كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

جولي دلبي حضرت مهرجان فينيسيا خارج المسابقة بفيلمها الجديد «لولو»

الممثلة والمخرجة الفرنسية تميل إلى أفلام الستينات

وتستمع إلى {النصائح» لكنها تنفذ ما في بالها

لندن: محمد رُضا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والسبعون

   
 
 
 
 

خلال انعقاد مهرجان فينيسيا الأخير من 2 إلى 12 سبتمبر (أيلول) حضرت الممثلة والمخرجة الفرنسية جولي دلبي بفيلمها الجديد «لولو» الذي تم عرضه في أيام الدورة الأولى. جولي دلبي أمّت المهرجان بدورها من دون توقعات كبيرة لأن الفيلم اختير خارج المسابقة في تظاهرة «أيام فينيسيا».

«لولو» فيلم كوميدي كتبته الممثلة التي استعان بها المخرج الفرنسي جان - لوك غودار ليمنحها فرصتها الكبيرة الأولى في السينما مسندًا إليها دورًا بارزًا في فيلمه «تحري» سنة 1985. بعد ذلك شاهدناها بمعية عدد مهم من المخرجين البارزين في فرنسا: مع غودار مرّة أخرى في «الملك لير» وتحت إدارة برتران تافرنييه في «بياتريس» وكريستوف كيوزلوفسكي في «ثلاثة ألوان: أزرق» (1993) ثم في «ثلاثة ألوان: أحمر» (1994) وهذا بالإضافة إلى أدوارها في أفلام أوروبية أخرى مثل «أوروبا، أوروبا» للبولندية أنجيسكا هولاند و«الرحالة» للألماني فولكر شلندروف.

لكن التجربة الأميركية لهذه الممثلة التي تبلغ الآن 45 سنة، هي الأكثر لفتًا للاهتمام كونها حطّت الرحال في حفنة من أفلام المخرج الأميركي رتشارد لينكلاتر بدءًا من «قبل الشروق» سنة 1995 وانتهاء - حتى الآن على الأقل - «قبل منتصف الليل» قبل عامين.

«لولو» متأثر بأسلوب لينكلاتر، المتأثر بدوره بأسلوب السينما الفرنسية الممارس من قِـبل فنانين معينين لا يكترثون للحبكة بقدر ما يكترثون للحوار. لكن تأثر دلبي بلينكلاتر ليس بصمًا أو استنساخًا، بل هو في إطار التناول المرهف للشخصيات في حين أن الحبكة لها سعة جماهيرية أوسع من تلك التي لأفلام أستاذها.

تلعب جولي دلبي فيه شخصية أم تعمل بنجاح في عالم الأزياء. فجأة هناك شغف برجل جديد في حياتها (يوفر الدور داني بون) وتبدو هي سعيدة بهذه العلاقة المنشودة بينهما. لكن ما يتحكم فيها أمر مفاجئ حتى بالنسبة لها: لقد تدخل ابنها المراهق (فنسنت لاكوست، واسمه لولو في الفيلم) لكي يفسد العلاقة بين أمه وحبيبها لأنه يريد البرهنة على أنه صاحب الكلمة الأولى في البيت. بكلمات أخرى: رجل البيت.

الموقف يفاجئ بطلتنا لكن دلبي لن تدخل حبكة نفسية شائكة بل ستتجه بكل هذه المعطيات صوب أوضاع كوميدية صرفة. بعد تأسيس الشخصيات ومصادرها ينخفض سقف التوقعات الفنية ويعلو مستوى القفشات الخفيفة لينتهي الفيلم وقد حقق نصف ما كان مرجوا منه.

هذا هو الفيلم السادس من إخراجها والسادس والخمسون من تمثيلها. وهي تبدو في غاية اليقظة والحضور حين الجلوس إليها.

·        شخصيتك هنا تختلف عن الشخصيات التي شاهدناها في أفلام سابقة لك ومن بينها أفلام قمت بتحقيقها بنفسك. ما السبب؟

- إنه مشروع مختلف. لقد أردت منذ سنوات أن أجد نفسي في فيلم كوميدي. مللت الأفلام التي علي أن أعامل كل شيء فيها… الحبكة وشخصيتي والشخصيات الأخرى… بجدية مطلقة. بحثت عن مشروع يلبي هذه الرغبة والنتيجة هذا الفيلم.

·        لكنك كتبته بنفسك كما كتبت أفلامك السابقة. لم يأت المشروع إليك بل ذهبت أنت إليه.

- نعم. كنت مستعدة في وقت من الأوقات لأن أتسلم عرضًا كهذا من مخرجين أو منتجين. لكن ما عرض علي، وأنا صريحة هنا، لم يلفت نظري باستثناء فيلم ما زال قيد الإعداد. لم أرد الانتظار. فكّرت في الوضع الذي يمكن أن يحصل لامرأة في مثل سني إذا ما كان ابنها ينافسها على إدارة حياتها ويريد التحكم في اختياراتها.

·        لماذا تكتبين أفلامك؟

- بدأت كاتبة. بدأت وأنا في العاشرة على ما أعتقد. تعودت عليها. أكتب بسرعة.

·        كم يأخذ منك السيناريو وقتًا؟

- أسبوعين أو أقل. أكتب بسرعة شديدة. طبعًا لأن السيناريو عمل ذاتي ولا يحتاج إلى البحث ولا إلى تمويل هوليوودي أو ميزانية كبيرة… هذا يساعد على إنجازه بسرعة.

·        في الفيلم تبدأ الحديث عنه كما لو كان ولدًا صغيرًا… تسميه «صبييها الصغير».

