كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

سيدة القلب

ســــناء البيســــى

عن رحيل سيدة الشاشة العربية

   
 
 
 
 

قالت لى الشقيقة من ليلة امبارح وأنا قلبى مخطوف يلفنى ذلك الحزن الموجع الذى لا يعترض إرادة الله، فجاوبتها معصورة الفؤاد: وإنا إليه جميعا لراجعون. أتانا خبر رحيلها شارخا ناقدا موجعا مباغتا فلم نكن قد تأهبنا له، أو حسبنا لصدمته حسابا مسبقا، حتى إن الصدر لحظتها أخرج صرخته التى ظنناها قد صمتت بعد رحيل أعز الأحباب، ونطق اللسان بما لا منطق له. وسرعان ما عدنا نتشبث بإيماننا واستغفرنا، وكل نفس ذائقة الموت، والعمر لحظة، وكانت فاتن حكاية العمر كله. سنوات البراءة نطقتها عيونها. أحلام المراهقة نسجتها رومانسيتها. أرض الواقع هبطت بنا إليها، وسافرنا فى ركابها لأرض الأحلام. الموهبة الأسطورية والحضور الطاغى والهمس الشاعرى والرقى الإنسانى والخجل العذرى والأنوثة الوقور والدلال المحتشم والعشق الطاهر، وهزيمة المبالغة، ومصرع الافتعال، وحوار الصدق، ومعزوفة الشجن، وبوصلة الفن. وسيدة الشاشتين. العصفورة العملاقة ساكنة القصور والجحور، القوية المفترية فى مسرحيات الحكيم. الهشة كذوبان حلوي. الصلبة كحديد صوان. المقتضبة المتوارية رأيا وحديثا وسهرا. المثالية زوجة وأما وجدة. النمكية الموسوسة فنا. صديقة الشخصية التى تؤديها. تتقمصها تتعمقها تتلاحمها تستقطرها تهضمها تجرى فى دمائها تدخل تحت جلدها. تغدو هى وليست فاتن الأخرى. بنت المنصورة وجه القمر لحن الخلود ايامنا الحلوة نهر الحب رصاصة فى القلب صراع فى الوادى والباب المفتوح. استاذة المشاعر وقناطر الشعور ونجمة الموسوعات العالمية وخبيرة الاختيار فى 94 فيلما فقط على مدى 60 عاما وكانت بإمكاناتها الحاضرة دوما تستطيع اداء بطولة الآلاف. تربعت فاتن - معذرة آمنة - على عرش الميلودراما، وتأستذت الأستاذة فاطمة عميدة لجامعة الكوميديا. فاتن التى لم تدخل ابدا فى سياق الفيلم لأنها الفيلم نفسه. عابرة محيطات النجومية من يوم سعيد ليوم حلو ليوم مر ليوم رحيلها الحزين الذى ودع فيه الشعب انيسة وعائشة ونعمت ونرجس وفاطمة وأبله حكمت والإمبراطورة التى جلست على عرش امبراطورية ميم وعرش قلوبنا، فقد كانت الملاك الأبيض الذى أرشد وجداننا بين الاطلال رغم صعوبة الطريق المسدود فقد أوجدت له حلا فى حكاية وراء كل باب. فاتن المشاعر هاوية الشعر التى عشقت إلقاءه بتفرد لا يكسبه تمثيلا، لأنها ترى ان فى القصيدة جرسا موسيقيا داخليا لا يحتاج إضافة، واستمع لها جمهورها بشغف وشوق فى كرمة ابن هانئ تلقى الشوقيات بلسان الفصحى البليغ بالمفهوم الفاتني. الغائبة سنين الخوف لكنها لم تغب. الحاضرة دوما فى العين والقلب. أنيسة التى غنى لها عبدالوهاب طول عمرى عايش لوحدى وكتب لها نجيب محفوظ فى عام 1951 سيناريو لك يوم ظالم. أول عمل من اخراج صلاح أبوسيف ليشكلها فيه داخل إطار بنت البلد. بالتزام من جانبها والتزام لجنابها من محمد كريم ويوسف وهبى وعز الدين ذو الفقار وكمال الشيخ وحسن الإمام وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين. وهنرى بركات. لتظل فاتن ابدا، الأسرة الطراز الخاص المدرسة صانعة تاريخ الشاشة، الجديرة والجدارة، المالكة لابعديات وعزب وهكتارات وفدادين الكاريزما، الدقيقة الحجم، السامقة لأعلى قمم هملايا الفن فى اى ثوب ارتدت وأدت، الفلاحة المهانة، الأجيرة، الارستقراطية، والرقيقة الانيقة، أم العيال والمراهقة التى لا تنام. نجمة القلب القائلة لى ليس اساتذة فى الفن، وقد اكتشف كل من حولى موهبتى وأنا فى السابعة، اما استاذى الحقيقى فهو الجمهور. جمهورها هذا الغفير باتساع الوطن العربى ممثلا فى المصلين على روحها بالأمس فى ساحة مسجد الحصرى قام بلف نعشها بالعلم المصرى فى وداعها الأخير المصرية العالمية اسطورة البرارى والحامول، ترنيمة طه فى دعاء الكروان. ايقونة عذاب اليتيمين. ايزيس ابن النيل. صرخة الأفواه والأرانب. الزوجة العذراء. سيدة القصر. سيدة القلب. سيدة الشاشة. الرائدة التى فرضت الحل عندما أرادته. فاتن حمامة. فى غيابها "الله معنا" 

