كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أولريتش سيدل: فنان سينما الصدمة والتعرية

العرب/ أمير العمري*

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثالث والسبعون

   
 
 
 
 

مهرجان فينيسيا يعرض فيلم 'سافاري' أحدث الأفلام للمخرج النمساوي أولريتش سيدل الذي يقدم فيه حقائق غائبة عن الإنسان الأوروبي.

لم يكن عرض فيلم “سافاري” في مهرجان فينيسيا المقام حاليا مفاجئا للجمهور الذي اعتاد على أسلوب مخرجه النمساوي أولريتش سيدل الذي يتصف بقدر كبير من التأمل الساخر ولكن بنظرة باردة قاسية، لا تسمح له بالتدخل أو بالتعليق، بل يكتفي فقط بالمشاهدة، بالرصد، بالتأمل، بتقديم الصورة كما يراها، بكل قسوتها ووحشيتها، ليترك للمتفرج أن يتفاعل معها سلبا أو إيجابا.

فيلم “سافاري” مثل فيلم أولريتش السابق “في الطابق الأسفل”، من النوع التسجيلي، لكنه ليس كالأفلام التسجيلية التي نعرفها، فهو يخضع لأسلوب مخرجه الخاص الذي يذهب هنا إلى غابات ناميبيا ليرصد مواسم “قتل الحيوانات” من خلال رحلات الصيد التي يقوم بها هواة الصيد الأوروبيون. وكان أولريتش قد قدم في فيلمه السابق “في الطابق الأسفل” نموذجا منهم، فقد شاهدنا رجلا يعلّق على جدران منزله الكثير من رؤوس الوعول والغزلان والعجول التي اصطادها هو وزوجته في أفريقيا.

في “سفاري” يصور أولريتش شخصيات عديدة، من الكبار والشباب، والآباء والأبناء، بل والفتيات في عمر الزهور، الجميع يرتدي ملابس الصيد المميزة المعروفة التي تشبه الملابس العسكرية، يتسلحون بالبنادق، يصحبهم أولريتش مع مصوره الكبير وولفغانغ ثالر، في جولاتهم اليومية لصيد الحيوانات في الغابة، رفقة مساعديهم من السكان الأفارقة، في مفارقة تعيد إلى الأذهان عصور السيطرة الاستعمارية على القارة السمراء.

في مشاهد صادمة تتوقف الكاميرا أمام القناصة من الصيادين أثناء التربص بالفريسة والتصويب، والتقاط الأنفاس ثم إطلاق الرصاص، ثم ترصد لحظات الشعور بالسعادة بعد العثور على الفريسة ميتة، وكيف يقوم أفراد فريق الصيد بتهنئة بعضهم البعض على دقة التصويب، و”جمال” الطلقة، وبراعة الإصابة. إنهم يقفون منبهرين أمام هذه الضحايا التي يعتبرونها حقا طبيعيا، يلتقطون الصور معها لتأكيد “انتصاراتهم”، ثم نرى كيف تساق هذه الضحايا من الحيوانات البريئة إلى المسلخ حيث يقوم الأفارقة بسلخها وتقطيع أجزائها ربما لتناول لحمها أو بيعه، ثم يحصل الصيادون على نصيبهم من الرؤوس التي يقومون بتحنيطها وتعليقها على جدران منازلهم.

فيلم “سفاري” مرعب بما يقدمه عن هذا العالم الغريب، وبأسلوب مخرجه الذي يتعامل مع مادته بهدوء كاشفا حقائق غائبة عنّا فيما يخص الإنسان الأوروبي، من خلال كاميرا لديها إصرار على نقل الصورة كاملة، وهو لا يختلف فيما يصدمنا به عن سائر أفلام مخرجه.

مخرج- مؤلف

أولريتش سيدل (64 سنة) مخرج-مؤلف، صاحب بصمة خاصة وأسلوب مميز، وهو جزء أصيل من سينما الفن الأوروبية التي تتعارض تماما مع سينما الحبكة التقليدية المسلّية، فأفلامه مقلقة، قاسية، جافة، عنيفة، مليئة بأنماط من السلوك الإنساني مما خفي تحت سطح التهذيب الظاهري، والتحفظ التقليدي من على السطح، لشخصيات تنتمي للطبقة الوسطى في النمسا. وتبدو المشاهد القاسية التي يصورها كما لو كانت مقصودة لتعذيب المشاهدين، فهو لا يعبأ بالتعاطف مع الشخصيات التي يصوّرها، ولا بالتماس الأعذار لها، بل يتفنن في تعريتها وقذفها في وجوهنا لإحداث الصدمة المطلوبة، صدمة الوعي.

لقطات أفلام سيدل، طويلة، وكاميراه ثابتة في معظم الأحوال، فهو يصرّ على أن يستخرج من الشخصيات التي يصوّرها التأثير القوي الذي يريد إيصاله إلى الجمهور، فهو لا يحنو على المشاهدين، ولا يستخدم القطع للانتقال بعد أن يكون “المعنى” قد وصل، بل يظل يضغط ويلحّ لكي يتأكد من وصول “التأثير”. وهو يمزج في أفلامه الروائية بين الممثلين المحترفين وغير المحترفين، من الأشخاص العاديين الذين يقومون بأدوارهم الحقيقية في الحياة.

خارج النوع

لا تخضع أفلام سيدل لما يعرف بـ “النوع″ السينمائي أو التصنيف، فهي تجمع بين فيلم الطريق والفيلم الدرامي والتسجيلي والكوميديا السوداء، كما أن واقعيتها ليست تلك الواقعية المذهبية الكلاسيكية المعروفة، بل الواقعية إلى أقصى درجاتها قسوة.. الواقعية الممتدة على استقامتها، التي تصبح- بسبب المغالاة في تصوير خشونة الواقع: واقع الشخصية وواقع المحيط، بعقلانية باردة ومن دون أيّ اعتبار لإبداء مشاعر التعاطف- أقرب إلى السوريالية، مع نزوع واضح نحو العبث، والتجريد، واللامعقول.

الشكل عند سيدل هو المضمون، بمعنى أنه ليس من الممكن تجسيد الواقعي-اللامعقول، الصادم، المزعج، إلا بلغة مقابلة، هي لغة صارمة لا تنشغل كثيرا بجمال الشكل وتعقيدات الصورة وحركة الكاميرا، حتى لا ينحرف الفيلم عن مساره وهدفه، ورغم ذلك فأفلامه تمتلك جمالها الخاص من بنائها وما تحتويه من صور وتصميمات داخل الكادر.

تصدير واستيراد

في فيلمه الشهير “تصدير واستيراد” (2007) يلجأ سيدل إلى تجسيد اليأس والاستغلال الإنساني في أقصى درجاته، ولكنه يصور في الوقت نفسه قدرة الإنسان على التماسك والسعي الدائم للعثور على مخرج، على أمل ما. إنه يصور التدهور والسقوط والانحطاط، كما يتبدّى في شخصية “ميشيل” زوج أم الشاب “بول” الذي يبحث فقط عن المتعة بالتدني إلى القاع. إنه يقوم بإهانة وتـعذيب عـاهرة شابة صغيرة في غرفة فندق بأوكرانيا لا تفهم تماما لغته، ويرغمها على فعل كل ما يعد انتهاكا للكرامة الإنسانية، وهو ما قد يدفعنا إلى استنكار ما يصوره سيدل، لكن هذا تحديدا سر جاذبية أفلامه: اكتشاف الخفيّ.

