كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
     
 

صانع الأجهزة الحميمة والباحث عن الاستنارة الروحية..

ستيف جوبز.. الرجل في الآلة

عدنان حسين أحمد

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2016)

   
 
 
 
 

لابد من الإقرار بأن المخرج الأميركي أليكس غيبني ينتقي ثيمات حسّاسة لأفلامه الوثائقية التي لا تدور في فلك الموضوعات السائدة، فثمة شيء مختلف على الدوام، ليس على صعيد المعلومات حسب وإنما على صعيدي المعالجة والرؤية الإخراجية. ولعل فيلم "ستيف جوبز: الرجل في الآلة" هو دليل دامغ يؤكد صحة ما نذهب إليه.

كثيرة هي الكتب والروايات والسِيّر التي صدرت عن حياة ستيف جوبز بوصفه شخصًا حالمًا، ومُخترعًا، وعبقريًا، وباحثًا عن الكمال. وكثيرة أيضًا هي الأفلام التي تناولت نجاحاته واخفاقاته ورحيله المفجع الذي هزّ الملايين من محبّيه في الجهات الأربع من كوكبنا الأرضي الذي أصبح قرية كونية صغيرة بفضل جوبز وسواه من العباقرة المنهمكين في علم الإليكترونيات الساحر، وتكنولوجيا المعلومات المذهلة.

تتبّع غيبني ولع جوبز بالإليكترونيات منذ طفولته وصباه، ثم عرّج على مرحلة شبابه حينما اخترع أول شريحة إليكترونية تؤكد شغفه بهذا العلم الذي ينطوي على أسرار كبيرة لم تعد غامضة بالنسبة إليه فأخذ يفكر بأول كومبيوتر شخصي محمول بدلاً من الكومبيوترات الضخمة التي لم تُثر إلاّ شهية المختصين. لم يترك غيبني أيًا من مخترعات جوبز التي أنتج معظمها مع مبتكرين ومصممين آخرين إلاّ وتوقف عندها خلال مدة الفيلم الطويلة التي تجاوزت الساعتين بثماني دقائق فتعرفنا على Apple 1، و Apple 2، ونظام ماكنتوش، والآي بود، والآي فون، والآي باد قبل أن يُصاب بسرطان البنكرياس ويخضع لعملية جراحية لم تستطع القضاء على هذا المرض الغامض ففارق الحياة عن 56عاما.

ركّز غيبني على الجوانب الإيجابية في حياة جوبز لكنه لم يهمل الجوانب السلبية في حياة هذا المُخترع المبدع فهو بالنتيجة كائن بشري ضعيف لا يصمد أمام مغريات الحياة على الرغم من محاولته المستميته في الوصول إلى الصفاء الروحي الذي ينشدهُ البوذيون تحديدًا، فقد تحوّل جوبز إلى البوذية وظل مُعتنقًا لها حتى وفاته لكنه لم يفلح في القضاء على حُب الشهوات ولم ينتصر على أناه المتضخمة التي كانت تختطفهُ دائمًا من دروب الاستنارة الروحية.

يمكن الاستدلال على نجاح أي فيلم وثائقي إذا توفر على آلية "الرأي والرأي والآخر" والمتلقي في هذه الحالة لا ينظر إلى نصف الكأس المملوءة فقط وإنما يتوجب عليه أن يتطلع إلى النصف الفارغة التي يقول فيها المخرج كل ما هو محجوب أو مسكوت عنه، أو مغيّب عن قصد.

لعل أبرز ما يتبادر إلى ذهن المُشاهد هي الاختراعات والإنجازات العلمية التي حققها جوبز مع عدد غير قليل من أصدقائه المُبتكرين والمهندسين والمصممين الذين عملوا معه في شركات أبل وبيكسار ونيكست وتعاملوا معه كشخص مثالي لكن واقع الحال يكشف بأنه كان مُدمنًا على تعاطي المخدرات التي تسبب الهلوسة، وتثير الإحساس بجنون العَظَمة

لم يتورع جوبز عن الكذب والاحتيال فلقد خدع صديقه المقرّب جدًا وزينياك عندما كان يعمل في شركة "أتاري" التي أبرم معها عقدًا قيمته 5000 آلاف دولار لكنه ادعّى أن قيمة العقد هي 700 دولار فكانت حصة وزينياك هي 350 دولار لا غير، وقد اكتشف هذه الخدعة بعد عشر سنوات!

لم يعترف جوبز بأبوّته لابنته الأولى "ليزا" التي أنجبتها صديقته كريسان برينان عام 1978 فقد تخلّى عنها لسنوات طويلة قبل أن يعترف لها بإبوّته البيولوجية.

لا يجد جوبز ضيرًا في مخالفته للقوانين المتبعة فهو يُوقف سيارته الشخصية في الأمكنة المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. وإذا كان الضرر محدودًا في مثل هذه التجاوزات الشخصية فإن المتلقين لهذا الفيلم لا يمكن أن يغفروا له الانتهاكات الصارخة لشركة أبل في الصين، والظروف السيئة للعاملين فيها بسبب جشعه واستغلاله اللذين أفضيا إلى العديد من الكوارث التي لا تغادر ذاكرة المتلقي أبدا.

لم يُشر جوبز إلى سرقة أفكار وتجارب المخترعين والمصممين في الشركات الأخرى إلا لماما لأنه لم يكن يؤمن بمبدأ الأمانة العلمية التي تحترم حقوق الآخرين، وتحافظ عليها من اللصوص، وسرّاق الأفكار الذين يقترفون جرائمهم في رابعة النهار من دون خجل أو وجل.

الغريب في الأمر أن جوبز قد كذّب حتى في مرضه، فحينما كشف له الطبيب أنه مُصاب بسرطان البنكرياس الذي يتعذر علاجه وأن سوف يعيش من ثلاثة إلى ستة أشهر، وعليه أن يتهيأ للموت ويخبر أهله وشركاءه في العمل بهذا الأمر الجلل، قال ببساطة أنه أجرى عملية جراحية وتماثل للشفاء من هذا المرض الخطير. بينما كشف الرأي الآخر أنه كان يعرف إصابته بهذا المرض قبل تسعة أشهر، ورفض إجراء العملية الجراحية، وطلب من الطبيب أن يعالجه بالأدوية والحبوب كي يتفادى مخاطر التداخل الجراحي.

لا يمكن الوقوف عند كل الأكاذيب ونقاط الضعف التي تنطوي عليها شخصية جوبز النرجسية التي تحاول الاستحواذ على كل شيء تقريبا. فهو مُروّج جيد لبضاعته، ويعرف الشخصيات العلمية والإدارية التي يجب أن يستدرجها لشركته، لكنه ليس مديرًا ناجحاً في معظم الأحوال طالما أنه يريد أن "يجيّر" نجاحات الآخرين لمصلحته الشخصية.

تنطوي شخصية جوبز الإشكالية على منعطفات كثيرة تؤهلها لدور البطولة في هذا الفيلم الوثائقي المثير للجدل. فشخصيته دائرية، ووعرة إلى حدٍ ما، ومتضخمة بشكل مرَضي، لكنها تعرف كيف تستقطب نجاحات الآخرين وتمررها عبر بوابته الشخصية المليئة بالغرائب والمفاجآت. ولعل المفاجأة الأبرز في هذا الفيلم الوثائقي هي تحوّل جوبز إلى البوذية لتحقيق السكينة والانسجام والاستنارة الروحية. فقد ذهب مرات عديدة إلى الهند واليابان وربما تكون هذه المَشاهد هي خلاصة الفيلم من الناحية الجمالية وهي لا تندرج في إطار التوثيق، وإنما في إطار التجليات البصرية التي تتيح لنا كمتلقين مساحة واسعة من التأمل وإطالة النظر في الأفكار التي ينتجها الإنسان حينما يسكن في قلب الطبيعة النابضة.

كثيرة هي الشخصيات التي تستحق الاهتمام في هذا الفيلم، بل ليس هناك شخصية فائضة عن الحاجة لكن تظل شيري تيركل، أستاذة الدراسات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا في MIT هي الأكثر أهمية لجهة ثقافة الحاسوب وقد أصدرت كتاب "الذات الثانية" هذا الجهاز الذي لا يعمل ما لم تضع جزءًا من عقلك فيه. وبهذا المعنى فالحاسوب ليس لك وإنما هو "أنت نفسك"! وقد نجح جوبز في تحقيق هذه الفكرة الواضحة التي كانت تدور في ذهنه بينما ظلت مشوّشة في أذهان الآخرين من المخترعين والمصممين في حقل الإليكترونيات.

كتب غيبني قصة الفيلم وأخرجها بهذه الطريقة المُحايدة التي تعتمد على آلية الرأي والرأي الآخر التي تضيء الجانبين المشرق والمعتم في شخصية ستيف جوبز التي هزّت العالم وشغلت الناس صغيرهم وكبيرهم لأنهم كانوا يرون أنفسهم حقاً في أحدث المنجزات الإليكترونية الحميمة الذي نجحت في أن تكون ذاتًا ثانية لحاملها.

تجدر الإشارة إلى أن غيبني يحتل مكانة مرموقة في المشهد السينمائي الوثائقي، بل أن مجلة Esquire الأميركية اعتبرته "من أكثر المخرجين الوثائقيين أهمية في الوقت الراهن". وقد أنجز خلال رحلته الفنية أكثر من ثلاثين فيلمًا أبرزها "تاكسي إلى الجانب المُعتم" الذي فاز بجائزة الأوسكار عام 2008.

فيلم "ترامبو".. يزيح الستار عن صفحة سوداء عاشتها هوليوود

ترجمة: أحمد فاضل

من خلال فيلم "ترامبو" الذي يجسد حياة كاتب السيناريو الأمريكي المعروف دالتون ترامبو (1905 – 1976) ، تستعيد هوليوود ذكرى القوائم السوداء التي قادت إلى تدمير بعض الأسر الفنية والكتاب الموهوبين بجعلهم يختارون المنافي على أن يعيشوا خلف قضبان السجون في أمريكا . هذه القوائم السوداء التي انتشرت في هوليوود هي أحد الفصول الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث حيث منعت الكثير منهم العمل في صناعة السينما بسبب تعاطفهم مع الشيوعية أو انتمائهم لها ، الفيلم يعيد ذكرى تلك الأوقات العصيبة في واحدة من فصول الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي سابقا وأمريكا .    

