآخر بجمال التعبير من أجل أن يصل الصوت إلى قطاع أوفر من الجمهور ودائرة يعنيها تعتبرها هى الهدف، ولهذا يوجه هؤلاء المخرجون طاقاتهم بالدرجة الأولى فى ماذا تقول قبل أن يتوقفوا أمام كيف تقول، سينما تهتف على طريقة المظاهرات (نموت نموت وتحيا مصر)، ولا يعنيها أن تتأمل على طريقة الشعر (بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىَّ كرام)، سينما تصرخ ولا تعترف بالهمس، بينما لجنة التحكيم انحازت للهمس!!

من المؤكد أن جائزة أفضل ممثل كان بها ترشيحات ثلاثة، مجد مستورة التونسى بطل فيلم (نحبك هادى) للمخرج محمد بن عطية فى أول أفلامه الروائية الطويلة، الفيلم الحاصل على جائزة أفضل عمل أول فى مهرجان (برلين) 2016، والبطل منح جائزة أحسن ممثل فى نفس المهرجان، بينما عمرو سعد فى (مولانا) يقدم دورا مليئا بالمتغيرات النفسية والفكرية والصراع الداخلى الذى يضع الممثل فى أعلى درجات الاستعداد لإثبات قُدراته على التعبير وانتقاله بين أكثر من حالة، الفيلم الثالث ولا شك الذى نافس أيضا على جائزة أفضل ممثل هو (على معزة وإبراهيم) إخراج شريف البندارى فى أول فيلم روائى طويل له. ودور (على معزة) أداه الممثل على صبحى، حيث إنه يقف لأول مرة أمام الكاميرا، وكتبت عن بطل الفيلم بالضبط قبل ساعات من إعلان الجوائز «وهكذا يأتى البطل على الشهير بـ(على معزة)، فهى- أقصد المعزة- صارت وكأنها ظله الذى لا يفارقه ويطلق عليها (ندا)، بينما يراها الجميع مجرد معزة، تكمن فيها روح البطل، أدى الدور الممثل الجديد على صبحى، وفى الحقيقة لا يمكن أن تعزل هذه الشخصية عن الممثل، لأن جزءا أساسيا فى الفيلم أن تُصدق البطل فى ملامحه وتلقائيته ووجهه الطازج الذى يُطل عليك لأول مرة، وكلها تصب لتأكيد شىء واحد أنه حقا على معزة، لم يصل لا مستورة ولا سعد لتلك الحالة من التماهى مع الشخصية دراميا كما حققها على صبحى.

ويبدو بالفعل أن اللجنة رأت أن هذا الممثل بتلك الملامح وبطبيعة الدور وبتوجيه المخرج، وقبل كل ذلك بتسكينه فى هذا الدور، قطع نصف الطريق أمام وصول فكرة الفيلم وطبيعة نسيجه الفنى للجمهور.

وهكذا قرأت كيف اختارت لجنة التحكيم الجوائز بعيون تبحث أولا عن الجمال ولا شىء غير الجمال!!.

المصري اليوم في

16.12.2016

 
 

