تواصلت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي المنعقد في الفترة
من (15- 24 تشرين الثاني - نوفمبر)، والتي انطلقت من المسرح الكبير
بدار الأوبرا المصرية بحضور وزير الثقافة المصري حلمي النمنم.
والرئيس الشرفي للمهرجان محمود حميدة، ورئيس المهرجان ماجدة واصف،
ولفيف من الحضور.
وخلال حفل الافتتاح تم تكريم عدد من رموز السينما العربية
والعالمية وهم المخرج الألماني كريستيان بيتزولد والمخرج الصيني
جيا زانكيه، والفنان المصري أحمد حلمي، والمخرج المالي الشيخ عمر
سيسكو، والمنتج الفلسطيني حسين القلا، والمخرج الراحل محمد خان،
(تسلمتها عنه ابنته المخرجة نادين خان) وتأجل تكريم الفنان يحيى
الفخراني، لحفل الختام نظراً لسفره.
وشهد حفل الافتتاح غياباً واضحاً لنجوم السينما المصرية رغم كونه
المهرجان الأكثر أهمية في مصر والعالم العربي، وتسربت إلى الصحافة
قائمة بأسماء النجوم الذين دعتهم إدارة المهرجان لكنهم تقاعسوا عن
المشاركة ومن بينهم أحمد عز وأحمد السقا وغادة عادل وغادة
عبدالرازق وهاني سلامة وكريم عبدالعزيز وظافر عابدين وعمرو يوسف
وهند صبري وكندة علوش ومنة شلبي ومحمد رمضان ومحمد هنيدي.
شارك في المهرجان هذا العام 270 فناناً وأكثر من 200 فيلم من أكثر
من 60 دولة مختلفة في أقسام المهرجان المختلفة، وتضمن برنامج
المهرجان القسم الرسمي خارج المسابقة (9 أفلام). وفيه تنافس 16
فيلماً في المسابقة الرسمية بينها فيلمان من مصر «يوم للستات»
و«البر التاني»، وحلت السينما الصينية كضيف الشرف هذا العام.
في حب محمود عبدالعزيز
أهدى المهرجان دورته لروح الفنان الراحل محمود عبدالعزيز الذي
وافته المنية قبل انعقاد المهرجان بساعات، بينما حرص أغلب حضور حفل
الافتتاح على اتشاح الملابس السوداء وفقاً لتعليمات إدارة
المهرجان، كان عبدالعزيز هو نجم الحفل على رغم رحيله، حيث عرض
المهرجان فيلماً قصيراً متضمناً مشواره الفني ولقطات من أشهر
أعماله. وصدحت المطربة نسمة محجوب بأغنية عن السينما تضمنت مقطعاً
عن الفنان الراحل على خلفية موسيقى مسلسله الشهير «رأفت الهجان».
اختير «يوم للستات» ليكون فيلم الافتتاح، وهو من إنتاج وبطولة
الفنانة إلهام شاهين وشاركها بطولته محمود حميدة وفاروق الفيشاوي
ونيللي كريم وهالة صدقي وتأليف هناء عطية والإخراج لكاملة أبوذكري،
ويدور حول افتتاح حمام سباحة في أحد الأحياء الشعبية وتخصيص يوم
للستات، ويعتمد الفيلم بشكل أساسي على البطولة الجماعية.
وقالت إلهام شاهين: «إنها لم ترغب بإنتاج فيلم تجاري، بل أرادت
استعادة زمن الفن الجميل، وقد استغرق خروجه للنور 6 سنوات، وأكدت
أن الفيلم سيُعرض بدور السينما في منتصف كانون الأول (ديسمبر)
المقبل».
وكالعادة لم يكتف المهرجان بعروض سينمائية فقط، إذ كانت هناك ندوات
ونقاشات وتظاهرات فنية تعقد على هامش المهرجان منها احتفالية كبرى
بالمسرح المكشوف بالأوبرا باسم «صانع البهجة»، تأبيناً للفنان
محمود عبدالعزيز، بحضور لفيف من الفنانين والشخصيات العامة، كما
عقد على هامش المهرجان عدد من الندوات أبرزها عن «التشريعات
السينمائية» وأخرى حول «السينما الصينية».