- هذه هي المشكلة في جذورها. لقد عاملته كما لو كان ولدًا صغيرًا طوال الوقت حتى من بعد أن كبر وصار شابًا في التاسعة عشرة من العمر. وهو في اعتقادي لا يختار كيف يشعر الآن أو كيف يتصرف. هو محكوم بالمعاملة الحانية التي تلقاها صغيرًا.

·        هذه الأم مشغولة بين عملها وبين صداقتها الجديدة وبين محاولة فهم ابنها، لكن الفيلم لا يبتعد كثيرًا داخل هذه الشخصية أو سواها. صحيح؟

- نعم. هذا قراري من البداية أن أمنح المشاهد معالجة خفيفة لموضوع أراه مهمّا وواقعيًا. هناك الكثير من هذه الحالات في كل مكان من العالم. أعرف ذلك علم اليقين. لكن على ذلك، لا بد أنك لاحظت أنني في الفيلم امرأة جادة في كل شيء. الأمور ليست سهلة التحليل دائمًا.

·        أين رتشارد لينكلاتر في كل هذا؟ هذا الفيلم يبدو لي أكثر تحررًا من علاقتك الفنية بالمخرج الأميركي… أكثر تحررًا من فيلمك السابق كمخرجة «يومان في نيويورك».

- بالطبع… هذا كان يجب أن يحدث. أولاً «يومان في نيويورك» هو فيلم أميركي بقدر ما هو فرنسي وهو مثل أفلام رتشارد أكثر جدية من هذا الفيلم. أعتقد أنني ما زلت معجبة بأسلوبه في العمل لكني مرتاحة أيضًا في الاختلاف عنه. لكن ألا تعتقد أنه حتى في ذلك الفيلم لم أقدم على التماثل مع أفلام لينكلاتر التي مثلتها له؟

·        هناك مخرج آخر كنت على عمل شبه دائم معه لكنه رحل باكرًا هو (تهز رأسها قبل نطق اسمه) كيوسلوفسكي

- بالتأكيد. كنت ما زلت صغيرة في مهنتي. شابة في عمري وبحاجة لمساندة معنوية ولنصائح مهنية. كريستوف قدّم لي هذه المساندة. عقدنا جلسات كثيرة تحدثنا فيها عن فن كتابة السيناريو وعنه كمخرج ومفهومه للإخراج. لكني لا أستطيع أن أقول إنني ملتزمة بأسلوبه أو بأسلوب أي مخرج تعاملت معه. هناك أنا وهناك المعرفة. المعرفة تتنوّع ومصادرها هي من عملت معهم. لكن هناك أنا في النهاية وأفلامي تمثلني وحدي.

·        هل وجدت التمويل سهلاً لهذا الفيلم، أو لأي من أفلامك كمخرجة؟

- لم أجهد كثيرًا. طبعًا هناك المشاورات وفترات الانتظار. هناك المرات التي كنت أجلس فيها وحدي متسائلة إذا ما كان الوقت قد حان لأتصل بميشال (منتج الفيلم ميشال جنتيل) لأسأله إذا ما كانت لديه أي أخبار جديدة مع العلم بأني كنت أعلم أنه سيتصل بي حال سماعه شيئا. لكن كل شيء كان سهلاً أمام هذا المشروع.

أفلامي غير مكلفة وأنا أحسن الاستماع إلى النصائح ولو كنت سأنفذ ما في بالي في النهاية.

·        أي نوع من الأفلام التي تقومين بها هو أحب إليك عمومًا؟

- أحب النوع الذي من السهل الحصول على تمويل له (تضحك)… هذا هو الجواب السريع. طبعًا لكي تضمن أن يكون التمويل سريعًا في المرّة المقبلة أيضًا، عليك أن تجد التوازن الصحيح بين الفيلم كرغبتك الفنية وبينه كرغبة الجمهور الترفيهية. إذا وجدت هذا التوازن فإن أعمالك المستقبلية كلها مؤمّنة.

·        في العموم أي نوع من الأفلام تحبين أكثر؟

- لا أميل إلى نوع معين بقدر ما أميل إلى فترة زمنية. لقد كبرت على أفلام الستينات. كنت صغيرة وكنت أحب السينما وكنت أحب التمثيل وكل هذا الحب من جراء أفلام الستينات والسبعينات. مرّة بعد مرّة وكلما كان ذلك متاحًا أشاهد «العراب» أو أشاهد «بوني وكلايد».

·        هي الفترة التي شهدت أداءات لم يعد هناك مثيل لها في أفلام اليوم.

- تمامًا. أعني أنظر إلى فاي داناواي في «بوني وكلايد» أو إلى آل باتشينو في «العراب» أو روبرت دينيرو في «سائق التاكسي» أو جين هاكمان في «المحادثة» أو الكثير سواها… هذه أفلام كتبت لكي تتميّز ولكي يتميّز فيها كل عنصر من عناصرها، التمثيل والإخراج والموسيقى وكل شيء.

الشرق الأوسط في

16.09.2015

 
 

«هل تريد أن تكون مدام كوراج؟»

لندن: محمد رُضا

يسأل أحدهم بطل الفيلم عمر (عدلان جميل) مستنكرًا تصرّفاته ويمر بعض الوقت قبل أن ندرك المقصود. فـ«مدام كوراج» ليس عن امرأة بهذا الاسم بل صفة يُكنّى بها، على الغالب، الذكر أو الأنثى المتهور والأرعن أو الغبي.