الأهرام اليومي في

19.01.2015

 
 

بالدموع..الفنانون ينعون سيدة الشاشة العربية:

فن راق.. وأعمال خالدة

فاطمة شعراوى وداليا أحمد حسين:

أجمع الفنانون على افتقاد رمز وقيمة فنية عظيمة بوفاة الفنانة الكبيرة فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية التى كان يفتخر بها أهل الفن جميعا، وأكدوا أنها حتى لو لم تكن تعمل خلال الفترة الأخيرة من حياتها إلا أن وجودها كان يعنى الكثير لهم وأن أعمالها خالدة وستظل باقية بيننا
- "نادية لطفى": هى عمرى كله:

قالت الفنانة الكبيرة نادية لطفى: أشعر بالمرارة فلحظة وداع سيدة الشاشة العربية هى لحظة فارقة ومؤلمة، وأضافت: فاتن حمامة تمثل عمرى كله منذ أن كنت صغيرة فهي مثل أعلى وقدوة كبيرة ولن تتكرر فهى من أسعدت العالم العربى كله، وكنت دائما وما زلت أقول فاتن حمامة ليست سيدة الشاشة فقط بل هى سيدة القلوب، وأشارت نادية لطفى إلى علاقتها بفاتن حمامة قائلة: كانت تجمعنى بها صداقة كبيرة ترتكز على الحب والاحترام فقد كانت مثالا للبساطة والأناقة والأداء الراقى وستظل دائما مثلا حقيقيا للفتاة والمرأة المصرية، ومثلا أيضا للعطاء والحب والأدب والذوق والقدوة والشموخ.

- "إلهام شاهين": كانت أمى فنيا:

قالت الفنانة إلهام شاهين: حتى لو لم تكن تعمل خلال الفترة الأخيرة فإن فراقها من أصعب ما يكون فقد كنا ولا نزال نفتخر بها دائما وهى أحلى شيء فى حياتنا كفنانين فهى القيمة والرمز والاحترام وكل المعانى الجميلة، بالنسبة لى شخصيا كان لها دور مهم فى حياتى فمنذ بداياتى الفنية وأنا أدرس بمعهد الفنون وهى تتبنانى وتتنبأ لى بمستقبل وتساندنى دائما، حتى أنها قالت لى عندما قابلتنى بالمعهد فى بدايتى: أنت تشبهيننى أكثر من ابنتى، وقد كانت أمى فنيا ورشحتنى لأعمال مهمة منها مسلسل "البرارى والحامول" الذى قدمته بالإذاعة وكانت ستقدمه للتليفزيون ولكنها عندما اعتذرت اشترطت أن أقدمه أنا، فقد كانت حريصة على وعلى أهل الفن جميعا.