وعقدت ندوة حول فيلم «جمهورية ناصر... بناء مصر الحديثة» الذي عرض
ضمن البانوراما الدولية للمخرجة الأميركية ميشيل غولدمان، شارك
فيها وزير الإرشاد القومي «الإعلام» في عهد عبدالناصر محمد فايق
والذي شغل أيضاً منصب مستشاره للشؤون الأفريقية والآسيوية. ويعرض
الفيلم حياة الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي قاد العام 1952
انقلاباً عسكرياً تحول في ما بعد إلى ثورة، ويعرض الفيلم مواجهته
للهيمنة الغربية الخارجية، و»مواجهة الإسلاميين بالداخل».
كما أقيم على هامش المهرجان ملتقى القاهرة السينمائي في الفترة من
(18 إلى 20 تشرين الثاني – نوفمبر) وهو أحد البرامج الموازية
بالمهرجان، يهدف إلى تشجيع صناع الأفلام، وأعلنت جوائزه الأحد
الماضي وأسفرت عن حصول المخرج الأردني يحيى العبدالله على الجائزة
الأولى عن مشروع «بيبونة فوق سطح الخزان». وتوجت المخرجة المصرية
هالة خليل بجائزة أفضل مشروع فيلم مصري عن مشروع «شرط المحبة». أما
جائزة خدمات ما بعد الإنتاج فقد فاز بها المخرج المصري أمير
الشناوي عن مشروع «الكيلو 64». بينما حصلت المنتجة اللبنانية جانا
وهبة على دعوة لحضور ورشة المنتجين في مهرجان روتردام السينمائي
الدولي «مُقدمة من مركز السينما العربية» عن مشروع «بيروت المحطة
الأخيرة». وفاز المخرج اللبناني إيلي كمال بجائزة تصحيح الألوان عن
مشروع «بيروت المحطة الأخيرة». أما جائزة باريس فيلم لتطوير
السيناريو، ففاز بها المخرج صلاح ناس عن مشروع «خمسة أيام مهلة»
(لبنان والبحرين). وحصل المخرج التونسي مهدى برساوي على جائزة
المشاركة بمنصة بيروت السينمائية عن فيلم «ابن».
بينما أبدى الجمهور الذي حضر ندوة أعقبت عرض الفيلم المجري «قتلة
على كراسي متحركة»، الذي يشارك في المسابقة الرسمية إعجابهم بأبطال
الفيلم الذين كانوا من متحدي الإعاقة، ويدور الفيلم حول قصة تجمع 3
أفراد تورطوا في العمل مع إحدى عصابات مافيا. والفيلم مقتبس عن قصة
حقيقية.
وشهد عرض فيلم الصربي «على درب التبانة» الذي يشارك خارج المسابقة
الرسمية وتقوم ببطولته النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشي. إقبالاً
كبيراً من جمهور، نظراً لأن بيلوتشي تحظى بشعبية جارفة بين الجمهور
المصري. الفيلم إخراج المخرج الصربي أمير كوستوريتسا وتلعب بيلوتشي
دور عميلة سرية من أب صربي وأم إيطالية.
عام على رحيل مصطفى المسناوي
ضمت فعاليات المهرجان أيضاً «أسبوع النقاد» الذي أقام حفلاً
بالتعاون مع جمعية نقاد السينما المصريين والجمعية المغربية لنقاد
السينما لتكريم وتأبين الكاتب والناقد المغربي مصطفى المسناوي
(1953 - 2015) الذي وافته المنية العام الماضي بالقاهرة أثناء
انعقاد فعاليات الدورة الـ 37 إثر أزمة قلبية مفاجئة، وشارك في
التأبين رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما خليل الدمون والمدير
الفني لمهرجان الرباط السينمائي حمادي كيروم، ورئيس جمعية نقاد
السينما المصريين محسن ويفي، بالإضافة إلى مدير أسبوع النقاد أحمد
حسونة، حيث تم عرض السيرة الذاتية للمسناوي وإسهاماته وأعماله.
