كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

بعد سبعين عاما من التألق

يوسف العاني يترجل

العرب/ عواد علي

عن رحيل

فنان الشعب

«يوسف العاني»

   
 
 
 
 

بعيدا عن وطنه العراق وأهله وأحبته، رحل الرائد المسرحي فنان الشعب يوسف العاني الاثنين في المستشفى العربي بالعاصمة الأردنية عمّان عن عمر يناهز التسعين عاما، إثر تدهور حالته الصحية ودخوله في غيبوبة قبل نحو شهر، بعد تجربة إبداعية رائدة مثلت أهم التجارب المسرحية العراقية والعربية سواء في التأليف أو التمثيل.

فقد المسرح العراقي والعربي برحيل المسرحي العراقي يوسف العاني الاثنين بعمان، رمزا فذا ترك أثرا عميقا من خلال نصوصه المسرحية التي غاصت عميقا في قضايا وهموم شعبه وعذاباته، والأدوار التي مثلها طوال سبعين عاما.

واصل العاني إبداعه المسرحي طوال سبعين عاما منذ اعتلى خشبة المسرح لأول مرة وهو عمر طويل مليء بالإنجازات والمعاناة والمسرات والانكسارات، وتاريخ جمعي ينوء بحمله فرد واحد في هذا العصر المتلاطم الأمواج والصراعات والأهوال. لذلك لُقّب بـ”فنان الشعب”، و”مولير بغداد”، و”سنديانة المسرح العراقي”، و”الفنان الرائد”. وباللهجة العراقية كان يشبّهه البعض من المسرحيين من الأجيال التالية لجيله بـ”الأبّي”، وهي لفظة تعني أنبوب الماء الرئيسي الذي يغذي أنابيب المياه في المنازل والمباني، كناية لما يمثله من دعامة أساسية في مسيرة المسرح العراقي.

موهبة مبكرة

كان عمر العاني سنة 1944، حين مثّل، أول مرة، مسرحية في فصل واحد من تأليفه وإخراجه، لا يتجاوز السابعة عشرة، فيا لها من موهبة تفتّحت في سن مبكرة، ونمت بمرور الأيام والأشهر والسنوات حتى أصبحت واحدة من أهم المواهب في تاريخ المسرح العراقي والعربي، وصار صاحبها رمزا كبيرا من رموز الثقافة العراقية، وشاهدا حيّا على مخاضها وتحولاتها، وعلما بارزا بين مبدعي جيله الخمسيني كالسياب والبياتي والملائكة وجواد سليم وفائق حسن وإبراهيم جلال وغائب طعمة فرمان، وغيرهم. وقد صدق عبدالرحمن منيف حين أشار في تقديمه لكتاب العاني “شخصيات وذكريات” إلى دوره في أن يكون صلة وصل في ما انقطع ثقافيا وفنيا ووجدانيا بين المثقفين والفنانين العرب.

وتشير سيرة العاني إلى أنه ولد في جانب الكرخ من بغداد عام 1927، وقد صحا ووجد نفسه يتيما بلا عطف أو حنان، غريبا متنقلا بين بيوت أقربائه، فكان اليتم والغربة يحفزانه على أن يكون شيئا فإذا به، وهو في الرابع الابتدائي، يصعد إلى مسرح المدرسة ويؤدي دورا تمثيليا، ويعجب به معلمه ويقول له “ستصل إلى مسرح المدينة يوما..”، وصفق له التلاميذ وانتشى، وترسّبت الشهرة في أعماقه. وفي طفولته أيضا رأى منطقة الكرخ ببغداد مسرحا مفتوحا، فقراء، أغنياء، من طبقات شتى، ثم رآه يعج بالمفارقات وبعجائب الاختلاف، وقام وهو فتى بصنع مسرح شعبي على دكة كبيرة في زقاقهم، وجعل أبناء محلته يمثلون، وعرف في ما بينهم بيوسف البهلوان، أو الممثل على الطبيعة. وكانت في زاوية على دجلة علوة (سوق مركزي للخضار) كبيرة لأعمامه ارتكن فيها ركنا، وهيأ مسرحا مرحليا مثل عليه شباب مسرح ذلك العهد.

دخل يوسف العاني عالم التأليف المسرحي في أوائل الخمسينات من القرن الماضي حين كتب مسرحية “راس الشليلة” عام 1951، على الرغم من محاولاته السابقة التي لم تحظ باهتمام الدارسين. ويماثل ظهوره في العراق، كما يرى علي الراعي وغيره من الباحثين، ظهور توفيق الحكيم في مصر، وسعدالله ونوس في سوريا، كونه كاتبا لم تتوافر له الموهبة وحسب، بل توافر أيضا شيء يليها في الأهمية وهو استمرار الإبداع، وزاد عليهما شيء آخر مهم وهو معاناة التجربة المسرحية من زوايا أخرى غير التأليف، وأهمها التمثيل، فهو أقرب من غيره إلى مفهوم رجل المسرح، إذ يجمع بين ركنين من أهم أركان العملية المسرحية، التأليف والتمثيل.

ويعترف العاني بأنه بدأ التمثيل مقلدا ومعجبا بممثلين معروفين في مرحلة مبكرة من سيرته، فاستهواه يوسف وهبي، أول الأمر، ثم ثار عليه وعلى طريقته الأدائية، وتعلق بأسلوب الريحاني، وحين نضجت تجربته وتهيّأ له أن يزور ثلاثة أرباع مسارح العالم تعلم كثيرا، واكتشف وأسس مسرحه الخاص به “فرقة المسرح الفني الحديث” مع إبراهيم جلال وعبدالرحمن بهجت ويعقوب الأمين.

نصوصه المسرحية

كتب العاني خلال نصف قرن 38 نصا مسرحيا أشهرها: راس الشليلة، ست دراهم، آني أمك يا شاكر، فلوس الدوة، لو بسراجين لو بالظلمة، الغذاء لا الدواء، صورة جديدة، المفتاح، الخرابة، الشريعة، الجومة، الخان، ونجمة. ويكشف في النص الأول “راس الشليلة” عن الفساد الإداري في الدوائر الحكومية في بداية الخمسينات من القرن الماضي بأسلوب يشبه أسلوب التمثيلية الإذاعية، ويجمع فيه بين العرض الواقعي والمنحى الكوميدي، هادفا إلى نصرة المظلومين البسطاء من أبناء الشعب على خصومهم ومستغليهم.

ويعمق في نص “ست دراهم” من نقده الاجتماعي للبعض من الفئات التي لا يستغني الناس عن خدماتها، فيقدم نموذجا سيئا لشريحة الأطباء مُدينا غطرسته ولا إنسانيته المتمثلة بإصراره على الحصول على ستة دراهم من أحد المرضى المراجعين لم يكن يملكها، فيضطر المريض إلى الذهاب بحثا عنها، لكنه قبل أن يغادر العيادة يلتقط من مكتب الطبيب بطاقة دعوة لحفلة ساهرة كان الأخير قد تعب في الحصول عليها، ثم يعود حاملا الدراهم الستة ليعطيها للطبيب، ويرمي عليه البطاقة وقد مزقها انتقاما منه.

ينتقل العاني في نص “آني أمك يا شاكر” إلى المسرح السياسي متأثرا برواية مكسيم غوركي الشهيرة “الأم”، حينما يجد أن أحداثها قد امتزجت مع حدث وقع في العراق وهو غياب ابني سيدة، الأول “شاكر” مقتولا على يد المحتلين، والثاني مقتولا في السجن بسبب موقفهما الوطني. ويصور النص بطولة المرأة (الأم وابنتها وجارتها) ووعيها السياسي المتقدم، وإرادتها القوية في مواجهة السلطة الغاشمة والانتهازيين الذين يقدّمون مصالحهم على قضايا الوطن المصيرية. ويصف علي الراعي هذه المسرحية بأنها قُدّت من فولاذ، لكنه يعيب عليها طابعها الميلودرامي لأنها تعرض صورة مثالية لشخصياتها في وضوحها وشفافيتها: الأخيار أخيار تماما، والأشرار أنذال حتى النهاية.

وفي نص “المفتاح” يخطو العاني خطوات متقدمة في كتابة مسرحية ذات بناء درامي حديث مستثمرا التراث الشعبي من خلال أغنية فولكلورية شائعة لها نظائر في بلدان عربية كثيرة. بطلا المسرحية هما الزوجان حيران وحيرى اللذان يخرجان، ومعهما نوار الذي يسايرهما من دون قناعة، في رحلة بحث عن ولد يتمتع بضمانات كافية، فيكتشفان أنهما يسعيان وراء وهم ليس إلاّ، فالجدود عند أطراف عكا لا يملكون غير وعد بكعكة لا تنتهي أبدا، وثوب لا يخلق. ويأخذ الزوجان الكعكة والثوب ويضعانهما في صندوقهما، ثم يكتشفان أن الصندوق يحتاج إلى مفتاح، والمفتاح عند الحداد، وهذا يريد نقودا لكي يعطيه لهما والنقود عند العروس، وهذه في الحمام، والحمام يريد القنديل، والقنديل في البئر، والبئر يحتاج إلى حبل، والحبل معلق في قرن الثور، والثور يريد الحشيش، والحشيش في البستان، والبستان يحتاج إلى المطر، والمطر من عند الله.