والفيلم يروي لنا كيف تم استهداف ترامبو وعشرة من السينمائيين معه  للمثول أمام لجنة التحقيق الحكومية للنشاطات غير الأمريكية (HUAC) في واشنطن عام 1947 بعد ادانتهم بازدراء الكونغرس والترويج لمؤلفات مفترضة للدعاية الشيوعية وجهت لهم بعدها عقوبات مختلفة بالسجن . وبعد انقضاء محكوميته التي استغرقت أحد عشر شهرا لم يجد ترامبو مجالا للعودة إلى عمله فقد كانت هناك تعليمات مشددة بذلك حيث وضع اسمه في القائمة السوداء فعمد إلى استخدامه لأسماء مستعارة عديدة بمساعدة صديقه ايان ماكليلان هنتر الذي سهل عليه العمل في كتابة بعض سيناريوهات الأفلام التي أنتجتها هوليوود في خمسينات القرن المنصرم فكتب سيناريو الفيلم الكوميدي الرومانسي " عطلة رومانية " عام 1953 وهو من بطولة أودري هيبورن وغريغوري بيك الذي حاز على جائزة الأوسكار آنذاك ، كما فاز فيلم آخر كتب السيناريو له بجائزة الأوسكار  تحت اسم مستعار عرض في عام 1956 قال انه ليس قادرا على تسلم  جائزته بنفسه للأسباب نفسها التي انتهت مع كتابته سيناريو فيلم "سبارتاكوس" الذي اضطلع ببطولته كيرك دوغلاس .

ومع أن الفيلم لم يروِ القصة بكاملها ، إلا أن التمثيل هو بالتأكيد كان جيدا جدا إضافة إلى إخراجه الذي تميز به جاي روتش في محاولة منه الابتعاد عما عرفت به أفلامه السابقة من كوميديا ضاحكة والتركيز على ترامبو وما مر به من معاناة هو وأطفاله ولكي يضفي المخرج شيئا من مصداقية أن الرجل كان محسوبا على الفكر الشيوعي نراه يجسد ذلك في مشهد ترامبو وهو يشرح معتقداته الماركسية اللينينية إلى واحدة من بناته حيث يقول لها: "الشيوعية يعني أن تتقاسمي الساندويتش مع صديق المدرسة الذي لا يوجد لديه المال لشرائه".

"ترامبو" للمخرج جاي روتش أمريكي المولد وهو كذلك منتج أفلام وكاتب سيناريو بدأ مسيرته الفنية عام 1986 كما أنه من الفائزين بجائزة إيمي المعروفة ، قام بأداء أدواره الرئيسية براين كرانستون ودايان لاين وهيلين ميرين ولويس سي. كي وإيل فانينغ ، عرض الفيلم في قسم العروض الخاصة لمهرجان تورونتو السينمائي الدولي عام 2015، وعرض في صالات السينما الأمريكية والعالمية في 6 تشرين الثاني 2015 وقد حصل الفيلم على مراجعات إيجابية عموما ومع ذلك فإنه قد تعرض لانتقادات شديدة بسبب المغالطات التاريخية التي رافقت أحداثه.

عن: ديلي اكسبرس

المدى العراقية في

10.03.2016

 
 

نظرة على فيلم "سبوت لايت" المتوج بأوسكار أحسن فيلم 2016

خبر غيَّر تاريخ العالم

الجزائر: محمد علال

انتهى التحقيق على صدر الصفحة الأولى، وانتهى الخبر إلى قصة عالمية لا تزال تشكل إحراجا كبيرا للكنيسة الكاثوليكية، بينما انتهى الفيلم “سبوتلايت” للمخرج توماس ماك كارثي بحصوله على جائزة أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل سيناريو أصلي من أصل 6 ترشيحات. عندما وصل التحقيق إلى تلك المحطة، كان الفيلم قد طرح في قاعات السينما العالمية سؤالين “ماذا يعني أن تكون صحفيا جيدا؟ وهل يكفي أن يبكى الصحفي بسبب قصة تدين قساوسة الكنيسة بالتحرش الجنسي؟ أم يجب عليه أن يبحث سبل نشرها في مجتمع مسيحي حيث رجال الكنيسة هم الأكثر تقديسا؟

 “سبوت لايت” هو باختصار ساعتان من رحلة صحفي مهووس بكشف الحقيقة، يسافر في تحقيقه ولا ينتظر مقابلا ماديا من المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، يضطر لدفع الرشوة أحيانا مقابل الحصول على المستندات التي تكشف الحقيقة، ويبث الروح في خبر بدأ في كتابته، ليتحول إلى قضية رأي عام عالمي يطيح برهبان الكنسية الكاثوليكية، ويكسر حاجز الصمت ليصل بالحكاية إلى العالم. حكاية لا تزال تداعياتها مستمرة إلى غاية الساعة، وتدفع بردود فعل من الفاتيكان، بعد أن كشف الخبر أن قضية التحرش لا تتعلق فقط بمدينة بوسطن الأمريكية، بل لها أشكال وضحايا كثر عبر العالم.

الموضوع حبيس الأدراج

تلك الحكاية هي حكاية صحيفة “بوسطن غلوب” في إنجاز تحقيق حول الاعتداءات الجنسية لقساوسة أبرشية بوسطن ضد الأطفال، مع أبطال الفيلم مايكل كيتون، رايتشل ماك آدامز، ييف شرايبر، جون سلاتري وستانلي توكسي. وذلك الخبر هو الذي دفع كاردينال بوسطن برنارد لوو كاردينال لتقديم استقالته عام 2002. ويعلمك الفيلم كذلك كيف تصبح صحفيا، ولكي تكون كذلك يجب أن تكون محاميا، قاضيا، تتعرض للابتزاز، لا تعيش حياة عادية كباقي الأسر، وعندما يسألونك لماذا لم تتزوج تجيبهم “ليس لدي وقت، هناك ما هو أهم لأمنحه جهدي ووقتي”. لكي تكون صحفيا يجب أن تكون “سبوت لايت”، أي إنسان في النهاية يتألم بشدة لقضايا الآخرين، ويطوع حياته في الدفاع عن حقوق الأطفال الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية من قبل رجال الكنسية، بهذا الشكل كان فيلم “سبوت لايت” يؤسس لنجاح القصة ويؤسس أيضا للدخول إلى التصفيات النهائية لجائزة الأوسكار.

مع فيلم “سبوت لايت” تقدم هوليود دراما حقيقية، صورة الصحفي الجيد مع قصة فيلم أمريكي جديد إنتاج 2015، جاء ليسلط الضوء على دور الصحافة في كشف الحقائق، حيث شق الفيلم طريقه من قاعات التحرير إلى الشاشة الذهبية، ليعيد الذاكرة إلى فيلم “كل رجال الرئيس” الذي صدر سنة 1976.

وقد تطرق “سبوت لايت” هذه المرة إلى موضوع ظل لسنوات حبيس الأدراج في مدينة “بوسطن” الأمريكية، حيث ينتمي معظم السكان للكنيسة الكاثوليكية، وتتجه صحيفة “بوسطن غولدن” المحلية إلى إدانة القساوسة بالجرم القاطع، مسألة لم تكن سهلة، لهذا شكلت مادة دسمة للمخرج الذي أراد هو الآخر تحدي صمت المدينة والمضي نحو تصوير الموضوع وكسر الطابو.

الصحافة تكشف المحظور

قد يقول البعض إن القضية وحدها تكفي لتقود نحو التتويح، لكن الحقيقة أن “الأوسكار” لم ينبهر قبل سنتين إلى حد تتويج فيلم “فيلومينا” للمخرج ستيفن فريرز الذي صدر سنة 2013، مقتبسا عن كتاب “ابن فيلومينا الضال” الذي ألفه الصحفي مارتن سكسميت وبطولة جودي دينش وستيف كوغانو. رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار، وغاص هو الآخر في دهاليز سلوكيات القساوسة، ولكنه لم يتوج بالأوسكار. لهذا فالأكيد أن هناك أشياء أخرى أكثر إبهارا في “سبوت لايت”، لقد راهن المخرج على الخوف الذي حام حول الحكاية الأصلية التي عاشت عقودا من الزمن في صمت رهيب، أمام رهبة سكان مدينة بوسطن الأمريكية من سلطة الكنيسة، قبل أن تأتي جرأة المالك الجديد للصحفية ذي الأصول اليهودية (جسد دوره الممثل ييف شرايبر) فهل هي صدفة أن يكون المالك الجديد لصحيفة “بوسطن” التي فجرت فضيحة الكنيسة الكاثوليكية يهوديا؟ يتلاشى الغموض حول قضية تحرش القساوسة بالأطفال على يد تحقيق تحرك فيه الصحفيون بعواطف وإيمان كبير بقضية الأطفال الأبرياء.

هو الإبهار القادم أيضا من الأداء والتحدي وروح المغامرة الحقيقية التي ارتسمت في ملامح أبطال الفيلم، خصوصا الممثل مارك رافالو الذي أدى دور الصحفي المحقق الذي كان يبدو حقيقيا أشد من الواقع، حزينا أكثر من الضحية، مندفعا أقوى من أي صحفي يبحث عن السبق. من قاعات التحرير حتى أرض الواقع، كان خط سير الفيلم سر نجاحه، بعد أن طرق أبواب الجريدة وكل ما تحمله من مواد وحكايات مثيرة تصلح لصنع العشرات من الأفلام والمسلسلات، إلا أنها لا تزال في معزل عن الشاشة العالمية.

..ولكن قاعات التحرير لا تغري السينما الجزائرية

بالنسبة للسينما الجزائرية، فإن موضوعا مثل هذا يبقى بعيدا جدا، فحكايات رؤساء التحرير ومسئولي الجرائد هي على هامش أجندة المخرجين، في ظل توجه مال الدولة إلى إنتاج الأفلام التاريخية، لهذا يبقى الرهان على رؤية وقناعة أكثر المخرجين الجزائريين تفردا في آرائه ومواضيعه، المخرج مرزاق علواش الذي مضى مؤخرا لقراءة ملامح الصحافيين خلف المكاتب وفي الشوارع والصحراء في مهمة التحقيق الصحفي.

وبنفس النسق، قرر مرزاق علواش أن تكون رحلة التحقيق الصحفي حول موضوع “الجنة” إثارة وجرأة بلا شك ستثير زوبعة من الجدل. كيف لا والفيلم الروائي الوثائقي طرق أبواب قضية لا تقل عن موضوع “سبوت لايت”، وكلاهما من الطابوهات.

الخبر الجزائرية في

10.03.2016

 
 

جديد “شبيلبيرغ وهانكس″:

جسر الجواسيس (2015).. عودة أشباح الحرب الباردة!

مهند النابلسي

انها عودة درامية شيقة لنمطأفلام الجاسوسية التي ابدع “جون لي كاريه” بكتابة قصصها، هكذا يقدم لنا الثلاثي “شبيلبيرغ” كمخرج و”توم هانكس″ كمحام مستقل و”مارك رايلنس″ بدور جاسوس روسي شهير. هذا الفيلم يلقي ظلالا من الواقعية والتفاؤل والتكافؤ الأخلاقي واللياقة الديبلوماسية، في سيناريو محكم كتبه الكاتب المسرحي البريطاني مات شارمان والأخوان جويل وايثان كوان (أصحاب لا بلد للرجال العجائز)، قدم فريق العمل المتجانس هنا عملا سينمائيا متماسكا وتفاعليا بلمسات شيقة لحالات انسانية وطرافة ساخرة، كما غاص بنا في اللحظات المحفوفة بالمخاطر وجنون العظمة والنفاق الخفي.