وإلى جانب العروض والتظاهرات السينمائية، شكل المهرجان رافداً
ثقافياً عبر عدة كتب تم إصدارها من قبل المهرجان أو برامجه
الموازية وكان منها:
كتاب «سينما محمد خان... البحث عن فارس» تأليف الناقد محمود عبد
الشكور، الذي كتبه في حياة خان وكان على وشك الإصدار، ثم أضاف إليه
فصلاً آخر عندما داهمه خبر رحيله باسم «حكاية وداع»، ووصف
عبدالشكور خان بأنه كان مصاباً بفيروس «عشق السينما» وذلك خلال
الندوة التي عقدت على هامش فعاليات المهرجان. الكتاب يتناول حياة
المخرج الراحل وأفلامه عبر 224 صفحة تبدأ بفصل «حكاية حب خان
للسينما» تنتهي بفصل «حكاية الوداع».
وهناك كتاب «ربيع السينما العربية» للناقد سمير فريد الصادر عن
مسابقة آفاق السينما العربية – أحد البرامج الموازية بالمهرجان –
وشهدت ندوة مناقشة الكتاب حضوراً واسعاً من المتخصصين والنقاد.
ويحمل الكتاب أبعاداً سياسية يطرح من خلاله الكاتب موقفاً مفاده أن
«الثورات التي حدثت في الوطن العربي كانت ربيعاً على رغم ما شابها
من مآسٍ لأنها فكرة تنطوي على التغيير الحقيقي، وأشبّه هذا الربيع
بسقوط «جدار برلين» ويعرض فريد في الكتاب احتفاء المهرجانات
السينمائية الكبرى مثل «كان وفينيسيا وبرلين» بالربيع العربي
متناولاً بالنقد والتحليل الأفلام التي تسنى له مشاهدتها في هذه
المهرجانات أو غيرها.
ويعد كتاب الناقد الفرنسي جان ميشيل فرودو «نظرة على السينما
الصينية» والذي كتبه خصيصاً للمهرجان جسراً للتعرف إلى السينما
الصينية، يوضح خلاله ثراء صناعة السينما هناك، ويصنف تاريخ السينما
الصينية إلى سبعة أجيال عارضاً أهم موضوعاتها ومخرجيها وصانعيها،
وتُرجم الكتاب إلى العربية والإنكليزية.
بينما جاء إصدار المهرجان كتاب عن «شكسبير في السينما» تأليف
الناقد عصام زكريا في إطار احتفال المهرجان بالذكرى الأربعمئة
لرحيل الأديب البريطاني وليم شكسبير، وتمت مناقشة الكتاب خلال ندوة
بعنوان «شكسبير والسينما... رجل لكل الفنون». بالإضافة إلى عرض
مجموعة من الأعمال السينمائية المقتبسة عن مسرحياته وذلك بالتعاون
مع المركز الثقافي البريطاني بالقاهرة. كما أصدر المهرجان كتاباً
عن الفنان المصري أحمد حلمي أحد المكرمين في المهرجان بعنوان «أحمد
حلمي خارج السرب»، تأليف الناقد طارق الشناوي.
إشادات وانتقادات
شهد التواصل الإعلامي مع المركز الإعلامي للمهرجان مع الصحافيين
قصوراً واضحاً، هناك من سجل ولم يصدر له «كارنيه»، والبعض لم تصله
البيانات الإعلامية حتى أولئك الذين سجلوا البريد الإلكتروني الخاص
بهم على الصفحة الرسمية للمهرجان، وشهد حجز التذاكر للأفلام
المعروضة شرطاً مجحفاً حيث حددت حضور السينمائيين بفيلمين فقط على
مدار اليوم، وثلاثة أفلام يومية للصحافيين، على رغم أن رواد
المهرجان يرغبون بالأساس في متابعة أكبر عدد من الأفلام لا سيما
أنهم من المتخصصين ولن يتسنى مشاهدة هذه الأفلام مرة أخرى لأن
أغلبها لا يتم عرضه تجارياً في مصر بل من خلال المهرجانات
السينمائية فقط.