وأضافت إلهام شاهين إننى دخلت الفن أساسا من أجل فاتن حمامة والتى اعتبرها قدوة فى الرقى والأخلاق ولم تبخل أبدا علينا بالنصح، ولا يوجد اثنان يختلفان عليها فى الأمة العربية كلها.

- "رجاء الجداوى: تعلمت منها فى "دعاء الكروان":

أعربت الفنانة رجاء الجداوى عن حزنها الشديد لفقدان سيدة الشاشة العربية مؤكدة أن السينما المصرية فقدت أحد أعمدتها الراسخة، وقالت أشعر بأنه اليوم الذى توفى فيه أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهما من قامات مصر الفنية، وأضافت الجداوى: قدمت معها فيلم "دعاء الكروان" ووقفت بجانبى وكانت تعطينى ملاحظاتها التى ساعدتنى فى بدايتى حيث كان العمل الأول لى فى مشوارى الفنى وكانت سعادتى كبير بالتعامل معها فقد علمتنا الكثير من القيم والأخلاق السامية ولا نقول إلا "إنا لله وإنا إليه راجعون" وعزاؤنا أنها فى مكان أجمل مكان إن شاء الله.

- "عادل الأعصر: كنت محظوظا بـ"وجه القمر":

المخرج عادل الأعصر الذى أخرج لها مسلسلها "وجه القمر": كانت صدمة كبيرة لمصر والوطن العربى برحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والتى عرفت على مدى تاريخها وحياتها بالأخلاق والإنسانيات العالية سواء على الشاشة أو خارجها. فهى سيدة متفردة فى كل شيء، وكانت تجربة مسلسل "وجه القمر" معها تجربة فريدة من نوعها واعتبر نفسى من المحظوظين للتعامل معها فقد تعلمت منها الكثير فى أثناء تصوير المسلسل فهى مثال للانضباط والأخلاق ونتمنى لها الرحمة والمغفرة

- "سميحة أيوب": لم نفترق منذ الطفولة:

أجهشت الفنانة سميحة أيوب بالبكاء وقالت: لا أستطيع الكلام منذ علمت نبأ وفاة سيدة الشاشة العربية فقد كنا زملاء بمعهد واحد وفى فصل ومنذ طفولتنا ولم نفترق ولا أستطيع الكلام ولم أتمالك نفسى حتى الآن.

- "يسرا": حاضرة دائما بنصائحها:

الفنانة يسرا لم تسيطر على دموعها وقالت: كانت هى الأم الروحية لنا جميعا كفنانين ولم نشعر بافتقادها حتى عندما توقفت عن العمل فقد كانت بيننا بنصائحها.

- "رجاء حسين": انتهى زمن الفن الجميل:

الفنانة رجاء حسين: حزنت كثيرا لرحيل الفنانة الكبيرة فاتن حمامة واعتبر فقدانها خسارة كبيرة للفن المصرى والعربى وقد تعاملت معها فى فيلمى "أفواه وأرانب" و"أريد حلا" ومسلسلين بالإذاعة وتعلمت منها الكثير فهى تحترم الصغير قبل الكبير وتحاول أن تساعد كل من يعمل معها وأنا أعتبر نفسى من المحظوظين لعملى معها فقد كانت تحب الفنان الجيد وبوفاة فاتن حمامة انتهى زمن الفن الجميل. 