في فيلم مرزاق علواش، المعنون «مدام كوراج» أيضًا، وهو آخر أعماله، نجد عمر متهورًا وأرعن وغبيًا.. لكنه أيضًا واقع في الحب. هو لص حقائب وجواهر يخطفها من النساء من بعد رصدهن وقبل الانطلاق على دراجته النارية بعيدًا. لديه تاجر يصرّف له الجواهر المسروقة ويحتفظ عمومًا بما يحصل عليه من أموال يسرقها بالطريقة نفسها. ذات مرّة، في مطلع الفيلم، يخطف عقدًا من فتاة متجهة إلى المدرسة لكنه لا يبيعه بل يحتفظ به. عند المساء ينتظر خروجها مع زميلاتها. يتبعها منفردة. يستوقفها قبل وصولها إلى مدخل المبنى الذي تسكن فيه مع والدها العجوز وشقيقها ويعيد لها العقد.

يلتقط علواش نظرة كل منهما للآخر. باب مفتوح في اتجاهين ينتج عنه تعلّق عمر بالفتاة ومطاردته لها. هي لا تتمنّع، لكنها لا تستطيع إقناع شقيقها بأن هذا الشاب لا يقصد إيذاءها.

متابعات
في عام 2013 منحت مجلة «فاراياتي» الأميركية المخرج مرزاق علواش جائزة «مخرج الشرق الأوسط»، وهي جائزة سنوية كانت تخصصها خلال انعقاد مهرجان أبوظبي السينمائي وسبق لها أن وجهتها صوب عدد من المخرجين الواعدين مثل العراقي محمد الدرّاجي. لكن علواش أكثر من فاز بها بالنسبة لعدد أفلامه، وأكثرهم إنجازا لوعوده وذلك منذ أن حقق «عمر قتلاتو» (سمي أيضًا بـ«عمر قتلته الرجولة») سنة 1975.

آنذاك، عرف كيف ينهض ببداية جديدة لسينما جزائرية رزحت طويلاً تحت سمة الأفلام النضالية حول ثورة البلاد ضد الاستعمار الفرنسي. فيلمه، وفي الجوار أفلام أخرى لاحقة لسينمائيين آخرين أقل نشاطًا منه إلى اليوم، اختلف عن منوال أفلام النضال بانتمائه إلى سينما نقد الحاضر. مع هذا الفيلم بشّر متابعيه بأنه إذ يرصد الجزائر اليوم، فإنه يسعى للبحث عما تتألّف منه اجتماعيًا ومسلكيًا وكتقاليد.

لكن جزائر آنذاك تختلف عما كانت عليه في السبعينات وأضحت عليه فيما بعد وإلى اليوم. وأفلامه صاحبت هذا الاختلاف في الثمانينات «رجل ونوافذ» وفي التسعينات «مدينة باب الواد» وفي الزمن الحاضر كما يعبر عنه في هذا الفيلم وقبله في «نورمال» و«حراقات» و«سطوح» و«التائب» وكلها في غضون السنوات السبع الأخيرة.

في التسعينات فقط انشغل عن الموضوع الجزائري داخل الجزائر بمواضيع مهاجرين يعيشون في باريس ويواجهون أسباب حياة مختلفة وصعبة كما الحال في «مرحبًا يا خال» (1996) و«شوشو» (2003) وقبلهما «بعد أكتوبر» (1990) الفيلم التسجيلي الذي ظهر فيه المخرج يوسف شاهين والممثلة إيزابيل أدجياني كل منهما بشخصيته.

في أفلامه الأخيرة «التائب» و«السطوح» و«مدام كوراج» زاد من ملاحقته الوضع المعتم للحياة الاجتماعية في الجزائر. في «حراقات» (2010) حكاية جزائريين وغير جزائريين يدلفون إلى مغامرة بحرية تدفعهم الرغبة في هجرة غير شرعية كتلك التي ما زالت قائمة إلى اليوم على اتساع.

في «التائب» (2012) حكاية شاب كان انضم لمجموعة من الإرهابيين والآن يريد خلاصًا. في النهاية هو في أرض مفتوحة لكل الاحتمالات وحياته لا تزال في خطر ملاحقيه.

«السطوح» (2013) عن شخصيات كثيرة تعيش فوق أسطح المدينة. لا ينزل المخرج عن مواقعه بل يصوّر الشوارع من فوق ويسرد أحداثه التي تشمل شخصيات تتراوح من المتطرفين دينيًا الذين ينشرون بذور الإرهاب، إلى العائلات المسحوقة تحت براثن الوضع مرورًا بعصابات خطرة لا يكشف المخرج الكثير من أسبابها لكنه يكشف ما يكفي من نتائجها.

صوت المؤذن

موقف المخرج من الوضع معروف وله أسبابه بلا ريب. الجزائر اليوم لم تعد جزائر الأمس التي قادت نفسها إلى الاستقلال والتي جسدت أحلام جيل الثورة وما تبعه من أجيال تعلّقت بأمل التغيير، بل هي تلك الجزائر الراضخة تحت أعباء اقتصادية ومعيشية وسياسية زادها التطرّف الإسلامي خطرًا على أبنائها. مرزاق يغرف من الواقع كمن يغرف من الماء إنما من دون أن يتعرض كم الماء إلى النقص.