اكتشاف السينما المصرية فى دبى

بقلم: انتصار دردير

أن تفوز الأفلام المصرية بجائزتين فى مهرجان دبى السينمائى لأفضل ممثل وأفضل مخرج خلال دورته الثالثة عشر التى انقضت أول أمس، فهذا أمر يدعو للفخر ويمثل إضافة مهمة للسينما المصرية التى تنافست على جوائز المهر الطويل وسط 18 فيلما تفوقت إدارة المهرجان فى اختيارها، وأمعنت فى البحث عنها فى كل البلاد العربية، لكن أن تذهب الجائزتين لإسمين جديدين فى عالم السينما، سواء جائزة التمثيل للفنان الشاب على صبحى بطل فيلم «على معزة وابراهيم » الذى يواجه الكاميرات لأول مرة مع المخرج شريف البندارى الذى ظل يعمل على فيلمه خمس سنوات كاملة يبحث عن دعم له حتى شاركت الإمارات وفرنسا وقطر فى انتاجه، أو جائزة أفضل مخرج لمحمد حماد فى أول تجاربه «أخضر يابس»، فهذا مايثير الانتباه والفضول حقا، فعلى مدى المهرجانات السينمائية العديدة التى أقيمت فى مصر وآخرها مهرجان القاهرة السينمائى لا تجد أثرا ولا اشارة ولا محاولة لإشراك هذه الأفلام، وحين تسأل أين الأفلام المصرية المتميزة من المهرجان، ستجد اجابة حاضرة «هو ده اللى موجود» كأنك تجبر على شراء بضاعة فاسدة، فلايهم إذا جرى المهرجان وراء أفلام السبكى أو قدم أفلاما مصرية على سبيل حفظ ماء الوجه للدولة المضيفة بدعوى «التواجد»، فى حين أن «مهرجان مراكش فى دورته الأخيرة رفض مشاركة أفلام مغربية وعربية لضعف مستواها».

لقد شاركت السينما المصرية بنصيب وافر فى مهرجان دبى هذا العام فإلي جانب الفيلمين السابقين كان هناك فيلم «مولانا» لمجدى أحمد على، و«جان دارك مصرية» لإيمان كامل، والفيلمين القصيرين «النسور الصغيرة» لمحمد رشاد، و«البنانوة» لناجي إسماعيل، فأين كان مهرجان القاهرة وغيره من المهرجانات منها، والإجابه المعروفة والجاهزة دائما إن السينمائين المصريين يهرولون وراء المهرجان من أجل الفلوس، وهو حق يراد به باطل، فلا مهرجان دبى يوزع أموالا وعطايا للأفلام،  ولاهم يبذلون جهدا فى مهرجاناتنا للبحث عن الانتاج الجيد والدفع بالمواهب الجديدة وتبنيها، لأنهم عاجزون عن متعة الاكتشاف.

نوجه بالفعل التحية والتقدير لمهرجان دبى الذى نجح فى سنوات معدودة اكتشاف أفلامنا والموهوبون الجدد «مثلما اكتشف مهرجان أبوظبى قبل الغائه المخرجة الشابة هالة لطفى بفيلمها «آخر النهار» وفتح امامه الأبواب ليقتنص بعدها عشرات الجوائز»، ودبي السينمائي لايفعل ذلك مع أفلامنا فقط بل أنه قدم أجمل انتاجات السينما العربية هذا العام، مثل الفيلم العراقى «العاصفة السوداء» أفضل فيلم روائي، واللبنانى «المخدومين» الحائز على أفضل فيلم غير روائى، والتونسى «خلينا هكا خير» الذى اقتنص جائزة المهر القصير.

ونجح دبي السينمائي أيضا فى الدفع بالسينما الخليجية الى حد ان تقتنص الأفلام السعودية أهم جوائز مسابقة المهر الخليجى القصير، واستطاع أن يجيب في دورته الأخيرة عن سؤال (كيف تقام مهرجانات في دول لا تصنع سينما؟)، بتقديم 13 فيلما إماراتيا ستة منها أعمال طويلة، وهو مالم يتحقق لمهرجان عريق اسمه القاهرة السينمائى.

صحيح ان المهرجان يمنح جوائز مالية للأفلام وأن ميزانيته كبيرة، لكن ليس فقط بالفلوس وحدها تنجح المهرجانات.

سينماتوغراف في

16.12.2016

 
 

خاص- رسالة دبي السينمائي (5)

"علي معزة وابراهيم".. اجتماع المتناقضات في قصة حب بين شاب ومعزة!

أحمد شوقي

عندما طُلب من الممثل علي صبحي الحديث قبل العرض الأول لفيلم "علي معزة وابراهيم" ضمن مسابقة المهر الطويل لمهرجان دبي السينمائي الثالث عشر. لم يجد صبحي ما يقوله سوى أنها المرة الأولى التي سيرى نفسه فيها على شاشة السينما؛ لذلك ما يشعر به هو الرغبة في (الذهاب للحمام)، إشارة لتوتره الشديد.