كشف اختيار الصين لتكون ضيف شرف المهرجان هذا العام للجمهور المصري
أن الصين تمتلك صناعة سينمائية عريقة فقد خرج أول فيلم صيني في
العام 1905، ولم يتسن لنا التعرف إليها لأن السينما الصينية غائبة
عن العرض في مصر والعالم العربي على رغم أنها ضيف دائم ومنافس عتيد
في المهرجانات الدولية وتتوج بجوائز عدة، وقامت إدارة المهرجان
بعرض 20 فيلماً من السينما الصينية تمثل جميع مراحلها لكن من
المآخذ هو اقتصار الترجمة العربية على أفلام قليلة منها، بينما تم
الاكتفاء بترجمة ما يقارب 15 فيلماً آخر إلى الإنكليزية والفرنسية
من دون العربية ما شكل عقبة على الجمهور في متابعتها وهو ما عللته
إدارة المهرجان بضعف الإمكانيات المادية حالت دون ترجمتها إلى
العربية لأن المهرجان يتحمل كلفتها. فاللغة هي جسر التواصل وغيابها
يؤثر بالتأكيد في الحضور والمشاركة وتكرر الأمر مع الأفلام
المعروضة في أسبوع النقاد حين غابت ترجمة الأفلام.
«مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» هو واحد من بين 14 مهرجاناً هي
الأهم على مستوى العالم، كما أنه المهرجان الأوحد في منطقة الشرق
الأوسط وأفريقيا المصنف أنه «دولي ومن الفئة «أ» بحسب تصنيف اتحاد
المنتجين الدولي. وبينما يطالب نجوم السينما المصرية على الدوام
الدولة ووزارة الثقافة المصرية بدعم صناعة السينما والتدخل في
الإنتاج السينمائي، إلا أنهم أنفسهم يحجمون عن تقديم الدعم المعنوي
لهذه الصناعة عبر الغياب عن دعم المهرجان بحضور فعاليات تظاهرتها
السينمائية الأكبر، وهو ما لن يكلفهم سوى اقتطاع سويعات قليلة من
وقتهم.
وعلق الناقد الفني طارق الشناوي إلى الحياة قائلاً: «إن هناك
أفلاماً مهمة تم عرضها خلال المهرجان». مضيفاً: «لا شك أن هناك
طموحاً كبيراً لدى إدارة المهرجان ومحاولة لتغيير النمط عن طريق
اللجوء لاستخدام الوسائل التقنية الحديثة لحجز تذاكر العروض، لكن
الأمر لم يخل من أخطاء واضحة لم يتم تداركها لكن في كل الأحوال هي
محاولة لا بأس بها»، وأوضح: «كان ينبغي أن يوفر المهرجان عروضاً
صحافية كالمهرجانات الأخرى، بحيث تكون هناك أفلام يمكن حضورها من
خلال البطاقة الصحافية كما هو متبع في جميع المهرجانات». وتابع
الناقد الفني: «هناك مشاركة مصرية عبر فيلمين هما «يوم للستات»
وأراه ذا مستوى معقول والآخر هو «البر التاني» ولم يكن يرقى للعرض
في مهرجان القاهرة لكنني أعلم جيداً أن المهرجان لم تتوافر له
مساحة اختيار ملائمة لأنه يأخذ «بواقي المهرجانات العربية» لأن
صانعي الأفلام يفضلون الذهاب إلى المهرجانات العربية لا سيما
الخليجية منها حيث تكون الجوائز مادية مرتفعة القيمة. |