لكن نظرة المخرج الصارمة إلى ما يستعرضه من أوجاع تبدو في الوقت ذاته كما لو كانت تحتاج إلى بعض الرهافة. في «السطوح» كما في جديده «مدام كوراج» ينضح شريط الصوت بأصوات الأذان. وبينما يطلق المؤذن صوته داعيًا المؤمنين إلى الصلاة يصوّر المخرج الانحلال الأخلاقي والاجتماعي ومواطن البؤس والشقاء وبذور الجريمة ويعرضه. الرابط واضح للجميع وهو أن ما نراه هو أيضًا ما نسمعه. الوجه الآخر للدين. لكن في حين أن هذا التفسير غير صحيح، لأن المبدأ شيء والتطبيق هو شيء آخر، فإن تكرار ما يراه تطابقًا بين شريطي الصوت والصورة يؤدي إلى افتقار الفيلم إلى رهافة الرسالة وعمقها. يتبدّى كدار يصد الناس حتى عن تقدير ما يقصده هو.

«مدام كوراج»، على ذلك، جيّد في كل جزء آخر من حرفته. تمثيل ملهم من بطله وتصوير يذكر، في استعراضه للبيئة المدنية وفي هوسه، باستعراض مارتن سكورسيزي لنيويورك في بعض أفلامه الأولى ومنها «سائق التاكسي» (هنا هو سائق دراجة نارية). الاختلاف لديه منظور سياسي عبثي ينتج عنه ارتكابه جرائم قتل، في حين أن بطل «مدام كوراج» يتناول المخدرات ويبقى مغيّبًا عن الواقع وضحية له.

الشرق الأوسط في

17.09.2015

 
 

البندقية السينمائي: "دو بالما" وريث هيتشكوك

د. أمـل الجمل – فينيسيا

السينما هى فن الكذب الجميل، فن الخداع والإيهام الذي ينقل الواقع والحقيقة، ألم يقل براين دو بالما ذات يوم: "الكاميرا دائماً تكذب، إنها تكذب 24 مرة في الثانية".. لكن كاميرا "دو بالما" لا تكتفي بالكذب، إنها تنغمس في العنف وتغرق في الدماء مع شخصياته التي تعيش القلق، والضياع قبل أن يصل بعضها إلى النشوة، إنه مهووس بالشخصيات الفضولية التي تمنحه الطريق ليسرد حكايته.

اتسمت أعماله بالإثارة والغموض والخوض في عوالم شخصيات تمارس أو تقع تحت القهر والبارانويا في أجواء من التشويق، حتى أطلق عليه الجمهور لقب "هيتشكوك الجديد". في حين وصفه البعض بأنه الوريث الشرعي لهيتشكوك وابنه الروحي، بينما انتقده فريق ثالث ونعته "بالمزوِّر" و"المُقلِّد" لهيتشكوك، وبأنه في أفلامه يميل إلى المبالغة والمسرحة التي تصل حد السوقية والابتذال، على الأخص المبالغة في تصعيد مستوى التوتر، إضافة إلى التساؤل المشروع؛ لماذا يُعيد تمثيل مشهد مثل سلالم الأوديسا في فيلم من توقيعه؟ ولماذا لم يبتكر مشهدا جديدا؟ لماذا كل هذا الاحتفاء والفرح بالتقليد والمحاكاة خصوصا فيما يتعلق بتجربة هيتشكوك؟

وهو نفسه في اللقاء المطول الذي صُور معه ضمن فيلم "دو بالما" والذي أُنجز عنه بمناسبة تكريمه في موسترا الثاني والسبعين - أخرجه نواه بومباك وجاك بالترو - يعترف دو بالما بأنه أكثر المخرجين الذين تأثّروا وتشربوا عوالم ألفريد هيتشكوك، وبأنه كان دوما عندما يفكر في إخراج عمل مقتبس عن عمل آخر سينمائي كان يدخل في تحدِّي مع نفسه لاختراع مشاهد أكثر دموية مما في الأعمال السابقة، كان يُنقِّب عن دموية لم يسبق لها مثيل، كما فعل عندما أعاد إخراج "فيرتايجو"، و"بلو أب"، وظلّت دائما الصورة هي شغله الشاغل، إذ يقول: "كل ما يهمني هو لغة الصورة، هي أول شيء أفكر فيه عندما أبدأ في التخطيط لموضوعات أفلامي، فهي التي تمدّني بفرص عظيمة على المستوى البصري، فالمعطيات البصرية المعقدة في أحيان ليست قليلة هي طريقي إلى تطوير القصة."

كل ما سبق وأكثر نتعرف عليه من خلال المحاضرة السينمائية التي يمكن أن نصف بها الفيلم الوثائقي "دو بالما" الذي أخرجه نواه بومباك وجاك بالترو شقيق الممثلة "جونيث بالترو"، والذي عُرض بمناسبة تكريم مهرجان البندقية السينمائي في دورته الأخيرة لبراين دو بالما البالغ من العمر 75 عاماً، ومنحه جائزة تكريمية بعنوان "جاجير لو كولتر، المجد للسينمائي"، أثناء انعقاد الدورة الثانية والسبعين للمهرجان الإيطالي العريق، والذي اعتبرها البعض جائزة متواضعة تُقدم لسينمائي له اسهامات سينمائية كبيرة لا تنسى ولا يمكن تجاهلها.

فرغم أن عددا من أفلامه ينتمي لأفلام الدرجة الثانية أو الحرف "ب"، لكن ذلك لا ينفي أن دو بالما – الذي بدأ حياته السينمائية عام 1960 بأفلام قصيرة واستمر على هذا المنوال حتى عام 1968 إذ أخرج فيلمين روائيين طويلين في ذلك العام هما"Murder a la mod"  و"Greeting" الذي أسند فيه أول بطولة لروبرت دو نيرو - له أفلاماً على مستوى عالي من الأهمية لاتزال خالدة في عقول النقاد والمشاهدين مثل "كاري" 1976، و"جاهز للقتل" 1980، و"طريق كارليتو" 1993، و"المنبوذون" 1987 الذي جمع فيه ثلاثة نجوم يعتبروا من آلهة التمثيل - روبرت دي نيرو وكيفين كوستنر وشون كونري - كان من الصعب أن يجتمعوا في عمل واحد.