لا يمر أكثر من يومين إلا ويجد علي نفسه يصعد مجدداً إلى المسرح، هذه المرة لاستلام جائزة أحسن ممثل في مسابقة ضمن عشرة أفلام روائية، معظمها يمتلك أدواراً مميزة لممثلين رجال كلهم بالتأكيد أكثر تمرساً من الشاب الذي اختاره المخرج شريف البنداري ليكون بطل فيلمه خلال وقوفه الأول أمام الكاميرا.

من المسافة بين المشهدين يمكننا بدء الحديث عن قيمة ما أنجزه البنداري في "علي معزة وابراهيم"، الذي يمكن أن نقول بارتياح أن العمل الأول من نوعه في تاريخ السينما المصرية الحافل بأفلام من مختلف الأنواع والأشكال.

اجتماع ما لا يجتمع

علي صبحي بملامحه المناقضة تماماً لأي تصور نمطي عما يمكن أن يكون عليه بطل الفيلم السينمائي هو مجرد واحد من عناصر عديدة يقوم شريف البنداري في فيلمه باختيارها ومزجها وترتيبها كي تسفر عن شريط تجتمع فيه الأضداء: الهامشية والبطولة، الشعبية والاستقلال، الذهنية والإمتاع.

البطلان اللذان يحمل عنوان الفيلم اسميهما شخصان هامشيان، لكن ليس بالمعني المبتذل للوصف الذي صار يطلق مجاناً على أي شخصية فقيرة، باعتبار أن التهميش هو الابتعاد عن دائرة اهتمام الدولة، فكل محتاج هو مهمش، وكل فيلم يردد الخطاب المظلومية البكائي السائد هو عمل عن المهمشين

يأتي "علي معزة وابراهيم" ليفكك ـ دون انتباه ربما ـ هذا البناء البالي، بشخصيين من هامش الهامش، ملفوظين من منظومة القناعات التي يرتاح إليها كل من حولهما. مخبولان بأي معيار معروف، وبقبضهما على هذا الخبال إيماناً راسخاً يصير الشاب الذي يحب معزة ويشتري لها هدايا ورفيقه الذي يسمع أصواتاً لا يشعر بها غيرها، بطلان ضد من نوع خاص، فيهما من البطولة قدر ما يمتلكان من جنون، تقع في حبهما دون أن تتخلى عن شكك في تماسكهما العقلي.

السيناريو الذي صاغه ببراعة لافتة أحمد عامر عن فكرة ابراهيم البطوط يجرد علي وابراهيم ـ والأول بالأخص ـ من كل وهج البطولة الشعبية، لا قوة جسدية أو عقلية أو موهبة خاصة يتمتع بها (ما يقال عن موهبة ابراهيم الموسيقية مجرد حكاية أسطورية حتى لو كان لها أساس من الصحة فهو لم يعد قادراً على مزاولتها)، لا رضا مجتمعي على أي منهما، ولا شبهة انتصار يحققانها على مدار المساحة الأكبر من زمن الفيلم.

إذا أضفنها هذا لاختيار الوجه الجديد علي صبحي مع ممثل صاعد مثل أحمد مجدي سنجد أننا نظرياً أمام عمل مستقل (لا يحاول مغازلة السوق بنجم أو شخصية)، لكنه في الوقت ذاته لا يفقد أبداً قدرته على التواصل من جمهور عريض يجد نفسه يتورط مع الشخصيات فيضحك ويتأثر لما يحدث لهما في أزمة قد تبدو للوهلة الأولى مجرد فكرة سخيفة

تواصل محركه الرئيسي هو احتفاظ الفيلم بقدرة على الإمتاع والإدهاش على مدار زمن عرضه. ورغم أن الحبكة كلها يمكن أن تُقرأ من مدخل ذهني يرتبط بما ذكرناه عن المهمشين الحقيقيين الذين ينتصر الفيلم لهم بشكل ما، إلا أن هذا التأويل قد لا يلتفت له مطلقاً من يريد فقط أن يستمتع بحكاية طريفة تحرك المشاعر وتثير الذهن بمخالفتها لكل التوقعات كتصميم عام للحكاية وكتفاصيل تخص كل مرحلة من مراحل الحكاية.