فكلما حاول الزوجان الحائران أن يجتازا واحدة من تلك المراحل يُصابان بخيبة أمل، فالعروس ترفض أن تعطيهما النقود، والبئر يطالبهما بأن يتعبا من أجل الحصول على الحبل.. وتنتهي رحلتهما بالحصول على المفتاح، لكنهما يجدانه فارغا! والعبرة من ذلك، كما يقول نوار، إن الإنسان لا يحصل على هدفه بالتعب فقط، بل بالطريق الذي يسلكه لتحقيقه، ووسط هذه الخيبة تفاجئنا حيرى بأن الطفل الذي يبحثان عنه موجود في أحشائها، لقد حملت به منذ مدة، لكنها أخفت حملها حتى يفتحا الصندوق. وما دام الطفل/ الهدف موجود، فإن عليهم، حيران وحيرى ونوار، أن يركضوا لمواجهة الموقف الجديد. وتنتهي المسرحية وكل الشخصيات تركض، دلالة إلى انحياز النص إلى المستقبل.

يختلف نص “الخرابة” تماما عن نص “المفتاح”، فها هنا يكشف العاني عن تمثّله للاتجاهات المسرحية المعروفة في المسرح العالمي: الملحمي، والوثائقي، والشعبي، ومسرح العرائس في نسيج درامي يكشف من خلال الإيحاء عن الخراب الذي يلف حياتنا، فثمة شخصيات عديدة محلية وعالمية قديمة وحديثة اختارت طريق الخير والصدق والنضال لمواجهة قوى الظلام والبشاعة عبر تداخل مواقف درامية متباينة في الزمان والمكان، وبأسلوب أقرب إلى الفانتازيا التي تمزج بين الواقعي والتاريخي من جهة والسحري والأسطوري من جهة أخرى. وتُعد هذه المسرحية من أكثر مسرحيات العاني ولعا باللعب الدرامي، وميلا إلى تناول قضايا إنسانية كبيرة وشائكة، خاصة أنه كتبها في مرحلة شائكة من مراحل الصراع بين القوى العالمية المتنافرة.

العالم الشعبي

ويعود العاني بعد هذه التجربة المثيرة إلى عالمه الشعبي الذي يتقن أسراره وخباياه، إنه عالم “الخان” في مرحلة الأربعينات من تاريخ العراق بأجوائه وشخصياته الحافلة بالحيوية والنبض الإنساني والوطني، وفي مقدمتها الحمال ذي النفس الصافية والقلب الكبير جاسم الملقب بـ”جاسم “أبوالحياية”، أي الأفاعي، وفي محيطه شخصية نجمة، بائعة البقول، المهمومة، طيبة القلب، الشامخة، الشهمة، التي لا تنسى من وقف إلى جانب زوجها المتوفي أيام محنته، وخاصة عباوي، فتطعمه وترعاه وتحافظ على كرامته، والأستاذ منير، الطالب في كلية الحقوق، الذي يسكن إحدى غرف الخان، ويمثل الفكر السياسي التقدمي.

وإلى جانب هذه الشخصيات الخيرة ثمة شخصيات سلبية مثل: حميد، الجابي، الذي يدلس في الحساب، وملاّ سلمان الكاتب وشاعر المناسبات الانتهازي، وصاحب الخان، العم صلاح، الذي يتنصل عن دوره الوطني على الرغم من كونه تاجرا شريفا يرفض الاتجار بقوت الشعب، ومأمور الاستهلاك الذي يحاول أن يحمل صاحب الخان على التدليس في توزيع التموين من أجل الثراء، شريطة أن يكسب هو هذا الكسب الحرام.

ويشكل الخان في هذه المسرحية رمزا للمجتمع العراقي في الأربعينات بما يموج به من صراعات. لقد وقف يوسف العاني في هذه النصوص المسرحية على مفاصل حيوية في بنية المجتمع العراقي خلال العهود السابقة برؤية تقدمية وأشكال درامية عديدة، وحاول أن يجيب على أسئلة يطرحها العصر والضمير الإنساني تعبيرا عمّا يشهده العالم من صراعات وتضارب في المصالح.

####

رحيل العراقي يوسف العاني أحد رواد المسرح العربي

العرب/ عمان-

الموت يغيب المسرحي والفنان العراقي يوسف العاني بعد صراع طويل مع المرض وحياة حافلة في إثراء حركة المسرح العربي.

غيّب الموت الفنان والمسرحي العراقي يوسف العاني، الإثنين، عن عمر ناهز 89 عاما تاركا وراءه إرثا كبيرا من الأعمال المسرحية والإبداعية التي تخلد ذكراه.

ويعد العاني واحدا من رواد المسرح العربي، حيث له العديد من الأعمال المسرحية التي تناولت الوضع العربي والعراقي على وجه الخصوص.

والعاني من مواليد عانة الأنبار عام 1927، وهو مخرج وممثل عراقي مارس الكتابة النقدية في خمسينات القرن الماضي، وله العديد من المؤلفات وكتب أكثر من 50 مسرحية طويلة أو من فصل واحد.

وكان العاني قد غادر بلده إثر الاحتلال الأميركي عام 2003 ليستقر في العاصمة الأردنية عمان قبل أن يوافيه الأجل.

ومن أعماله مسرحية "القمرجية" و"مع الحشاشة" و"طبيب يداوي الناس" التي كتبها عام 1948 وهو لا يزال طالبا في كلية الحقوق بجامعة بغداد.

وكانت للمسرحي الراحل إسهامات واضحة في السينما العراقية، حيث ساهم في فيلم سعيد أفندي عام 1958، وكتب قصة وسيناريو لفيلم "أبوهيلة" 1962.

وشارك في مهرجانات عربية أبرزها تكريمه في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون 2001، كما شارك في المسرح التجريبي بالقاهرة 1989 وكان رئيسا لهيئة تحكيم الدراما في المهرجان العالمي للتلفزيون عام 1988.

ونال العاني جائزة الشارقة للإبداع المسرحي في دورتها الثامنة 2014 تقديرا واعترافا بدوره الكبير في إثراء حركة المسرح العربي خلال مسيرة امتدت لما يزيد عن 60 سنة.

وفي العام 1987 تم تكريمه في أيام قرطاج المسرحية كرائد مسرحي عربي وتم منحه بطاقة شرفية من اتحاد الممثلين المحترفين في تونس.

كما ترأس في العام 1981 لجنة تحكيم مهرجان التمثيلية التلفزيونية الأول بتونس. وعضو لجنة تحكيم مهرجان الشباب السينمائي بدمشق 1972.

  [نُشر في 2016/10/10، العدد: 10420، ص(14)]

العرب اللندنية في

11.10.2016

 
 

رحيل الأستاذ

علي حسين

بعيداً عن وطنه يرحل يوسف العاني ، بعيداً يغيب وهو يستحضر وجوهاً وشوارع واحداثاً وعادات لاتمحى.. بعيدا يموت المسرحي الكبير، ابن بغداد وصورتها النقية ومرآتها التي انعكست فيها همومها وأحلامها، بعيداً يجلس لكنه حتما هو اقرب منا الى أزقة مدينته وناسها .

فحياته وأعماله جزء من تفاصيل واقع وتاريخ تتغلب فيه الذاكرة على النسيان والوطن على المنفى، من بعيد ينظرالكاتب الذي نسج ملحمته الوطنية وقال حكمته وهو اشد ثقة بنفسه وكلماته التي تخترق الواقع بلا أوهام اوأكاذيب لأنها معنية بالانسان، انساننا العراقي بنبضه ودمه، بمسيرته الشاقة وخبرته أمام الأحداث بتفاصيل حياته وأحلامه المنكسرة . فمن منا لايتذكر (دعبول البلام) و(ام شاكر) و(نوار) و(حيرة) و(الخان) بشخصياته العديدة التي اصبحت وكانها تعيش بيننا بملاحمها التي نعرفها وعذاباتها التي لاتزال تنشد الخلاص .

ولد يوسف العاني عام 1927 في محلة سوق حمادة وهي محلة فقيرة من محلات بغداد ، وقد اسهمت هذه البيئة المليئة بالأجواء الشعبية في تأسيس البدايات المؤثرة في تكوين العاني وفتحت وعيه بالمكان بأناسه وتفاصيل الحياة فيه، وليس من شك في ان علاقة يوسف العاني بالمكان الذي ولد ونشأ فيه علاقة انسان عاش حياته وتشرب تفاصيلها اليومية وتشبع هموم الناس وآمالهم حتى غدت معرفته بالمكان معرفة الخبير الذي وعى اشكالاته وادرك متطلبات ناسه .. ويبدو ان هذه الحياة اتاحت له معرفة مبكرة بواقعه وطبيعة مجتمعه..

لقد خبر الأحياء البغدادية خبرة وافية واستطاع ان يعي سلوك انسانها واوجاعه وتطلعاته وحمل خبرته هذه التي ترسبت في وعيه وكانت مخزونا غنيا ومادة لأهم اعماله المسرحية التي كتبها لاحقا وبالاخص ثلاثيته الشهيرة(الشريعة - الخان - الجسر) التي ارخ فيها مرحلة حاسمة من مراحل تاريخ العراق تلك المتمثلة بفترة الاربعينات والخمسينات وما انعكس من تاثيرها في تاريخ العراق السياسي وفي حياة الشعب العراقي وايضا في وعي يوسف العاني ورفاقه من الكتاب حين بدأت ملامح الغضب وعدم قبول مايتعرض له الشعب من اضطهاد ..