اشتق اسم الفيلم من عملية تبادل الجواسيس على جسر “جلينكي” الشهير الذي يربط برلين الشرقية بالغربية، مع وجود  القناصة على كلا جانبي الجسر جاهزين للقتل ولسحب رجلهم باللحظة الأخيرة اذا ما ظهرت بوادر التراجع والخيانة!

تظهر براعة المحامي “توم هانكس″ بقدرته الفائقة على المناورة، واحتساب المكاسب ومراجعتها مع كل يوم، متسائلا بصمت: “ما مدى انهيار رجل تحت الاستجواب وتخليه عن الأسرار، وبالتالي تصبح لا قيمة لمبادلته”! ويبدو مهتما باحداث صفقة “اثنين مقابل واحد” (الطيار وطالب  أمريكي يدعى “فريدريك بريور حبس ظلما ببرلين الشرقية  أثناء محاولته تجاوز الحدود بين البرلينتين)، تبدو هذه الصفقة مجزية للمحامي البارع…يلعب كل من “اوستين ستوويل” دور الطيار جاري باورز، ويلعب “مارك رايلنس″ دور الجاسوس السوفيتي المتمرس آبيل، و”توم هانكس″ بدور المحامي القدير “دونوفان”، الذي يتمكن ببراعته من كسر كل قواعد المبادلة  بعناد ودهاء، ويصر على اطلاق  الطالب “بريور” باللحظات الأخيرة لصفقة التبادل، حيث تحقق له هذه المبادلة التاريخية شهرة كبيرة فتوكل له لاحقا مهمة اطلاق سراح عدد كبير من الجواسيس المعتقلين بكوبا كنتيجة لفشل عملية “خليج الخنازير” الشهيرة بستينات القرن الماضي…أما براعته وقدرته على استبصار المستقبل فتظهر  بموافقته على الدفاع  كمحام مستقل عن العميل السوفيتي “آبيل”، وتحمله لعدوانية المجتمع والمؤسسات الأمريكية ذاتالعلاقة، وببراعته باقناع القاضي المتطرف العنيد بضرورة المحافظة على حياة آبيل لمبادلته عند الضرورة!

يؤدي هانكس كعادته دورا مؤثرا ومقنعا ولافتا، ويتحدى قدراته “كمحامي” بذهابه “لبرلين الحرب الباردة” في مغامرة خطيرة وغامضة، متسلحا باستقامته وحرفيته الرفيعة، ونسمعه يسأل “آبيل” دائما “ألست قلقا”؟ فيما يجيبه هذا الأخير بثقة وبصوت رقيق وحازم “وهل يساعد القلق”؟ والغريب أن “آبيل” هذا لا ينكر ذنبه ويصر على “عمالته وجاسوسيته”… يضطر المحامي للتعامل مع المنسق بالسفارة الأمريكية البيروقراطيالصعب المراس هوفمان (جون سكوت شيفيرد) فارضا أجندته واسلوبه، كما يواجه “دونوفان” ببرلين الشرقية “حقل الغام خطير”أثناء تعامله القسري مع خصوم عنيدين ومراوغين حازمينمن شخصيات ما كانيسمى “الستار الحديدي”، حيث تتباين مصالح كل من السوفيت والألمان الشرقيين الساعين لاثبات استقلالية قرارهم، كما يبدو أن لكلا الطرفين طريقته ومزاجه ونوبات غضبه ودبلوماسيته الخاصة، حيث يجبر “دونوفان” على مفاوضة  شخصيات صعبة  كفوغل (سيبستيان كوخ) ومسؤول الستازي “بورجارت كلاوسنر”.

يطرح الفيلم تساؤلات ولا يجيب علها: لماذا امتنع باورز عن تناول سيانيد البوتاسيوم  بواسطة ابرةالسم المغروسة بعملة معدنية بعد ان تم أسره من قبل السوفيت، وبالمقابل لماذا نرى آبيل (ببداية الشريط) وهو يستخلص باصرار معلومات سرية من عملة زائفة؟ كما يتركنا الفيلم نشاهدمشدوهين طريقة قنص  الهاربين الشرقيين عند الجدار المبني حديثا وبلا رحمة وبدون سابق انذار، كما أن “دونوفان” ينظرمذهولامن خلال نافذة القطار لمجموعة من الشباب وهم يتجاوزون جدارا بنفس الطريقة في قلب مانهاتن…نلاحظ بالفيلم درجة التحريض والتعبئة الجماهيرية، متمثلة بنشر مخاوف مبالغ بها لآثار هجوم نووي سوفيتي محتمل فوق نيويورك، حتى أن “ابن دونوفان” الصبي الذي لم يتجاوزربما ال12 عاما يقومباجراء تجارب مائية للاحتياط بالمنزل، فيما يؤكد له أبيه عدم صحة هذه المزاعم، كما يبدو ذلك جليا بطريقة تعامل المجتمع مع المحامي وعائلته، ابتداء من النظرات العدائية السافرة داخل قطار العمل وانتهاء بمحاولة اخافته وعائلته باطلاق النار على منزله (كما بأفلام العصابات)، كما يبدو ذلك جليا بعصبية وأقوال ونظرات ضباط الشرطة المحققين.

“شيطنة” الشرق و”أنسنة” الغرب!

من الصعب حقا تصديق بعض مشاهد هذا الفيلم، ومنها تصوير برلين الشرقية على أنها كانت “خرابة” في ستينات القرن الماضي، وبحجة أن الروس تركوها هكذا لسبب مجهول بالرغم من الفيلم أصرعلى استقلالية القرار بألمانيا الديموقراطية (كما كانت تدعى)، كما أن ظهور شخصيات الستازي بهذا الشكل الساخر الكوميدي بدا مبالغا به، كما لم يفهم سبب التعاطف الزائد الذي ابداه المحامي الأمريكي تجاه العميل السوفيتي “الأسير”، مما حدا بالأخير لكي يرسم له صورة شخصية ويهديها له بآخر الفيلم…أما قصة الشاب الأمريكي “دارس الاقتصاد” فبدت سطحية بل ومجانية بطريقة عرضها، من حيث وقوع ابنة استاذ الجامعة بحبه، ومحاولاته الساذجة لتهريبها نحو الصوب الغربي من المدينة، كما بدت مناظر بناء الجدار عشوائية وربما “مفبركة”، وكذلك حادثة سرقة معطفه “الثمين” من قبل شبيبة شرقيين “زعران”…ولاحظنا كيف استقبل الأمريكان اسيرهم الطيار بلهفة، فيما استقبل العميل السوفيتي بفظاظة مهينة تقريبا وكأنه “شخص مشبوه”…أما لحظات سقوط طائرة التجسس فقد كانت مذهلة وواقعية وتكشف عن قدرات “شبيلبيرغ” الاخراجية المعهودة…كما يحتوي الفيلم على لقطات معبرة وشيقة، منها طريقة تعقب المحامي تحت المطرالغزيرمن قبل عميل “السي آي ايه”، وعندما أنهى “دونوفان” اللقاء بالتأكيد على غلبة القانون والدستور بأمريكا قائلا له: “أنت المانيالأصل وانا ايرلندي الأصل، وما يجمعنا ويحكمنا هو احترامنا المشترك  للقانون والدستور الأمريكي، ولا شيء غير ذلك”!…ثم قصة “الرجل الواقف” التي سردها آبيل من ذكريات طفولته، ويعني الرجل الصامد المقاوم الذي لا يهزم، حيث شبه عناد وعزم المحامي بالرجل الواقف.كما نلاحظ أن طريقة معاملة الأسير الطيار من قبل سجانيه السوفيت كانت مهينة (تعريضه المستمر للماء البارد ولقلة النوم والاستجواب)، فيما عومل العميل السوفيتي بكرامة،بالرغم من أن مدة حكم “طيار  اليو 2″ كانت عشر سنوات مقارنة مع الثلاثين سنة التي حكم بها “أدولف آبيل” كبديل لحكم الشنق، كما أظهر الشريط سلوكيات زوجة وابنة العميل السوفيتي بشكل “ساذج ومتهافت” عكس شخصية “آبيل” الهادئة والمتماسكة…لكن الفيلم نجح بالتعبير بمصداقية عن حالة التوتر والقلق وانعدام الثقة التي كانت تسود أجواء الحدود بين شطري المدينة التاريخية المقسمة، وربما ينبهنا ذلك ويذكرنا مجازا بعودة “أجواء الحرب الباردة” التي بدت أشباحها الداكنة تهيمن “بقوة” على العلاقات الدولية الراهنة!

Mmman98@hotmail.com

رأي اليوم اللندنية في

10.03.2016

 
 

"موستانغ" أو عملية "ترويض" الفتيات في تركيا المحافظة

رائد الرافعي

عندما تهدّد الفتاة جدّتها بالصراخ إنّ هي أُجبرت على الزواج من شابٍ لا تعرفه ولا تحبّه، تهرع الجدّة إلى تقديم الأخت لعائلة الشاب كعروس بديلة وتقول عنها إنّها "مميّزة". رغم ذلك التعليق، كل شيء في عالم "موستانغ" (٢٠١٥) يوحي بتشابهٍ كبير بين جميع فتيات القرية المحافظة والنائية من تركيا. الفيلم، الذي عُرض في بيروت في افتتاح مهرجان أفلام الشباب الذي تقيمه جمعية "متروبوليس" للمرة الأولى، يروي قصّة خمس أخوات مراهقات تعشنّ مع جدّتهن وخالهنّ منذ وفاة والديهنّ. وتواجهنّ المصير نفسه في ظلّ عائلةٍ لا تأبه إلّا بالحفاظ على أعراضهن وتسعى إلى تزويجهنّ في أقرب فرصة ممكنة. الفيلم الذي حاز جوائز عدّة، هو الأول للمخرجة التركية/ الفرنسية دنيز غمزة أيرغوفان، وهو مستوحىً من بعض الوقائع الحقيقية التي عاشتها المخرجة في صباها.