الأهرام اليومي في

19.01.2015

 
 

سيدة المشهد الواحد والحتمية الفنية

رامي عبد الرازق

هل يكفي مشهد واحد فقط لكي يظل الفنان عالقا في ذهن المتلقي ومطبوعا بالاسم والشخصية في ملفاته الوجدانية؟مشهد واحد فقط في كل فيلم سواء احتوى مشوار الفنان على فيلم واحد أو مئة؟

هل يستطيع مشهد واحد في كل فيلم أن يطرح فكرة الحتمية الفنية لوجود هذا الممثل أو تلك الممثلة دون غيرهم! أي لا يمكن تصور فنان آخر أو ممثلة أخرى في هذا الدور إلا هذا الممثل أو تلك الفنانة لأن ساعتها لن يكون الفيلم هو ذات الفيلم حتى لو كان بنفس العنوان ويحمل توقيع نفس المخرج، الحتمية الفنية تعني باختصار أنه لو لم يقم أحمد مظهر بدور صلاح الدين لما كان لهذا الفيلم كل هذا القدر من الأيقونية الخارقة في وجدان الجمهور، اي أن يشعرك الممثل أو الممثلة أنه هو فقط ولا احد غيره كان يصلح لهذا الدور.

هذه الأسئلة التي تبدو محلقة في افق التنظر النقدي هي في الحقيقة إحدى محاولات استيعاب بعض الظواهر التمثيلية الاستثنائية روحيا وشعوريا التي عايشناها خلال القرن الأول من السينما في مصر والعالم فممثلة بحجم فاتن حمامة - ولا نستطيع أن نقول على سبيل المثال لأنه ليس ثمة من مثال قريب منها سواء على مستوى جيلها أو الأجيال التالية لها - يمكن اعتبارها ظاهرة شعورية في تاريخ السينما المصرية، ويمكن بدراستها أو تحليلها أو القاء الضوء عليها من نواح كثيرة تتجاوز الأسئلة التقليدية وإجابات البيوجرافي والسيرة الذاتية المعتادة أن نتبين حجم تراكم المعارف الوجدانية والألوان الوجودية البراقة خلال عملية مشاهدة الفيلم أو تلقي السينما على اعتبار أنها حلم حي يمكن استدعاؤه عشرات المرات والتمعن في تفاصيله ومعايشته على عكس كل الأحلام التي تتطاير من ذاكرتنا بمجرد أن نفتح اعيننا في الصباح، إن السينما هي الحلم الذي نراه ونحن مفتوحو الأعين وكاملو الوعي والإدراك، وبدون التوقف أمام الظواهر التمثيلية التي تجسد هذا الحلم كظاهرة فاتن حمامة سوف يظل ثمة مناطق مظللة بالغموض والحيرة حول اتصال السينما بالروح.

عندما نقول إن فاتن حمامة كانت سيدة المشهد الواحد قد يظن البعض أننا نقصد ما يطلق عليه "المساتر سين" أو مشهد الذروة الرئيسي الذي ينتظره كل فنان كي يستعرض فيه قدراته التقمصية أو مدى احكامه قبضته الادائية على ابعاد الشخصية التي يقدمها ولكن فاتن حمامة تجاوزت كظاهرة هذا التقييم المشهدي الذي هو بلا شك عنصر تقييمي محترم.

لو جلسنا قليلا في ظلام احد دور العرض نشاهد تتابعا لبعض مشاهد فاتن التي تبدو عابرة جدا وعادية جدا وربما لا احد يذكرها من بين آلاف المشاهد التي قدمتها على طول رحلتها السينمائية الطويلة ربما نصارح انفسنا ساعتها ببعض اسباب تعلقنا الوجداني الملون بعاطفة أثيرة تخص هذه "السيدة".

حين نظرت إليها الكاميرا بحب عندما فازت فاتن حمامة بلقب أجمل طفلة في مصر عام 1940 كانت في التاسعة من عمرها، لا شك أن جملة"الاكل النهارده حلو قوي"التي قالتها بمنتهى البراءة وعيناها الصغيرتان تملآن كادر محمد كريم في فيلم يوم سعيد كان وراء رسوخها الشعوري في ذائقة من اختاروها اجمل طفلة، رغم ادائها البسيط الساذج بحكم صغر سنها إلا أن الكاميرا نظرت إليها بحب. حتى أنها بعد سنوات عندما قدمت دور آمال الممثلة في فيلم"حتى نلتقي"لبركات جاءت على ذكر هذه اللحظة تحديدا في مشهد كان يتم اجراء حوار صحفي معها كنجمة براقة محاطة بالمعجبين والشائعات (خد عندك يا سيدي من أول فيلم يوم سعيد) ادخلت فاتن تاريخها الشخصي كممثلة مع تاريخ الشخصية التي كانت تقدمها كممثلة ايضا في جملة الحوار التي كتبها يوسف عيسى.