فالعاني وجيله الذي ينتمي اليه فتحوا أعينهم على احتلال لبلادهم خلق اوضاعاً غير معهودة فكان من الطبيعي ان يتعمق وعيهم بما حولهم وان تزداد درجة تحسسهم لما يمر به المجتمع من حركة وتغيير واستقبال للافكار والتيارات الجديدة، في هذه الأجواء بدأت الممارسات الاولى في الكتابة عند العاني فقد اخذ يكتب المسرحيات القصيرة ذات المشهد الواحد وهي المسرحيات التي اتسمت باعتمادها على الألفاظ الساخرة وعلى المفارقات الحياتية. هذه البداية كانت الأسلوب الذي اعتمده العاني فيما بعد في كتاباته المسرحيات الطويلة، واعني به اسلوب البحث عن المفارقات الاجتماعية التي تحمل موقفا انتقاديا من ظاهرة ما وايضا كانت تأسيساً واضحاً للاتجاه الواقعي الانتقادي في المسرح العراقي لكن هذا الميل لكتابة المسرحيات القصيرة سرعان ماتوقف بعد محاولات كتابية اشبه ماتكون بالمسرحيات ذات الفصل الواحد والتي توجها بمجموعته (راس الشليلة) التي تكاملت فيها رؤيته الفنية وتوضحت اهداف المسرح الذي يريد ان يقدمه للناس. وقد اظهرت هذه المسرحيات ان المؤلف منحاز للقضايا التي تخص الطبقة الفقيرة فالشخصيات تعاني الفقر وتشعر بالظلم الاجتماعي ومن خلال هذه المجموعة المسرحية استطاع العاني ان يرسم صورة كاريكاتورية للنظام الحاكم في الخمسينات وان يضع الجهاز السياسي للدولة هدفا للنقد وان يصور العلاقة المختلفة بين الحاكم والمحكوم في مجتمع ينخر فيه الفساد.

ليس مصادفة ان يترك هذا الرائد المسرحي متطلبات المسرح الكلاسيكي ليستعين بشيء اشبه بمفردات الحياة اليومية في وصف العالم المحيط به ليستخلص رموز الحياة من التفاصيل الصغيرة والحركات البسيطة والشخصيات الأليفة والأفعال التي قد لايأبه بها احد وهو في هذا المنحى يشبه معلمه الكبير (برتولد برشت) في العودة بالمسرح الى منابعه الاولى حيث البساطة المقترنة بالعمل الذي يصنع الحياة والجمال الذي لايتولد الا من تفاصيل عوالم المهمشين ..

ويبدو ان اعجاب العاني بمسرح برشت خصوصا في مسرحة التفاصيل استند الى توافق فكري يدعم المنحى الجمالي، فبرشت مناضل يساري تفجرت كلماته في سياق التمرد على الفاشية والنازية وقد جلبت عليه اعماله المسرحية نقمة النازيين الذين منعوا عرضها ونشرها وشرّدوا كاتبها سنوات طوال. وقد عانى العاني بسبب افكاره والتزامه على امتداد السنوات التي عاشها في وطنه وعرف مذاق السجن مثلما عرف حياة المنافي التي لم تنته بعد ويبدو انها لن تنتهي في وقت قريب لأن آلامها امتزجت بمعتقدات صاحبها الذي مضى ابداعيا في طريق اشبه بطريق برشت سواء في الالتزام السياسي النابع من المبادئ نفسها او الرؤية الجمالية التي انحازت الى عملية استنباط المعاني الكبيرة من التفاصيل الصغيرة.

ناسها المألوفون ولوازم حياتهم المهمشة. ومع هذا المسرح المغاير يبدو العاني حاد البصر والبصيرة غير غافل عن فائدة المفارقة التي تقترن بالسخرية والمعارضة او المحاكاة التهكمية محاولا شدنا الى المستقبل حيث يعبد العاني طريقا يتميز بخصوصيته الشديدة التي ابدعها عبر نصوصه المسرحية التي تقودنا الى ذلك العالم الغني الذي يتم بناؤه على تصورات من وجودنا في المكان والزمان والمشدود دائما بفيض من غناه الى معنى فعل الحياة المتمثل في فهم الكاتب لهذا الفعل والذي يؤكده دائما في اختياراته..

فعالمه يزدحم بصور الناس الذين يعشقون الحياة ويحملون على اكتافهم الحلم بحياة جديدة ويصنعون بوعي اسطورة حياتهم، مثل هذا العالم لايقدر على صياغته الا ذلك الكاتب الموهوب الذي خرج من قلب هذا العالم واكتسب مفرداته.

يرحل الاستاذ وحيداً تاركاً فينا ارثه العظيم فنانا ومبدعاً كاشفاً عن الروح العراقية حين تسعد وحين تحزن مقتحماً ذاكرتنا واثقاً من ان اعماله ونتاجاته ستبقى محل اعتزاز وطنه وفخر امته لأنها ستظل علامات مضيئة في تاريخ ثقافتنا الوطنية فما من باحث جاد يستطيع ان يتناول المسرحية العراقية دون ان يطل على (شريعة) العاني .

وما من ناقد يتجاسر على ان يتحدث عن محنة الانسان البسيط في الادب العراقي دون ان يدخل (خانه) الذي يفضي الى عوالمه الشعبية والمحببة الى النفس وما من مسرحي يمكن ان يغفل ان (المفتاح) كانت فتحا جديدا في المسرح السياسي العراقي. يموت الاستاذ بعيدا في منفاه الاختياري وهو يستذكر كلمات صديقه عبد الوهاب البياتي التي لاتموت

- يامن أغنيها

فتسألني لماذا لا أعود

لمَ تسأليني والليالي السود دونك والسدود.

المدى العراقية في

11.10.2016

 
 

رحل العاني.. وانطفأت أنوار المسرح العراقي

زينب المشاط

تضجُ هواتفنا رنيناً، عند الساعة الثانية من مساء يوم امس الاثنين، ليفجعنا نبأ رحيل زعيم المسرح العراقي يوسف العاني، لم يُفاجئنا الموت في خياراته، لقد اعتدنا على قدرته الانتقائية العالية باقتناص  أرواح عظيمة وقامات عراقية كبيرة.

ورغم أن هذا المدعو بـ " الموت " عُدّ حقاً علينا إلا إنه يؤلمنا فنحن مجبورون على الخضوع لهذا الحق وقبوله.

بين الكثير من المكالمات الهاتفية، والرسائل الالكترونية التي تلقيتها لتنقل لي خبر رحيل العاني، أثرت بي رسالة تقول " المسرح العراقي بأكمله رحل" وهنا نشعر بغصة كبيرة، فهل تُرى مسرحنا غائب؟ أم أنه غاب برحيل العاني؟ أم أن رحيل يوسف العاني كان سبباً بفقدان تاريخ المسرح أيضاً وليس فقط حاضره ومستقبله؟ ولكن لا غرابة بأن يحمل هذا اللقب فهو  الممثل والمخرج والكاتب المسرحي .

العالم كله كرم العاني محلياً وعربياً وعالمياً بجوائز كبيرة من بينها تكريم مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون  ضمن اسبوع المدى الثقافي لعام 2006، كمحاولة بسيطة لرد الجميل له.

إلا أن ما يؤلمنا أن رحيل العاني كان بعيداً عن وطنه، وجمهوره ومحبيه، وما يزيدنا ألماً أن المؤسسات الثقافية الحكومية العراقية لم تلتفت لهذا الرمز العراقي خلال فترة مرضه، وما يزيدنا ألماً واستغراباً أن هنالك قامات فنية عراقية كبيرة ترفض الحديث عن العاني، وترك كلمة أخيرة بحقه بعد رحيله

رحلة هارمونية

"رأينا فيك زمناً جديداً يدعو للارتقاء، وكنت أنت قصائد كل الشعراء، وكنت شمسا تتلألأ لتنير الأرض" ، هذا ما ذكره المخرج المسرحي صلاح القصب بحق العاني، وأضاف "يوسف العاني يا أمير الفضاء واللون، رحلتك في قارة المسرح كانت إشراقة عصرٍ مسرحي جديد مرت بمحطات متباينة هارمونياً ومشعة من مدار إلى مدار، ألهمتنا حباً أبدياً ومنها بدأ نشيدك المسرحي في  قراءات خالدة، الشريعة، صورة جديدة، الخرابة، الخان ، المفتاح، نجمة، زعفران، (آنه أمك يا شاكر). شواطئ ممتدة لوجعٍ إنساني، شخوصها كانت تحاكي هضبات ألمٍ مرتفعة بحثاً عن أمل، وكانت تغني من أعماقها، دعبول يغني في حانات بغداد يصدح بالمقام  وبزورقه يتجول في دجلة حاملا كل أوجاع الوطن، المفتاح رحلة أبدية بحثاً عن زمنٍ جديد، عن جغرافيا محررة من الخوف ، عن المستقبل الذي يبحث عنه حيران."

ووصف القصب العاني بأنه "النبع الصافي، وأنه من  تحلق في بهاء الشمس." مؤكداً" كلنا يتشوق إلى شعاع فكرك الذي يتحرك عبر ضمائر العراقيين ومصائرهم."

رسام الشخصيات الدرامية

سيظل  (يوسف العاني) أحسن من رسم الشخصيات الدرامية العراقية  وكان يميل دوماً لرسم الشخصية التي يمثلها بشكل دقيق وجذاب ويأخذ صفاتها من أناس مرّوا بحياته، مثل شخصية (دعبول البلام) في (الشريعة). وهنا يذكر الفنان سامي عبد الحميد قائلاً "لابد ان نذكر ان مسرحية (الشريعة) أخرجت مرتين الأولى في السبعينات مع قاسم محمد في مسرح بغداد، والثانية في المسرح الوطني مع فاضل خليل."