يعالج الفيلم موضوعاً مألوفاً وهو إجبار الفتيات على الزواج من دون إرادتهنّ في المجتمعات الريفية المحافظة في تركيا. وهو يصف ما يشبه عملية "ترويض" للنساء من خلال كبت أي مشاعر بالتحرّر. وكلمة "موستانغ" تعني نوع من أنواع الخيول الأميركية البرية التي تعشق الحرّية. وأول ما يلفت في الفيلم هو الحيويّة التي تنبثق منه إنّ كان من ناحية الأداء الطبيعي للممثلات فيه، أو المشاهد السريعة النمط والتي يعزّز إيقاعها المونتاج المتقطّع. وينجح الفيلم أيضاً في القفز بين أنواع سينمائية مختلفة ففيه النفحة الكوميدية التي تظهر في مشاهد تفاعل المراهقات مع بعضهنّ البعض على الرغم من الحظر المفروض عليهن، وفيه الجانب الدرامي إذ ينقل العنف النفسي الكبير الذي تمارسه الأسرة على البنات لقمع أية محاولة للتحرّر، وفيه عناصر التشويق والتي تظهر خاصةً في النهاية في مشهد محاولة هروب الأختين الصغرتين.

من الصعب عدم الوقوع في حبّ الفيلم خصوصاً من قبل جمهور غربي أو متحرّر يتوقّع أنّ يرى النساء التركيات في ذاك القالب المحافظ. يقدم الفيلم كل المكونات "الأكزوتيك" التي ينتظرها المشاهد الغربي من إجبار الفتيات على خوض فحص العذرية إلى مشاهد الطبخ التقليدي وطقوس الزواج الفولكلوري. مع ذلك يجدر القول بأنّ الفيلم يبقى متميّزاً إذ ينجح في خلق أجواء خاصة به. أكثر ما ما يستوقف المشاهد هو البحث عن الفردية في عالم ينظر إلى المرأة على أنّها كائن يؤدي وظيفة محدّدة ولا يحقّ لها أن تتمتع بأي خصوصية. ويركزّ الفيلم على المشاهد التي تُظهر الأخوات كمجموعة متماسكة يصعب تحديد الاختلاف بين عناصرها (ما يجعل التفريق بين الأخوات أصعب هو التشابه الكبير بينهنّ). ويسلطّ الفيلم الضوء على الأخت الصغرى، لالي، التي تأتي الأحداث من منظارها (هي الراوية في الفيلم)، وتحاول الهروب من القدريّة المفروضة على جنس النساء في مجتمع ذكوري جاف والمتمثل بشخصية الخال القاسي الذي يتبيّن أنّه يعتدي جنسياً باستمرار على إحدى الأخوات. ويبقى المخرج الوحيد متمثلاً في صورة سرابية وهي الوصول إلى إسطنبول كواحة للتحرّر والتي تظهر مستحيلة المنال إذ تبعد ألف كيلومتر عن القرية التي تقع فيها أحداث الفيلم. ويقدم "موستانغ" في نهايته أملاً بإمكانية إفلات المرأة من القيود الذكورية، والملفت أنّ القضبان الحديدية التي نراها تدريجياً تملأ شبابيك المنزل ومحيطه لمنع الفتيات من الخروج ينقلب لصالحهن إذ إنّ تلك الحواجز نفسها هي التي تسمح للأختين بالهروب.   

قد يكون المأخذ الأساسي على الفيلم أنّه لا يعطي أي بعد سياسي أو اجتماعي عميق عن المجتمع التركي المحافظ. فالصورة المتعدّدة الأوجه والطبقات التي يعكسها مثلاً فيلم مثل "حدث ذات مرّة في الأناضول" للمخرج التركي نوري بيلغ جيلان غائبة عن فيلم "موستانغ". فاستبعاد التطرّق إلى التناقضات التي تعيشها تركيا الحديثة بين التيار العلماني والتيار الإسلامي أو إعطاء أي أبعاد للظروف التي تعيشها الأخوات يُضعف الفيلم ويجعله أشبه بقالب لأيّ قصة لفتيات تعشن قمع مجتمعاتٍ محافظة وتجعل بعض شخصياته كاريكاتورية.

ويتطرق الفيلم بشكل ثانوي إلى ظاهرة انتحار الفتيات في القرى التركية، إذ تطلق إحدى الأخوات النار على نفسها للهروب من زواج محتّم من شخص لا تحبّه، بعد أن تقوم بممارسة الجنس مع عابر طريق في محاولة تبدو يائسة للتحرّر من القيود المفروضة عليها. وظاهرة انتحار الفتيات في تركيا كانت في السنوات الأخيرة قد ضجّت بها وسائل الإعلام، وذلك إثر انتحار عدد من الفتيات أُجبرن على ذلك من قبل أهاليهنّ بحجّة أنهنّ جلبن "العار" على العائلة. والسبب وراء ذاك التعامل العنيف قد يكون أحياناً لا يتعدّى مجرّد تعرّف الفتاة إلى شاب خارج إطار الزواج. وبعدما بدأت الحكومة التركية بالتشدّد في عقاب منفذّي ما يُعرف بـ"جرائم الشرف"، صارت العوائل تجبر الفتيات "غير الشريفات" بالمنظار المتشدّد على الانتحار كي لا يضطر أخ أو أب إلى قتلهنّ وقضاء سنوات عدّة في السجن.

* يستمر مهرجان ميتروبوليس للأفلام المخصّصة للشباب حتى نهار الإثنين. البرنامج الكامل للأفلام يمكن الإطلاع عليه على هذا الموقع: http://www.metropoliscinema.net/2016/my-filmfest2016/.

المدن الإلكترونية في

11.03.2016

 
 

كارول.. بين الحب والرغبة ..

صفاء عبد الرازق

الجميلات هن الجميلات.. عطر البنفسج فى الكمنجات.. كارول وتيريزا هن الجميلات التعيسات.

كارول” هي الرغبة.. التغير.. الحب.. الخوف.. السيطرة.. السفر.. المتعة الجنسية.. البقاء من أجل إنقاذ النفس.. القوة.. كلها مفردات تخرج منها عندما تشاهد “كارول” المرأة المتوحشة التي تعيش لنفسها فقط، ورغباتها النفسية والجسدية في جسد تستريح له حسب تعبيرات زوجها الغاضب دائماً من تصرفاتها، والسبب والدته المتحكمة والشريرة من وجهة نظر “كارول”.

كارول” امرأة رائعة بلغت الأربعيين.. يلتفت إليها الجميع من أجل عينيها وعطرها المعطر بالياسمين.. هي أنثى تذهب للمتجر لشراء هدية عيد الميلاد لابنتها الصغيرة لتلتقي بشابة في مقتبل العمر ترتدي قبعة حمراء رقيقة، تتميز ببشرة بيضاء، وشعر أسود، وصوت ناعم خافت، وملامح غامضة تدل على الاستسلام النفسي للحياة وعدم الخوض لخوفها من شيء تريد الاختباء به.

الرغبة في السعي وراء استمرار الحياة.. ليس سهلاً على امرأة أن تطلب الطلاق فيما هي ترغب في الاحتفاظ بطفلتها الصغيرة.

التغير في الحياة يصنع منا أشخاصًا أسوياء ولكن على حساب الآخر، والآخر الذي يريد الاستمرار بدون وجه حق.

الخوف هو المحرك الأساسي للشخصيات الأساسية لـ”كارول” و”تريزا” بيلفيت وآني، اللائي تبادلن الحب قبل أن تلتقي بـ”ـتريزا” ولكن جاء اللقاء صدفة على الفراش لبعض الوقت من الزمن.

كارول” التي تحاول السيطرة على مشاعرها عندما تعلن لـ”تريزا” عن  رغبتها في تناول الغداء معاً للمرة الأولى جاءت ملامحها بنعومة لا تتخيلها، وكان هذا المشهد تمت إعادته عدة مرات ليخرج بهذا الجمال والروعة.

السفر إلى بعيد يلجأ إليه العقلاء قبل المجانين، لذلك قررت “كاورل” أن تسافر داخل البلدة، ولكن بعيداً عن منزلها وصراعها مع زوجها  البائس الظالم المتحكم ذي الصوت العالي الذي يهددها دائماً بحرمانها من طفلتها الصغيرة.

المتعة الجنسية والاعتذار عناوين لاثنين ارتبطت مشاعرهما من النظرة الأولى دون التكلم أو البوح بشيء، حيث يسطر الحب دون مقدمات بين المحبين فجاءت القبلة الأولى معلنة عن رغبة جنسية عميقة تحتل جسديهما بحرارة الموت والبقاء في جسد واحد.

البقاء من أجل إنقاذ النفس هو الصراع الحقيقي بين “كارول” والقضية التي تسمى بقضية “أخلاقية” التي رفعها زوجها “كايل تشاندلر” ضدها ليكسرها، لتكرر البقاء بجواره وبجوار ابنتها.

قوة القرار بين “كاورل” وانسحابها من حياة “تريزا” هي قمة القسوة على الحياة، لتقرر وهي بكامل وعيها أن تحافظ على ابنتها وسط عائلتها، وعبقرية المشهد بترك “جواب” وهو رسالة اعتذار وانسحابها بطريقة تجعل من حبيبتها “تريزا” السعي واللجوء للعمل لتتألق في اختطاف أجمل الصور من البشر أثناء سيرها بمفردها.

مشهد المحكمة.. نظرات القوة والضعف والاستسلام بين الاحتفاظ بنفسها أو الحفاظ على أسرتها التي تتمثل في ابنتها لتقرر بكل ثقة واحترام رغبتها في استمرار الحياة بطريقة “أنا ومن بعدي الطوفان” وترك الطفلة لأبيها لأنها تعاني من مشاكل نفسية عميقة مرتبطة بوقوعها بغرام امرأة مثلها، وتذكرت أثناء المشهد صديقي عندما قال في أحد أحاديثنا الجانبية عن الحب “ده فيه ناس بتخرج من الملة عشان الحب”.. كنا في الماضي نفرح فرحة عارمة عندما تأتي النهاية على هوانا.

مشهد البداية أو النهاية المفتوحة من المخرج تود هينز للفيلم حيث اكتفى بنظرة حب وعشق لا ينتهيان.

موقع كتابة المصري في

12.03.2016

 
 

فيلم: العائد من الموت

تصوير طبيعي مذهل ومشاهد غير مسبوقة!