أولريتش سيدل يعمل من خلال شركة إنتاج خاصة أسسها في فيينا، أي أنه يصنع أفلاما مستقلة، وينجح رغم جرأتها الشديدة، في تسويقها

بول (الشاب النمساوي) يفشل في العمل كحارس ليلي في شركة بفيينا فيقبل العمل مع زوج أمه “ميشيل” في نقل ماكينات بيع الحلوى، ويـسافر معه إلى سلوفاكيا ثم إلى أوكـرانيا، لكن رغم ركـونه إلى العنف أحيانا، واستعداده للاحتيال والسـرقة والكـذب، إلا أنه يعـترض على ما يقوم به ميـشيل بل ينتهي الأمر بتـمرده عليه وخـروجه إلى المحيط بحثا عن عمل يستقل به ويكفل له البقاء في أوكرانيا. من الناحية الأخرى هناك أولغا، المـمرضة الأوكـرانية الحــسناء التي تعاني شظف العــيش بعد خفض راتـبها، فتـهجر بلدها بعد أن تترك ابنتها في رعاية والدتها، وتذهب إلى فيينا للبحث عن عمل فتتدنّى بالمعنى المادي تماما وتضطر للعمل في تنظيف بيوت الطبقة الوسطى، ثم تنتهي بالعمل في مصحة للمسنين، حيث تتعرض لسوء المعاملة من جانب رئيسة الممرضات، لكنها رغم قسوة الظروف لا تبتذل نفسها ولا تهبط إلى الدرك الأسفل.

في علاقتها مع إريش، أحد المرضى المسنين والذي أصبح مشرفا على الموت، تكشف أولغا عن مشاعرها الإنسانية الراقية، فرغم أن الرّجل يعاني من صعوبة التنفس وعدم القدرة على الحركة بشكل طبيعي، لكنه يعبّر عن رغبته في مغادرة المصحة وأن يتزوّجها ويضمن لها الجنسية النمساوية ويبدأ معها حياة جديدة. وهي، رغم ضحكاتها التي تستنكر الفكرة، تشعر بحزن شديد بعد موته، فقد كان وجوده يمنحها الأمل الذي تحتاجه.

مشهد بول مع الغجر في سلوفاكيا مشهد صادم، فهو يدخل إلى “مستعمرة سكنية” من المباني المتلاصقة (الستالينية) التي تحوّلت إلى ما يشبه أطلال الحرب، حيث تتكوّم تلال القمامة في كل مكان، وفي الداخل يجد نفسه محاطا بمجموعة من الشباب يريدون أن يبيعوه جسد عاهرة شابة مغلوبة على أمرها للحصول على المال منه، ورغم أنه يكرر أنه لا يملك ما يدفعه لهم، إلا أنهم لا يصدقونه، وتتصاعد الهستيريا، وتمتد الأيدي، تحاول الفتك به، فيهرب ويبحث عن مخرج من هذا الجحيم الأرضي الذي يجسد تماما “الانهيار” ولكن بدون أدنى تدخل من المخرج. إنها قسوة واقع ما بعد السقوط في أوكرانيا.

الطابق السفلي

كثيرا ما يختار سيدل من الحياة اليومية ما لا يمكن تصديقه رغم واقعيته. هذا ما يفعله مثلا في فيلمه “في الطابق السفلي” وهو فيلم تسجيلي. والطوابق السفلية التي تقع تحت الأرض في منازل البورجوازية النمساوية من سكان ضواحي فيينا، هي معادل للأنا السفلى التي تخفي كل أنواع السلوكيات الغريبة الشاذة المنحرفة، التي تكشف عن شعور قاس بالوحدة، وبانعدام القدرة على التواصل.

تقف الشخصيات الغريبة التي يلتقطها المخرج بذكاء، أمام الكاميرا تمارس ما تمارسه في عالمها السري، دون تردد أو خجل.

يتدرج الفيلم من السلوكيات الغريبة وصولا إلى أقصى درجات العبث، فهذه الشخصيات تجد في الغرابة والانحراف عن السلوك السائد لذة خاصة. لكن الفيلم يستخدم المادة المصوّرة ليكشف ويفضح ويسخر من تلك الطبقة وتوجهاتها التي تصل إلى أقصى حدود العنف. ورغم ما فيه من قسوة، إلاّ أنه يتضمن الكثير من العبث المضحك الساخر، والتعليق الذي يأتي من داخل الصورة ذاتها.

أسلوب سيدل في أفلامه كثيرا ما يذكرنا بأسلوب المخرج السويدي روي أندرسون، الذي يتعامل مثله مع البورجوازية السويدية بنظرة فيها من الجرأة والاقتحام والفضح بقدر ما فيها من السخرية، ولكن الفرق أن أندرسون لا يصل إلى ما يصل إليه أولريتش من قسوة وبرودة قاتلة في تعامله مع شخصياته.

إن معظم ما نشاهده من نساء في أفلام سيدل، بدينات، يستمتعن بالتعرّي ومشاهدة مناظر الجنس أو المشاركة في حفلات الجنس الصاخبة الجماعية، أو بيع الجنس (نشاهد إحداهن كشخصية حقيقية في فيلم ‘في الطابق الأسفل’، تقول إنها انتقلت من العمل في سوبرماركت إلى الأفلام الإباحية، كما نرى أولغا في ‘تصدير واستيراد’ وهي تحاول العثور على عمل في مجال الإثارة الجنسية عبر “الويب كام” أي التعري أمام كاميرا الكومبيوتر عبر شبكة الانترنت، ولكنها ترفض هذا العمل وتقرر مغادرة أوكرانيا.

ثلاثية الفردوس

في ثلاثيته الشهيرة “الفردوس″ وتنقسم إلى “الحب” و”الإيمان” و”الأمل”، تذهب بطلة الجزء الأول “الحب” وهي امرأة في الخمسينات من عمرها، بدينة، بعد أن تترك ابنتها الشابة وراءها في فيينا، إلى كينيا بحثا عن اللذة الجنسية مع الشباب الأفريقي الذين يبيعون قوتهم الجنسية مقابل المال.

وفي الجزء الثاني “الإيمان” يصل هوس امرأة بالدين إلى ذروته، لكنه ذلك الإيمان الظاهري الذي يتمسك بالمظاهر. لقد كانت في الماضي تعيش حياة طبيعية مع زوجها المسلم (نبيل)، وبعد أن يصاب زوجها في حادث تصاب بنوع من اللوثة الدينية لدرجة أنها تقف يوميا أمام تمثال المسيح، تتعرى وتجلد نفسها بالسوط، كما تطرق أبواب منازل سكان الضواحي يوم الأحد، لدفع السكان إلى اقتناء تمثال المسيح والصلاة معها من أجل الخلاص، لكنها رغم هذه المظاهر، تتعامل بفظاظة وقسوة مع زوجها الغائب عندما يعود إليها عاجزا مقعدا كسيحا.

ويدور الجزء الثالث “الأمل” في مصحة لعلاج السمنة عند الفتيات في سن المراهقة، ويبدأ بشكل لافت ومثير للضحك، حيث يصوّر انصياع الفتيات للمدربين الذين يقومون بتدريبهن على بعض الألعاب الرياضية والسباحة، ويتم عزل الفتيات تماما عن المحيط في منطقة جبلية نائية في النمسا، وحرمانهن من تناول الطعام إلاّ ما تحدده لهم المصحة، وقد جاء معظمهن من أسر مفككة بفعل طلاق الوالدين وعدم تمتع الأمهات بأيّ قدر من المسؤولية، فتصبح علاقتهم ببعضهن البعض أهم من العلاقة الأسرية التي يفتقدن إليها.

