كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
     
 

«قبل زحمة الصيف» و«نوّارة» في «مهرجان دبي السينمائي الـ 12»..

متاهات ما بعد نظام مبارك

نديم جرجوره

مهرجان دبي السينمائي الدولي الثاني عشر

   
 
 
 
 

في «مسابقة المهر الطويل»، في الدورة الـ 12 (9 ـ 16 كانون الأول 2015) لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، يُشارك فيلمان مصريان جديدان: «قبل زحمة الصيف» لمحمد خان، و«نوّارة» لهالة خليل. فيلمان يختلف أحدهما عن الآخر في المستويات كلّها، بدءاً من المادة المختارة لقرءاة وقائع وحيوات، وانتهاءً بآلية الاشتغال السينمائيّ. لكن مشتركاً بينهما يكمن في التوغّل، قليلاً أو كثيراً، في أحوال الاجتماع المصري، قبل «ثورة 25 يناير» (2011) وبعدها، أو بعيداً عنها، مع معاينة انفعال أو علاقة معلّقة، عبر سردٍ يروي قصصاً مختلفة.

قصص أفراد

يذهب محمد خان إلى شاطئ البحر قبل بداية موسم الصيف، ليروي ـ في حيّز طبيعي هادئ ـ اضطراباً يعتمل في نفوس أناس مُصَابين بلوعةٍ أو انكسارٍ أو مأزقٍ، يحاولون خروجاً من الخراب بأقلّ الخسائر الممكنة. وتتجوّل هالة خليل في أزقّة الشقاء اليومي، أو في متاهة الرخاء الماديّ، في اللحظات الفاصلة بين اندلاع حراك شعبيّ عفوي و»تنحّي» الرئيس حسني مبارك، وبداية مرحلة المحاكمات المتنوّعة له ولنجليه علاء وجمال، ولعدد من أبرز الرموز الاقتصادية والمالية والسياسية لعهده. الهدوء المخيّم في منتجع سياحي صيفي مرآة تنعكس عليها «زحمة» مشاعر مضطربة تضجّ في ذاتيْ الشخصيتين الأساسيتين الدكتور يحيى (ماجد الكدواني) والمُترجمة هالة (هنا شيحة)، وإنْ يختلف اضطراب المشاعر هذه وأسبابها بين تحطّم نفوذٍ، وانهيار تحصينات في العالم البورجوازيّ الخاصّ بيحيى وزوجته الدكتورة ماجدة (لانا مشتاق)، جرّاء تهم فساد وفوضى في مستشفى خاصّ به، وارتباك علاقة حبّ بين الزوجة المطلّقة هالة وعشيقها الممثل الثانوي «نصف المشهور» (هاني المتناوي). لكن، في مقابل المشهد هذا، وما يُخفيه في طيّاته من غليان وألم وتمزّقات، هناك ـ في «نوّارة» ـ ضجيج يعتمل في البيئة الفقيرة جرّاء بؤسها وخيباتها وعجزها عن الانتصار لنفسها على «الموت» المحيط بها، وذلك في مواجهة سكينة ظاهرة في مجمّع سكنيّ لأثرياء يجدون أنفسهم عراة أمام انهيار النظام المباركيّ، وتشتّت قوّة المتظاهرين، وعودة البطش البوليسي ـ الأمني إلى مطاردتهم.

لن يكون هذا اختزالاً للفيلمين. كلّ واحد منهما يمتلك خصوصية البحث السينمائيّ في أحوال الاجتماع المصري، المنفلشة على أمور شتّى تتداخل وتتصادم وتتشابك، وهي تروي فصولاً من حيوات أفراد يشاهدون تحوّلات جذرية في مساراتهم الذاتية وسياقات بلدهم، ويبحثون ـ في الوقت نفسه ـ عمّا يُشبه خلاصاً يظلّ معلّقاً أو ملتبساً أو صعب المنال. لذا، لن تبقى حالة المكان مهمّة، لأن ظاهرها ليس حقيقياً بالمطلق، وباطنها مرتبك إلى حدّ كبير: سكينة يريدها الثلاثيّ اغتسالاً من أخطاء أو خطايا (قبل زحمة الصيف)، وضجيج لن يغطّي مرارة الهبوط في جحيم الأرض والحياة (نوّارة). فنوّارة (منة شلبي)، الخادمة في منزل السياسيّ السابق أسامة (محمود حميدة) وعائلته الثرية، تُشكّل نواة جوهرية للحكاية المنفلشة هنا وهناك، وسط حريق يلتهم الناس جميعهم، من دون أن يكون سبب الحريق حكراً على الحراك الشعبي العفوي، لتمدّده إلى حالة متأصّلة في البناء المجتمعيّ.

نوّارة الخادمة الفقيرة لا تملك سلاحاً لمواجهة الخراب سوى ابتسامة تعكس حيوية انفعالية جميلة في يومياتها. وحيدة لا سند لها سوى حبيب تتزوّجه «ع الورق» لأن ظروفاً حياتية تحول دون إقامتهما معاً في منزل خاصّ بهما، وجدّة تبلغ من العمر ما يضعها أمام عتبة الرحيل الأخير. تعمل في قصر عائلة ثريّة، وتستمع إلى مخاوف وتحدّيات أناس تائهين أمام انقلاب القدر. طيبتها لا ترحم. عيناها الشغوفتان بالحياة لا تدركان قذارة الواقع وخبثه. تكافح، بالمعنى العميق للمفردة، من أجل منفذٍ تراه قريباً. لكنها تقع في فخّ التحوّل الكبير، وتسقط في هاوية الانقلاب، وتبدو كأنها تدفع غالياً ثمن أحلام بريئة، وأوهام تتكشّف عن فراغ مدوٍّ. هذا يظهر في السياق الدرامي بشكل عفوي. تراكم التحدّيات يؤدّي بها إلى أغلال تزنّر يديها بتهمة باطلة. والنظرة «الثاقبة» لـ «حرم» أسامة، أو ربما حدسها الأنثوي، دافعٌ إلى الخروج من المأزق في اللحظة المناسبة، باختيار السفر والنفاد من الارتباك العام.

ارتباكات لا خلاص منها

الثلاثيّ «المحتلّ» الشاطئ البحريّ «قبل زحمة الصيف» مُصابٌ إما بخطيئة الفساد (الزوجان)، وإما بخطأ الارتهان الحادّ للعاطفة (المترجمة). حتى الصفتين هاتين لن تكونا صائبتين كلّياً، لأن الخطيئة غير محدّدة بمعايير ثابتة، والخطأ نزوة يُمكن إصلاح نتائجها أحياناً. ثم إنّ الهروب ليس خلاصاً بل استراحة، والشاطئ البحري اغتسال، أو محاولة اغتسال من أدران المدينة وصخبها وفوضاها وانهياراتها. في السياق الدرامي العام، يتّضح أن لا خلاص حقيقياً لهم، فالشاطئ مجرّد فسحة تأمّل لن تمنح أحداً منهم سكينة مطلقة ونهائية وثابتة، وإنْ يتبيّن ـ في اللقطات الأخيرة ـ أن هناك ما يُشبه مصالحة ما مع الذات، بعد تحريرها من وطأة الانهيارات والضياع.