و"الوجه ذو الندبة" الذي قدمه عام 1983 – وكتبه أوليفر ستون - من بطولة آل باتشينو في دور توني مونتانا اللاجئ الكوبي، ومهرب الكوكايين الخيالي، والذي يستعرض الفيلم كيف بدأ توني مونتانا مسيرته من كوبي هارب إلى الولايات المتحدة إلى أحد أكبر بائعي المخدرات في الولايات المتحدة

كان أداء باتشينو مغايراً ومفاجئاً ومدهشاً، بتلك الشخصية الوقحة المتشردة الملعونة، شخصية مجرم من الطبقة الدنيا يحمل عنفا وتهورا وقدرة على التخطيط الإجرامي لا مثيل له. إنه من دون شك كان يستحق الأوسكار في ذلك العام لكنه حتى لم يرشح له لأن أمريكا لا تحب من يكشف وجهها القبيح، أو مثلما قال مارتن سكورسيزي لدو بالما في العرض الخاص للفيلم "أن أمريكا لن تحب الفيلم لأنها لا تحب أن ترى وقاحتها"، وبالفعل حُرم باتشينو والفيلم من الحصول على أي من جوائز الأوسكار في ذلك العام.

فيلم ضعيف أنقذه دو بالما  

يستمد الفيلم الوثائقي "دو بالما" قيمته فقط من أسلوب الحكي المميز عند براين دو بالما المخرج الأمريكي من أصل إيطالي المولود في نيوجرسي لأب جراح، والذي درس الفيزياء لكنه كرس حياته للسينما كتابة وإخراجاً، والمغرم بحضور المهرجانات السينمائية لمشاهدة الأفلام حتى لو لم يكن له أفلاماً معروضة بها.

يستمد الشريط الوثائقي قيمته من خفة ظل "دو بالما" وقدرته على الأداء التمثيلي الذي يتميز بالحضور الطاغي وقدرته على السخرية أثناء سرد الحكايات الخاصة بأفلامه، وعن نفسه، وكيف كان يفكر أثناء الإعداد لمشاريعه السينمائية، واقتباساته من عالم الفن السابع، وتكرار أو إعادة إخراج مشاهد في أفلامه، والصعوبات التي واجهته، والبذور الأولى لأفلامه وشخصياته المستمدة أحياناً من حياته الشخصية ومن علاقته النسائية، أو تجاربه مع الممثلين وآرائهم فيهم مثل شون كونري الذي أثار حفيظته أن يُقتل بالشكل الذي كان عليه في "المنبوذون"، وكيف هرب آل باتشينو بالقطار من التصوير عندما كان يلتقط مَشاهد "طريق كارليتو"، ورأيه في أداء كليف روبرتسون في "هاجس" الذي يعتبره سيء وأن العمل معه كان شاقاً، وأنه إلى اليوم ليس راضياً على أدائه، لأن وجهه لا يوحي بوجه رجل فقد زوجته، وحديثه عن روبرت دو نيرو الذي أسند إليه البطولة في سنّ مبكرة، مؤكدا أنه هو وأورسون وَلز لم يحفظا الحوار.

ثم يتطرق ليحكي بحب ورقّة عن الموسيقي برنارد هرمان ويستعيد اليوم الذي جاء فيه إلى الاستوديو في يده عصاه ليشاهد "هاجس" ويضع موسيقاه التصويرية، ثم كيف ذهب إلى الفندق بعد إتمام العمل وتوفي مباشرة

أثناء لقائه المطول بالفيلم، لا يخفي دو بالما ضيقه وغضبه من السياسة الأميركية الخارجية التي لا تحترم ثقافة الآخر والتي تسببت في حروب بلغت حد المجازر مما جعله يخرج فيلمين حربيين هما "ضحايا الحرب" عن فيتنام و"منقّح" عن العراق، والذي يعترف أن عدم وعيه وإلمامه التام بثقافة الآخر انتقص من قيمة الفيلم الأخير رغم إتقان الممثلين للأدوار.

كما لا ينكر أن أعماله في السنوات الأخيرة ليست في المستوى الجيد، يتضّح ذلك عندما يقول أن السينمائيين يحققون أفضل أعمالهم عندما يكونون في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من أعمارهم، وحتى يأخذ الكاميرا بعيدا عنه قليلاً يُؤكد رأيه السابق من خلال استحضار تجربة هيتشكوك مرة أخرى.

مثلما لا يتورع دو بالما عن الحكي عن حياته الأسرية والخلافات المبكرة التي عاشها بين والديه، وزيارته الدائمة لوالده الجرّاح منذ صغره ورؤيته المستمرة للدماء، ومراقبته له مع عشيقاته، وربما هذا يُلقي قدراً ولو شحيحاً من الضوء الذي يفسر اتجاهه لأفلام الرعب المنغمسة في الدماء والازدواجية، ربما يفسر لماذا بقي براين مع أفلام الإثارة والقلق والضياع طويلاً، ولماذا لم يمتلك القدرة على أن ينجح في الكوميديا دائما مثلما فعل في أفلام الرعب والتشويق.