تُسرّ الفتيات لبعضهن بأسرارهن الخاصة التي تدور في معظمها حول عالم الجنس، ولا تخرج عن الحديث حول القبلات والرغبة والمعابثة وغير ذلك. ويركز الفيلم على “ميلاني” الشقراء التي تعجب لدرجة الهوس، بطبيب المصحة وهو في الخمسينات من عمره، تتردد عليه بانتظام، تنتظره وتتحدث عنه لزميلتها في الغرفة، وهي يشجعها على التقرب منه إلا أنه يرفض التمادي معها بل ويحذرها كثيرا، لدرجة أنها تتصور أنه يرفضها بسبب بدانتها رغم جمالها الظاهر.

لا تخرج العلاقة بين الاثنين عن تبادل العناق الإنساني البسيط الذي يعكس تلك العلاقة بين أب وابنة، لكن الفتاة تتمادى في محاولاتها إغواء الطبيب دون أن تنجح فتصل إلى حالة مثيرة للرثاء.

الحب هنا مجرد وهم نابع من وحي فتاة مراهقة لا تعرف أصلا معنى الحب، وهو أيضا تعبير عن الإحباط الذي يواجه البعض في الحياة، عندما يضع المرء كل أمله في شيء ثم يصحو على حقيقة أخرى مغايرة تهزم الخيال.

أولريتش سيدل يعمل من خلال شركة إنتاج خاصة أسسها في فيينا، أي أنه يصنع أفلاما مستقلة، وينجح رغم جرأتها الشديدة، في تسويقها. ولكنها لا تعرض عادة في مهرجانات العالم العربي التي لا تزال خاضعة، للرقابة المتزمتة!

*ناقد سينمائي من مصر

العرب اللندنية في

11.09.2016

 
 

"المرأة التي غادرت" للاف دياز الفائز بـ"أسد" البندقية: درس إنساني وسينمائي!

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان - البندقية

لاف دياز: كثر لم يسمعوا بهذا الاسم قط في مطلع هذه السنة عندما فاز في الـ"برليناله" بجائزة ألفرد باور ("دب فضة")، عن فيلمه "أنشوده اللغز الحزين" ذي الساعات الثماني. فالمخرج الفيليبيني عمل منذ سنوات في بلاده بامكانات بالغة في البساطة ومحدودة، قبل أن تستميله المهرجانات الدولية، كانّ أولاً ثم لوكارنو فبرلين، والآن #البندقية، حيث نال مساء السبت "الأسد الذهب" عن تحفته "المرأة التي غادرت"، وهي ملحمة سياسية واجتماعية أخلاقية مدتها ٢٢٤ دقيقة، مصوَّرة بالأسود والأبيض وتدرجاتهما. فيلم باهر من الجنريك إلى الجنريك، نشعر فيه بروحية المكان ووطأة الزمن، حيث كلّ وحدة تصويرية تنطوي على كم هائل من السينما الكبيرة. لاف دياز يأتينا متأبّطاً درساً مزدوجاً في السينما والإنسانية! الدرس الأول عن كيفية صناعة فيلم ببساطة نموذجية خارج كلّ التوقعات الفنية والاقتصادية والسياسية، والثاني يتجسّد في خطاب يرفض الانزلاق إلى أحضان العنف والشر. ليس لدى الشخصية التي يقترحها دياز ما تخسره، مع ذلك فالإذعان للعنف لحلّ مشكلتها وإعادة الاعتبار لنفسها، لن يكون أول خياراتها، بل سيبتعد عنها هذا الاحتمال كلما اقتربت منه. هذا هو الخطاب الذي يسمو به الفيلم، وهو خطاب إنساني ملحّ، خصوصاً في زمننا هذا. وقبل أيّ شيء آخر، يؤكد لنا أنه ليس ثمة موضوع قديم أو جديد، بل نظرة قديمة ونظرة جديدة.

بسيطة الحكاية التي يستند إليها "المرأة التي غادرت"، حدّ أنّه أمكن اختزالها في فيلم من ساعة ونصف الساعة، ولكن دياز ليس من أنصار السينما المنتشرة بكثرة والهادفة إلى منح المُشاهد معلومات بأشكال عصرية ولغة بصرية مغرية. فدياز، عندما يقرر التصوير ويضع كاميراه في هذا المكان دقائق طويلة، إنما يبحث عن أسلوبية معيّنة ويلقي وجهة نظر ذات شأن على الواقع الفيليبيني، محاولاً محاصرته مكانياً وزميناً. وهذا ما يحصل تحديداً عندما يُمسك بحكاية هوراسيا (كارو سانتوس)، مدرّسة خمسينية أمضت سنواتها الثلاثين الأخيرة في معتقل بسبب جريمة لم ترتكبها، وعندما تخرج إلى الحرية، تصمّم على الانتقام من الرجل الثري الذي كانت على علاقة به وتسبّب بسجنها بعدما اتُهمت بجريمة قتل. عبر حكايتها، يقحمنا دياز في الواقع الاجتماعي للفيليبين. نرافقها من مكان الى آخر، لنتعرف إلى شخصيات ثانوية وعلى تلك اللوحة الخلفية التي تسند خطاب الفيلم السياسي المضمر. فالأحداث تبدأ العام ١٩٩٧، وفق النشرة الإخبارية التي تُذاع في الراديو، وما نسمعه خلالها عن عودة هونغ كونغ الى الصين بعد ١٥٦ سنة من الاستعمار البريطاني، يعكس هواجس دياز عن الكولونيالية في بلاده وأثاراها النفسية والاجتماعية التي ألقت بظلالها على أفلامه الماضية. شخصية هوراسيا هنا شاهدة على الفقر والفساد والجهل والإهمال الذي تعانيه البلاد على مرأى الله ومسمعه (دياز استوحى من قصة قصيرة لتولستوي اسمها "الله يرى الحقيقة ولكنه يتمهّل")، فالفيليبين، أقله البقعة التي يصوّرها، بيئة متديّنة يُستخدم فيها الدين أحياناً كغطاء لانتهاكات فاضحة، فحتى المجرمون والشياطين يحجزون لهم مكاناً كلّ أحد في الكنيسة / الجنة للتكفير عن ذنوبهم.

في هكذا جو، تعود هوراسيا في محاولة لتجميع كل ما تفتت في حياتها التي ذهبت أدراج الرياح، وبناء الخير من حولها، عبر قراءة قصص لأطفال مشرّدين ومساعدة آخرين مالياً. تلتقي طريقها بطريق شخصيات غرائبية هي في الحقيقة صلة الفيلم بالواقع المستجد الذي تغيّر كثيراً خلال وجودها داخل السجن، إلى درجة أنّ هوراسيا أصبحت غريبة في أرضها، لا تجد نفسها في شيء، بل ميتة مع وقف التنفيذ. وكم مؤثر انبعاثها بعد ثلاثة عقود لترى أنّ زوجها غادر هذا العالم وابنتها راحت لتعيش في مكان آخر، وابنها اختفى وقد يكون مخطوفاً في مانيلا.