رام الله - دنيا الوطنمهند النابلسي

انها قصة "هيو جلاس" (ليوناردو دي كابريو) الصياد البري وتاجر جلود القندس الذي تزوج من هندية قتلها الأوغاد البيض وحرقوا قريتها، بعد ان انجب منها ولدا محبا ومخلصا ، يكافح الآن للبقاء على قيد الحياة بعد ان يهاجم ورجاله من قبل مقاتلي قبيلة الراي الفتاكة فجأة، ثم يتعرض لهجوم ضاري من دب وحشي أشيب، ويتركه فريقه بعد ان عجزوا عن اصطحابه صعودا لمرتفعات باردة زلقة في طريق عودتهم رجوعا للمعسكر، هكذا يتركونه مع ابنه المطيع وشاب مراهق آخر ونذل انتهازي كاره اسمه فيتزجيرالد (الممثل توم هاردي) مع وعد بدفن لائق في حال موته متأثرا بجروحه القاتلة، وهم لا يستطيعون التخلي عنه لأنه يملك خارطة الرجوع للمعسكر، ويتمكن بشجاعته من انقاذ ابنه وآخرين أثناء هروبهم من بطش الهنود الأشداء ويركبون قاربا حتى يصلون لبر الامان، ولكن تعرضه لهجوم دب وحشي يغير خطة الرجوع للمعسكر، ثم يطمع فيتزجيرالد فيحاول خنقه وعندما يفاجىء بابنه مستبسلا للدفاع عن ابيه يطعن الابن ويقتله، ويكون صاحبنا المصاب شاهدا لا يقوى على الحديث لجرح نافذ في حنجرته، هكذا يسرق الانتهازي القاتل المؤونة والسلاح ويدفنه حيا ويهرب مع المراهق الآخر الضعيف الخائف والذي يذكره بأنه أنقذه من الهنود أثناء الهجوم على المعسكر...ثم نرى جلاس المتخن بالجراح والمعاق يستبسل للبقاء على قيد الحياة فيمر بالأهوال ويعاني من الجوع والبرد القارص ومخاطر القتل والتنكيل من قبل قبائل الهنود (الراي وأركيرا) في البراري الوحشية المتجمدة، وما ينقذه احيانا معرفته للغتهم...ويصاحبه في وحدته ومعاناته المرعبة شبح زوجته الراحلة، فنسمعها دوما وهي تهمس وتناجي (في اقتباس ابداعي لمنهجية ترانس مالك بفيلم شجرة الحياة)، وهي منذ البداية تحثهما هو وابنه على الاستبسال وعدم الاستسلام، ونسمعه وهو ينصت بحنين فائق لمناجاتها، ويبدو عاجزا عن الكلام بعد أن تعرضت حنجرته لجرح نافذ...ثم يتمكن اخيرا بعد طول معاناة وعذابات لا يتحملها البشر، يتمكن من الوصول للمعسكر مركز الحامية، فيما يهرب قاتل ابنه وقد سرق الخزنة باتجاه تكساس لشراء قطعة أرض والاستقرار.

دوما وطوال الفيلم نسمع مناجاة وهمس زوجته المقتولة، التي تعيد على مسامعنا حكمة هندية مجازية "عندما تهاجم الرياح العاتية أشجار الغابة، وبعد ان تنهار وتتكسر بعض الأغصان،، تبقى الأشجار لوحدها تقاوم بعناد الرياح العاتية"...ونراه طوال مشاهد الفيلم يأكل بقايا النباتات والأسماك الصغيرة الحية، ثم يقاوم هاربا عاصفة ثلجية عندما يهاجمه الهنود فيقتل بعضهم قبل ان يقفز بحصانه الأبيض الجميل من مرتفع شاهق حيث يلقى الحصان حتفه وينجو باعجوبة بفضل سقوطه على اغصان شجرة، فيقوم بمشهد ثاني غير مسبوق بتفريغ احشاء الحصان من الأمعاء والأعضاء الداخلية ثم يدخل لبطن الحصان متدفئا من العاصفة الثلجية ومختفيا عن انظار الهنود، ثم يعود لمركز الحامية ويذهب مع قائدها النقيب بريدجز لملاحقة فيتزجيرالد، وينجح هذا الأخير بفضل دهائه من قتل النقيب، فيتواجه اخيرا مع خصمه اللدود جلاس، ويتعاركان بوحشية ويجرحان بعضهما، ثم يتمكن جلاس أخيرا من طعن خصمه، ولكن هذا الأخير يذكره بأن الانتقام لن يعيد له ابنه، ويتذكر جلاس حكمة الهندي "المشنوق" بأن الانتقام بيد الله وحده (بعد أن اباد البيض قبيلته بالكامل)، ويستدرك اخيرا ويترك فيتزجيرالد المجروح لمصيره ويقذف به للنهر ليتم التنكيل به من قبل فرسان هنود كانوا يترقبون المشهد عن بعد، وتركوا جلاس دون ان يتعرضوا له لأنه سبق وانقذ ابنتهم "بواكا" من الاغتصاب والقتل ...ونعود لصديقه الهندي الذي انقذه باطعامه اللحم الني من بقرة وحشية مذبوحة، والذي أنقذه من الانجماد بفضل تركيبه لخيمة اغصان حوله لتقيه البرد والانجماد بعد ان فقد وعيه بعد ان حاول تدفئته بالعشب المحترق، وعندما استفاق وجد صديقه الهندي المخلص مشنوقا على شجرة من قبل الفرنسيين "الأوغاد" وقد علقوا على جثته شعار: "كلنا همجيون"!

نراه بالمشاهد الأخيرة وهو ملقى على الأرض ومجروح وعاجز وبحالة شديدة من اليأس والقنوط، وكأنه سيواجه هذه المرة الموت ولن ينجو منه، ونرى شبح زوجته الراحلة وكأنها تدعوه للانضمام اليها بالعالم الآخر للنجاة من الأهوال والعذابات الجديدة المتوقعة في هذه الحياة الفانية، كماان هناك لقطات "حلمية" غامضة ترينا بقايا حطام كنيسة متروكة في الأصقاع، وتظهر فيها "صورة السيدالمسيح مصلوبا"، وربما المقصود تماهي عذابات البطل مع المسيح "المخلص"!

يحتوي هذا الفيلم على مناظر طبيعية خلابة للطبيعة من انهار وجبال وسهول وشلالات وغابات أنجزها المصور السينمائي العبقري "ايمانويل لوبيزكي"، الشريط وان كانت ثيمته مكررة (يذكرني بالأهوال التي مر بها البريطاني "جود لو" بفيلم الجبل البارد ومنها تناوله لدود الأرض كغذاء!)، الا أنه يلقي الضؤ على وحشية جميع المتخاصمين المتنافسين، وبما يتمثل ذلك بالمجاز المشتق من  شعار "كلنا همجيون" الذي وضعه الفرنسيون على جثة الهندي المشنوق، وهو لا يتغاضى عن ضراوة ممارسات الهنود ووحشيتهم بمهاجمة خصومهم، الا أنه يشير اولا لاجرام المستعمرين البيض الأوائل واغتصابهم للأرض والنساء وقتلهم الوحشي وحرقهم للقرى الهندية، فالجميع يتنافسون ويتقاسمون هنا الجلود والخيول والطرائد والأراضي والذخائر في حرب ضارية بلا هوادة!

لا شك ان دي كابريو قد قدم هنا أعظم ادواره السينمائية على الاطلاق ويستحق الاوسكار بجدارة، كما أن الممثل توم هاردي قد ابدع بدور الانتهازي الشرير الجشع، وبدا متقمصا للدور ومدهشا وهو يتحدث بلكنة خاصة وكأنه يلوك الكلمات والجمل.

يحتوي هذا الشريط الاستثنائي على مشاهد وحشية مدهشة وفريدة من نوعها، كطريقة صيد الوعول وهجوم الهنود ببداية الفيلم، وطريقة افتراس الذئاب لبقرة وحشية في البراري المتجمدة،  وطريقة ملاحقة الثيران والخنازير البرية وحرقها وذبحها والاقتتات على لحمها نيا، ناهيك عن مشهد تعرض دي كابريو لهجوم الدب المتوحش الذي بدا بالحق طبيعيا وطويلا ومفصلا ويعجز المرء عن فهم كيفية تصويره بهذه الدقة وباعجاز غير مسبوق شمل طريقة اظهار طبيعة الهجوم وتفاصيل الجروح وكأنها طبيعية، مما ادخلنا كمشاهدين منبهرين لصلب الحدث، حيث ترصد لكاميرا حيثيات المشهد من عدة زوايا، ونرى دي كابريو المثخن بالجراح القاتلة وهو يزحف ناجيا بحياته وكأن الكاميرا ملتصقة بجسمه، ونعجز عن فهم مغزى التقطيع والماكياج وضراوة الهجوم وطول اللقطة، كما أن الكاميرا ترصد الأحداث  والغابات  واالشجر والنهار والشلالات والتضاريس بمشاهد بانورامية وصورمقربة على حد سواء وبالتناوب.

يروي الفيلم قصة انتقام صائد الحيوانات "هيو غلاس" في القرن التاسع عشر، الذي تركه زملاؤه ينازع، وأقدم احدهم على قتل ابنه الوحيد من زوجته الهندية المتوفاة، وقد صور وسط مشاهد برية خلابة تغطيها الثلوج في أصقاع كندا والأرجنتين، وتحديدا في منطقة "باتا غوليا" وفي ظل ظروف قاسية وصعبة  التحمل وأجواء البرد القطبي القارص. كما أن الفيلم لا يقدم صورة نموذجية للهنود الحمر كضحايا مقاومين، وانما يسلط الأضواء على شراستهم وعشقهم للتمثيل بضحاياهم، وقد لاحظنا أن فروة رأس فيتزجيرالد مسلوخة جزئيا، ونشاهد دي كابريو بعد ان يقوم بانقاذ هندية اسمها بواكا من قبيلة الراي، من الاغتصاب الوحشي الذي يمارسه جندي فرنسي، فلا تلبث بعد أن تتمكن من مغتصبها أن تقوم بسلخ فروة رأسه بسكين قبل أن تقطع اعضاؤه وتقتله، ونطلع على ضراوة هجومهم المفاجىء واقدامهم الجريء في عدة مشاهد طوال الشريط.

وكما سبق ونوهت فهذا الفيلم يتضمن عدة مشاهد مبتكرة، ومن ضمنها مشاهد المطاردة الأخيرة، وتتمثل بقيام دي كابريو  برفع جثة النقيب المقتول بواسطة غصن فوق الحصان الأول لتضليل توم هاردي، بينما ينبطح هو كالجثة فوق الحصان الثاني، هكذا ينخدع القناص فيصيب الفارس الأول ظانا انه قد تمكن اخيرا من قتل غريمه جلاس، ثم يفاجىء بالخدعة عندما يقترب لمعاينة الجثة، ليتفاجىء بهجوم جلاس عليه والعراك الشديد بينهما الذي ينتهي بمقتل فيتزجيرالد على يد الفرسان الهنود المارين!

تكمن الطرافة اللافتة بسلوك القاتل "فيتزجيرالد" الذي بدا وكأنه يدعي الايمان بطريقته "الفظة البدائية"، فهو يلجأ دوما للتعبيرات الدينية "المسيحية" وحتى اثناء ممارساته الاجرامية (وهو يقدم عل خنق جلاس)، كما تبدو الطرافة متجلية بقصة يرويها لمرافقه الشاب بعد هروبهما باتجاه الحامية، حيث يروي له أن ابيه الصياد المغامر الجلف المادي الغرائزي "الغير مؤمن" قد تعرف فجأة على "القدير" أثناء احدى مغامراته القاسية في البراري المقفرة، وقد تمثل بصيده "لسنجاب كبير" أشبع جوعهم الشديد في الأصقاع الباردة!