لاشك أن فيلم "دو بالما" للمخرجين نواه بومباك وجاك بالترو عمل وثائقي ضعيف فنياً، ولم يكن بحاجة لاثنين من المخرجين الروائيين لإنجازه، لأن مساعد مخرج تليفزيوني متواضع كان يمكنه إنجاز المهمة من دون أي مشقة وذلك بمساعدة مُعدّ أو ناقد سينمائي يعرف جيداً تاريخ ومنجز "براين دو بالما" الذي لولا شخصيته لكان الفيلم المتحقق عنه فاشلاً، فهو عمل تليفزيوني متواضع يستند على مقابلة مطوّلة في جلسة واحدة ومكان واحد حيث يتحدث "دو بالما" ويتم الانتقال من حديثه إلى لقطات من أفلامه التي يحكي عنها

بقي أن نشير إلى أن "دو بالما" لم يكن الوحيد الذي حظى بتكريم مهرجان فينيسيا السينمائي الثاني والسبعين، إذ أن المخرج الفرنسي "برتران تافيرنييه" منحه أيضاً المهرجان أسداً فخرياً عن مجمل أعماله، ومثله المخرج المكسيكي "أرتورو ريبستاين" الذي نال هو أيضاً جائزة خاصة.

الجزيرة الوثائقية في

17.09.2015

 
 

أزمة منتصف العمر تتصدر ثلاثة أفلام فائزة في البندقية!

البندقية - ه. ح

ثلاثة أفلام ممتازة من تلك التي فازت بالجوائز في مسابقة مهرجان البندقية هذه السنة (2 - 12 أيلول)، أسندت بطولتها، أو بالأحرى بطولتها المضادة، الى رجال في منتصف العمر. رجال يعانون من الأزمة الشهيرة التي تخنق وجودهم في الفترة الانتقالية من حياتهم. الفيلم الأول هو "أنوماليزا" لتشارلي كوفمان ودوك جونسون (فاز بـ"جائزة لجنة التحكيم الكبرى")، والثاني "من بعيد" للرونيزو فيغاس، الحائز "الأسد الذهب"، أما الثالث فهو "القاقم" لكريستيان فنسان الذي ذهبت اليه جائزة السيناريو والى ممثله الكبير فابريس لوكيني جائزة التمثيل.

لنبدأ بالأميركي "أنوماليزا": تشارلي كوفمان سيناريست أشهر من أن يُعرَّف. في هوليوود وخارجها، صار مشهوراً بعدما ارتبط اسمه بسبايك جونز وميشال غوندري، وتحديداً بعد "أن تكون جون مالكوفيتش" لجونز. في العام 2008، قرر الانتقال الى خلف الكاميرا لانجاز "سينيكدوك نيويورك"، فيلمه الأول كمخرج. "أنوماليزا"، الذي تشارك اخراجه مع دوك جونسون، ليس فيلماً عادياً، وذلك بكلّ المقاييس المطروحة. أولاً، انه من نوع الـ"ستوب موشن"، ثانياً، تتدفق فيه صور غير متوقعة درامياً، لم تألفها العين. عموماً، اعتدنا التحريك بألوانه الصارخة وقدرته على بثّ السعادة الى حدّ كبير. في هذه "الحال" السينمائية، نحن أمام لقطات تحريكية كئيبة، وخصوصاً ان سلوك الشخصيات يعزز هذا الشعور. بطل الفيلم المضاد، خمسيني يعاني يأساً فاضحاً على الرغم من نجاحه على المستوى المهني. فهو صاحب كتاب عن خدمة الزبائن، ذاع صيته حدّ تحوله الى "بست سيللر". يبدأ الفيلم مع وصوله الى سينسيناتّي في زيارة ستدوم يوماً واحداً يقدم خلاله محاضرة حول كتابه المرجع. الحصة الكبرى من الحوادث تجري في الفندق: غرفة الكاتب الخبير، الأروقة، البار، الخ. أما الحوادث ذاتها، فهي مجموعة لقاءات نشعر لوهلة انها لا تنتهي. ينطوي الفيلم على احساس غريب بأن لا شيء له نهاية، تماماً كشعور بطلنا المضاد مع معاناته القاسية التي يمكن وصفها على النحو الآتي: أينما حلّ هو محوط بمجموعة بشر لا يختلف أحدهم عن الآخر، لا بصوته ولا بشكله. بيد انه حين يتعرّف إلى ليزا، يقع في حبّ صوتها الأنثوي المختلف، ويصبح اللقاء مناسبة ليس فقط لواحد من أجمل مشاهد الجنس في السينما، بل لطرح أفكار يتمحور معظمها حول قلة الأمان التي يشعر بها الانسان في مثل هذا العمر. كلّ شيء في الفيلم يخدم فكرة كآبة البطل وهو مكمل لها، بدءاً من الألوان وصولاً الى هندسة غرفة الفندق مروراً بملابسه فالديكور الـ"كلوستروفوبي" المغلق الذي يجعلنا نشعر بأن الافلات من هذا الواقع غير ممكن وغير مجدٍ. من مجرد حوادث تتأرجح بين ذروة العادية وقمة الميلودراما، يستقي المخرجان فيلماً يخرج منه المُشاهد بأحاسيس يتاقطع فيها الاحباط بالبهجة.