ويؤكد عبد الحميد "ان اعماله المسرحية ستظل  وثيقة فنية تاريخية ومرجعاً غزيراً للدارسين في الحقل المسرحي يمكن الاعتماد عليه، فهو يؤرخ مراحل عدة من حياة هذا الفنان القدير ومدى تعلقه بفنه الذي أفنى سِنيّ حياته في خدمته وخدمة الجماهير الكادحة التي انتمى إليها وراح يعبـِّر في مسرحياته عن معاناتها وعن نضالاتها من أجل مستقبل أفضل."

العصر الذهبي

واذ نودع فنانا بحجم يوسف العاني  فاننا نودع مرحلة كاملة من المسرح  الملتزم ذي الأصول المعاصرة لغة والتزاما وتوازنا وأسلوب تفكير ، الرافض لكل ما هو سائد ومكرور .
هذا ما أكده المسرحي الفنان فاضل خليل قائلاً" ان ما جعل العاني قريبا  من الناس بأنواعهم ، هو محاكاته لهم  بمختلف ثقافاتهم فأصبح له جمهوره الخاص والمعروف باسم "جمهور يوسف العاني"  لذلك وجدت بأني حين أستذكر يوسف العاني، لابد لي من استذكار المسرح العراقي في عصره الذهبي الزاهي الذي ساهم  العاني بوضع حجر الاساس له، غادرنا يوسف العاني  وتعتصره الغصة من ان المسرح العراقي  الذي شهد مجده ومجد زملائه يعاني من الاهمال  والانكار
."

المتجدد دائماً

لا يبدأ أيّ عمل من أعمال يوسف العاني، إلا ويحقق فكرة تجريبية جديدة، لا توجد له مسرحية تعيد نفسها أو تعيد فكرة لمسرحية سابقة، فالناقد ياسين الناصر يذكر قائلا "نكاد نحن المتتبعين لنشاط العاني  المسرحي أن نقيس فن التجديد في المسرح العراقي من خلال عدد من الفنانين والكتاب والممثلين وفي مقدمتهم يوسف العاني،  فإذا ابتدأنا منذ الخمسينات من مسرحيته الشهيره  (آنه أمك يا شاكر)، نجد أن الصوت الشعبي الممثل بالمناضل، كان هو الصوت الطاغي على الساحة الفنية والأدبية، وكان صوتاً يخرج من خشبة المسرح إلى الجمهور، ومن الجمهور إلى المجتمع."

عمو يوسف

أبناء العاني كُثر فهو المتبني لكثير من الفنانين في مجالهم ومن بينهم الفنانة سهى سالم التي قالت " الى رحمة الله فناننا الكبير  ، فبرحيلك تغيب عنا شوارع بغداد القديمة وازقتها .. ضحكاتك وحكاياتك عن الماضي الجميل التي لاتنسى وانت تسردها لنا وتستذكر وجوها لأناس ألفناها لاتعود يوما، وداعاً عمويوسف الى جنات الخلد."

يوسف العاني يغني

خسارة فادحة للمسرح العراقي، فالعاني الذي اجتمعت به الموهبة والفكر كان من أوائل المسرحيين الذين تداولوا حكايات البسطاء والمثقفين، وعمل في المسرح العراقي، والعربي والعالمي، في لبنان ومصر والمانيا وغيرها، وأجاد العاني أنى رحل، وفي كل ما قدمه، هذا ما ذكره الكاتب المسرحي عقيل مهدي متحسراً، وأشار:عندما قدمت مسرحية " البيك والسائق" قال النقاد المصريون " هذا العرض أيقظ المسرح المصري من سباته"، إضافة إلى ما قدمه من اعمال سينمائية ودرامية عريقة.

ولا ينسى المهدي عمله المسرحي عن العاني قائلاً " كان لي الشرف أن أقدم عمل مسرحي بعنوان " يوسف العاني يغني" والذي حضر فيه العاني ضيفاً وأخذ يبكي قائلاً ( انا متشتت بين حضوري كإنسان ومتابعتي العمل كفنان) وقد تناولت في هذا العمل نصوصاً مما قدمه العاني خلال كل اعماله المسرحية وكان بمثابة شكر لمسيرته."

وداًعا فنان الشعب 

الحديث عن الاستاذ الراحل يوسف العاني يطول كثيرا لو اردنا الخوض في تفاصيل كثيره فهو موسوعة عراقية فنية متنوعه فهو الفنان الرائد والناقد الكاتب والممثل المسرحي العملاق، حيث يؤكد الفنان والمخرج حسن حسني قائلاً "فتحنا اعيننا في بداية نشأتنا وكان العاني امامنا هرما كبيرا في المجال المسرحي والسينمائي وكنا ننظر اليه بشغف في نهاية الستينات وما بعدها لنتمتع بما يمتلكه من قدرات هائله في التمثيل المسرحي فهو المعلم بحق."
وأشار حسني "كلما تذكر السينما العراقية يذكر اسم فيلم (سعيد افندي) ويذكر اسم بطله يوسف العاني
."

خلدته النهاية

الموت حق ، هي هكذا دورة الحياة، بداية ونهاية، لكن النهايات تختلف، الفنان عزيز خيون يرى أن للعاني نهاية خالدة ويقول "يوسف العاني غادرنا جسداً، لكنه خالد في الزمن، بإنجازه المسرحي بخاصة والثقافي بعامة، خالد بيننا، يشًدُّ من أزرنا، وفي ذات الطريق، الذي اخترناه منذ البدايات الأولى، مسرحاً عراقيّاً، وثقافة عراقية."

وأكد خيون" يوسف العاني بيننا كاتباً وممثّلاً، وصحفياً ، وإداريّاً، ومثقفاً وطنيّاً، كان وما يزال."

المدى العراقية في

11.10.2016

 
 

فنان الشعب يوسف العاني.. عقود من العطاء الفني

علاء المفرجي

في اواسط السبعينات، وفي امسية صيفية، كنا مجموعة من الطلبة نخف الى حديقة نادي التعارف القريب من القصر الابيض انذاك، يوم كان هذا النادي مكاناً لأهم النشاطات الثقافية في بغداد.. والمناسبة أمسية يتحدث فيها يوسف العاني عن تجربته.. تكتظ الحديقة بضيوف الامسية، الذين لم تستوعبهم مقاعد الحفل، فقضوه وقوفاً، اما نحن فقد اعتلينا جدار النادي لنتابع تفاصيله.

هانحن اذن نحظى بلقاء يوسف العاني، وهذه المرة بشكل مباشر، لا عن طريق شاشة السينما او التلفزيون او خشبة المسرح، بالنسبة لي لم يكن يوسف العاني بالغريب.. فلطالما صادفته في ازقة الكرخ بلبوس اكثر من شخصية عايشتها في هذه المحلة العريقة.. ومنها والدي القريب الشبه منه.

اعتاد يوسف العاني ان يقتطع من التقويم يوما بعينه، يوقد فيه شموع الاحتفال، والغريب انه ليس يوم ميلاده.. اما التاريخ فهو الرابع والعشرون من شباط.. ففي مثل هذا اليوم قبل اكثر من ستين عاما، اعتلى العاني خشبة المسرح اول مرة، مؤرخا ولادته الحقيقية، ولادة مسرح عراقي اكتسب ملامحه المميزة وخصوصيته وتقاليده مع رهط من المسرحيين لينهضوا به متبوئاً مكانته العربية والعالمية، وهل لمؤرخ او دارس لمسيرة هذا الفن ان يغفل بصمات هذا الفنان الذي نذر نفسه متعبداً في محرابه؟

يوسف العاني ذاكرة جيل اشتهر بحبه للفن عند تخوم زمن كانت المجاهرة فيه لعنة، والعمل فيه خطيئة تستحق الرجم، فكيف اذا امتشق هذا الفن سيف التحريض والتغيير؟

ما زالت كلماته في تلك الامسية وهو يرد على من يدعي خروج المسرح عن جادته في الاذهان وهو يقول: ان المسرح العراقي بدأ ملتزماً وسيبقى.

فنان متعدد الاهتمامات، ذلك ان الفنان الحقيقي يسعى الى بلورة تصوراته بطرق عدة، فيكون شديد اليقظة مع وجود طاقة شديدة وحالة عالية من التوتر والاستثارة تدفعه الى المواصلة والاستمرار برغم العقبات ... مسرح، سينما، تلفزيون، كتابات نقدية يمارسها، وفي الافق هدف سام يأمل الامساك به من (سوق حمادة) في الكرخ ولم تنته المحاولة بعد.

يوسف العاني عالم تنوعت تضاريسه، وويل لرحالة يجوب فيه لا يتزود بمتاع الموضوعية والانصاف كي يستكشف غناه وعمقه ليخرج بخريطة تزدحم فيها الخطوط والمنحنيات بين مسرح رأس الشليلة، والبيك والسايق والنخلة الباسقة التي يتلذذ من طعم رطبها الجيران، وسينما سعيد افندي وابو هيلة، ويوم يوسف شاهين السادس، مروراً بالتلفزيون حيث ثابت افندي ورائحة القهوة.. وكتابات تناثرت في زوايا الصحف والدوريات تؤكد عمق التجربة ونقاء الانطباع.

واخيراً سفيرا تأبط اوراق اعتماده جوالا فوق العادة في المؤتمرات والملتقيات، ومتوجا كرائد من رواد المسرح العربي والافريقي في قرطاج.. صداقات وعلاقات كانت جسر محبة مع ملل واجناس مختلفة.

رحل العاني ورحلت معه سبعة عقود سمان في عطائها وسخائها ... مسرح، سينما، تلفزيون، كتابه.. تستحق ان تكون دروسا بالفن وحب الفن ...

رحل العاني وستطفأ انوار المسرح إجلالاً له.