هوراسيا شخصية متغيّرة تجسّد ضمير المخرج نفسه، تكاد تصبح بلا وجه، لا تعرفها وهي خارجة من داخل عتمة الليل واضعة قبعتها على رأسها لتلتقي في شكل متكرر حيناً ببائع بيض وحيناً بعاملة جنس متحوّلة أو تلك الفتاة المخبولة التي تأخدها الى زيارة كنيسة يقصدها الشخص الذي تريد الانتقام منه، في واحد من أظرف المَشاهد. معظم حوادث الفيلم ليلية، وغالباً لا نرى تفاصيل الوجوه أمام الشاشة بدقّة، بيد أنّ التكرار الذي يقترحه نصّ دياز هنا يُذكّر ببعض أفلام جيم جارموش. مدهش أن نرى ولادة الأمل من بيئة مسدودة الأفق، وأنّ ثنائية الانتقام / العفو ليست أبسط إشكالية على سطح الأرض، والسلام مع الذات قد لا يتحقق أبداً. أجمل ما في دياز وأفلامه هو أنه يُبقي على الكثير من الإنسانية عند شخصياته وهو يضعها في مواقف قاسية وحرجة ومعضلات أخلاقية لا تُحسَد عليها.

النهار اللبنانية في

11.09.2016

 
 

جوائز مهرجان فينسيا السينمائي

الفلبين تحصد الأسد الذهبي وإيما ستون أفضل ممثلة

أمل مجدي

انتهت فعاليات مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، أمس السبت، بإعلان جوائز المهرجان في دورته الثالثة والسبعين، التي شهدت منافسة شرسة بين أبرز صناع السينما العالمية.

جائزة الأسد الذهبي

فاز الفيلم الفيلبيني "The Woman Who Left" للمخرج لاف دياز، بجائزة الأسد الذهبي في حفل ختام الدورة الـ73 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.

وتنافس على هذه الجائزة 20 فيلمًا، من مختلف دول العالم، ويأتي على رأس القائمة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تشارك بـ7 أفلام، إلى جانب دول ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

جائزة لجنة التحكيم الكبرى "الأسد الفضي"

حصل فيلم Nocturnal Animals على جائزة لجنة التحكيم، وهو يعد الفيلم الثاني لمخرجه توم فورد، بعد فيلمه A Single Man في عام 2009.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة

فاز فيلم The Bad Batch للمخرجة الإيرانية الأمريكية آنا ليلي آمبربور بجائزة لجنة التحكيم الخاصة لهذه الدورة.

جائزة أفضل مخرج 

فاز المخرجان أمة إسكالانتي واندريه كونشالوفسكي بجائزة افضل مخرج بالمناصفة، عن فيلمي "Paradise" و"The Untamed".

أفضل ممثل

حصد الممثل الأرجنتيني أوسكار مارتينيز، جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم El Ciudadano Ilustre.

أفضل ممثلة

وحصدت الممثلة الأمريكية إيما ستون جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم الموسيقي الرومانسي La La Land.

جائزة أفضل سيناريو 

فاز المؤلف نوه أوبنهايم، بجائزة أفضل سيناريو عن فيلم "Jackie"، الذي أخرجه بابلو لارين، ويرصد قصة حياة جاكلين كندي، زوجة الرئيس الأمريكي جون كيندي، ومساندته لها طوال فترة توليه الرئاسة.

جائزة الأسد المستقبل 

فاز المخرج العربي علاء الدين سليم من خلال أولي تجاربه الإخراجية في فيلم The Last Of Us، بجائزة الأسد المستقل.

جائزة أفضل عمل أول

حصل فيلم "آخر واحد فينا"، على جائزة أفضل عمل أول، وهو فيلم إنتاج تونسي وإماراتي ولبناني مشترك.

جوائز قسم آفاق

-أفضل فيلم: حصل فيلم Liberami للمخرجة الايطالية فيديريكا دي جياكومو على جائزة أفضل فيلم في الدورة 73 للمهرجان.

-أفضل مخرج: حصل المخرج البلجيكي توم تروش عن فيلم Home على جائزة أفضل مخرج بمسابقة آفاق.

-جائزة لجنة التحكيم: فاز الفيلم التركي Big Big World للمخرج رحا أدريم بجائزة لجنة التحكيم في المسابقة.

جائزة أفضل فيلم قصير

حصل فيلم La Voz Perdida للمخرج مارشيلو مارتسيني، على جائزة أفضل فيلم قصير بالمهرجان في دورته الـ73.

موقع في الفن في

11.09.2016

 
 

المهرجان الذي تحوّل إلى منصّة إطلاق الأفلام صوب الأوسكار

فوز فلبيني وغالبية أميركية وجائزة لفيلم عربي

فينيسيا: محمد رُضا

منحت لجنة تحكيم الدورة الـ73 لمهرجان فينيسيا في حفلة توزيع الجوائز في العاشر من هذا الشهر، جائزتها الأولى (الأسد الذهبي) لفيلم «المرأة التي غادرت» للمخرج الفيليبيني لاف داياز. وإذا لم يكن اسم هذا المخرج غريبًا، فإن ذلك يعود إلى أنه هو نفسه من حظي بالجائزة الفضية في مهرجان برلين في مطلع هذه السنة عن فيلمه «تهويدة للغز مؤسف»، وهي الجائزة الثالثة بعد الدب الذهبي (منحت للإيطالي «نار في البحر»)، وجائزة لجنة التحكيم الكبرى (نالها «موت في ساراييفو»).

وحظي الفيلم المقدّم هنا تحت أعلام تونسية وإماراتية وقطرية ولبنانية «آخر واحد فينا» لعلاء الدين سليم، بجائزة لويجي دي لورنتيس المعروفة بـ«أسد المستقبل»، في حين توزّعت باقي الجوائز الرئيسية على أعمال أميركية وروسية ومكسيكية.

لاف وليو

في فيلمه الجديد «المرأة التي غادرت» أشفق المخرج لاف داياز على جمهوره، فاكتفى بأربع ساعات عوض ثماني ساعات التي استغرقها عرض فيلمه السابق «تهويدة للغز مؤسف». لكن سواء أكان فيلمه أربع ساعات أو ثماني فإن أسلوب داياز البطيء ومشاهده الطويلة التي لا تنتهي، والتي تشترك في نوع واحد من زوايا وأحجام اللقطات، وتحمل الكثير من افتعال التأمل والقليل من فن السينما، يبقى ذاته.

«المرأة التي غادرت» قائم على رواية من تأليف ليو تولستوي عنوانها «الله يرى الحقيقة لكن ينتظر»، لكن من قرأ تلك القصّة القصيرة التي وضعها سنة 1872 بعد انتهائه من روايتيه الملحميّتين «حرب وسلام» (1864) و«آنا كارينينا» (1878) يدرك أن المخرج داياز اكتفى ببعض الحبكة، وانطلق يسرد الفيلم الذي أراده. قد يكون أقل ركاكة في اختياراته الفنية مما سبق، لكن ذلك لم يشفع كثيرًا له لدى غالب النقاد، فمنحوه علامات استحسان أقل مما منحوا «لا لا لاند» و«جاكي» و«حياة امرأة» و«المواطن المتميّز»، وعلى قدر متساو مع «فردوس».