في تقديم حكاية «نوّارة»، توصف الشابّة بأنها «فتاة لديها أحلام عريضة في امتلاك أبسط الأشياء» (الملف الصحافي). بين الشخصيات كلّها، تتفرّد نوّارة ببساطتها ورغباتها القليلة والعادية. ربما لهذا تسقط وحيدةً في «لعبة الكبار» و «خيبات الصغار». في حين أن الآخرين جميعهم، بمن فيهم أولئك المقيمين في شاطئ فارغ، لا يملكون شيئاً من فطرتها وبساطتها وعفويتها وأناقتها الداخلية وأحلامها الجميلة، على الرغم من بشاعة محيطٍ يحاصرها من كل حدب وصوب. في تقديم «قبل زحمة الصيف» (كاتالوغ المهرجان) ما يشي بمعنى متكامل للحبكة: «يبدو أن العطلة المبكرة التي تعلّقت آمالهم (الزوجان والمترجمة) بها، ليست إلاّ انعكاساً آخر لإحباطاتهم نفسها». ومع أن التقديم نفسه يحدّد الفيلم بأنه «مثالٌ حيّ» عن شريحة من شرائح المجتمع المصري، إلاّ أن محمد خان يبتعد عن عالمه الأثير (التحليل السينمائي للمجتمع)، مكتفياً بمعاينة مسارات أناس يهربون من ألمٍ داخلي، ظنّاً منهم أن الهروب علاجٌ، أو نهاية تلائم ما يبغونه. أما «نوّارة» فينغمس في أعماق الاجتماع المصري المتنوّع، مرافقاً تحوّلات أناس منتمين إليه، ومتابعاً انحداراً قاسياً يسيرون عليه باتّجاه انكسار أخير، مع أن «علّية القوم» لن تُدرك خلاصها إلاّ بالسفر، إنْ يكن السفر خلاصاً أكيداً.
مع محمد خان، يبقى للسينما ـ مهما يكن شكل الفيلم وآليات اشتغاله ـ حضور يُحيل إلى شيء من متعة المُشاهدة. ومع هالة خليل تتحوّل الصورة السينمائية إلى اختبارٍ ـ وإنْ لم يكتمل ـ لمعنى اللغة البصرية في تشريحٍ وتفكيك ومعاينة، وفي إعادة رصّ المتتاليات في سياق يريد بوحاً ونقاشاً وتسليط ضوء ما على بعض المخبّأ والمرغوب والواقعيّ.

نتائج «المهر الطويل» في «دبي الـ 12»..

نديم جرجوره

قبل ساعات قليلة على عرض الفيلم الختامي «النقص الكبير» (الولايات المتحدّة الأميركية، 2015) لآدم ماكاي 8 مساء أمس الأربعاء، في 16 كانون الأول 2015، أُعلنت نتائج الدورة الـ 12 لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، في احتفال أُقيم في «مسرح المدينة» (سوق مدينة جميرا) في الإمارة. بهذا، تنتهي الدورة الأخيرة بفوز «على حلّة عيني» للتونسية ليلى بوزيد بجائزة أفضل فيلم في «مسابقة المهر الطويل»، العائد بمشاهديه ومعهم إلى صيف العام 2010، عشية اندلاع الحراك الثوري السلميّ في بعض العالم العربي انطلاقاً من تونس. لكن الفيلم لا يتطرّق إلى هذا الفعل الشعبي العفوي مباشرة، ولا يبيّن المسارات الاجتماعية والحياتية والاقتصادية التي تدفع بالتونسيين إلى إعلان تمرّدهم على نظام فاسد وقامع، لأن «على حلّة عيني» يكتفي بالمواربة السينمائية الجميلة في تناوله المشهد العام، عبر متابعة حكايات مجموعة شبابية تنتقد البؤس اليوميّ من خلال الأغنية والموسيقى، وعبر فرح (بيّة مظفّر) تحديداً، الشابّة التي تُنهي دراستها المدرسية، وتبدأ اكتشاف العالم حولها، وتعشق الغناء، وتواجه الحرص المتشدّد والصعب للأم حياة (غالية بن علي) عليها، وتعكس بمسارها الحياتي على مدى أسابيع قليلة شيئاً من أحوال البلد (قمع، فقر، انسداد أفق، توتر، ارتباك ...إلخ) وناسه.

في مقابل فوز «على حلّة عيني» بجائزة أفضل فيلم روائي، حصل «أبداً لم نكن أطفالاً» للمصري محمود سليمان على جائزتي أفضل فيلم غير روائي وأفضل إخراج. وهو، إذ يمتدّ على مساحة زمنية تبلغ 104 دقائق، يتابع يوميات سيدة مصرية تعاند القدر وتتحدّى بؤس الحياة وشقائها، من أجل تربية أولادها الأربعة، قبل انفصالها عن زوجها ـ والدهم، وبعده. لكن الكاميرا لن تبقى بعيدة عن العمق الاجتماعي للمأساة الإنسانية العامة، إذ تتجوّل في جغرافيا الروح والجماعة، وإن بخفر، كي تفضح بعض المبطن والمستور. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصّة ـ المؤلّفة من المخرجة الهندية ديبا مهيتا رئيسةً والممثل المصري خالد النبوي والمخرجة العراقية ميسون الباجه جي والأديبة والسينمائية الإماراتية نجوم الغانم والمخرج الأوسترالي توم زوبرسكي أعضاء ـ فمن نصيب «حكاية الليالي السود» للفرنسي الجزائري الأصل سالم الإبراهيمي، المقتبس عن رواية للكاتب أرزقي ملال المُشارك في كتابة السيناريو أيضاً: في خطين متوازيين إلى حدّ كبير، ترتسم معالم الحكايات المختلفة، التي يُمكن اختزالها بيوميات ياسمينة ونور الدين، اللذين يواجهان تسلّط أم وتبدّل أحوال بلد غارق في همجية التطرّف وعنفه القاتل.

إلى ذلك، نالت المصرية منّة شلبي جائزة أفضل ممثلة عن دورها في «نوّارة» لهالة خليل، وفاز لطفي عبدلي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في «شْبَابِك الجنّة» للتونسي فارس نعناع. مع خليل، تروي نوّارة (شلبي) ـ بعينيها اللتين تكتشفان تحوّلات حاصلة حولها، وتكشفان مسارات أناس ذاهبين إلى خرابهم بأنماط مختلفة ـ حكاية الفقر والألم والرغبة في العيش والحياة، في ظلّ «ثورة 25 يناير» (2011). ومع نعناع، تُروى حكاية أخرى متعلّقة بالثنائي سامي وسارة، اللذين يصطدمان بلحظة تبدّل عميق وخطر في حياتهما الهادئة، فإذا بهما يغرقان في تناقضات المشاعر والانفعالات والتفاصيل الحياتية المختلفة.

السفير اللبنانية في

17.12.2015

 
 

دانيال عربيد... «باريسية» رغم أنف الجميع

علي وجيه

معظم الأفلام تهتم بنظرة الغرب إلى المهاجرين. لكن في جديد المخرجة اللبنانية الذي ينافس على جائزة «المهر الطويل» ضمن «مهرجان دبي السينمائي»، تلاحق الكاميرا نظرة «لينا» إلى فرنسا. تتابع تأثّرها بتقلّبات هذا المجتمع وهواجسه وأحلام شبابه. هكذا، تكتشف الفتاة المهاجرة أنّ ليس كل شيء على ما يُرام هنا!