المدى العراقية في

11.10.2016

 
 

وداعاً فنان الشعب (1927-2016)

ولد الفنان يوسف إسماعيل العاني في عام 1927م ، قف على المسرح ممثلا في 24 شباط 1944م في مسرحية بفصل واحد من تأليفه وإخراجه ضمن نشاط جمعية العلوم في الثانوية المركزية ببغداد ، ويعتبر هذا اليوم يوم ميلاده الفني . تخرج في كلية الحقوق دورة 1949 -1950 ، ومارس المحاماة لعدة سنوات. درس في معهد الفنون الجميلة – فرع التمثيل – لمدة أربع سنوات ، وكان الأول في كل الدورات ، وفصل في السنة الأخيرة عام 1952 لمواقفه الوطنية . عين معيدا في كلية التجارة والاقتصاد عام 1950 – 1951 للإشراف على النشاط الفني في الكلية وكانت هذه المسؤولية أول بادرة في تاريخ النشاط الفني الجامعي.

• ساهم بتأسيس فرقة المسرح الفني الحديث مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين المثقفين الشباب في 3 / نيسان / 1952م .

عين أول مدير عام لمصلحة السينما والمسرح التي أسسها عام 1960 رئيس المركز العراقي للمسرح التابع للمركز العالمي (I.T.I) اليونسكو. مثل عددا كبيرا من المسرحيات الشهيرة ،أبرزها : (النخلة والجيران) و(الخرابة) و(أضواء على حياة يومية) و(المفتاح) و(بغداد الأزل بين الجد والهزل) و(آني أمك يا شاكر) و(الملا عبود الكرخي) و(نفوس) و(الإنسان الطيب) و(الخان) و(ست دراهم) و(الشريعة) وغيرها من المسرحيات.

المدى العراقية في

11.10.2016

 
 

يوسف العاني غادر ولم يرحل!

د. طه رشيد

نحن جيل المسرح السبعيني، الذي انضم إلى مدرسة “فرقة المسرح الفني الحديث ، مسرح بغداد” في منتصف سبعينيات القرن الماضي، انا والشهيد دريد ابراهيم ورياض محمد وخليل الحركاني وحسن حنيص وغانم بابان وكافي لازم وعدنان يوسف واقبال محمد علي وعواطف نعيم وحميدة حمد ( وتبا للزمن الذي إنسانا جزءا من القائمة. .وعذرا منهم ) نفتخر ونعتز بان يوسف العاني كان معلمنا ومرشدنا.. وله دين كبير في رقابنا نحن المسرحيين، لانه بذل جهودا استثنائية كي يدخل المسرح إلى بيوت العراقيين، فادخل البسمة إلى قلوبهم والوعي إلى عقولهم حتى وصل الامر بان العوائل العراقية كانت تتقاطر على اعمال فرقة المسرح الفني الحديث (مسرح يغداد) ابان السبعينيات وكانت صالة المسرح تنفذ حجوزاتها لاسابيع مقبلة!

تعرضت فرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها العاني مع الراحل ابراهيم جلال عام 1952 إلى مضايقات عديدة من قبل الانظمة المتعاقبة وخاصة خلال فترة النظام السابق الذي كان يتهمها بالشيوعية . ومع اشتداد الهجمة على الشيوعيين بشكل خاص واليساريين والوطنيين بشكل عام في نهاية سبعينيات القرن الماضي بدأ عناصر الفرقة بالهرب الى خارج العراق الواحد تلو الاخر !

في مثل هذه الايام من عام 1978استقر بي المقام في الجزائر وكان بمعيتي زميلي عدنان يوسف فكتبت للراحل يوسف العاني شارحا له وضعي الجديد، فأجابني بسطور معدودة، إلا أنها واضحة الدلالة، حيث أشار لي بأن العديد من شباب الفرقة قد التحق معي في الغربة ثم ختم رسالته بهذه الكلمات” أما نحن فإننا ننتظر الاستثناء من القاعدة حتى يتعدل الاعوج”!

المصيبة ان “الأعوج” لم يتعدل وقاد البلد من حرب إلى أخرى ليزيد الخراب يوما بعد آخر، وهذا” الاعوج ” لم يسلم الوطن الا لمن هو اكثر اعوجاجا!

نم قرير العين ابا وسن فاننا سنثأر من كل” اعوج” بالفن وبالمسرح، واننا لن نبكيك لانك معنا في كل خطوة مسرحية نخطوها بالاتجاه الصحيح.

الصدى نت العراقية في

11.10.2016

 
 

يوسف العاني مات بعيداً عن بغداد

إنطفأ اليوم الفنان المسرحي العراقي يوسف العاني (1927 ــ 2016/ الصورة)، عن عمر يناهز الـ 89 عاماً، بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات عمّان. العاني الذي يعدّ من أبرز القامات الفنية العراقية، ترك إرثاً لا ينضب في مجالات عدّة أسهم فيها.ا لفنان الذي تخّرج عام 1957 من كلية الإدارة والإقتصاد في بغداد، سرعان ما اتجه نحو الفن والسينما والنقد المسرحي.

إنتهج المدرسة الواقعية في الفن، كان هاجسه الأول التعبير عن هموم الفئات الإجتماعية الفقيرة المسحوقة في المجتمع العراقي. مارس النقد الواقعي في أعماله السينمائية ومسرحياته، وكان شديد الحرص على التقاط تفاصيل الحياة اليومية للعراقيين وتظهير مختلف الشخصيات الشعبية بلغة تحتمل السخرية والنقد على حدّ سواء.

في خضّم سنوات عمله في المجال المسرحي والسينمائي، عايش العاني حقبتين مفصليتين من الزمن: الأولى عام 1958، تاريخ سبق الإطاحة بالنظام الملكي العراقي. هنا، قدم مجموعة أعمال إجتماعية قصيرة: «رأس الشلليلة» (1951)، و«حرمل وحبّه سوده» (1952)، «أكبادنا» (1953)، «أني أم يا شاكر» (1955)، وغيرها من الأعمال التي طُبعت بسياق سياسي كوميدي ساخر. المرحلة الثانية يمكن التأريخ لها، بعد تعرّف العاني إلى المسرح الملحمي («المفتاح»، «الخرابة»، «صورة جديدة»..)، وتأسيسه أبرز فرق المسرح الفني الحديث مع الراحل إبراهيم جلال (1952).

ومن المسرح الى السينما، خرج إسم العاني منذ بدايات الفن السابع في العراق، وكان له التأثير الأبرز على تبني هذه السينما للمدرسة الواقعية التي برع فيها. ومن أعماله السينمائية: «سعيد أفندي» (إخراج كاميران حسني -1957) الذي مثّل فيه العاني الدور الرئيسي، في عمل مقتبس عن قصة «شجار» للكاتب العراقي أدمون صبري، و«المنعطف»، للمخرج الراحل جعفر علي، المأخوذ عن رواية «خمسة أصوات»، لغائب طعمة فرمان، و«بابل حبيبتي» لفيصل الياسري، بالإضافة الى تعاونه مع المخرج المصري الراحل يوسف شاهين عن عمله الشهير «اليوم السادس».

لم يبخل العاني في إسهاماته الفنية، فدخل أيضاً عالم التلفزيون، إذ سجّل له في خمسينيات القرن الماضي كتابة العديد من الأعمال والمسلسلات أهمها «رائحة القهوة»، «عبود يغني»، «بلابل» و«ثابت أفندي»...

طيلة مسيرة امتدت على نصف قرن من الزمن، استطاع العاني الإسهام في قطاعات عدّة من السينما فالمسرح وأخيراً التلفزيون. جسد وعبّر عن الشخصية الشعبية العراقية، بكل مفاصلها، لذا لم يكن غريباً تسميته بـ «فنان الشعب». وكان قد تقرر نقل جثمان الراحل يوم الخميس إلى بغداد، وتشييعه ودفنه في المقابر الملكية في منطقة الاعظمية في بغداد، بالقرب من قصر الرحاب.

الأخبار اللبنانية في

11.10.2016

 
 

عصا يوسف العاني التي انتظرها 45 عاماً

عبد الستار البيضاني (العراق)

ضمن فعاليات تكريم مهرجان ايام الشارقة المسرحية عام 2014 للفنان العراقي الكبير يوسف العاني (المولود في بغداد 1927)، أقيمت أمسية خاصة لقراءة شهادات الفنانين العرب والعراقيين عن منجز المحتفى به، شاركت فيها نخبة من نجوم المسرح العربي من مصر وسوريا والكويت والمغرب والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وقد فوجئت بدعوتي لقراءة شهادة لم أكن متهيئاً لها، كما لم يخطر في بالي أن أتحدث في أمسية يشارك فيها نجوم أسهل ما يمتلكون من مواصفات إبداعية هي طريقة الإلقاء وسحره! فارتجلت كلمة أسميتها "صباحات يوسف العاني"، تناولت فيها بعض طقوس ويوميات مبدع كبير يعيش خريفه في زمن ملتبس فيه كل شيء.

فقد اعتدنا نحن العاملين في القسم الثقافي لمجلة (ألف باء) على إطلالته الصباحية اليومية، حيث يقف عند المدخل رافعاً يده بطريقة مسرحية ملقياً تحيته "صباح الخير والسرور"، وحيث إن مكتبي يقع في بداية القاعة استوقفه لأسئلة عن الأخبار السياسية شاغلنا اليومية في تلك الفترة وكان يحرص على متابعها ليلاً من الإذاعات، فإذا كان مزاجه رائقاً يسرد كل ما سمعه من أخبار ليلاً، وهو واقف (بالمناسبة من النادر ترى يوسف العاني جالساً على كرسي إذ يقضي أغلب وقته واقفاً أو متنقلاً بين مكاتبنا) أما إذا كان متعباً او مزاجه عكرٌ فإنه يطلق مقطعاً من قصيدة شعر شعبي (يستير خلص قلبي...) ولم أتذكر بقية المقطع – و(ستير هو تصغير لاسمي بلغة جنوب العراق).