"القاقم" الفرنسي، وهو الآخر من أغرب أفلام مهرجان البندقية المنتهي للتوّ، يدور على قاضٍ خمسيني (أو ربما أكثر بقليل). بدايةً، يجب القول انه، خلافاً لـ"أنوماليزا"، هذا العمل في منتهى الرقة والحنان والحشمة، ويكاد يعانق المُشاهد بذراعيه ويحتضنه. فيلم فرنسي في أدق تفاصيله، وكذلك في تعاطيه مع الشخصيات وفي عدم اتكاله على الحبكة الدرامية. دراسة لشخصية غير متوقعة، وتلك الشخصية يزيد من رونقها وألقها أداء فابريس لوكيني الذي انتبهت اليه لجنة التحكيم، مشكورةً. هذا القاضي المعروف بصرامته واصدار أحكام قاسية في حقّ الجناة، يبدو لنا في البداية غير أهل للتعاطف، بيد اننا نتآلف معه ما إن يؤكد انه من لحم ودمّ مثله مثل غيره. يحصل هذا، عند لقائه بسيدة يتم اختيارها ضمن لجنة المحلّفين لإصدار قرار حكم في أب متهم بقل ابنته الصغيرة. هذه السيدة كان القاضي أحبها قبل ستّ سنوات يوم دخل المستشفى وهي كانت تعمل هناك. الذكريات ستنتعش في طبيعة الحال، لتدب الحياة مجدداً في قلب القاضي، ويصبح "شاعراً" ويعود طفلاً. الحبّ، هذا ما ينقذ القاضي من رتابته اليومية وشؤونه القضائية التي تُختزل في الصراع بين الظالم والمظلوم.

الفيلم الثالث، الفنزويلي "من بعيد"، يصف علاقة اعتباطية غير متوازنة بين صاحب مشغل لطواقم الأسنان الصناعية وأحد أولاد الشوارع. الرجل عانى من مشكلات عديدة في طفولته، أمّا المراهق الذي يلمّه من الطريق، فهو هذا "الطفل المتوحش" الذي يعيد انعاش شيء في داخله مرشح للزوال. تتوزع حوادث الفيلم بين لقطات خارجية لكاراكاس، وشقة الخمسيني الذي يحتمي خلف قدرته الشرائية. فهو ينتمي الى البورجوازية الصغيرة غير القادرة على التسامح مع طرف المثلية التي "يعالجها" عبر البحث عن مراهقين وممارسة الجنس معهم "من بعيد". مرة جديدة، انها أزمة رجل يعيش مرحلة عمرية يبدو له خلالها الماضي شيطاناً لا فكاك منه. والعودة الى حيزه الضيق، بعد مغامرة، الحلّ الأنسب والوحيد. هذا أكثر الأفلام الثلاثة يحدث قطيعة مع أي عاطفة. كلّ شي فيه جاف، صارم ومكلوم. الشخصيات بعيدة، ملتبسة، باطنية، حادة، بقدر حدة الأزمة التي يتخبط فيها أبطالنا الثلاثة.

النهار اللبنانية في

17.09.2015

 
 

مهرجان البندقية يفتح صناديقه لسينما أميركا اللاتينية

البندقية - سعيد مشرف

انحازت لجنة تحكيم مهرجان البندقية هذا العام الى سينما أميركا الجنوبية من خلال منح اثنين من أفلام تلك المنطقة جائزتين رئيسيتين. فنال الفيلم الفنزويلي، «من بعيد»، للمخرج الأربعيني لورينزو فيغاس «الأسد الذهبي»، في حين ذهبت «الأسد الفضي» الى زميله الارجنتيني بابلو ترابيرو عن فيلمه «العصابة». ومن خلال هاتين الجائزتين القيمتين، اسقطت اللجنة بقيادة المكسيكي ألفونسو كوارون من حساباتها عدداً من الافلام المهمة التي قدمتها الموسترا طوال 11 يوماً، وفي صدارتها: «فرنكوفونيا» لألكسندر سوكوروف، «رابين: اليوم الاخير» لأموس غيتاي»، «مارغريت» لكزافييه جيانولي، «دم دمي» لماركو بيللوكيو او «تذكّر» لآتوم ايغويان. وبدا واضحاً ان اللجنة تميل الى الافلام حيث أزمات الفرد تغلب على سواها من المشكلات والقضايا الكبيرة التي تجتاح العالم من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه. فالرجل المتحدر من بيئة ميسورة الذي نكتشفه في «من بعيد» أو العائلة التي تخطف جيرانها ثم تطلب فدية لإطلاق سراحهم في «العصابة»، كانوا الأوفر حظاً، وسحبوا البساط من تحت اشكاليات كانت تطرحها الأفلام الاخرى من مثل الارث الثقافي للقارة الاوروبية العجوز أو التطرف الديني في اسرائيل او ذاكرة المحرقة.

تنبيه الى الوعود الصارخة

قبل بداية المهرجان، كان مديره ألبرتو باربيرا ينبهنا ان «في أميركا اللاتينية اليوم وعوداً بسينما جادة وحقيقية». هذا التنبيه تحول واقعاً ملموساً مع ذهاب أول «اسد ذهبي» الى أميركا اللاتينية. ويبدو ان الدافع المناطقي ليس ما حرك مشاعر كوارون ومعه بقية اعضاء لجنة التحكيم، اذا ان مخرج «جاذبية» صرح لوسيلة اعلامية ان صوته لم يكن اعلى من صوت ملك السويد عندما تم قرار اعطاء الفيلم جائزة.