دبيتواصل دانيال عربيد (1970) العمل رغم كل ما تسمعه من أصوات معترضة على أسلوبها وجرأتها. السينمائية اللبنانية تؤمن أنّ صناعة المزيد من الأفلام هو ما يستحق الاهتمام. ها هي تعود إلى «مهرجان دبي السينمائي الدولي الثاني عشر»، لتنافس على جائزة «المهر الطويل» في أول عرض لجديدها «باريسية» («لا أخاف شيئاً» وفق الترجمة الحرفيّة عن الفرنسيّة) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نحن في باريس 1993. «لينا» (منال عيسى) قادمة حديثاً من بيروت لدراسة الاقتصاد. تهرب من بيت خالتها بعد تعرّضها للتحرّش من زوج هذه الأخيرة، لتلقى نفسها وحيدةً في عالم جديد. تحضر صف الفن مصادفةً، فتجد نفسها ميّالةً له أكثر من فرع جامد قائم على الحسابات والأرقام. سريعاً، تحبّ رجلاً متزوجاً يفتّش عن الجنس لا أكثر. هذا الخيار الأنسب لفتاة في عمرها وحالتها، فهي تبحث عن النضج لأنّه أحد وجوه الأمان بالنسبة إليها. بعد صدمة حبّ ساذج، يبدأ تحوّل «لينا» من كائن منكمش إلى صاحب قرار، من متأثّر إلى مؤثّر قادر على الفعل. تنخرط بشكل متزايد في يوميات العاصمة الفرنسيّة ونواديها الليليّة، متنقلةً من حضن عاشق حالم بالهجرة إلى أميركا، إلى عوالم صحافي ناشط في السياسة والأحزاب (لا ننسى أنّ عربيد آتية من الصحافة، وعوالم جريدة «ليبراسيون»). الأوّل يفضّل العلاقة المعلّقة، فيما يبحث الصحافي عن الاستقرار والاستمرار. هذه العلاقة ليست بإحكام ما قبلها. تميل قليلاً لتثبيت وجهة نظر عامة، قبل العودة إلى مسار الحكاية بالدفع المعتاد. بالتأكيد، هي فاعلة داخل «لينا» وضمن محيطها. تزامناً، تخوض هذه الأخيرة معركة تثبيت نفسها في «الوطن» الجديد، مصرّةً على البقاء والتحقق رغم أنف الجميع.

إنّها تيمة بلوغ سنّ الرشد من منظور عام مختلف. معظم الأفلام تهتم بنظرة الغرب إلى المهاجرين. في «باريسية»، تعمل دانيال عربيد على إدارة الكاميرا، فتلاحق نظرة «لينا» إلى الغرب (فرنسا). تتابع تأثّرها بتقلّبات هذا المجتمع وهواجسه وأحلام شبابه. هكذا، تكتشف الفتاة اللبنانيّة أنّ ليس كل شيء على ما يُرام هنا. تختبر مناخاً مشابهاً لما يقع في بلدها (مجتمعات المنطقة عموماً). رجل يخون زوجته إرضاءً لشهواته. شاب يحلم بالهجرة من أجل تحقيق ذاته. ثالث يكافح لنشر أفكاره وتوسيع هامش الحريّات. ثمّة غليان وإحباط وضغوط اقتصاديّة، بل تضييق على الحريّات في جمهورية قائمة على احترامها. الشرطة تعامل الشباب بقسوة لمجرّد الاشتباه. قد يُضرَب الصحافي في الشارع بسبب أفكاره. تكتب في كرّاستها: «القبح هو كل شيء هنا». كذلك، تكسر هذه المهاجرة نمط الضعف المكرّس عن أمثالها. هي مبادرة، لا تخشى المواجهة والتمكّن، بل إنّها قد تكذب وتسرق لتحقيق ما تريد. ليس لأنّها شخص سيء، بل لانعدام كل ما عدا غريزة البقاء. في المقابل، يمرّر الشريط هامشاً لنظرة المجتمع إلى الفتاة الآتية من الشرق الأوسط. إنّها رؤى متنوّعة أيضاً، لا تكتفي بجانب أحادي.

فيلم مينيمالي ينتصر للذات والإرادة الحرّة والانعتاق والقدرة على التحقق

بسبب موقف الشريط المضاد لثقافة الـ Mainstream، لم تحصل دانيال عربيد على التمويل بسهولة. في النهاية، جاءت سابين صيداوي المتحمّسة للمخرجات اللواتي يقدّمن المرأة بشكل قوي (مشاركة في «3000 ليلة» لمي المصري أيضاً). هذا معتاد في الشخصيات النسائية ضمن سيناريوهات عربيد التي اضطرت للعمل بميزانية أقل من فيلمها الأول بعد كل هذه السنوات. إذاً، نحن بصدد فيلم مينيمالي، تمّ تصويره في 23 يوماً فقط. ينتصر للذات والإرادة الحرّة والانعتاق والقدرة على التحقق.

على الرغم من بعدها الجغرافي، تنجح بيروت في ملاحقة «لينا» بقوّة، حتى أنّها تضطرّ لقضاء الصيف هناك. عائلة مفككة، ومجتمع لا أفق فيه. الأب هو الضوء الوحيد في المكان، إلا أنّه يرحل من دون أن يقول وداعاً. تصبح «لينا» على يقين أنّ لا مكان لها في هذا البلد. في نهاية الشريط، تقول نحّاتة تواجه خطر الترحيل: الوطن حيث يعيش المرء بسلام، ويجاهر بأفكاره من دون خوف.

الجنس أساس درامي في فيلموغرافيا صاحبة «معارك حب» (2004). من خلاله، نفهم تحوّلات «لينا» عبر الأشهر. تنفتح على نفسها وعلى الآخر. تكتسب المبادرة والقرار وخيار مواجهة المجتمع والعائلة. حسب الضرورة، تنتقل من الدفاع إلى الهجوم.

اختيار الفترة بين 1993 و1995 آت من معايشة عربيد للمرحلة، وفق ما تقول في حديثها السريع مع «الأخبار». أيضاً، تريد الحد من خيارات البطلة في التواصل وإيجاد الحلول، خصوصاً مع بلدها الذي يعاني من سوء خدمة البريد الإلكتروني. تفاصيل الفترة وموسيقاها وأغراضها تشكّل إغراءً فنياً لأيّ صانع. صاحبة «بيروت بالليل» (2011) تظهر باريس الملوّنة، الصارخة بالموسيقى والحياة، لتكون قادرةً على إثارة اهتمام «لينا» وجذبها. في المقابل، تفرض الحقبة حدوداً لعدسة التصوير الخارجي. قلّة الميزانية لا تسمح بتحرير الكوادر دائماً. هذا منسجم مع أسلوبية التصوير التي تفضّل «الكلوز» غالباً. كاميرا قلقة، متوترة، بل وشرسة أحياناً. تقترب من وجه البطلة (تصوير هيلين لوفار)، قبل أن تتحوّل إلى وجهة نظرها في ملاحظة الأشياء والتفاعل معها (توليف ماتيلد مويار). هي تصادف شخصيات عدة قبل التعرّف بها، في ما يبدو أنّه تأكيد على الحلقة المغلقة التي تركض داخلها. من البديهي وجود حالات مشابهة من بلاد أخرى.

منال عيسى مفاجأة سارّة على مستوى الأداء والتماهي مع الشخصية. تستحق الإشادة على شغلها. مهلاً، هي مهندسة في الأصل، وليست ممثّلة محترفة. وقوفها للمرة الأولى أمام كاميرا دانيال عربيد، يفتح لها باباً نحو فيلم فرنسي قادم، في ما يبدو أنّه استمرار مهني احترافي. لا شكّ في أنّ «باريسية» أفضل من «بيروت بالليل» على مستويات عدة. حالياً، تعمل عربيد على إخراج فيلم طويل بعنوان «بسيط كالشغف»، مأخوذ عن رواية للكاتبة آني إيرنو.