شقاوات بغداد

بعد أن ألقيت شهادتي وانتهاء الأمسية، عانقته فهمس في أذني (لك ستير شسويت بيه.. طول ما كنت تتكلّم استغرقت بتذكّر تلك الأيام وكأنني واقف الوقفة التي كنت تسمّيها وقفة شقاوات بغداد..)، قلت له أنا أيضاً أثناء حديثي تخيّلتك واقفاً مثل شقاوات بغداد، ولكن من دون عصا، ومددت يدي لسحب العصا التي يتوكأ عليها داعياً إياه أن يتمشى من دونها، فصاح بي (لك لا.. عوفها.. صار 45 سنة انتظرها وتنتظرني..).

في المساء سرد لي قصة العصا وهو يتحسّر على طريقة المغلوب على أمره قائلاً (لقد تحاشيت هذه العصا كل هذه السنوات.. لكنها في النهاية تمكّنت مني). في العام 1969 تمّت دعوتي الى لندن للمعايشة في مسرح (برودواي)، ولأن هذا المسرح يقع في شارع المسارح، طلبت من المسؤولين على دعوتي، أن أزور المسارح الفقيرة أيضاً، وفعلاً تجوّلت في شارع المسارح، وقد جذب انتباهي مسرح يسمى (مسرح الكلاب) تديره مجموعة من المسرحيين الشباب من ذوي الاتجاهات الفنية الجديدة، وبعد انتهاء العرض أخذني المشرف على المسرح الى غرفة عُلقت فيها أعداد كبير من العصي ذات مقبض على شكل رأس كلب، فأهداني واحدة، قائلاً هذه العصي نقدمها الى كل فنان يزورنا من جميع انحاء العالم. يقول العاني في البداية لم أتسلّم العصا وقلت لمضيفي باستنكار (أنا ما زلت شاباً ولا أحتاج التوكؤ على عصا..)، ضحك مضيفي وكأنه لم يكترث لاحتجاجي (في النهاية ستحتاجها.. طريقة من طرائق مسرحنا لمساعدة الفنانين في العالم للتغلّب على أيام نهاية العمر..). أخذت العصا وجلبتها معي الى بغداد، وبقيت الفكرة تترسّخ في رأسي ويترسخ معها التحدي في تحاشي هذه العصا. فعلقتها في البيت وكلما خرجت من البيت أو عدت أنظر اليها مثل الشامت بأنني لن أحتاجها، لذلك تراني كنت صباح كل يوم اعبر جسر الأحرار الى شارع الرشيد مشياً ومن ثم انعطف عابراً جسر السنك لأصل الى مبنى وزارة الثقافة أقضي جزءاً من النهار عندكم قبل أن أتوجّه الى بيتي. وفي السنوات الأخيرة عندما يتعذّر عليّ عبور الجسر وبعد اكتظاظ شارع الرشيد كنت أستعيض عن ذلك بالتمشي الى منطقة الشواكة رواحاً ومجيئاً. وعندما كنت أتعب انظر الى العصا فأزداد اصراراً على تنفيذ برنامجي الرياضي والغذائي لكي لا ألجأ الى العصا التي تحديتها 45 سنة حتى تمكّنت مني أخيراً.

العلامة

ربما كانت العصا لدى يوسف العاني علامة على قرب الموت، لذلك حدث أمامي أكثر من مرة انه عندما يصعد المسرح لإلقاء كلمة أو تكريم يرمي عصاه ويركض على الخشبة، وهذا ما حدث في احتفالات يوم المسرح العالمي عام 2013 عندما رمى عصاه وركض الى منصة المسرح، فكان أن دفع الثمن بأن نقل الى المستشفى بعد تمزّق في أمعائه جراء ذلك. وفعلها أيضاً عند تكريمه في أيام الشارقة المسرحية عندما صعد الى المسرح لتسلّم هديته من الشيخ سلطان القاسمي، وقد حذرته في حينها فقال (في كل مرة أصعد فيها الى المسرح أشعر أنني أصعد لأول مرة فأتخيّل نفسي شاباً لا احتاج العصا).

يوسف العاني الرائد والمؤسس المبدع الأنيق الدافئ هو اكثر شخص شاهدته في حياتي ذوداً عن الحياة ليس في طريقة العيش والسلوك التي ذكرتها آنفاً، وانما في التشبث بالحياة عبر صناعة الجمال وتقديم الفكر بأطر جمالية باهرة. فسواء سقطت العصا من يده أو تمكّن منه الموت كما مصير جميع الكائنات، إلا أن الموت لن يمحوَ مساحات الإبداع التي أثثها طوال 75 عاماً من تجربته الإبداعية عراقياً وعربياً.. ستبقى عشرات العلامات المضيئة في تاريخ الثقافة العراقية تشير بأصابع من ضوء الى يوسف العاني؛ (فرقة المسرح الفني الحديث) التي تأسست في العام 1952 وكان أحد مؤسسيها ورموزها، التي قدّمت أهم درر المسرح العراقي (النخلة والجيران)، وفي السينما بطولته لفيلم (سعيد افندي) عام 1957 وهو من أهم أفلام السينما العراقية، فضلاً عن أفلام أخرى منها مشاركته في فيلم (وداعاً بونابرت) للراحل يوسف شاهين، إداريا يوسف العاني هو أول مدير عام لدائرة السينما والمسرح بتكليف من الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم. وفي التسعينيات قدّم أهم مشروع في تحويل عشرات القصص العراقية إلى أعمال درامية تلفزيونية، فضلاً عن إصدار كتب عدة والمواضبة على الكتابة في الصحافة العراقية...

يوسف العاني وأنت تلوح لنا تلويحتك الأخيرة ستبقى واقفاً في الحياة العراقية بالعكاز أو بدونه.

السفير اللبنانية في

11.10.2016

 
 

غياب

يوسف العاني: لا تفترسوا المسرح

انور محمد

إنه دمي - المسرح يتغذى من دمنا فلا تفترسوه. هذا ما كان يوسف العاني يعلمنا إيّاه طوال وقوفه على خشبة المسارح العراقية. في مهرجان دمشق المسرحي الأخير عام 2010، وفي حديث جانبي معه، كان يسألني عن عرض للمخرج العراقي مهند هادي، قال لي بالحرف الواحد: العراق يتكسر، يتفتت. ما هي هذه الثقافة الحاضنة التي تشجع على القتل اليومي. مسرحنا العربي عليه أن يحلل هذا الافتراس باسم الآدمية للعقل العربي. نحن لم نصطدم بالمسرح، حتى الآن نحن ننقل عن غيرنا، عقلنا عقل نقلي يكرس السفالة والنذالة، لا يهدمها. لماذا نأكل لحمنا؟ هل نحن أمة مفترسة، ما هذه الرغبة الجامحة للقتل، إننا نعيش بالقتل؟

يوسف العاني في مسرحه كان يقف ضد العودة والبقاء في الحالة الوحشية التي نعيشها. حروب صغيرة وأخرى كبيرة تقتات على دمائنا، وفوقها تحط من قدرنا وتعمل على تحقيرنا، في حين للآن لم يقم المسرح العربي بدوره. مهرجانات مسرحية كثيرة، عروض أكثر، ولا شيء في السلة. مَن هذا الوقح الذي يهدم/ يفترس الجسد المسرحي فنعيش هذه الهستيريا؟ المسرح يعني أن تكون حياً. ولكننا نموت، فبحسب يوسف العاني المسرح هو غريزة بقاء، غريزة حفظ الذات، المسرح حفظ الأمة اليونانية، لكنه لدينا كان سبباً للحزن والتشرد والتيه.

أجل هذا ما كان يؤرق العاني. سؤاله: من يحفظنا؟ المفكرون المتسلطون الذين يعملون على تخفيض خصائص عقل الأمة الفكرية والأخلاقية. فما من مسرحية عربية اخترقت حجاب الصوت، حجاب الضوء لنحتفظ بوجودنا. ما يقتلنا أيها اليوسف الذي عانى من غباء (الحكام المسرحيين) هو فلسفتهم: فلسفة أخلاقهم التسلطية التي تتعالى علينا. ولذا يسمن ويكبر الـ(دراكولا) بل قل الدراكولات التي تتغذى من دمنا. ومع ذلك، فإن يوسف العاني يوصينا قائلاً: لا تفترسوا المسرح حتى لا يلجأ الحكام الدينيون إلى الوحي فتقوى شوكتهم فيزيدوا من عدد الأفكاك المفترسة.
حلب
ناقد سوري

السفير اللبنانية في

11.10.2016

 
 

رحيل يوسف العاني… رائد المسرح العراقي

أسس مجموعة «جبر الخواطر» وكتب النقد الفني

بغداد ـ «القدس العربي» ـ من صفاء دياب:

أكثر من 72 عاماً قضاها الفنان العراقي يوسف العاني بين خشبة المسرح والسينما والتلفزيون، فلم يتوقف يوماً منذ أول عمل قدمه للمسرح في العام 1944 حين كان طالباً في كلية القانون مع مجموعة من زملائه. فالعاني المولود في مدينة الفلوجة العام 1927 بدء مدرساً معيداً في كلية التجارة والاقتصاد بعد تخرجه في جامعة بغداد بين عامي 1950-1951 للإشراف على النشاط الفني في الكلية. ولم يلبث أن أسس فرقة الفن الحديث مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين الشباب في العام 1952، ليبدأ بعدها نشاطه الفني المحترف..