على أن المؤيدين والمعارضين لفوز «المرأة التي غادرت» بالجائزة الأولى على حد سواء يعلمون أن داياز يحفر اسمه في السنوات الأخيرة في صلب السينما، ولو أن أسلوبه ليس ابتداعًا ولا عبقرية. في العام 2014 حظى بإحدى جوائز مهرجان لوكارنو، ثم توجه إلى برلين والآن إلى فينيسيا، وقطف جائزتين متواليتين.

في المقابل ذهبت جائزة «لجنة التحكيم الكبرى» (الأسد الفضي) إلى الفيلم الأميركي «حيوانات ليلية» لتوم فورد. هذا في، مقياس نقاد الصحف الإيطالية والفرنسية والبريطانية، حط تاسعًا في سلم التفضيل. لكنه أفضل كيان وصناعة من فيلم داياز، ولو أن ذلك لم يعد العنصر الأساسي في تقييم لجان التحكيم على ما يبدو.

الجائزة العربية

الأفضل منه فيلم أندريه كونتشالوفسكي «فردوس» الذي خرج بجائزة أفضل مخرج مناصفة مع المكسيكي «غير المروّضة» للمخرج الجديد أمات إسكالانتي. «فردوس» يسرد حكاية ثلاثة شركاء في الحياة والموت يتلون شهاداتهم حول ما حدث لهم على الأرض خلال الفترة النازية. الفيلم خارج عن التنميط المعتاد للألمان، من دون أن يكون لاهيًا عما حاق باليهود من بؤس.

هذا الفيلم كان أحد الاختيارات التي توقعناها هنا، كذلك جائزة أفضل ممثلة لإيما ستون عن دورها في «لا لا لاند» (La La Land) الذي جاء الأول على قائمة كل النقاد الأوروبيين الذين شملهم إحصاء قامت به مجلتا «كلاك» و«فينيس نيوز» لداميان شازَل. كما ورد سابقًا، الفيلم موسيقي غنائي استعراضي مصنوع بحب دافق لسينما النوع، وينجز نقاطًا عالية في معظم خاناته، بما فيه خانة التمثيل النسائي كما قامت به إيما ستون.

جائزة التمثيل الرجالية ذهبت إلى أوسكار مارتينيز عن دوره في الفيلم الأرجنتيني / الإسباني «الرجل المتميّز»، علما بأن الخيارات بين الممثلين كانت أقل من تلك بين الممثلات.

جائزة السيناريو توجهت إلى نوا أوبنهايم عن صياغته فيلم «جاكي»، بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة (أقل جوائز الأفلام بروزًا) إلى الفيلم الأميركي «عجينة سيئة» لآنا ليلي أميربور.

أما الجائزة العربية الوحيدة التي نالها «آخر واحد فينا» فهي ذهبت، بالفعل، للفيلم العربي الوحيد المتسابق، ولو أن سباقه ليس في عداد المسابقة الأولى بل ضمن تظاهرة «أسبوع النقاد» الذي شهد منافسة كبيرة خرج منها فيلم علاء الدين سليم فائزًا.

منصّة إطلاق

معظم ما فاز من أفلام وشخصيات كان جديرًا بالفوز ولجنة التحكيم التي قادها المخرج البريطاني سام مندِس (أفلام جيمس بوند الأخيرة) لا بد خاضت الكثير من النقاشات للخروج بأحكامها. لكن التفسير الذي فات الكثير من المراقبين والحاضرين هو السبب الذي من أجله بلغ عدد الأفلام الأميركية المشتركة في المسابقة الرسمية أعلى رقم بين كل المهرجانات الأساسية في أوروبا. أكثر من برلين وأكثر من كان، وأكثر مما سينضح به مهرجان سان سابستيان الذي سينطلق بعد أيام.

سبعة أفلام أميركية (من أصل عشرين فيلم) اشتركت في مسابقة فينيسيا الكبرى وفيلم ثامن («الرائعون السبعة») ختمها من دون تسابق. الأفلام السبعة هي «لا لا لاند» و«وصول» و«حيوانات ليلية» و«جاكي» و«الضوء بين المحيطات» و«العجينة السيئة» و«سفر زمني: رحلة حياة» لجانب الفيلم الذي موّل جزئيًا من الولايات المتحدة وهو فيلم الوسترن «بريمستون».

سبب هذه الزيادة يعود إلى أن المهرجان، في سنواته الأخيرة، ساعد أفلام هوليوود الجديدة على المنافسة فيما بعد على الأوسكار وجوائز المناسبات المهمّة. هذا واضح بمراجعة دخول ثلاثة أفلام سابقة عرضها المهرجان الإيطالي في الأعوام الثلاثة الماضية ترشيحات الأوسكار وهي «جاذبية» و«بيردمان» و«سبوتلايت». صحيح أن «سبوتلايت» لم يفز بجائزة من جراء اشتراكه في مسابقة فينيسيا في العام الماضي، إلا أنه انتقل على خلفية اشتراكه هنا ليقطف أوسكار أفضل فيلم في هوليوود.

هذا العام سوف لن يكون مفاجئًا وصول «لا لا لاند» إلى الترشيحات الأوسكارية المقبلة. داميان شازِل مصر على تحقيق نصره في تلك الليلة بعدما دخل السباق في العام الماضي عن «طرف سوط» (Whiplash). ومع أن ماضي مل غيبسون الحديث قد يعيق وصوله إلى ترشيحات الأوسكار، إلا أن على أعضاء الأكاديمية المانحة إيجاد تبرير غير سياسي لحجب فيلمه الجديد «هاكسو ريدج» إذا ما فعلت. ليس أنه الأكثر تأهلاً بقدر ما هو أحد أفضل الإنتاجات الناطقة بالإنجليزية هذا العام.

لهذا السبب تحوّل فينيسيا إلى منصّة إطلاق صواريخ الأفلام صوب الأوسكار، وما يدخل سباق الأوسكار يدخل أساسًا سباقات المناسبات السنوية الأخرى، مثل غولدن غلوبس، وبافتا، وجمعيات المهن السينمائية.

«جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» أقامت حفلًا خاصًا دعت إليه رئيس المهرجان ألبرتو باربيرا، وخلال حديثي معه أثنى على فيلم مل غيبسون قائلاً: «فيلم حربي كلاسيكي مثير للإعجاب ويستحق التقدير، لأن فيه كل العناصر الفنية الجيّدة. إنه تأكيد على أنه مخرج مهم». حين سألته إذا ما كان اختيار الفيلم للعرض في فينيسيا (خارج المسابقة) له يدخل في نطاق إعادة تقديم المخرج من جديد، أجاب: «لا أمانع مطلقًا إذا كان تقديم هذا الفيلم هنا سيعيد الثقة إلى غيبسون. لقد صنع فيلمًا جيدًا بلا ريب، وآمل أن يتم تجاوز عثراته الشخصية السابقة. على الجميع أن ينظر إلى الفيلم بحيادية ليرى أنه واحد من أفضل ما عرضناه هنا».

ما هو مؤكد أنه في الوقت الذي باتت فيه مهرجانات أخرى، مثل تورنتو ونيويورك وتوليارايد تتنافس على اختيار الأفلام التي قد تولد من جديد في سباق الأوسكار، وكل منها يعتبر نفسه الكاشف الحقيقي للمواهب التي ستدخل المنافسة، يأتي مهرجان فينيسيا ليؤكد تبوأه في هذا الشأن عامًا بعد عام، وفي هذا العام أكثر من أي عام مضى.