الأخبار اللبنانية في

17.12.2015

 
 

مصر والإمارات وتونس وفلسطين تحصد جوائز «دبي السينمائي»

الفنانة المصرية منة شلبي نالت جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم «نوارة»

دبي: محمد رضا

حصدت مصر والإمارات وتونس وفلسطين جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثانية عشرة التي اختتمت أمس الأربعاء. ونالت الفنانة المصرية منة شلبي جائزة أحسن ممثلة، عن دورها في فيلم «نوارة» الذي يتناول أوضاع المصريين أثناء «ثورة 25 يناير». وقالت شلبي إنها سعيدة بهذه الجائزة، التي تتوج مجهود عام كامل من الجهد، ليخرج فيلم «نوارة» بصورة لاقت إعجاب كثيرين من جمهور المهرجان ولجنة تحكيمه، مشيرة إلى أنها تهدي جائزتها إلى والدتها الفنانة المعتزلة زيزي مصطفى، فهي «الداعم الأول لها، وبشرتها بالفوز بالجائزة»، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية.

وفاز بجائزة أفضل ممثل، التونسي لطفي العبدلي عن فيلمه «شبابك الجنة»، الذي أهدى جائزته إلى بلاده تونس. وذهبت جائزة أفضل مخرج إلى المصري محمود سليمان عن فيلم «أبدا لم نكن أطفالا»، ونال الفيلم نفسه جائزة أفضل فيلم غير روائي. أما جائزة أفضل فيلم روائي ففاز بها فيلم «على حلة عيني»، وهو فيلم فرنسي إماراتي بلجيكي. ونال الفيلم الجزائري الفرنسي «حكاية الليالي السود» جائزة لجنة التحكيم للفيلم الطويل. وأعلنت لجنة تحكيم المهرجان فوز الفيلم الفلسطيني «طير يا طاير» بجائزة الجمهور. أما جوائز المهر الإماراتي فنالها ناصر الظاهري «أفضل مخرج» عن فيلمه «في سيرة الماء والنخل والأهل»، وفاز بجائزة الفيلم القصير «أمنية» للمخرجة آمنة النويس، وذهبت جائزة أفضل فيلم طويل إلى «ساير الجنة» للمخرج سعيد سالمين.

يشار إلى أن فعاليات الدورة الثانية عشرة من مهرجان دبي السينمائي انطلقت يوم التاسع من ديسمبر (كانون الأول)، واستمرت ثمانية أيام، عرضت خلالها 134 فيلما من ستين دولة، وتضمنت مبادرات فنية وبرامج لـ«سوق دبي السينمائية».

وقدم المهرجان 55 فيلمًا في عرض عالمي أو دولي أول، و46 فيلما في عرض أول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و11 فيلمًا في عرض أول في الشرق الأوسط، و17 فيلمًا في عرض خليجي أول.

جاءت جوائز المهرجان على النحو التالي:

* جائزة المهر الإماراتي:

- أفضل مخرج: ناصر الظاهري عن فيلم «سيرة الماء والنخيل والأهل».

- أفضل فيلم إماراتي قصير: «أمنية» لآمنة النويس.

- أفضل فيلم إماراتي طويل: «ساير الجنة» لسعيد سالمين.

* جائزة المهر الخليجي للأفلام القصيرة:

- جائزة خاصة: «بسطة» لهند الفهد (الإمارات العربية المتحدة).

- أفضل فيلم قصير: «الرئيس» لرزكار حسين (الإمارات العربية، العراق).

* جائزة المهر للأفلام القصيرة:

- الجائزة الخاصة: «مريم» لفايزة أمبا (الإمارات العربية المتحدة، السعودية).

- أفضل مهر قصير: «السلام عليك يا مريم» لباسل خليل (فلسطين، ألمانيا).

* جائزة المهر الطويل:

- أفضل ممثلة: منة شلبي عن فيلم «نوارة» (مصر).

- أفضل ممثل: لطفي العبدلي عن «شبابك الجنة» (تونس).

- أفضل مخرج: محمود سليمان عن «أبدا لم نكن أطفالا» (مصر).

- جائزة لجنة التحكيم الخاصة: «دعوهم يأتون» لسالم براهيمي (الجزائر).

- أفضل فيلم غير الروائي طويل: «أبدا لم نكن أطفالا» (مصر).

- أفضل فيلم روائي طويل: «على حلة عيني» لليلى بوزيد (المغرب).

الشرق الأوسط في

17.12.2015

 
 

"على حَلّة عيني": قبل الثورة بقليل

أحمد باشا

في أولى تجاربها الطويلة "على حلّة عيني" (102د، 2015)، قرّرت المخرجة التونسية، ليلى بوزيد (1984)، أن تنجز فيلماً روائياً يتّخذ من أجواء ما قبل الثورة التونسية، محرّكاً أساسياً لمجرياته.

الفيلم الذي عُرض مؤخّراً ضمن "مهرجان دبي السينمائي"، الذي اختُتمت فعاليات دورته الثانية عشرة أمس، سبق أن تلقّى ترحيباً كبيراً في مختلف أماكن عرضه، ما جعل الكثيرين يبشّرون بموهبة بوزيد، التي أعاد الشريط تقديمها بعيداً عن كونها ابنة المخرج المعروف نوري بوزيد، حتى أن أحد النقّاد وصف العمل، على موقع سينمائي أميركي، بأنه "أفضل الأفلام الروائية العربية عن الربيع العربي".

بعد عدد من الأفلام القصيرة، تقدّم بوزيد التي درست الآداب في "جامعة السوربون" ثم الإخراج في "معهد لافيميس" في باريس، فيلماً يرصد بضعة أشهر مقتطّعة من أسرة بطلته فرح (بيّة مظفر)، فتاة في الثامنة عشرة من العمر، تشكّل فرقة مع عدد من أصدقائها، تؤدّي أغاني روك تنتقد السلطة والوضع العام في تونس.

تحلم فرح بأن تتابع دراسة الموسيقى، لكن حلمها يُواجَه بالعقلية التقليدية للأسرة في ما يتعلّق بالخيارات الدراسية للأبناء؛ إذ تريد منها أن تدرس الطب. هي أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، على المستويين الاقتصادي والثقافي، الأب محمود (لسعد جموسي) منفصلٌ عن الأم حياة (المغنّية غالية بن علي)، يعمل مهندساً في مدينة قفصة التي أُبعد إليها بسبب عدم انتمائه إلى الحزب الحاكم.

تحاول الأم أن تُبعد فرح عن الغناء، خصوصاً بعد أن عرفت، من خلال عشيقها القديم منصف، الذي يعمل مع الأمن، بأن السلطات تنوي اعتقال ابنتها بسبب توجّهاتها المناهضة للنظام، إلا أن الفتاة تتحدّى أمّها وتستمر في الغناء إلى أن يجري اعتقالها، ثم التحرّش بها في المعتقل.

تخرج بعدها بوساطة منصف، ثم يقرّر الأب أن ينتسب إلى الحزب الحاكم، وتقف البنت إلى جانب أمّها لتغنّيا "على حلّة عيني" (موسيقى خيام اللامي)، في الوقت الذي بدأت فيه الثورة بالاشتعال.

"جرأة العمل قابلها قصور في رسم الجانب النفسي للشخصيات"

تتنقل عدسة المخرجة بين حياتين متوازيتين للبطلة؛ في الأولى نجدها تغنّي مع فرقتها، وتتطوّر خلافاتها مع حبيبها برهان (منتصر عياري)، وكذلك في اللحظة التي يجري فيها اكتشاف حقيقة أحد أعضاء الفرقة، الذي يكون عميلاً للأمن التونسي. وهذه الحياة تشكّل المركز بالنسبة إليها.