72 عاماً ركنها العاني بعد معاناة طويلة مع المرض، ليرحل يوم أمس في العاصمة الأردني عمَّان، بعد أن خلّف وراءه مئات الأعمال المسرحية والدرامية، من أبرزها، مسرحياته: النخلة والجيران، الخرابة، أضواء على حياة يومية، المفتاح، بغداد الأزل بين الجد والهزل، آني امك يا شاكر، الملا عبود الكرخي، نفوس، الإنسان الطيب، الخان، ست دراهم والشريعة، وغيرها الكثير من المسرحيات التي صعب تعدادها.. كما أنه مثّل عدداً من الأفلام السينمائية العراقية والعربية، منها: سعيد أفندي، أبو هيلة، وداعاً يا لبنان، المنعطف، المسألة الكبرى، الفارس والجبل، الملك غازي، اليوم السادس وغيرها، وقد كان آخرها فيلم (غير صالح) الذي كان من إخراج الفنان الشاب عدي رشيد.

وبعيداً عن التمثيل، فقد مارس العاني كتابة النقد الفني في عدة صحف منها الأهالي والشعب والأخبار، فضلاً عن كتابته لأكثر من خمسين مسرحية طويلة أو من فصل واحد من أبرزها: القمرجية، مع الحشاشة، طبيب يداوي الناس، في مكتب محامي، محامي نايلون، محامي زهكان، راس الشليلة.

أسس العاني مع زملائه، في أثناء دراسته، فرقة مسرحية أطلق عليها اسم «مجموعة جبر الخواطر». وبعد تخرجه، لم يطق أن يترك الفن الذي بدأت علاقته به أيام الدراسة، فعاد متفرغاً إلى عشقه الأول، المسرح، ممثلاً ومؤلفاً، فكتب بواكير أعماله في الأربعينيات، من أهمها «القمرجية»، و»مع الحشاشة» و»طبيب يداوي الناس» و»محامي زهكان»، وأعمال أخرى. وبعد أن كانت مسرحياته ذات مواضيع اجتماعية، اقترب العاني من السياسة في أعمال مسرحية جديدة، من ضمنها «آني أمك يا شاكر»، و»راس الشليلة»، و»عمر جديد»، و»ستة دراهم» وسواها، حسب ما يذكر الكاتب مروان الجبوري، الذي يضيف أن لعل أبرز ما ميّز يوسف العاني في تاريخ الحركة المسرحية العراقية هي البساطة والتماهي في الشخصيات التي يؤديها، وانفتاحه على فئات المجتمع المختلفة. كما يحسب له أنه استطاع جذب العامّة إلى مسرح النخبة عبر أعماله التي تناولت قضاياهم ومسّت صميم معاناتهم.

كانت مكونات الشخصية البغدادية بكل أبعادها الاجتماعية والثقافية تتمثل في العاني، فحرص على أن يقدّمها مسرحياً عبر أعمال عدة، من بينها «دعبول البلام». كما أنه سعى إلى استلهام الأساطير القديمة والفولكلور الشعبي للمحلّة (الحارة البغدادية) وإعادة تقديمها كأعمال فنية، منها «بغداد الأزل بين الجد والهزل» و»الليلة البغدادية مع المُلّا عبود الكرخي».

يقول العاني أن أول ظهور له في السينما كان في فيلم «سعيد أفندي» (1958) المقتبس عن قصّة «شجار» للأديب العراقي إدمون صبري، بعد أن لفتت نظر المخرج كامران حسني فعرضها على العاني الذي أعجب ببطل القصة وأدّى دوره على الشاشة الكبيرة لأول مرة. ويعتبر الفيلم من بواكير الأفلام العربية التي تأثرت في أجوائها بالسينما الإيطالية. ومرت سنوات طويلة قبل أن يقدم العاني دوراً سينمائياً آخر، فظهر للمرة الثانية في فيلم «المسألة الكبرى» عام 1983. كما كانت له مشاركة في فيلم «اليوم السادس» ليوسف شاهين، وأفلام أخرى. وإلى جانب تأليف النصوص المسرحية والدرامية، وضع العاني عدداً من الكتب الأكاديمية في مجال المسرح والفن بشكل عام.

وعلى الرغم من ريادة العاني، غير أنه كان ميالاً لإعطاء أدوار مهمة للشباب، وهو فرح بكونه متهماً بميله للشباب «لأنني أجد نفسي فيهم حين كنت شاباً، ثم ان لا قيمة لرسالة لا يظهر جيل يتلقاها بشكل جيد وينقلها بموضوعية وإبداع إلى الجيل الذي يليه إن كانت رسالة حقيقية وصادقة. لهذا السبب أنا أجد نفسي قريباً الى معترك ايصال تاريخ المسرح العراقي الى الجيل الجديد، فهم يستغربون أحياناً اننا قدمنا منذ اكثر من ربع قرن مسرحية «بيت بيرناردا ألبا» بصيغة متقدمة، لم أجد شبيهة لها. خذ مثلاَ «ستوديو الممثل» فنحن بدأناه منذ السبعينات، بينما اعتبره المسرحيون الشبان فتحاً جديداً في وسائل إعداد الممثل، كذلك عملنا على مسارح بعيدة عن الوطن العربي، كما في «مسرح اوزفالدو دراكون» من اميركا اللاتينية، حيث كان لفرقتنا قصب السبق في تقديمه، واستطعنا ان ننبت ذوقاَ فنياَ حقيقياَ للمسرح، لكنه اوشك على ان يذوب مع العروض السطحية السائدة اليوم عراقياَ وعربياَ وعبر شاشات التلفزيون التي تعرض المسرحيات المصرية المنحدرة دون الانتباه للاثر الذي تحدثه مثل هذه العروض. وهكذا يبدو ان الرسالة مطروحة الان، قلة هم من أخذوا منها ما يشعل الجذوة عندهم لمواصلة الرحلة الشيقة والشائكة في آن».

ويضيف العاني في حوار أجراه معه الكاتب علي عبد الأمير، متحدثاً عن المسرح الجاد والهزلي، أن يافطات المسرحية الجادة ليست مبرراً لكل هذه العوالم المغلقة على ذاتها، ولكل هذه الاشارات التي تبدو غير مفهومة، وإن تعكزت على نصوص عالمية وعربية ومحلية، والمسرح الجاد ليس نقيضاً للضحك، بل إنني ارى فن «الضحك الحلال» كما أسميه، فناً صعباً، وانتزاع ضحكة من انسان متعب ومكبل بقضايا حياتية توجع انسانيته وتثقلها بالحزن، هو أصعب بكثير من تقديم فن مسرحي مغلق على ذاته على اعتبار انه المسرح الجاد. للاسف ساهمت تجارب كهذه في ابعاد الجمهور عن المسرح لينصب في الاتجاه الآخر: المسرح الهابط، فخاً للهارب من طلاسم مسرح يمعن في غموضه!

من جهة أخرى، يتحدث الكاتب لطيف حسن عن شخصية العاني، مشيراً إلى جانبها الشعبي الجذاب، وثقافته العالية والمتنوعة التي اكتسبها من الحياة بالتجربة الطويلة غير المنقطعة (في الصحافة والنقد الفني والتأليف والاذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح)، والقراءه المتواصلة لكل جديد، والاطلاع الواسع والمتنوع، فهو متابع ومتفرج جيد للمسرح عربياً وعالمياً قل نظيره في العراق، وله علاقات واسعه بالمسرحيين والفنانين والمثقفين الكبار من كافة الاقطار العربية، ويتمتع بذهنية نقدية ذكية منفتحة ومتجددة، اعطتة كما يقولون ( كارزما ) قوية مؤثرة على من حوله.

أما عن ميوله السياسية، فقد تجاوب العاني منذ نعومة اظفاره سياسياً مع مطالب الحركة الوطنية ونضالها بهدف طرد الاستعمار والتخلص من قيوده واحلافه الذي كان يعتقد ان بقاء التخلف الاجتماعي واستمراره وتفشي الفساد هي نتاج سياسات الحكومات العميلة المتعاقبة، الموالية لامبراطورية التاج البريطاني والاجنبي (هذا واضح في مسرحياته الاولى ذات الفصل الواحد). كما أنه انحاز بقوة الى اليسار منذ ان كان طالباً في كلية الحقوق، وانتمى الى الحزب الشيوعي العراقي منذ الخمسينيات حتى العام 1963، خلالها تعرض للمطاردة بسبب نشاطه الفني المسيس منذ ان كان طالباً وبعد التخرج تعرض للحجز مع كوكبة من المثقفين اليساريين في معسكر السعدية العسكري السيئ الصيت، وعمل في المحاماة لفترة، قبل التشرد بعدها في اوروبا بعد انتاج فيلم (سعيد افندي) في الفتره الاخيرة من العهد الملكي، وعاد بعد ثورة 14 تموز مديراً عاما لمصلحة السينما والمسرح حتى تعرضه للاعتقال والطرد من الوظيفة بعد انقلاب شباط 1963، وسافر الى بيروت بعد الافراج عنه واقام فيها، حتى العام 1967.