الشرق الأوسط في

12.09.2016

 
 

السينما التونسية تحقق فى 2016 ما لم تحققه أى سينما عربية

بقلم: سمير فريد

حققت السينما التونسية انتصاراً «تاريخياً» بكل معنى الكلمة عام 2016 بعد أن فاز أمس الأول السبت الفيلم التونسى «آخر واحد فينا» إخراج علاء الدين سليم فى مهرجان فينسيا بجائزة لويجى دى لورينتس لأحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول.

هذا هو أول فيلم من الإنتاج العربى الخالص يفوز بهذه الجائزة، فالجهات المشاركة فى إنتاجه من تونس وقطر والإمارات ولبنان من دون شريك غير عربى، وقد عرض فى «أسبوع النقاد» الذى تنظمه نقابة نقاد السينما فى إيطاليا، وأصبح الفيلم العاشر الذى يعرضه الأسبوع ويفوز بهذه الجائزة، وهى الوحيدة من بين جوائز فينسيا التى لها قيمة مالية مائة ألف دولار أمريكى مناصفة بين المنتج والمخرج.

ولكن الانتصار التونسى ليس «تاريخياً» لفوز هذا الفيلم بهذه الجائزة التى تعادل الكاميرا الذهبية فى مهرجان كان، وإنما لأنها الجائزة الدولية الثالثة للسينما التونسية هذا العام بعد فوز الفيلم التونسى «نحبك هادى» إخراج محمد بن عطية، الذى عرض فى مهرجان برلين بجائزة الفيلم الطويل الأول أيضاً، وكذلك جائزة أحسن ممثل «ماجد مستورة» ولم يحدث من قبل أن فازت أى سينما عربية بما فى ذلك السينما المصرية بثلاث جوائز دولية فى سنة واحدة.

وفى البرنامج الموازى الآخر إلى جانب «أسبوع النقاد» وهو «أيام فينسيا» الذى ينظمه مائة من مخرجى السينما فى إيطاليا فاز بجائزة أحسن فيلم - «20 ألف يورو» - الفيلم التسجيلى الدنماركى السورى «استعراض الحرب» الذى عرض فى الافتتاح، واشتركت فى إخراجه السورية عبيدة زيتون مع الدنماركى أندرياس دالسجارد، وفاز الفيلم الإيطالى التسجيلى القصير «بلا حدود» إخراج العراقى الأصل حيدر رشيد بجائزة «ميجراتى»، وجائزة وزارة الثقافة الإيطالية.

ومن اللافت أن جوائز أحسن المخرجين الجدد فى المهرجانات الثلاثة الكبرى هذا العام ذهبت إلى ثلاثة مخرجين عرب، فقد فازت بالكاميرا الذهبية فى مهرجان كان المخرجة المغربية هدى بن يمينة عن فيلمها «شؤون إلهية»، وهذا أمر يحدث لأول مرة.

وقد أعلنت أمس الأول جوائز مهرجان فينسيا الرسمية، ولأننا لم نحضر المهرجان هذا العام، كتبنا المقال المنشور أمس عن تكريم سكوليموفسكى وكين لوش من واقع النشر على مواقع وصحف، ولكن تبين أن الفنان الذى فاز عن مجموع أفلامه مع سكوليموفسكى لم يكن لوش، وإنما الممثل الفرنسى جان بول بولمندو، ولذلك نعتذر للقراء عن هذا الخطأ.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

12.09.2016

 
 

سمير فريد عن جوائز فينيسيا:

"تونس ترفع علم السينما العربية في المهرجانات الكبرى

القاهرة - سمير فريد*

القاهرة- سمير فريد* - حققت السينما التونسية انتصاراً «تاريخياً» بكل معنى الكلمة عام 2016 بعد أن فاز أمس الأول السبت الفيلم التونسى «آخر واحد فينا» إخراج علاء الدين سليم فى مهرجان فينسيا بجائزة لويجى دى لورينتس لأحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول. هذا هو أول فيلم من الإنتاج العربى الخالص يفوز بهذه الجائزة، فالجهات المشاركة فى إنتاجه من تونس وقطر والإمارات ولبنان من دون شريك غير عربى، وقد عرض فى «أسبوع النقاد» الذى تنظمه نقابة نقاد السينما فى إيطاليا.

وأصبح الفيلم العاشر الذى يعرضه الأسبوع ويفوز بهذه الجائزة، وهى الوحيدة من بين جوائز فينسيا التى لها قيمة مالية مائة ألف دولار أمريكى مناصفة بين المنتج والمخرج. ولكن الانتصار التونسى ليس «تاريخياً» لفوز هذا الفيلم بهذه الجائزة التى تعادل الكاميرا الذهبية فى مهرجان كان، وإنما لأنها الجائزة الدولية الثالثة للسينما التونسية هذا العام بعد فوز الفيلم التونسى «نحبك هادى» إخراج محمد بن عطية، الذى عرض فى مهرجان برلين بجائزة الفيلم الطويل الأول أيضاً، وكذلك جائزة أحسن ممثل «ماجد مستورة» ولم يحدث من قبل أن فازت أى سينما عربية بما فى ذلك السينما المصرية بثلاث جوائز دولية فى سنة واحدة. وفى البرنامج الموازى الآخر إلى جانب «أسبوع النقاد» وهو «أيام فينسيا» الذى ينظمه مائة من مخرجى السينما فى إيطاليا فاز بجائزة أحسن فيلم - «20 ألف يورو» - الفيلم التسجيلى الدنماركى السورى «استعراض الحرب» الذى عرض فى الافتتاح، واشتركت فى إخراجه السورية عبيدة زيتون مع الدنماركى أندرياس دالسجارد. وفاز الفيلم الإيطالى التسجيلى القصير «بلا حدود» إخراج العراقى الأصل حيدر رشيد بجائزة «ميجراتى»، وجائزة وزارة الثقافة الإيطالية. ومن اللافت أن جوائز أحسن المخرجين الجدد فى المهرجانات الثلاثة الكبرى هذا العام ذهبت إلى ثلاثة مخرجين عرب، فقد فازت بالكاميرا الذهبية فى مهرجان كان المخرجة المغربية هدى بن يمينة عن فيلمها «شؤون إلهية»، وهذا أمر يحدث لأول مرة.

* عن « المصري اليوم »

وكالة أجي الإيطالية في

14.09.2016

 
 

جوائز مهرجان فينيسيا أرضت الجميع وأغضبت كورستوريتشا

العرب/ أمير العمري*

غلبت التوازنات التي تهدف إلى إرضاء معظم الأفلام العشرين التي شاركت في مسابقة الدورة الـ73 من مهرجان فينيسيا السينمائي التي اختتمت مساء السبت، خاصة بعد أن برزت خمسة أفلام تحديدا، باعتبارها الأفلام الأكثر ترشيحا من قبل النقاد للجائزة الأرفع شأنا من بين جوائز المهرجان، وهي جائزة “الأسد الذهبي”.

فوجئ المتابعون لنتائج مسابقة الدورة الـ73 من مهرجان فينيسيا الأخير بغياب جائزة الأسد الذهبي عن الأفلام الأكثر ترشيحا من قبل النقاد على غرار الفيلم الأميركي “لا لا لاند” (أرض الأنغام) الذي افتتح به المهرجان في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي، والفيلم الفرنسي “فرانتز” الذي يروي قصة مؤثرة تدور بين فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، والفيلم الأرجنتيني البديع “مواطن متميز”، والفيلم الأميركي “حيوانات ليلية”، والفيلم الألماني الفرنسي الروسي “الفردوس” للمخرج الروسي أندريه كونتشالوفسكي.