فيلم حاصد للجوائز!

قصة الفيلم مقتبسة عن رواية كتبها مايكل بونك في العام 2002 ومشتقة عن احداث واقعية حصلت بالعام 1823 في براري أربع ولايات امريكية، وايومينع ومونتانا ونبراسكا وداكوتا، ويتصدر الأحداث تاجر جلود القندس هيو جلاس، ويصور مغامرات شاقة في اصقاع وحشية باردة، يستمد الفيلم عنوانه من عبارة جلاس التي وجهها للنقيب قائد الحامية في المشاهد ما قبل الأخيرة للشريط: "لقد عهدت الموت ولم اعد اخشاه"!

أبدع كل من ليوناردو دي كابريو وتوم هاردي بالأدوار الرئيسية، كما تفوق المكسيكي "أليخاندرو غونزاليز ايناريتو" باخراج هذا الفيلم (صاحب شريط الرجل الطائر الذي فاز بالاوسكار لعام 2014) مع كاتب السيناريو مارك سميث، بالاضافة لكاميرا "ايمانويل لوبيزكي" السحرية،  ونجحوا جميعا باخراج تحفة فنية بتصوير طبيعي آخاذ مكلف وبأقل قدر من المؤثرات البصرية مع روعة الموسيقى التعبيرية المدمجة ببراعة مع الأحداث التي رصدت كل الأصوات الطبيعية والبشرية في البراري الباردة المقفرة، وقد ارتفعت تكاليف الانتاج الى 135 مليون دولار وفاز بتسع وعشرين جائزة متنوعة، وربما سيفوز مستقبلا بأربعة جوائز اوسكار تشمل أفضل فيلم واخراج وتمثيل وتصوير سينمائي.

مهند النابلسي

Mmman98@hotmail.com

دنيا الوطن في

13.03.2016

 
 

«غرفة» للإيرلندي ليني أبراهامسون:

عالمٌ أكثر رحابةً خلقته الأم لطفلها في حبسهما

سليم البيك - باريس ـ «القدس العربي»:

صدرت في عام 2011 رواية للإيرلنديّة إيما دونوغ اسمها «غرفة»، نالت انتشاراً واسعاً ووصلت إلى اللائحة القصيرة لجائزة مان بوكر. اليوم خرج إلى الصّالات فيلم بالعنوان نفسه، مبني بشكل كبير على الكتاب، ومازال يتلقى استحساناً نقدياً، مرفَقاً بملاحظات تشير إلى أنّه، رغم كونه فيلماً ممتازاً، لم يكن بمستوى الحكاية كما نقلها الكتاب.

الإشارات إلى الرّواية تقول بأنّ الراوي فيها كان الطفل. الحكاية كلّها كُتبت من رؤية الطّفل لها، أي من إدراكه القاصر، لعمره، لما يحصل حوله. لكن الرّاوي بصيغة المتكلّم لا يمكن نقله سينمائياً تماماً كما هو، وهذه مسألة تخص طبيعة الفيلم ولا شيء آخر، يمكن الاستعانة بصوت راوٍ من خلف الشاشة (voice-over) ليحكي ما يراه، أو كيف يرى ما يحدث، لكن الفيلم في النّهاية يصوّر لنا ما يمكن اعتباره، روائياً، نقلاً بصيغة الغائب، أو الرّاوي العليم، أي أنّ المُشاهد يكون على اطّلاع أوسع، مما هو عليه باقي الشّخصيات، فله عين الكاميرا، وإن كانت بعض مَشاهده منقولة من وجهة نظر أحدها، وإن حرص مخرجه، الإيرلندي ليني أبراهامسون، على نقل الأحداث قدر الإمكان بصوت الطّفل وعينيْه.

لذلك، كان لا بدّ أن يكون الفيلم مختلفاً عن الرّواية، ولأسباب إضافيّة كذلك هي أنّ المساحة في الرّواية أوسع بكثير مما هي عليه في الفيلم، نحكي هنا تحديداً عن رواية بـ336 صفحة وعن فيلم لا يتجاوز السّاعتيْن، هذا ما يجعل الكتاب مرتاحاً أكثر في الحديث عن مراحل زمنيّة سابقة للأحداث الرّئيسية، في حين أن الفيلم يبدأ قاطعا تلك المراحل، يبدأ بالطّفل وقد صار عمره خمس سنين، كما يكون الكتاب مرتاحاً أكثر في التهيئة للحالة السيكولوجيّة للشخصيات وتقديمها ضمن سلوكيات وأحاديث يمكن التوسّع فيها، وهذه مسألة مهمة في حكاية عن محبوسيْن في غرفة لسبع سنين، أما الفيلم فلا تساعده حدوده الزمنيّة في الإطالة في نقل الحالة السيكولوجية لشخصياته، لكنّه فعل وتوفّق ضمن حدود المسموح، فيكتفي بتصوير بعض تمظهراتها: سلوكيات وأحاديث.

مما سبق يمكن القول إنّه من المجحف مقارنة الفيلم بالكتاب، لكل منهما أدواته وطبيعته الخاصة في نقل حكايته، ما لا يسمح بهذه المقارنة، فالقول إنّ الفيلم جيّد لكن ليس بمستوى الكتاب، وهنالك قراءات بالإنكليزيّة اعتمدت على هذه المقاربة، لا يقدّم قراءة مخلصة للفيلم كفيلم، كعمل مستقل له السيناريو الخاص المكتوب كما له اعتبارته المنفصلة عن العمل الأدبي، من التّصوير إلى الأداء إلى الموسيقى.

وكذلك، حين يكون الكتاب ناجحاً، فذلك يقلل من فرص القراءة الموضوعية للفيلم، فالرّواية إن كانت ناجحة فلا يعود ذلك إلى الحكاية التي تحكيها وحسب، بل أساساً إلى لغتها، إلى كيفيّة حكايتها، هنالك تقنيات خاصة بالأدب تؤخذ بعين الاعتبار هنا. ونقل الفيلم للحكاية ذاتها لا يعني أنّه ينقل التّقنيات الرّوائية في الكتاب، نحكي هنا عن طبيعتيْن مختلفتيْن تماماً. وفوق ذلك، فالحكاية ذاتها يمكن نقلها، أدبياً، في كتابيْن، واحد يجعلها ممتعة ومقنعة، وواحد يجعلها مملة ومعطوبة، هذا ضمن إطار الطّبيعة الواحدة في نقل الحكاية، فكيف إن خرجنا من طبيعة إلى أخرى، من الأدب إلى السينما.

لم تكن غاية هذا الفيلم نقل الكتاب والامتثال به، بل نقل حكايته إنّما بنسخة سينمائية. ليكن الفيلم إذن عملاً سينمائياً يتم تلقّيه على هذا الأساس، لا كمقلّدٍ سينمائي لعمل أدبي.

ضمن ما يسمح به زمن الفيلم، قُسّمت الحكاية إلى نصفيْن، الأوّل في الغرفة المغلقة التي حُبست فيها أمّ جاك، يناديها بـ»ما»، وجاك الطّفل ابن الخمسة أعوام. اختُطفت أمّه وحُبست في الغرفة وتمّ اغتصابها على مدى سبعة أعوام، في الغرفة تلفزيون وسرير ومايكروييف والمستلزمات الأساسية للعيش. لكن ما، الأم، تخلق عالماً متكاملاً لابنها، تحدّثه عن العالم خلف جدران الغرفة، يسألها عمّا يشاهده في التلفزيون، تحكي له عن أمور بسيطة ليس لديه سوى مخيّلته ليدركها، لكنّه لم يشعر بنقص كونه لم يعش خارج الغرفة، كل ما تحكيه له أمّه كان العالم، ولم يشعر بحاجة إلى أكثر مما تحكيه.

في النّصف الآخر من الفيلم يخرجان بطريقة تدبّرها الأم، بطلها يكون الطّفل الذي استمع جيّداً لإرشادات أمّه وحفظها، كونه متعوّد على ذلك، على بناء عالمه من أحاديث أمّه. حتى حين استطاع الخروج، ما كان يتردّد في رأسه كانت كلمات أمّه بصوتها، فالعالم كلّه كان يتلقاه من خلال هذا الصّوت، واستطاع بذلك إنقاذهما. هنا يخرجان إلى العالم الحقيقي، الواقعي، بما فيه من تناقضات، يقرّران أن يجرّبان كلّ شيء، هي ما افتقدته من حياتها ما قبل اختطافها، وهو ما يتعرّف عليه للمرّة الأولى، من المشي في الشّوارع إلى تناول البورغر.

كما حاول الفيلم التركيز على الجانب السيكولوجي لكليهما في المرحلة الأولى، في الغرفة، حاول كذلك التركيز على تلك الحال في مرحلة ما بعد الخروج، وهي مختلفة تماماً، نشاهد فيها الأمّ التي حافظت على هدوئها في الغرفة، تفقد أعصابها، والأسباب كانت دائماً تخصّ ابنها، منبعها، قلقها عليه، لم تفكّر لحظة في نفسها، في عزلها عن العالم واغتصابها لسبعة أعوام، كانت تمنع مغتصبها حتى من النّظر إلى ابنها أو لمسه. كلّ حياتها كانت ابنها، وقلقها عليه خارج الغرفة فاق القلق الذي استطاعت كبحه داخل الغرفة.

رُشّح «غرفة» (Room) لأوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو مُقتبس، والأمريكية بري لارسون نالت أوسكار أفضل ممثلة عن دورها، كما نالت جوائز أخرى عن الفئة ذاتها من بينها الغولدن غلوب والبافتا.

والفيلم لا يحكي عن أي شيء كما يحكي عن العلاقة بين الأم وابنها، عن الحب في أشد حالاته، في أكثرها محواً للذات، في قدرة الأم على خلق عالم مواز لابنها، يكون بالنّسبة له أكثر جمالاً ورحابةً من العالم في الخارج، قد يفسّر ذلك رغبتَه بعد خروجهما بعودتهما زيارةً إلى الغرفة. يعودان ويقول لها بأنّها ليست الغرفة التي يعرفها، يضيف بأنّ السّبب قد يكون الباب، الباب مفتوح والغرفة أضيق مما كانت عليه.

القدس العربي اللندنية في

14.03.2016

 
 

أسامة عبد الفتاح يكتُب

إينياريتو .. صانع التحف وملك الأوسكار

لا يمكن وصف مسيرة المخرج المكسيكى الكبير أليخاندرو جونزاليس إينياريتو، الفائز بجائزة أفضل مخرج فى حفل الأوسكار الأخير (28 فبراير الماضى) سوى بأنها مدهشة، فقد أصبح من أساطير الإخراج السينمائى فى العالم خلال مدة لا تتجاوز 15 عاما، وعبر ستة أفلام روائية طويلة فقط قدمها، وحققت كلها نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا، وفازت بعشرات الجوائز الدولية.