وفي كتابه الذي أصدره عن العاني، يقول الدكتور عامر صباح المرزوق لا يمكن لأي باحث أن يكتب عن التطور الدرامي في المسرح العراقي دون أن يتوقف عند تجربة (العاني) ، وذلك لأنه مجدد فيها، مع تأمل ملامح هذه التجربة التي سار فيها بشكل علمي، بدأها بالواقعية الاشتراكية وفيها تأثر بالأدب الروسي كثيراً وفق متطلبات المرحلة التي كانت مليئة بالتناحرات السياسية التي ميزت تجاربه في عقد الخمسينيات من القرن الماضي وما بعدها، مضيفاً أن العاني اتجه إلى الفكر السياسي ووضعية الإنسان داخل مجتمع قائم على النفعية والاستغلال، فكانت مسرحياته مجابهة ثورية بين الإنسان العراقي والضغوط السياسية المتنوعة والموزعة بين الريف والمدينة.

وفي حديث عن مسرح العاني، يقول الكاتب والناقد المسرحي محمد الجزائري إن مسرح يوسف العاني، ولد في خضم ذلك الصخب الثوري وحركة التجديد والإستنارة والتحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، أتحدث هنا عن التشميل، وعن فضاء «الذاتية الكلية» له مبدعا في حاضنة النص والتمثيل، العرض والكتابة، الاقتباس والتعريق، فقد تشبع كلية بالشعرية البصرية، حتى تلبسها سلوكا، فقد كان يبتدع شخصياته ويقتدها، أو يمثلها على الخشبة، منسجمة مع انعكاس مشاهداته الإجتماعية وإحساسه بحياة الناس، أو هو يلتقط مقارباتها وشبيهها في الأدب العالمي.

وفي أحلك الظروف وأعتاها لم يـكبــل تماما وإن لم ينطلق تماما، فحين كان «رئيس عرفاء» في دورة ضباط الإحتياط بمعسكر السعدية، قدم «ثورة بيدبا» تحت ذلك الظرف وبإمكانات متواضعة تقارب درجة الصفر في الإنتاج، ساعده الدكتور فايق السامرائي والشاعر مظفر النواب والمهندس صباح الدرة، ورفاقه في ذلك المعسكر الذي اقتيد إليه الخريجون وأساتذة الجامعات المفصولون من الخدمة، وجلهم من اليسار الديمقراطي، كالدكتور فيصل السامر والدكتور ابراهيم كبه والدكتور طلعت الشيباني، الذين استوزروا في حكومة عبد الكريم قاسم بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، كما تعين إثرها يوسف العاني أول مدير عام لمصلحة السينما والمسرح..

ولا غرابة فقد كان العاني مهووسا بالتمثيل، وخلق المناخ لنفسه مع رفقته، حتى داخل ذلك المعسكر الذي حد من حركتهم وأراد عزلهم عن أبناء شعبهم وحركتهم الوطنية، فلم يكتفوا بالمسرح بل أسسوا بنية ثقافية ساندة تتجلى بمكتبة عامرة بأفضل الكتب التقدمية «الممنوع تداولها».. وكذلك فعل حين قدم «مسمار جحا» و»ماكو شغل» في ممر قواويش معتفل أبي غريب.. ولذا مال في سنواته الأولى إلى الإكثار من كتابة تلك المسرحيات ذات الفصل الواحد، لأنها مواكبة للظروف وسهلة التحقق في أيما مسرح فقير.

القدس العربي اللندنية في

11.10.2016

 
 

يوسف العاني.. وصية عصر

عباس بيضون

«اتركوني أعيش بقية عمري هنا بالمستشفى، بديت أحس اكو تناقض بيني وبين العالم الخارجي، تناقض مخيف مرعب، هذا العالم الخارجي اللي الأخ بيرفع مسدسه بوجه أخوته. خلوني شكراً لكم، كل بيوتكم هي بيوتي، بس أني عشت على قيم غير هاي القيم وإذا اجي أعيش على قيم أخرى اتحطم، وبصراحة أحسن بيت اللي اسكن فيه هو القبر» كلام اداه الممثل يوسف العاني في مشــهد مسرحي لعــبه على سرير الموت، كان هذا فصلاً في مسرحية لكن مع وفاة الفنان الكبير أمس بدا وكأنه وصية العاني الأخيرة. الفنان الذي بلغ التاسعة والثمانين وظل متعلقاً بالمسرح إلى أن فارق الحياة.

كان ايقونة في الحياة المسرحية العراقية. لم يكن العاني عابراً في المسرح كان قطباً فيه، بل لعلنا إذا راجعنا حياته سنجده أفنى في هذا الفن 70 عاماً ونيفاً. اسمه يطبع التاريخ الحديث لهذا الفن الذي كان فيه فناناً كاملاً، بل تدهشا إذا تأملنا هذه الوفرة التي مارس فيها كل جوانب هذا الفن. كان ممثلاً ومخرجاً وكاتب مسرح وناقداً فنياً وفي كل واحد من هذه المجالات كان مبرزاً وفريداً، بل هو أرسى في كل من هذه المجالات تقاليد وقواعد.

اخرج عشرات المسرحيات ومثل في عشرات المسرحيات وكتب عشرات المقالات في النقد المسرحي وكتب للمسرح خمسين مسرحية كاملة، فنحن نرى فيه بدون شك ورشة مسرحية كاملة ونحن لا نجد فنا مسرحياً إلا وله بصمة فيه فبالإضافة إلى ذلك كله شارك في كتابة وتمثيل مسلسلات التلفزيون. يمكننا ان نودع مع يوسف العاني تاريخاً للمسرح العراقي ورائداً شارك في تأسيس هذا المسرح وفي توطيده وفي إعطائه طابعه الخاص الذي جعله واحداً من أهم المسارح العربية.

يترك يوسف العاني للمسرح العراقي والعربي تراثاً ينبغي العكوف عليه والنبش فيه ليستقيم لا للمسرح العربي فحسب تاريخ، بل للمسرح العربي ككل. نقول هذا في وقت نشعر فيه ان هذا الفن كان طفرة في حياتنا الفنية والثقافية، سرعان ما خبت أو كادت تخبو، لا نجد الآن جيلاً جديداً من الكتّاب المسرحيين في الوقت الذي حظينا فيه بجيل اسبق من الكتّاب كان فيه يوسف ادريس وميخائيل رومان وسعد الدين وهبة وسعدالله ونوس وعصام محفوظ وآخرون بالطبع، وعلى كل حال لم يترك أي من هؤلاء خمسين مسرحية كما ترك يوسف العاني. مع العاني وسواه من بناة المسارح العربية في شتى اقطار العرب نعثر على كلاسيكيات المسرح وأسسه، كما نعثر على الزمن الخصب وربما الذهبي لهذا المسرح، فيما نجد أنفسنا الآن في فترة انقطاع أو نكاد. لقد تناغمت هذا الحقبة مع أخرى في العالم مر العمل المسرحي فيها بانقلابات هزته وجعلته على الحافة. كان هناك بريخت ومارخولد ومسرح الشمس ومسرح العبث، والآن لم يعد الفن المسرحي في طوره الخصب والذهبي. لقد شحب في العالم ومن الطبيعي ان يشحب في العالم العربي الذي يعيش في علاقة ماسة ومباشرة مع ما يجري حوله.

لذا يمكننا مع رحيل العاني ان ننعى فترة خصبه من المسرح العربي ومع غياب جيل المؤسسين نجد أن لا أثر بعد لهذا التأسيس، وان الراحلين، واحداً تلو الآخر، لم يتركوا وراءهم تراثاً يمكن البناء عليه والانطلاق منه. كأن المسرح الذي لم يكن عربياً في الأساس والذي لا نجد سوابق له في ثقافتنا وفنوننا إلا أقل القليل. سافر عنا ولم يترك بذوراً حقيقية وحصاداً فعلياً. انه يرحل كأن لم يكن، او انه ظل غريباً وراح غريباً وهاجر غريباً. هل بقي المسرح العربي هكذا، لم يتوطن ولم يؤسس أو يتأسس، وإلا فما معنى ان لا يجد الجيل اللاحق ما يرثه ويبني عليه، ما معنى ان لا يترك الجيل الأسبق ما يمكن ان نواصله وان نبدأ منه.

بعد كل هذا الماضي المسرحي لا نزال نبحث عن اين نبدأ، ما زلنا لا نجد بداية صلبة نخطو منها. هل هي غربة المسرح الذي بقي غريباً. اذن ما هو مصير الرواية والسينما والتصوير وكل هذه مجلوبة وليس لها تراث. هل يكتب لها ان تبقى غريبة وان يأتي يوم لا نجد مكانها سوى عراء فظيع. مجرد خلاء ليس أمامه ولا وراءه شيء.

يوسف العاني بكل هذه الحمية، سعى ليؤسس وإذا كــــانت ظروف بعـــضها سياسي وبعضها اجتماعي حالت دون ان تقوم لهذا التأسيس مــــبانٍ صلبة، فإننا نعذر العاني كما نعـــذر جيله، فثمة أوقات يكون فيها المعارض هو فقط المعارض الميت، ولا يستطيع ان ينجو شخص بحياته إلا برأس محني واثمان يدفعها من نفسه ومن كرامته، وإلا كــــان هذا هو المعارض الميت. يمكننا هنا ان نحاكم السلطات الأيديولوجية التي تحيل النميمة محل القانون، ومع سلطات كهذه، ومع خوف كهذا، ومع اسطورة المعــارض الميت هــــذه لا نستطـــيع ان نحفر بإخلاص أو نصنع بصدق. إذ عندها يستحيل الكــــذب إلى شرعة، ويغدو التــــآمر سنة، ونعمل في الخـــوف وفي الترقب والحذر، ومع هذه كلـــها لا يتأســـس شـــيء أو يبقى.

السفير اللبنانية في

12.10.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)