وكان البعض قد توقع أيضا حصول الفيلم الأميركي “جاكي” على الجائزة، رغم أنه تقليدي تماما في بنائه وقد لا يثير اهتمام الكثيرين بسبب تكلف الأداء عند بطلته الممثلة الإسرائيلية-الأميركية ناتالي بورتمان.

وقد تمثلت المفاجأة الأساسية في ذهاب “الأسد الذهبي” إلى أحد أكثر الأفلام ابتعادا عن التوقعات كما هي العادة في جوائز مهرجان فينيسيا تحديدا، وهو الفيلم الفلبيني “المرأة التي غادرت” (أو التي خرجت من السجن)، وهو عمل طويل (224 دقيقة)، لكنه فيلم قصير بمقاييس مخرجه لاف دياز المعروف بأفلامه الطويلة، وكان قد عرض قبل نحو ستة أشهر فقط فيلمه السابق “ترنيمة للغز الحزين”، الذي تتجاوز منه ثماني ساعات، في مهرجان برلين السينمائي دون أن يلقى أي نجاح يذكر، لا من جانب الجمهور ولا النقاد.

الفيلم المتوج بالأسد الذهبي فيلم ثقيل الوطأة، يختبر أعصاب المشاهد بلقطاته الطويلة وكاميراه الثابتة

ولا أحد بالفعل يدري كيف يتمكن دياز من صنع هذه الأفلام الطويلة تباعا في فترات زمنية قصيرة، لكن المعروف أنه مخرج مستقل (مواليد 1958) يكتب أفلامه بنفسه كما يقوم بتصويرها بكاميرا الديجيتال الرقمية وإخراجها وعمل المونتاج لها، أي أنه مخرج-مؤلف، لا يصنع أفلاما تجارية، ولهذا تحتفي به وبأفلامه مهرجانات السينما العالمية ودوائر سينما الفن، ومن المقرر أن ينتقل فيلمه هذا بعد فينيسيا ليعرض في مهرجان تورنتو الذي افتتح مؤخرا.

ومن غير المتوقع أن يلقى الفيلم المتوج في فينيسيا نجاحا كبيرا حتى في دور عرض الفن، والتجربة المحدودة في نطاق معين، وبأعداد صغيرة من المقاعد، فهو فيلم ثقيل الوطأة، يختبر أعصاب المشاهد بلقطاته الطويلة وكاميراه الثابتة وحواراته وثرثرة أبطاله التي لا تتوقف لحظة واحدة، ويجد المرء صعوبة بالغة في متابعة الصورة، بينما يتعين عليه أن ينشغل بمتابعة الترجمة المطبوعة أسفل الشريط، وهي مسألة مرهقة للغاية.

ومع ذلك أسعد الحظ دياز عندما اقتنع رئيس لجنة التحكيم، المخرج البريطاني سام منديس الذي يعمل في نطاق هوليوود، والذي أعلن مؤخرا أنه سيعود إلى المسرح الإنكليزي الذي جاء منه، بمنحه جائزة المهرجان الكبرى، لكي تتجاوز لجنة التحكيم مجددا وبشكل متكرر وملفت للنظر، الأفلام الأميركية البارزة لمجرد أنها “أميركية”، أي لا تحتاج في نظر هؤلاء المحكمين، إلى الدعاية وتسليط الأضواء، خاصة الأفلام القادمة من هوليوود مثل فيلم الافتتاح “لا لا لاند” الذي أراه شخصيا العمل الأفضل على جميع المستويات من بين كل الأفلام التي عرضت في مسابقة مهرجان فينيسيا، فغيره من الأفلام البارزة (باستثناء الأرجنتيني) لا يخلو من مشاكل واضحة سواء في السرد أو في الافتقاد للتعبير بالصورة وهو أساس السينما.

ابتعاد “الأسد الذهبي” عن الفيلم الأميركي الأكثر بروزا في المهرجان “لا لا لاند” هو امتداد لذلك التجاهل التقليدي للأفلام الأميركية في مهرجان فينيسيا، كما حدث قبل عامين مثلا عندما خرج فيلم “بيردمان” خالي الوفاض تماما من المهرجان، ليمضي بعد ذلك ويحصل على جوائز الأوسكار الرئيسية.

الجانب الاجتماعي

فيلم “المرأة التي غادرت” دراما فلبينية عن امرأة غادرت السجن مؤخرا بعد أن قضت ثلاثين عاما محكومة بموجب جريمة لم ترتكبها، وهي الآن تعاني صراعا داخليا بين رغبتها الشديدة في الانتقام من صديقها الذي كان وراء إدانتها، ومشاعر الغفران والتسامح.

والفيلم مصور بالأبيض والأسود بتقنية وأسلوب الفيلم التسجيلي الواقعي، وفي تقديري الشخصي أن إعجاب لجنة التحكيم به أو قرارها بتكريمه بمنحه الأسد الذهبي جاء نتيجة لموضوعه الاجتماعي السياسي، وليس لأسلوبه الفني الذي أراه شخصيا عقيما ومملا ومليئا بالثرثرة سواء البصرية أو الكلامية، خاصة عندما يعجز عن الدخول إلى قلب الموضوع مباشرة من اللقطات الأولى، ويطلب من المتفرج أن يصبر طويلا إلى أن يفهم كيف بدأت الحكاية.

ومن الطريف أن المخرج لاف دياز يقف ليعلن وهو يستلم الجائزة أن الفيلم “شهادة عن كفاح الفلبين بعد عقود من الحكم الاستعماري”، وما تلاه ويهدي الجائزة لوطنه، قائلا “أهديها لوطني.. للشعب الفلبيني.. لنضالنا.. لنضال الإنسان”، أي أنه حول فوزه بالجائزة إلى “انتصار” سياسي وطني على عادة ما يفعل معظم مخرجي العالم الثالث!

لتعويض السينما الأميركية عن “الأسد الذهبي” الذي كانت تستحقه، ذهبت الجائزة التالية في أهميتها مباشرة، وهي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم الدولية إلى الفيلم الأميركي “حيوانات ليلية” (نوكتورنال أنيمالز) وهو العمل الثاني الذي يخرجه مصمم الأزياء الأميركي توم فورد بعد فيلمه الأول “رجل بمفرده” (2009).

ولا شك أن الفيلم الذي كان يمكن أن يصبح مجرد فيلم عادي عن امرأة تعاني من تعقد علاقتها بزوجها الحالي، وتستعيد الأحداث التي أدت إلى تدهور علاقتها بزوجها السابق، تحول إلى عمل فني رفيع بعد أن نجح توم فورد، وهو أيضا كاتب سيناريو الفيلم، في خلق بناء مبتكر باستخدام قصة أخرى (خيالية) أقرب إلى أفلام الجريمة و”الفيلم نوار”، داخل الفيلم الأصلي الواقعي، ليلقي الأضواء على الحالة العقلية والنفسية للمرأة، وليصبح الفيلم داخل الفيلم الذي يدور في الخيال، مفجرا لأزمة الوعي عند المرأة التي قامت بدورها ببراعة آمي آدامز أمام جاك غلينهال.