أما الثانية، فتقتصر على مشاكلها الشخصية مع عائلتها الممثَّلة في الأم التي لا تتوقّف تدخلّاتها في حياتها الشخصية. يمكن القول، أيضاً، إن فرح تمثّل صلة الوصل بين عالمين أو بين جيلين. لاحقاً، نكتشف، من خلال السياق، بأن الأم كانت في شبابها أيضاً تملك طموحاً وتمرّداً لا يجعلانها مختلفة كثيرة عن شخصية ابنتها، ويمكن من هذه الزاوية فهم إسناد الدور إلى مغنّية.

تفتح إحداثيات العائلة على قراءة أوسع حول انتفاء دور الطبقة الوسطى في تونس في ظل نظام بن علي، كما في باقي البلدان العربية التي مسّتها موجة الثورات والانتفاضات. لذلك، قدّمتها بوزيد مرتبطة، بطريقة أو بأخرى، مع النظام الحاكم.

على هذا النحو يمكن قراءة قرار الأب بالانتماء إلى الحزب، أي الرضوخ له، كاعتراف صريح بالهزيمة، فربطُه زمنياً بحادثة التحرّش بابنته في المعتقل يوضّح بشكل أكبر طبيعة الأدوات التي يستخدمها النظام في تطويع المواطنين بمختلف مشاربهم الاجتماعية.

لا شكّ في أن الجرأة التي تحلّت بها المخرجة التونسية في العمل، سواء على مستوى الشكل أو المعالجة الدرامية، مهمّة جداً وتُحسب لها في تجربتها الأولى، ولكنها ليست كافية ولا تسدّ القصور الواضح في رسم الشخصيات التي بدت فارغة من الصراعات الداخلية التي لا توجد حياة من دونها، داخل الشاشة الكبيرة أو خارجها.

العربي الجديد اللندنية في

17.12.2015

 
 

فيلم مصري قصير يفاجىء ويتصدَّر

أمل الجمل

كانت مصر حاضرة بقوة في مهرجان دبي، ليس فقط من خلال نجومها ونجماتها كضيوف، أو بحصول الفنان عزت العلايلي على جائزة تكريم إنجازات الفنانين، لكن أيضاً ضمن المسابقات المتنوعة وعروض ليالي عربية وحتى ضمن مسابقة تظاهرة «المهر الخليجي» بالفيلم الروائي القصير «ألف اختراع واختراع وعالم ابن الهيثم» للمخرج أحمد سليم. فرغم أنه إنتاج إماراتي بريطاني لكنه آخر أعمال الفنان الراحل عمر الشريف، وكان مهرجان القاهرة قد حاول التفاوض مع صناع العمل لعرضه لكن مهرجان دبي السينمائي في دورته الثانية عشرة نجح في ضمه إلى قائمة عروضه المميزة.

إلى جانب فيلم «يلا أندرغراوند» للمخرج فريد إسلام، والذي يتابع مجموعة من فناني الأندرغراوند من بلدان عربية بعضهم أصبح يعيش في بلدان أجنبية، تاركاً لهم مساحة للحكي عن مخاوفهم، وهواجسهم، ومشاكلهم، وأسلوب حياتهم، وأفكارهم التقدمية في ظل مجتمعات رجعية تكبلها القيود السياسية والاجتماعية. هذا الفيلم الذي صور بين 2009 و2013، يكشف عن تبدل وجهات نظر هؤلاء الفنانين إزاء الثورة، لدرجة أن البعض اعتبر أن الإيمان بمستقبل أفضل أصبح وهماً أو ضرباً من الخيال. عرض الشريط الوثائقي ضمن ليالي عربية، وهو تحقق من طريق الإنتاج المشترك بين مصر وألمانيا والتشيك وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة.

4 سنوات مصرية

على صعيد مسابقة المهر الطويل، شاركت أربعة أفلام مصرية، منها شريط «المنعطف» للمخرج الأردني رفقي عساف والذي شارك محمد حفظي في إنتاجه ضمن التعاون المشترك بين أربعة دول، الإمارات ومصر وفرنسا والأردن، أما الفيلم الوثائقي «أبداً لم نكن أطفالاً» فجاء من توقيع المخرج المصري محمود سليمان في أولى تجاربه الطويلة بعد سلسلة من الأعمال القصيرة المميزة. والفيلم إنتاج مصري إماراتي قطري لبناني، ويبدأ حكيه عن مصر قبيل الثورة ثم يتتبع حالها وأوضاعها على مدار تلك السنوات الأربع من خلال الحكي عن سيدة من أحد الأحياء الشعبية أصرت على الانفصال عن زوجها المدمن والذي يعاملها معاملة سيئة وكان يسرق أموالها وأخرج أطفالها من التعليم، فقامت هي بتربية أولادها الأربعة وتحملت مسؤوليتهم، لكن أوضاع البلد التي أخذت في التدهور من سيئ إلى أسوأ لم تمنحها الفرصة للنجاة، وكانت سبباً في اختفاء أحد أبنائها، بينما الأكبر يعترف بأنه لو جاءته فرصة للعمل مع «داعش» فسيوافق، «سيوافق على ذبح الناس لأنه في جميع الأحوال مذبوح».

ذكاء محمود سليمان قاده لاختيار امرأة تمثل نموذج رمزي لاغتصاب مصر وانتهاكها، وإن كان الفيلم يشوبه التطويل وترهل الإيقاع في بعض المناطق، خصوصاً في ظل التكرار وإلحاح المخرج على الأولاد حتى يحكوا تفاصيل زائدة عن شخصية الأب، لكنها لم تضف جديداً للصورة التي رسمها المتلقي له.

على عكس النهاية المقبضة المأسوية المُوحية بمستقبل أسود ينتظر المصريين المطحونين والفقراء المهمشين التي يُبشر بها فيلم «أبداً لم نكن أطفالاً»، تأتي نهاية فيلم «حار جاف صيفاً» للمخرج شريف البنداري عن سيناريو للواعدة نورا الشيخ، والذي يشارك ضمن مسابقة المهر القصير إلى جانب فيلم «العجلة» للمخرجة منة إكرام، لكن الأخير متوسط القيمة. في حين يعتبر شريط البنداري أهم الأفلام المصرية المشاركة بالدورة الثانية عشرة من مهرجان دبي، سواء على المستوى الفني والمضمون، وذلك رغم قصره وبساطته الشديدة، إذ تفوق على تجربتي محمد خان وهالة خليل، جاء العمل مثل الطلقة القوية التي تكشف عن إرادة الإنسان المصري في ظل كل ما يحاصره من مآس.

ينتهي الفيلم بثلاث لقطات: الأولى تنتمي زمنياً لليوم نفسه، إذ نسمع الطبيب الأجنبي يقول لنظيره المصري بعد أن رأى أشعة الرجل المسن: «لا أصدق أن هذا الرجل لا يزال على قيد الحياة ويعمل، إنه يعيش في جسد رجل ميت، فالورم السرطاني الذي يهاجمه عنيف جداً، إنه يحتضر وليس أمامه سوى أيام أو أسابيع، إنه حالة ميؤوس منها، دعنا لا نضيع وقتنا ونرى الحالة التالية». أما اللقطتان التاليتان فيصاحبهما على شريط الصوت أغنية محمد عبدالوهاب «لأ مش أنا للي أبكي ولاَّ أنا للي أشكي». وفي إحداهما نرى البطلة وصورة زفافها بعد الفوتوشوب بينما طفلها يلهو على الأرض، وهي تعد الطعام وتتحدث مع صديقتها على الهاتف عن مشاكلها مع زوجها والخصام والمصالحة بينما بطنها منتفخة تكاد تقترب من الولادة، ما يعني أنه مر على الزفاف نحو عامين تقريباً، ثم تنتقل الكاميرا إلى شهاب عبدالحميد الذي لا يزال حياً يرزق وهو يأكل الآيس كريم في البلكونة وتتحرك الكاميرا حركة عرضية لنرى صورته مع العروس في ذلك اليوم البعيد.