«من بعيد»، هو أول فيلم ينجزه الفنزويلي لورينزو فيغاس، البالغ من العمر 48 عاماً. يتحدر من عائلة مثقفين، والده رسام شهير في كاراكاس. درس فيغاس البيولوجيا في الولايات المتحدة والسينما في جامعة نيويورك. قبل 12 عاماً، قدم فيلماً قصيراً بعنوان «الفيلة لا تنسى»، من إنتاج المكسيكي غييرمو أرياغا، وعُرض يومها في مهرجان كانّ السينمائي. «من بعيد» يتحدث عن علاقة بين رجل يعمل في مجال طواقم الاسنان، ومراهق من العالم السفلي لكاراكاس. علاقة تتم معالجتها بالكثير من الواقعية وتغوص بنا في سلوكيات شخص يعاني أزمة منتصف العمر، وهو ضائع بين ماضٍ أليم وحاضر أكثر ايلاماً. الرجل ينتمي الى طبقة ميسورة والمراهق من أولاد الشوارع المتروكين لمصيرهم نتيجة الاهمال والتهميش اللذين ينتجان هذا النوع من الشباب. طبعاً، الفيلم إدانة للبورجوازية التي تأكل البشر لحماً وترميهم عظاماً.

نبرة الفيلم قاسية، بيد انه يحظى بمقاربة سلسلة للشأن الذي يطرحه. الشارع مهم في تشكيل الاطار العام للحكاية، ولكن شقة البطل هي المكان الذي يدور فيه معظم فصول الفيلم. الممثل ألفرد كاسترو يتولى دور الرجل الخمسيني في حين يقوم لويس سيلفا بدور الشاب.

عائلة مثالية

«العصابة» للأرجنتيني بابلو ترابيرو نال «الأسد الفضي» (أفضل أخراج). يغوص الفيلم في نشاطات عائلة بوسيو التي لا توفر مناسبة للخطف والقيام بأعمال منافية للأخلاق طمعاً بالمال والسيطرة. فيلم طويل نسبياً، ولكن تتحرك فيه الأشياء بسرعة. هناك حيوية كثيرة والاخراج جيد. ترابيرو يعود الى عهود سابقة لفرض نصّ بصري اقرب الى المعالجة التلفزيونية. بيد ان الفيلم لاقى الكثير من الاستحسان لدى عرضه في الأرجنتين.

الفيلم الأميركي «أنوماليزا»، فاز بـ»جائزة لجنة التحكيم الكبرى». الفيلم من توقيع تشارلي كوفمان ودوك جونسون وهو منجز بتقنية الـ»ستوب موشن». ربما هذا أكثر فيلم يستحق الجائزة التي نالها ضمن لائحة الجوائز. ينطوي «انوماليزا» على الكثير من الكآبة. هناك فيه صور مبهرة وحزينة الى درجة تغوي العين. عندما تسلم تشارلي كوفمان الجائزة، قال انه يعمل على هذا المشروع منذ ثلاث سنوات، وعند مشاهدتنا أدركنا كم كان تنفيذه يحتاج الى دقة، دقة المشاعر والحركة. فالمشاعر خلافاً لما هو سائد في أفلام التحريك المخصصة للجمهور العريض، تحافظ هنا على واقعيتها، ولا تتضمن أي نوع من أنواع التضخيم. كوفمان اشتهر باخراجه «سينيكدوك، نيويورك»، هو الذي ذاع صيته من خلال السيناريوات التي كتبها لسبايك جونز وميشال غوندري. الفيلم يأتي بحسّ السخرية التي تتضمنها نصوصه السابقة.

مرة أخرة، بعد «من بعيد»، نحن ازاء أزمة رجل خمسيني، يزور سينسيناتي في رحلة عمل لتقديم محاضرة في كتاب ألفه عن خدمة الزبائن. ما يميز الرجل هو انه لا يفرق بين صوت شخص وآخر. فكل الأصوات متشابهة بالنسبة له، الى ان يلتقي ليزا، فتاة صاحبة صوت أنثوي ناعم، ويقع في غرامها. معظم فصول الفيلم يجري داخل الفندق، وتنتقل الشخصيات في اماكنه المختلفة. الحبّ والجنس والولاء والشعور بالخوف عندما يتقدم المرء في العمر، هذا كله يتناوله الفيلم بجرأة عالية، وبنص متقن يجعلان الفيلم مخصصاً للراشدين فقط.

جائزة التمثيل النسائي كانت هذه السنة من نصيب الايطالية فاليريا غولينو في «من أجل حبّك» لجيوسيبي غوادينو. أما الممثل الفرنسي القدير فابريس لوكيني، فكانت له جائزة أفضل ممثل عن دور القاضي الذي اضطلع به في «القاقم» لكريستيان فانسان. هذا الفيلم فاز ايضاً بجائزة السيناريو. «القاقم» واحد من أغرب أفلام التظاهرة الفينيسية. نتعرف على قاضٍ خمسيني هو الآخر يعاني أزمة وجودية في حياته، إلا انه مثابر في عمله ويواصل اصدار الأحكام في متهمين. الشريط فرنسي النهج، ناعم ولا يرغب في اثارة اي ضرر للشخصيات أو المشاهد. تتوالى الاحداث بسلاسة، وتتحلق كلها حول القاضي ميشال راسين، الذي يلاحظ في إحدى الجلسات مشاركة إحدى السيدات التي كان وقع في غرامها قبل بعض سنوات يوم تم علاجه في المستشفى. يصارحها، فنتشأ علاقة بينهما، وتُستعاد الذكريات ويتحول الرجل الى انسان مرهف حاضناً الفيلم برمته بكلماته ونظراته وتلميحاته المبطنة. طبعاً، فابريس لوكيني له دور كبير في تفاعل هذا كله، وفي جعلنا نصدق انه المضطهد والضعيف رغم انه يجلس على المنصة ويعاقب البشر.

الحياة اللندنية في

18.09.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)