ومع ذلك، لم تفز آدامز بجائزة أحسن ممثلة، بل ذهبت الجائزة إلى زميلتها الأميركية إيما ستون بطلة “لا لا لاند” التي تمثل وترقص وتؤدي بشكل رائع.

وستون التي سبق أن تألقت في فيلم وودي ألين الأخير “رجل متطرف” (فيلم الافتتاح في دورة مهرجان كان 2016) ممثلة جيدة ومجتهدة، تضيف من شخصيتها إلى الأدوار التي تقوم بها، وهي تمتلك جاذبية خاصة بوجهها الطفولي الغريب، رغم أن المتأمل لملامح وجهها قد يجده عديم التناسق، فهي صاحبة أنف ضخم وفم كبير وبعض التجاعيد الكثيرة على الجبهة وعلى جانبي فمها، رغم أنها لا تتجاوز الثامنة والعشرين من عمرها، كما أن عينيها جاحظتان وكبيرتان بدرجة لا تتناسب مع حجم وجهها، مما يجعلها أقرب إلى شخصية كرتونية خيالية من تلك الشخصيات المحببة التي تجذب الأطفال بوجه خاص، ولعل في طفوليتها هذه وغرابة وجهها، يكمن تحديدا سر جاذبيتها وسحرها!

المخرج لاف دياز حول فوزه بالجائزة إلى "انتصار" سياسي وطني على عادة ما يفعل معظم مخرجو العالم الثالث

أحسن ممثل

ذهبت جائزة أحسن ممثل إلى الممثل الأرجنتيني أوسكار مارتنيز بطل فيلم “مواطن متميز” الذي يقوم فيه بدور كاتب أرجنتيني مرموق تجاوز الستين من عمره، حاصل على جائزة نوبل في الأدب، يعود إلى بلدته الأصلية وهي قرية في الأرجنتين، ليتعرف على نفسه مجددا بعد أن عاش لثلاثين سنة في أوروبا، والفيلم من نوع الكوميديا السوداء التي تطرح

الكثير من الأفكار المعاصرة (سنخصص له مقالا منفردا)، وكان يستحق أيضا الجائزة الكبرى للمهرجان بسبب مستواه الفني الكبير.

ولا بد من القول هنا إن الفيلم السينمائي، مهما بلغت واقعيته وتصويره الخشن للواقع، يجب أن يحتوي على ما يحقق “المتعة” للمتفرج، فمن دون المتعة لا تتحقق فكرة السينما أصلا، فنحن لا نذهب إلى السينما لكي نرى الواقع، بل لكي نشاهد صورة الفنان من خياله عن هذا الواقع مهما بلغ من شطط وغلو.

الغلو والشطط، أو بالأحرى، الخيال الجامح، هو ما يميز فيلم المخرج الصربي أمير كوستوريتشا الجديد “في طريق الحليب” الذي ربما يكون الفيلم الوحيد البارز الذي خرج من المسابقة دون الحصول على أي جائزة. يقوم كوستوريتشا بنفسه ببطولة الفيلم أمام الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي في دور جديد تماما عليها، صحيح أنه يبتعد بها عن سطوة الإغراء، إلاّ أنه يحيطها بكل ما تحاط به “الأسطورة” المغرية الأنثوية عادة من جاذبية. ولعل المشكلة الوحيدة في الفيلم أنه لا يقدم موضوعا جديدا، فهو أحد الأفلام التي يكرر فيها كوستوريتشا موضوعه المفضل، أي مناهضة الحرب وإدانتها، ولكن بعيدا عن السياسة والنقد الاجتماعي السياسي الصارم كما كان يفعل مثلا في فيلمه الكبير “تحت الأرض” (أندرغرواند)، لكنه يستخدم الكثير من الحيل الفنية التي تجعل فيلمه أقرب إلى الواقعية السحرية، بمناظره الغريبة ولقطاته التي يختلط فيها العنف بالفكاهة وباللهو، والرقص بالإثارة والرومانسية والعنف، والفيلم يحتاج بلا شك، إلى مقال منفصل.

أحسن إخراج

من الجوائز الضعيفة أيضا جائزة أفضل مخرج التي تم تقسيمها (وهو أمر مثير للدهشة!) بين المخرج الروسي أندريه كونتشالوفسكي عن فيلمه “الفردوس” الذي يعود مجددا لطرق أبواب “أسطورة” المحرقة النازية-الهولوكوست، من خلال تفاصيل وبناء سينمائي مبتكر، مع ملاحظات كثيرة سلبية على المحتوى نفسه، وبين المخرج المكسيكي آمات اسكالانتي عن فيلم “خارج السيطرة”، وهو عمل متميز، لكنه يعاني من عدم الإقناع، في مزجه بين الواقعية والخرافة الأسطورية.

وكنت قد أشدت إشادة خاصة في مقال سابق في “العرب” تناولت فيه فيلم “فرانتز”، بأداء الممثلة الألمانية الشابة باولا بير، وتوقعت لها مستقبلا باهرا، وقد قدرت لجنة التحكيم موهبتها المتفجرة، فمنحتها جائزة مارشيلو ماستروياني لأحسن ممثلة صاعدة عن دورها في هذا الفيلم.

كان من المفاجئ أن تمنح اللجنة جائزتها الخاصة إلى الفيلم الأميركي “الدفعة السيئة” للمخرجة الإيرانية-الأميركية أنا ليلي أميربور، الذي يروي قصة تدور في أجواء خيالية عن عالم ما بعد التدهور الاقتصادي وزوال الحضارة الأميركية، تتضمن علاقات قاسية مليئة بالعنف بين جماعات من أكلة لحوم البشر، ورغم ما فيه من ابتكارات غير مألوفة، إلاّ أنه يعاني من الفراغ في الموضوع وغياب الخيال الفني الجميل الذي كان يميز الفيلم السابق للمخرجة نفسها، وهو “فتاة تمشي وحيدة في الليل إلى منزلها”.

جائزة أحسن سيناريو حصل عليها فيلم “جاكي” الأميركي للمخرج الشيلي بابلو لارين، والذي يصور حياة السيدة الأولى الأميركية جاكلين كنيدي بعد اغتيال زوجها الرئيس الأميركي جون كنيدي.

هذه الجائزة تعتبر جائزة مجاملة أو إرضاء لمن اعتبروا الفيلم عملا فنيا متميزا، بينما الرأي الخاص لكاتب هذا المقال أن الفيلم لا يستحق هذه الجائزة، تحديدا بسبب بنائه التقليدي العقيم الذي يعتمد على الانتقال من مقابلة صحافية يجريها صحافي مع جاكلين كنيدي عقب مصرع زوجها، إلى موقفها وهي تستعرض محتويات وغرف البيت الأبيض عندما دخلته في بداية رئاسة زوجها، من خلال برنامج تلفزيوني (بالأبيض والأسود) يعرض بشكل متقطع على شاشة التلفزيون، ثم مشاهد تكشف عن مشاعرها وكيف تصرفت بعد وقوع الاغتيال.

والملاحظ أن الفيلم من الناحية الدرامية يعاني من غياب الدراما بشكل يثير التساؤل، رغم درامية الحدث (أي الاغتيال)، ثم الموقف القاسي الذي وجدت “جاكي” نفسها فيه بعد ذلك، لكن هكذا هي جوائز المهرجانات الدولية التي لا تأتي دائما حسب مزاج النقاد.

*ناقد سينمائي مصري مقيم بلندن

العرب اللندنية في

15.09.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)