تتمثل قيمة الفيلم في تقديم ثلاث مواهب، أولاها كاتبة السيناريو نورا الشيخ بكل التفاصيل والكلمات المدروسة، والمخرج شريف البنداري الذي نجح هنا في خلق روح وإحساس قوي للعمل والشخصيات والذي كانت تفتقده أعماله السابقة، ثم التأكيد على موهبة الممثلة الغول ناهد السباعي التي يمكنها أن تنال جوائز عالمية، فهي قادرة على تجسيد ابنة البلد من طبقة شعبية وتتنقل بمهارة وتلقائية وسلاسة بين ملامح الضيق والألم، والارتياح، والغضب، والطيبة، والقسوة، والرقة والرجاء، والإحساس بالذنب، والتوتر أو التردد،، والإحساس بالإنهاك من الحر والعطش الشديد.

أصابع الاتهام

أما الفيلمان «قبل زحمة الصيف» لمحمد خان، و «نوارة» لهالة خليل، فجاءا من الإنتاج المصري الخالص، وكان الفيلمان قد أثيرت بسببهما ضجة في القاهرة –خصوصاً «نوارة»- لرفضهما المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان بلدهما، واعتبر البعض أن المخرجين المصريين فضلا مهرجان دبي لقيمة الجوائز ولأهمية المهرجان أيضاً، وهو ما أعلنه صراحة المنتج السبكي على الملأ في المسرح الكبير أمام الجمهور، موجهاً حديثه إلى محمد خان. البعض وقتها أكد أن فيلم «نوارة» كان جاهزاً للعرض وأن صناعه تحججوا بأن أعمال المونتاج والمكساج لم تنته بعد لئلا يضيعوا فرصة العرض في مهرجان دبي، بينما الحقيقة كما يُؤكدها كثيرون أن «نوارة» حتى قبل عرضه بيوم واحد كان لا يزال يتم العمل عليه، كما أكد أحد المقربين من كواليس العمل.

شهرزاد فلسطينية بواقعية جديدة

استوكهولم – فجر يعقوب

تشاء المخرجة الفلسطينية مي المصري لفيلمها الروائي الطويل الأول «3000 ليلة» والذي عرض أخيراً في دبي كعرض عربي أول بعد جولة عالمية أوصلته إلى السويد ولندن والهند وغيرها، أن يكون بعداً معرفياً وجمالياً موازياً لحكاية أسطورية تجيد فيها البطلة سرد حكايتها. ليست شهرزاد إلا تلك الراوية المتمسكة بأبعاد جديدة واقعية. نحن هنا نقف على شهرزاد الفلسطينية التي تتقن القفز عبر مكونات القص بأدوات جديدة: الحس الواقعي الوثائقي المطعم بنكهة الرواية وبإضاءة مبهرة وبحركة كاميرا متوثبة وعميقة في شغلها على أدق التفاصيل في السجن الذي تختاره المصري لتصور فيلمها بالكامل فيه، وكأنها تريد أن تفسح المجال أكثر للغوص في تقلبات الإنسان العاصفة على صعيد تبدل وتداول الأمكنة التي يتعاقب عليها الجلادون في أمكنة وأزمنة مختلفة، وإن ظلت الرموز في الفيلم تتكثف في شكل مستمر في إشارة على وميض الداخل الذي تتقنه البطلة ليال عصفور (ربما تكون ميساء عبد الهادي الاكتشاف الكبير في هذا الفيلم كممثلة) والبطلات الأخريات بطبيعة الحال. ليال في تكثيف روايتها تطيل في عمر الليالي التي ستقضيها في سجن إسرائيلي بعد أن تحكم من قبل محكمة عسكرية إسرائيلية ثماني سنوات، يقابل كل ذلك شغل على عمر الأسطورة نفسها لجهة إمحاء غطرسة الجلاد من الذاكرة التي لا يمر سرد من دونها.

ليال مدرّسة فلسطينية تعتقل في يوم ماطر. تضعنا المخرجة في أجواء عاصفة منذ الكادرات الأولى لفيلمها. هذا التوتر تعكسه البطلة بعينيها وهي تدور في المعتقل بحثاً عن تمكين درامي لسرد القصة. بدت أنها عين الكاميرا الثانية التي تدور باقتدار في المكان لجهة تحديد مصادر الضوء والصوت ونحن نتابع صرخاتها في وجه المحققات الإسرائيليات حين يلقين بها في الليلة الأولى بين سجينات جنائيات إسرائيليات يعرفن كيف يدرن أيامهن ويطلن من شقاء ليال. لكن مهلاً ثمة على الضفة الأخرى السجينات الفلسطينيات. هناك سناء وجميلة وفداء وأم علي وأخريات. بالتأكيد ستحظى ليال بمراقبة متوجسة من سناء الفدائية الفلسطينية اللبنانية المحكومة بخمسة عشر عاماً لأنها حظيت بمكالمة زوجها في الخارج من مكتب مديرة السجن، وهذا يعني في ذهن سجينة سياسية متمرسة مثل سناء أن ثمة صفقة جرت في الخفاء مقابل «هذا الدلال».

الزوج المتردد

بالمقابل سوف نكتشف بالتدريج خطوط الرواية: هناك الزوج الذي يقف متردداً في علاقته بزوجته المدرّسة البريئة في سلوكها وفي حياتها غير المتمرّسة في الأعمال النضالية الملقاة على عاتق النسوة، ويقرر أن يهاجر إلى كندا حتى لا يخسر الفيزا التي حصل عليها. سوف نسير على خط مواز مع «الجلاد» التي تقتـــرح على ليال إسقاط الجنين الذي تحمل به حتى تتمكن من تمضية محكوميتها بأضــــرار أقل، وهو نفس الطلب الذي يتقدم به زوجـــها منها وهو بذلك يكشف عن جبن يلائم السرد الذي تفترضه ليال وهي تكتشف عالماً شرساً وقاسياً يمكن أن يتساوى فيه اضطهاد المرأة مع الاحتلال.

تقول مي المصري في لقائها مع الجمهور السويدي والعربي الذي تابع الفيلم في عروض مهرجان استوكهولم السينمائي الدولي: «لكل حكاية فلسطينية شهرزاد خاصة بها. ليس ممكناً القبول بأقل من ذلك. وهي إذ تتيح سرد قصتها على الملأ فإنها تكتشف بالتدريج أدواتها. تماماً مثل اكتشاف لذة السرد في حكايا شهرزاد الأسطورية».

ليال لن تكتفي بتربية وليدها الجديد في سجـــن جهنمي محاط بقسوة السجينات الجنائيات وعدم تقبل سناء لها في بادئ الأمر، بل ستعمل بخلق مشاعر جديدة متوائمة مع حكايتها حتى تحسن من فرادتها، وهذا ما نجحت به ميساء عبد الهــادي كممــثلة تعمل بإدارة مخرجة مرهفة عرفت كيف تقدم من قبل نماذج أنـــثوية مبـهـــرة في أفلام وثائقية لا تزال تحتل الذاكرة السينمائية بطزاجتها وألقهـــا، وها هي ليال تدخل كممثلة علـــى خط السرد الأنثوي الذي تتيحه لنا المصـــري فــــي أول فيلم روائي طويل لها.