إينياريتو، المولود فى 15 أغسطس 1963 فى مدينة مكسيكو سيتي، هو أول مكسيكى يترشح لأوسكار الإخراج عام 2006 عن فيلمه “بابل” – وليس أول من يفوز بها، حيث سبقه إلى ذلك مواطنه وصديقه ألفونسو كوارون عن “جاذبية أرضية” عام 2013، كما أنه أول مكسيكى يفوز بجائزة أفضل مخرج من مهرجان “كان” السينمائى الدولي، وثالث مخرج على الإطلاق يقتنص الأوسكار عامين متتاليين بعد جون فورد وجوزيف مانكيفيتش، والأول منذ عام 1950.

ليس مخرجا فقط، بل منتجا وسيناريست أيضا، وشارك فى إنتاج وكتابة معظم أفلامه الروائية الطويلة الستة، وفاز العام الماضى بجوائز أوسكار أحسن فيلم وأفضل سيناريو مكتوب مباشرة للسينما – بالإضافة إلى الإخراج – عن فيلمه “بيردمان، أو فضيلة الجهل غير المتوقعة”، فيما نال جائزة العام الحالى عن فيلم “العائد من الموت”.

الغريب أنه لم يدرس السينما، بل تخرج فى كلية للاتصالات بمكسيكو سيتي، وبدأ حياته العملية عام 1984 مذيعا فى محطة راديو (WFM) المكسيكية.. والأكثر غرابة أن علاقته بالسينما لم تبدأ كمونتير أو مدير تصوير أو حتى مساعد إخراج مثل غيره من المخرجين، بل كمؤلف للموسيقى التصويرية لستة أفلام مكسيكية روائية فى الفترة من 1987 إلى 1989. وصرح فيما بعد بأن الموسيقى كان لها تأثير عليه كفنان أكثر من الأفلام نفسها.

فى بدايات التسعينات، أسس شركة (Z) للإنتاج السينمائى فى المكسيك مع راؤول أولفيرا. وفى نفس الفترة، تعرف إلى الكاتب جييرمو أرياجا، الذى شاركه فيما بعد كتابة أفلامه الثلاثة الأولى، المعروفة باسم “ثلاثية الموت”، والتى يقوم كل منها دراميا على عدة قصص متشابكة ومتقاطعة يتم سردها بالتوازي.

يحمل الفيلم الأول اسم “أموريس بيروس”، من إنتاج 2000، وفاز بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولى من مهرجان “كان” فى ذلك العام، كما تم ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. وبعد نجاحه، كرر إينياريتو وأرياجا أسلوب بنائه الدرامى فى فيلم إينياريتو الثانى “21 جراما”، الذى اُختير للمنافسة على الأسد الذهبى فى مهرجان فينيسيا السينمائى 2003، حيث فاز بطله بينيسيو دل تورو بجائزة أحسن ممثل.. وفى ذلك العام تم ترشيح دل تورو وناعومى واتس للأوسكار عن دوريهما فى الفيلم.

أما الفيلم الثالث، فهو الشهير “بابل” (2006)، الذى يروى أربع قصص متوازية فى المكسيك والمغرب والولايات المتحدة واليابان بأربع لغات مختلفة.. وقد عاد به إينياريتو للمنافسة فى “كان”، حيث فاز بجائزة الإخراج، كما تم ترشيح الفيلم لسبع جوائز أوسكار – من بينها أفضل فيلم ومخرج – حصل منها على جائزة الموسيقى التصويرية لجوستافو سانتاولالا.

وبعد انتهاء “ثلاثية الموت”، ونهاية مرحلة تعاونه مع أرياجا، أخرج – عام 2010 – وشارك فى كتابة “بيوتيفُل”، أول أفلامه بلغته الإسبانية الأم منذ “أموريس بيروس”، والذى نافس فى “كان” كالعادة، وحصل بطله خافيير بارديم على جائزة أحسن ممثل عن دوره الذى ترشح أيضا للأوسكار، فيما تم ترشيح الفيلم لأوسكار الفيلم الأجنبي، لثانى مرة فى تاريخ إينياريتو.

ظل صامتا أربع سنوات بعد ذلك إلى أن انفجر، فى 2014 و2015، صانعا التحفتين اللتين منحتاه جائزتى الأوسكار المتتاليتين وجعلتاه حديث هوليوود والعالم كله: “بيردمان” و”العائد من الموت”. وقد اختار تنفيذ الأول بأسلوب اللقطة المشهدية، أى المشهد الطويل المكون من لقطة واحدة لا يقطعها – مهما تغيرت الأماكن والشخصيات – إلا فى الضرورة القصوى.. ويتطلب هذا الأسلوب المذهل استعدادات تقنية غير عادية، منها إضاءة جميع الأماكن التى يمر عليها الممثلون مهما تباعدت، وإمدادها جميعا بمعدات الصوت، فضلا عن التدريبات الشاقة والطويلة للممثلين، لأنه إذا ارتكب أحدهم خطأ بسيطا بعد مرور عشر دقائق من التصوير مثلا، سيكون المخرج مضطرا لإعادة المشهد كله.

وفى الثاني، “العائد من الموت”، واصل إبهار العالم تقنيا، بما يقترب – كما كتبت فى هذا المكان من قبل – من حد الإعجاز، خاصة فى النصف الأول من الفيلم، الذى يُعد من أفضل ما أنتجه فن السينما عبر تاريخه على الإطلاق، والذى يتجاوز أى محاولة حتى للتساؤل عن كيفية صناعته وتصويره وكيفية عمل “الجرافيك” والخدع وغيرها، ولا يترك للمشاهد سوى الدهشة والانبهار.

جريدة القاهرة في

15.03.2016

 
 

«كارول» أفضل أفلام الـ LGBT على الإطلاق

قبيل الذكرى الثلاثين لانطلاق مهرجان BFI Flare: London LGBT Film ، أعلن «المعهد البريطاني للسينما» (BFI) المنظّم للحدث أنّ فيلم «كارول» (2015 ــ إخراج تود هاينس) هو أفضل الشرائط المتعلقة بالمثليين والمثليات والمتحوّلين والمتحوّلات ومزدوجي الجنس (LGBT) على الإطلاق.

الفيلم الذي تؤدي بطولته كيت بلانشيت جاء على رأس لائحة مؤلفة من ثلاثين فيلماً، اختارتها لجنة مؤلفة من مئة خبير بينهم نقّاد وكتّاب ومبرمجي مهرجانات سينمائية. وقد شمل الاستطلاع أكثر من 84 عاماً من التاريخ السينمائي، إلى جانب بحث عالمي تضمّن تايلاند واليابان والسويد. الفيلم البريطاني مستوحى من رواية «أميرة الملح» لباتريشا هايسميث، يتناول قصة إمرأة متزوّجة تقع في حب بائعة في أحد متاجر نيويورك في خمسينيات القرن الماضي.
بعد «كارول»، يأتي فيلم «ويك أند» لآندرو هاي الذي مُنع في أكثر من ألف صالة إيطالية، ثم الشريط الدرامي الرومانسي «سعيدان معاً» لوونغ كار ــ واي، فـ Brokeback Mountain لآنغ لي الذي حصل عنه على أوسكار في عام 2006. علماً بأنّ مهرجان BFI Flare: London LGBT Film ينطلق اليوم ويُختتم في 27 آذار (مارس) الحالي.

الأخبار اللبنانية في

16.03.2016

 
 

"ترومبو".. دراما بديعة في الدفاع عن الحرية

أمير العمري

أنتجت هوليوود في تاريخها القريب عددا من الأفلام البارزة التي سعت من خلالها إلى "تطهير" سمعتها وما شابها خلال فترة قاسية من التاريخ الأمريكي الحديث، عندما تحول عدد كبير من كبار نجومها إلى الوشاية بزملائهم خلال ما عرف بـ "الحقبة المكارثية".

كانت تلك حقبة "الحرب الباردة" بين المعسكرين الأمريكي والسوفيتي التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية، وقد انعكس الصراع الأيديولوجي على الداخل الأمريكي ثم امتد ليشمل كل من يُشك في علاقته بالأفكار اليسارية الراديكالية، سواء أعضاء الحزب الشيوعي الأمريكي، أو المنظمات والنقابات والأفراد الذين ينتقدون النهج الاقتصادي والسياي لـ "المؤسسة" الأمريكية.

كانت هناك خشية حقيقية من تغلغل النفوذ السوفيتي داخل الولايات المتحدة، وسرعان ما تشكلت داخل الكونجرس لجنة "النشاط غير الأمريكي"، وامتد نشاط هذه اللجنة الى هوليوود، حيث اعتبر وجود عدد من كتاب السيناريو والمخرجين اليساريين، أمرا غير مرغوب فيه بسبب تأثير الأفلام على الرأي العام. وفي نهاية الأربعينات خضع عدد كبير من السينمائيين للاستجواب أمام هذه اللجنة برئاسة السيناتور جوزيف ماكارثي، من بينهم وأشهرهم، كاتب السيناريو دالتون ترومبو.

ترومبو هو الشخصية الرئيسية التي تدور حولها الأحداث في فيلم "ترومبو" Trumboللمخرج جاي روش عن سيناريو جون ماكنمارا. ويعتمد السيناريو على التفاصيل التي وردت عن تلك الشخصية المثيرة للجدل، في كتاب "دالتون ترومبو" للكاتب بروس كوك.

وقد يبدو أن صنع فيلم يدور حول شخصية رجل مهنته الأساسية الكتابة، عمل يصعب كثيرا تحويله إلى دراما سينمائية يمكن أن تشد الجمهور، خاصة جمهور الشباب المولع بأفلام الفضاء والمغامرات والكائنات المثيرة. لكن ربما كان نجاح تجربة سابقة في هذا المجال، بل وعلى مستوى أكثر صرامة كما  في فيلم "طاب مساؤك.. وحظا سعيدا" (2005) Good Night and Good Luck الذي أخرجه جورج كلوني، وكان مصورا بالأبيض والأسود ويعتمد على "أحاديث الراديو"، هو الذي شجع منتجي فيلم "ترومبو" على الإقدام على هذه المغامرة الفنية والإنتاجية.

الرجل والتاريخ

وليس من الممكن اعتبار فيلم "ترومبو" سردا موثقا لتاريخ الحقبة المكارثية، حقبة التفتيش في الافكار، واضطهاد المثقفين والكتاب وأصحاب الرأي التي امتدت لتشمل آلاف الأشخاص في عموم الولايات المتحدة، الذين ضغطت اللجنة على الجهات التي يعملون بها، لكي تعفيهم من  أعمالهم وبالتالي دفعهم للعيش تحت خط الفقر بعد أن فقدوا بيوتهم وتمزقت عائلاتهم وأصيب كثيرون منهم بالأمراض القاتلة.