فيلم لا يشبه غيره

المزيج السابق يمنح "علي معزة وابراهيم" فرادته. هذا فيلم بلا مرجعية reference ولا يشبه أي عمل سبق تقديمه في السينما المصرية. البعض شبهه بعد العرض بأنه المعادل المصري لسينما الصربي إمير كوستوريتسا، والناقد اللبناني هوفيك حبشيان قال أن نمط الفيلم القصصي يذكرنا بالتراجيكوميديا على الطريقة الإيطالية، وهي تشبيهات لها كثير من الوجاهة. لكن مقارنة بالسينما المحلية لا أجد عملاً مشابهاً حتى في أفلام شريف البنداري القصيرة نفسها.

قد نجد فكرة تلاقي الطرق لشخصيتين من الهامش في "حار جاف صيفاً" أو سيطرة هاجس فانتازي على شخصية في "ساعة عصاري" أو حتى توظيف أدوات الوسيط سردياً كاللقطة الواحدة في "صباح الفل"، لكنها تبقى مقاربات بعيدة، إن قالت شيئاً سيكون أن لدينا مخرج كان يبحث عن النص الملائم حتى وجد ضالته في "علي معزة وابراهيم".

إلا أن نصاً كهذا كان في حاجة لمعاملة إخراجية خاصة خوفاً من نتيجة مثيرة للسخرية. معاملة يمكن وصف ما أنجزه البنداري فيها بالتعامل بالغ الجدية من حكاية شديدة الهزل. لا مجال في صناعة الفيلم للتهريج أو الاستخفاف حتى لو كانت الحكاية عن شاب يحب معزة. تركيز مع التفاصيل الدقيقة خاصة ما يتعلق منها بشريط الصوت وأداء الممثلين.

شريط الصوت الكثيف والمركب يلعب دوراً محورياً في الفيلم، سواء كموتيفة درامية محركة للأحداث في خط ابراهيم وامتداداته على الآخرين، أو كوحدة بناء لجو عام تجتمع فيه الواقعية بالجنون. وأداء الممثلين منضبط حتى بالنسبة لشخصية فوضوية مثل علي، فلا مبالغة أو تشنج حتى لو كان المشهد يسمح بذلك، وهو أمر أزعم أن النجاح فيه كان له الفضل الأكبر في ذهاب جائزة التمثيل إلى علي صبحي.

عمل يحتاج للدعم

في النهاية تجدر الإشارة لأن هذا الفيلم قد يغير من علاقة السينما المغايرة أو البديلة بجمهورها، فهو بالتأكيد منتم إلى هذه السينما لكنه متخلص من طبيعتها المجافية للجمهور العادي، وهو فيلم ممتع لمشاهدة لا تهدف للتحليل لكنه يحتمل الكثير من التأويلات، وهو عمل مشغول بدقة على تفاصيل صناعته، لكنه لسبب ما يبدو عفوياً منطلقاً خالياً من تكلف الصنعة.

عمل كهذا لابد من دعمه والأمل في نجاحه تجارياً، لأنه من أعمال نادرة يمكنها أن تمد جسوراً من الثقة بين الجمهور البسيط وسينما وصفتها يوماً بأنها "تعرف جمهورها ولا يعرفها"، ليأتينا شريف البنداري أخيراً بفيلم قد يقنع البعض بأن هناك سينما أخرى ممتعة بخلاف أفلام الأعياد.

موقع "في الفن" في

16.12.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)