لا تكتفي المخرجة الفلسطينية بولوج منطقة خطرة في حسابات هذا السرد. صارت تدرك من بعد طول معاينة وتدقيق وتأمل أنها تملك الطاقم الملائم لتصوير «3000 ليلة». البطلة محكومة بثماني سنوات، وهي تعادل حسابياً هذه الليالي الطويلة، وإن أضفنا لها ليال، فإن المعادلة تتقلص لحساب البطلة التي تدخل في الفيلم من جهة العتمة لتبدأ بتحليل مكونات الضوء، ليس بوصفه فاتح شهية وحسب على الحرية التي تفتقدها في الزنزانة، بل وكفعل فيزيائي مكثف، حيث تتلاعب كاميرا المصري بمكونات الظل والنور في حسابات دقيقة تدفع هذه المعادلة المعقدة إلى الارتجاف على وقع العالم الداخلي للبطلة ميساء عبد الهادي، لتشكل مفاجأة الفيلم كما أسلفنا. من المؤكد أن مي المصري تظل أمينة لحوارات سابقة أجريتها معها في أوقات مختلفة. أرادت للعنوان أن يكون مفتوحاً على تفسيرات شتى تجمع من خلال فكرة الزمن الطويل مع فكرة الليل أو العتمة التي تبهر السجان وتخذل المسجون، ولكنها ها هنا تتحول تدريجياً إلى طريقة أنثوية في السرد والصمود يصبح في السجن عبر الخيال وعبر ممكنات هذا السرد، فما من أدوات أخرى تعيل المعتقلة ليال على التحرر من لياليها إلا بالخيال، وهو أعلى سلطة هنا، تفوق سلطة السجان والسجينات الجنائيات وفكرة السجن نفسه. سوف نكتشف عن طريق موازاة السرد أن ليال بعد أن تضع مولودها (نور) سيكون هنا هو لعبة الضوء التي تقف على نقيض كل شيء. حتى أنها تحميه باسمها.

نور وليال لعبة ذكية في السرد يتيح للأم المعتقلة أن تدرك قوتها من خلال موازاة جسم الوليد الصغير مع مكونات الضوء الشحيح الذي يتسلل إلى الزنازين الرطبة. في بعض أجمل مشاهد الفيلم سنقع على ذلك العصفور الحجري الذي ينام في يد نور. وعندما يغرق في نومه يتحول الحجر إلى عصفور حي يتحرك ويغير من قتامة الروح التي تغزوها العتمة ويطير على وقع خطوط موسيقية نغمية في الخلف لا يمكن الشعور بها إلا حين الإحساس بلحظة إفلات العصفور وتحليقه بعيداً. كل تلك الظلال التي تتحرك في ساحة السجن وعند الجدران ستكون مقدمة لإضراب شديد تقوم به السجينات الفلسطينيات على وقع الأخبار المتواترة عن اجتياح لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا وحلقات عمليات تبادل الأسرى بين فصائل فلسطينية وإسرائيل، وربما تبدو مهمة قيمة ذلك التحول الذي تبديه شولاميت، السجينة الإسرائيلية الشرسة التي تتكفل بليال في يومها الأول حين تقع جراء جرعة زائدة من المخدرات وتقوم ليال بإنقاذها. تنقاد هذه السجينة إلى عوالم مختلفة. تصبح صديقة لعدوتها ليال. وهنا يصبح على ليال أن تتقبلها بوصفها إنسانة يمكن التفلت من عداوة مستحكمة من أجل حوار متقد بعيد عن آباء الصهيونية المؤسسين. أن تتخلص شولاميت من المخدرات بنداء داخلي حار من ليال يبدو وكأنه الحل الأمثل أمام هذه السجينة اليهودية لأن تتحرر من عقيدة المكوث على الضفة الصهيونية والاستجابة لهذا النداء الذي تنجح الممثلة الفلسطينية ميساء عبد الهادي في تلبسه وتقديمه لنا ببراعة ملحوظة في فيلم «3000 ليلة». تتغلب هنا على مكونات السرد الذي يحيل إلى إحالات إنسانية يجب أن تمر بها السجينات على الضفتين. بعض هذه الإحالات يخفي قوة وبعضها يخفي ضعفاً قاتلاً في هذه المكونات، ولكنها تلزم لإكمال الحكاية. تقول المصري إنها تريد أنسنة شخصياتها من خلال التركيز على عالم نسوي مغلق ومبتور وفيه إقصاء عن كل ما هو آدمي.

كل ذلك سينفع في إكمال السرد الذي تبدأ به ليال. سيعود زوجها للمطالبة بنور بذريعة أنه لا يجب أن يبقى سجيناً معها وراء الجدران. ربما تعرف الحب مع سجين فلسطيني يشرف على علاجها في عيادة السجن.

هذه حقيقة الحياة التي يجب أن تستمر في رفض مضمر للرموز التي تغلف الحكاية برمتها. عالم السجينات الفلسطينيات قائم على التدرب على الخيال لمن لا تملكه. جميلة المعتقلة مع شقيقتها فداء ستدفع حياتها ثمناً لذلك في باحة السجن برصاصة من جندي إسرائيلي. يتبع ذلك إضراب وغاز مسيل للدموع في الزنازين. لن يتوقفن عن التدرب على الخيال حتى تلوح الحرية. إنهن كما تقول مي في جمهورية للنساء السجينات وليس أمامهن للظفر بحريتهن إلا الخيال. هذا ما تعلمه ليال لوليدها نور. تدربه على الطيران في أرجاء السجن قبل أن يذهب فعلياً لمعانقة الضوء الذي يحمل اسمه. أما ليال فستخرج للقائه عند البوابة بعد أن تنهي عقوبتها.

اثنا عشر برجاً لمهرجان دبي السينمائي الدولي

دبي - «الحياة»

نستعير من الروائي الفلسطيني حسن حميد عنوان مجموعته القصصية الأولى «اثنا عشر برجاً لبرج البراجنة»، ونحن نودّع الدورة الثانية عشرة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» التي انعقدت في الفترة ما بين 9 – 16 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. نقول: اثنا عشر برجاً لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، بخاصة أن الحملة الإعلامية والإعلانية أنبنت على فكرة الاثني عشر برجاً فلكياً، ومراتبها، وميزاتها، في محاولة لإسقاطها على مزاج الجمهور الذي يختلف من برج لآخر، فتختلف ذائقته السينماية ومتطلباته، ما بين الأنواع الفيلمية والمدارس السينمائية والاتجاهات... ولكن إذ تجتمع الأبراج الاثنا عشر كلها، في هذه الدورة من المهرجان، على رأس اثنتي عشرة دورة، فلكي تقول إن «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بات في منزلة تتحقق معها رغبات الجمهور وصنّاع السينما، بأبراجهم.

الحديث الذي قبل عام بدا لدى البعض مبالغة، عندما كان العنوان يفيد بأن «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، يعيد تنظيم نفسه ويجدد حيويته، يعود هذه المرة، بعد عام، ليتأكد بالتفاصيل الثرية التي انتهت عليها الدورة الثانية عشرة، على رغم أن لا جديد على الصعيد المادي، سوى حالة التكيّف والتلاؤم مع واقع الحال، ذاك الذي انتهى إلى الاكتفاء بالمسابقة العربية التي تأثثت هذا العام على أربعة أجنحة: مسابقة المهر الطويل (روائي وغير روائي)، مسابقة المهر القصير، مسابقة المهر الخليجي للأفلام القصيرة، مسابقة المهر الإماراتي (للطويل والقصير). بينما ما زالت مسابقة «المهر الآسيوي الأفريقي» مُؤجلة حتى إشعار آخر، إن لم نقل مُلغاة.