إن هذه الأجواء موجودة في الفيلم، نلمحها من خلال ما نشاهده من انعكاسات ذلك الحظر على عدد من أبرز وأشهر كتاب السيناريو في هوليوود، منهم من يلقى مصيره بسبب العجز عن تغطية نفقات العلاج،  ومنهم بالطبع بطلنا ترومبو، الكاتب الموهوب الذي يتمتع بالقدرة على إنقاذ الكثير من المشاريع السينمائية الكبرى من السقوط، فقد كانت تلجأ إليه كبرى شركات الإنتاج السينمائي في هوليوود  لكي يقوم بإعادة كتابة السيناريوهات بحرفيته العالية ومهارته ككاتب يتمتع بالخيال. وقد ظل ترومبو يمارس كتابة الأفلام منذ أوائل الأربعينات محققا نجاحا كبيرا، إلى اضطر للظهور أمام لجنة النشاط المعادي أو غير الأمريكي في الكونجرس والخضوع للاستجواب، لكنه رفض الإجابة على الأسئلة التي وجهت له، فقد رأى أنها تتعارض مع حقه الدستوري الأصيل كمواطن في اعتناق الفكر الذي يراه طالما أنه لا يهدد سلامة المجتمع بأي حال.

الفيلم لا يسعى إلى تقديم تاريخ للفترة، بل يركز أكثر على الدراما الهائلة التي تنشأ عندما يجد رجل مرموق في مجاله، نفسه مع أسرته، ممنوعا من العمل وبالتالي يواجه مع أفراد أسرته: زوجته وابنه وابنتيه، حرب تجويع بمعنى الكلمة، ناهيك عن تشويه السمعة الذي لحق به بعد أن انصرف عنه الجميع فقد أصبح في أنظار الرأي العام (خائنا)!

يختار سيناريو جون مكنمارا بدلا من تناول قضية "العشرة الكبار" أو ما عرف بـ "قائمة هوليوود السوداء" التي سبق تناولها في عدد من الأفلام، تناول الموضوع - ليس من الزاوية السياسية- بل من زاوية إنسانية، تتعلق بحرية الفكر بشكل عام وليس فقط بالنشاط اليساري الراديكالي، من أجل تقريب الفيلم الى جمهور الطبقة الوسطى الأمريكية ومن الشباب الذي لا يعرف الكثير عن تفاصيل تلك الفترة.

يصور الفيلم كيف يتحايل "ترومبو" ويجند جميع أفراد أسرته الصغيرة، من أجل مقاومة تلك العزلة الإجبارية التي فرضت عليه ككاتب، واختراق "القائمة السوداء" ومواصلة العمل والكتابة سرا، تحت إسم مستعار، لحساب شركات هوليوود التي رحبت بقبول ما يكتبه، أولا لأنها لم تكن تدفع المقابل المادي الذي كانت تدفعه له في السابق عن سيناريوهاته بل أقل كثيرا، وثانيا لكي تضمن مستوى عاليا من السيناريوهات من تروبمو وغيره من كتاب السيناريو الكثيرين الذين شملهم المنع.

موقف المثقف الرافض

ترومبو هنا يرمز للمثقف صاحب الموقف والرأي، الذي يفضل السجن على الخضوع لما تطلبه منه "اللجنة"، أيالوشاية بزملائه وستنكار أفكاره والتخلي عن مبادئه، على عكس ما فعله كثير من زملائه ومنهم الممثل الشهير إدوارد ج روبنسون، الذي وشى به وبغيره مختلقا الكثير مما كانت اللجنة ترغب في سماعه، لكي ينقذ نفسه، ثم لم يحد غضاضة فيما بعد، أي بعد أن غادر ترومبو السجن الذي قضى فيه عاما بتهمة ازدراء الكونجرس، من أن يطلب من ترومبو أن يقوم سرا، باصلاح السيناريوهات التي تُعرض عليه لانقاذه من هوة الفشل التي سقط فيها بعد أن كان نجما مرموقا. وقد واصل ترومبو الكتابة، إما تحت أسماء مستعارة أو أسماء حقيقية لغيره من الكتاب الذين كانوا يتقاسمون معه العائد المادي، فأنتج 17 سيناريو خلال الفترة من 1950 إلى 1960، من بينها سيناريو فيلم "الرجل الشجاع" The Brave One(1957) الذي حصل على أوسكار أحسن سيناريو دون أن يتمكن ترومبو من استلام الجائزة التي ذهبت لصاحب الإسم الذي وضع على السيناريو وكان لكاتب مغمور في هوليوود لكنه كان يتمتع بالشرف والنزاهة مما جعله يتقاعس عن الظهور لاستلام الجائزة بل حاول تسليمها لترومبو الذي رفض كما نرى في الفيلم، قائلا إنه يجب أن يقبلها هو لأن اسمه عليها. هذا الموقف سيدفع ابنته التي نرى في الفيلم أنها كانت متأثرة كثيرا بشخصيته، الى أن تطالبه فيما بعد بضرورة استعادة الجائزة لنفسه!

يظهر في الفيلم ممثلون يقومون بأدوار بعض شخصيات هوليوود الشهيرة مثل جون واين الذي تزعم مع الكاتبة الصحفية هيدا هوبر (تقوم بدورها في الفيلم هيلين ميرين) ما عرف بـ "تحالف صناع الأفلام" لمقاومة النشاط الشيوعي في هوليوود تحت شعارات وطنية، كما يقوم الممثل دين أوجورمان بدور النجم الشهير كيرك دوجلاس. ويظهر أيضا من يقوم بدور المخرج الأمريكي من أصل نمساوي، أوتو بريمنجر، الذي كان أول من صرح علانية عام 1960 بأنه أسند كتابة سيناريو فيلمه "الخروج" إلى دالتون ترومبو باسمه الحقيقي، وتبعه على الفور كيرك دوجلاس في تحد سافر للقائمة السوداء، عندما أصر على إسناد كتابة سيناريو فيلم "سبارتاكوس" الى ترومبو دون التخفي تحت أي اسم مستعار.

لقطات الأرشيف التسجيلية

في الفيلم تقوم الصحفية هيدا هوبر بمحاصرة ترومبو، وتشن حملة ضد كيرك دوجلاس بالتعاون مع جون واين (الذي يطلقون عليه الدوق) لدفعه الى الاستغناء عن ترومبو والتهديد بمقاطعة الفيلم. ويستخدم المخرج الكثير من اللقطات التسجيلية للأحداث الحقيقية في الفيلم من بينها استجوابات لجنة ماكارثي أمام الكونجرس، والمظاهرات التي نظمت أمام دار العرض التي شهدت العرض الأول لفيلم "سبارتاكوس"، وهي لقطات من الأرشيف (بالأبيض والأسود) كان المخرج يركز عليها ثم  ينتقل من داخلها الى اللقطات المصورة للفيلم باستخدام الممثلين، كما ينتقل من الأبيض والأسود الى اللقطات الملونة. ويستمر هذا الأسلوب حتى النهاية، لا يقطعه إلا عند نزول العناوين الختامية للفيلم، عندما نرى شخصية ترومبو الحقيقية أثناء تكريمه من قبل "نقابة كتاب السيناريو الأمريكيين"، ثم نشاهده في مقابلة تليفزيونية أمام الكاميرا معلقا عن انتصاره على قائمة هوليوود السوداء، كما يقوم باهداء جائزة الأوسكار التي عادت إليه، الى ابنته التي يعتبرها الأكثر استحقاقا منه بالجائزة، بعد ان قامت بدور أساسي في مساعدته على الصمود والمقاومة.

وكما يهتم الفيلم بالعلاقة الخاصة بين ترومبو وابنته، يهتم أيضا بابراز علاقته بزوجته "كليو" (تقوم بالدور ببراعة الممثلة جيان لين) التي صبرت وصابرت وصمدت معه، وتولت رعايته وتحملت فظاظته التي بلغت أحيانا، حد المغالاة واتزيد، عندما كان لا يتوقف عن التدخين والكتابة، وكان أحيانا- كما نرى في الفيلم- يجلس داخل البانيو وسط الماء، لكي يستطيع الاسترخاء والاستمرار في الكتابة حتى يمكنه أن يلحق بالموعد المحدد لتسليم السناريوهات، رافضا حتى المشاركة في الاحتفال بعيد ميلاد ابنته.

في أحد المشاهد البديعة في الفيلم نشاهد ترومبو يلتقي بجون واين الذي يرفض مصافحته باعتباره (خائنا)، ويلقي على مسامعه محاضرة مقتضبة عن  ضرورة الإخلاص للوطن وكيف أن امريكا انتصرت لتوها في الحرب بفضل القيم الديمقراطية، فيسأله ترومبو ببساطة: وأين كنت أنت أثناء الحرب؟ لقد كنت وسط الديكورات، تضع الماكياج وتطلق الرصاص على الهنود الحمر"!

يختلق السيناريو شخصية كاتب يدعى أرلين هيند، كان مريضا بسرطان الرئة، سُجن مع ترومبو بسبب معتقداته السياسية، وكان ترومبو متعاطفا معه كثيرا، لكن أرلين كان يتهمه بأنه "يتحدث كراديكالي لكنه يحيا حياة رجل ثري"، فيقول له ترومبو: "ليس المهم ما تقوله، بل ما تتخذه من مواقف وتكون مستعدا لدفع الثمن"!

من الممثلين الخمسة المرشحين للحصول على جائزة الأوسكار، الممثل بريان كرانستون الذي يبرع كثيرا في أداء دور ترومبو، فيقدم الشخصية في أطوارها المختلفة، كأب وكاتب ورجل مهتم بمستقبل بلاده ومقاوم شرس ضد الفاشية، يرفض قمع الآراء المخالفة تحت شعار حماية الوطن، منتقلا من الوداعة والرقة، إلى التوحش والعدوانية بعد أن يجد معزولا، يريد أن يثبت وجوده ككاتب مازال يملك القدرة على الإبداع، وفي الوقت نفسه، يضمن دخلا لأسرته، ولكنه يدرك أيضا في الوقت المناسب مدى الضرر الذي أصاب أسرته بعد أن أصبح يتعامل مع أبنائه كفريق من التابعين، يتلقون منه التعليمات، ثم يقومون بتوصيل مخطوطات سيناريوهاته سرا الى شركات الإنتاج في هوليوود.

إن أداء كرانستون يرشحه بلاشك للحصول على الجائزة التي أرى أنها يستحقها، غير أن المنافسة ليست سهلة هذا العام. فغيره أيضا يستحقها. وما علينا سوى أن ننتظر ونرى!

عين على السينما في

17.02.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2015)