وفي حين عرض المهرجان من خلال مسابقاته الرسمية، والبرامج الموازية خارج المسابقة مثل برنامج «ليال عربية»، و «سينما العالم»، و «سينما الأطفال»، 134 فيلماً، جرت استعادة حضور «سوق دبي السينمائي»، ومنحه المزيد من التألّق عبر التوسع في «منصات العارضين»، ورفد الـ «سيني تيك» بالمزيد من الأفلام، وجدولة «ملتقى دبي السينمائي»، ما بين محاضرات وندوات وورش عمل، مع تكثيف المشاركات المحلية والعربية والعالمية، وتعزيز جوائزه التي بلغت قرابة 80 ألف دولار أميركي، فضلاً عما يقدمه صندوق «إنجاز» من دعم في مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج، تأكيداً على دور المهرجان في دعم صناعة السينما العربية.

نظرة على الجوائز

- في مسابقة «المهر الإماراتي» فاز بجائزة «أفضل فيلم طويل» فيلم «ساير الجنة» للمخرج سعيد سالمين، وبجائزة «أفضل فيلم قصير» فيلم «أمنية» للمخرجة آمنة النويس، وحصل ناصر الظاهري عن فيلمه «في سيرة الماء... والنخل... والأهل» على جائزة «أفضل مخرج».

يرصد الفيلم الروائي الطويل «ساير الجنة»، للمخرج سعيد سالمين، رحلة البحث التي يقوم بها فتى إماراتي من أبو ظبي إلى الفجيرة بحثاً عن جدته، وقد ضاقت به الحياة، بسبب معاملة زوجة أبيه. «ساير الجنة» فيلم طريق، ينتقل من أبو ظبي إلى دبي فالشارقة والفجيرة، يرصد بعين سينمائية مرهفة الواقع الاجتماعي في الإمارات اليوم، من خلال تفاصيل بسيطة، لكنها ذات دلالة، زادها قوة الأداء المتزن للممثلين، وفي مقدمهم اليافعان اللذان أديا دور البطولة.

ويمكن اعتبار الفيلم القصير «أمينة»، للمخرجة آمنو النويس، محاولة جريئة للتماسّ مع موضوع على قدر كبير من الحذر، إذ يتعلق بختان الإناث، والآثار النفسية السلبية التي يتركها على الفتاة التي تتعرّض لهذا العنف. بينما يتبدى الجهد الكبير المبذول في فيلم «في سيرة الماء... والنخل... والأهل»، للمخرج ناصر الظاهري، وقد شاء أن ينشئ سجلاً بصرياً للهوية الإماراتية، ببعديها المادي والمعنوي، مصوراً العادات والتقاليد والتراث، راصداً الجغرافيا والتاريخ، والتحولات على هذه الأرض، التي هي الإمارات.

- في مسابقة «المهر القصير» فاز بجائزة «لجنة التحكيم» فيلم «مريم» للمخرجة السعودية فايزة أمبا، وحصل على جائزة «أفضل فيلم» فيلم «السلام عليك يا مريم» للمخرج الفلسطيني باسل خليل.

«مريم» فايزة أمبا تعيش في مطالع القرن الحادي والعشرين، و «مريم» باسل خليل، السيدة العذراء، الباقية فوق نساء العالمين، مانحة البركة، ممتلئة بالنعمة. والمسافة ما بين الـ «مريمين» لا تبتعد كثيراً. تذهب فايزة أمبا في فيلمها لترصد حكاية الصبية مريم التي ترفض قرار المدرسة الفرنسية بمنع من ترتدي الحجاب من الدخول إلى غرفة الصف. تتواجه مريم مع مدير المدرسة وقرار الحكومة، ومع رغبة والدها، لكنها مواجهتها الأكبر قد تكون مع ذاتها. بينما يبني باسل خليل حكاية طريفة، على هيئة حادثة تثـــير الضحك بمقدار ما تثير الوجع. عائلة يهودية تضــيع طريقها فتصطدم بدير لراهبات منعزل في الضفة الغربية. كل ما يدور إثر ذلك ليس سوى سخرية من واقع الحال. من بلاهة المستوطن اليهودي، وتأفف الراهبة، قبل أن ينخرط الجميع في تعاون غاية أن يتخلص كل طرف من الآخر.

- في مسابقة «المهر الطويل» حصل على جائزة «لجنة التحكيم» فيلم «حكاية الليالي السود» للمخرج الجزائري سالم الإبراهيمي، وعلى جائزة «أفضل فيلم روائي» فيلم «على حلّة عيني» للمخرجة التونسية ليلى بوزيد، وعلى جائزة «أفضل فيلم غير روائي» فيلم «أبداً لم نكن أطفالاً» للمخرج المصري محمود سليمان، وعلى جائزة «أفضل ممثل» التونسي لطفي العبدولي عن دوره في فيلم «شبابك الجنة»، فيما حصلت منّة شلبي على جائزة «أفضل ممثلة» عن دورها في فيلم «نوارة»، وحصل محمود سليمان عن فيلمه « أبداً لم نكن أطفالاً» على جائزة «أفضل مخرج».

أربعة من أصل خمسة أفلام متوّجة في مسابقة «المهر الطويل» تتماس مع الهمّ السياسي وتجلياته في الواقع العربي، من العشرية السوداء في الجزائر، إلى الثورة في تونس ومصر، وانعكاساتها على البشر العاديين. وحده فيلم «شبابك الجنة»، للمخرج فراس نعناع، يبدو دراما عن الفقد. زوجان شابان يفقدان طفلتهما. يعيش الأب مرارة الفقد، وقد فقدت الحياة لديه معناها، وتساعده زوجته في محاولة التوازن. تنوعات الحكايات لدى الأفلام الأربعة الفائزة تنويعات على وتر سؤال القدرة على التعايش مع ما تشهده البلدان العربية من فوران يهدد مصائر أبنائه، ويخلخل توازنهم.

- في مسابقة «المهر الخليجي القصير» فازت بجائزة «لجنة التحكيم» فيلم «بسطة» للمخرجة السعودية هند الفهاد، وبجائزة «أفضل فيلم» «رئيس» للمخرج العراقي رزكار حسين.

يبني الفيلم الروائي القصير «رئيس» حكاية واقعية شكلاً، ولكنها ذات أبعاد دلالية ورمزية عن ولادة وصعود وسقوط الديكتاتور. الأصدقاء «يطوّبون» أحدهم زعيماً عليهم، سرعان ما ينقلب عليهم، ويستبدّ بهم. حكاية الديكتاتور ذاتها.

أما فيلم «بسطة» فيميل إلى حكاية عادية لامرأة تعمل بائعة بسطة في السوق المحلية، وتتأبّى عن أن تكون الزوجة الإضافية للرجل الوحيد في السوق. المرأة في عجزها وقلّة حيلتها ومحدودية خياراتها، هي موضوع المخرجة هند الفهاد، التي قدّمت فيلمها بتوازن على شريطي الصورة والصوت والأداء، بإنتاج شركة «فراديس» التي يديرها المخرج عبدالله حسن أحمد الذي خرج فائزاً هو بدوره أيضاً، وعن مشروع سينمائي روائي طويل مُقبل، بجائزة وزارة الداخلية «أفضل سيناريو مجتمعي»، و100 ألف دولار أميركي.

الحياة اللندنية في

18.12.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2015)