ظلت الكاميرا تنظر بحب لفاتن وتجمل كل ما تقوله أو تؤديه او تجعله اكثر سحرا حتى انها عندما وقفت بجانب عماد حمدي داخل "لبدة" الصيد في فيلم "موعد مع السعادة" وراحت تكاكي برقة (واك واك واك) لكي تقول له أحبك بلغة البط بدت غاية في الأنوثة والرقة والبراءة والدعة للدرجة التي لا يمكن إلا أن نتعاطف مع شخصية "احسان" التي يعاملها الدكتور كفتى حين يخاطبها بضمير المذكر (انت شكاري شاطر) فترد بكل الامال التي سوف تحمل اسمها في مرحلة لاحقة من الفيلم (شاطرة يا دكتور شاطرة) بل ويظل هذا المشهد الطريف أحد مبررات تعاطفنا مع احسان حتى بعد ان يغرر بها الدكتور وتصبح خاطئة في نظر ابيها وأهلها.

(أن الشر لا يبدو أبدا على وجهي أنه وجه برئ ساذج كوجه طفلة لم تتلوث بعد بزحام الحياة) هكذا وصف حوار صالح جودة وجه فاتن حمامة على لسان شخصية نادية في فيلم "لا أنام"، هذا الفيلم الذي لا يمكن تصور أي ممثلة أخرى في دور نادية سوى هذا "الملاك الظالم" اليس كذلك! كانت فاتن تكتنز الكثير من السحر في عينيها وفي تفاصيل وجهها الذي جعل من صفة الملاك تلاحقها في عناوين الأفلام طوال سنوات البدايات من 1940 وحتى 1950 "الملاك الأبيض" و"ملائكة في جهنم" و"ملاك الرحمة" حتى عندما اريد لها أن تقدم دور شابة ظلمت ابيها وهي طفلة صغيرة دون أن تدري اطلقوا عليها "الملاك الظالم".

كان هذا نوعا من التنميط الحاد الذي دأبت السينما المصرية على ممارسته ضد الظواهر الفنية التي شكلت تاريخها لكن فاتن حمامة ادارته لصالحها عبر سنوات حتى اصبح بصمة وجدانية وليس نمطا ويكفي أن نراها وهي تهرع لكي تضع خدها الساخن فوق المرأة في فيلم "الباب المفتوح" لكي تتخلص من سخونة المشاعر الزائدة التي اجتاحت شخصية ليلى عندما انتابتها العاطفة الأولى تجاه ابن خالتها لكي نشعر بفرحة رائعة سوف تتكرر طويلا كلما شاهدنا هذا الفيلم حتى اننا سوف نغطي اعيننا تماما مثلما فعل محمود ابن خالتها حين تصورها وهي تخلع ملابسها.

دعونا نصمت ونستمع إلى صوت فاتن حمامة وهي تتحدث في المونولوجات الداخلية عبر افلامها لكي ندرك عمق الصورة السينمائية التي تتشكل في اذهاننا عبر هذا الصوت، إنه صوت يمكن أن نصدقه دوما ونمنحه مساحة من مشاعرنا قبل أن نصدر أحكامنا على الشخصيات التي تقدمها، استمعوا إليها في دور الزوجة الملولة بطلة "شيء في حياتي" التي تقع في أزمة عشق يتجدد بعد سنوات مع شقيق صديقتها حين تقول عنه في مونولجها الطويل بينها وبين زوجها (كنت دايما بتمناه شيء في حياتي)، ان دراسة مجموعة الافلام التي استغل فيها المخرجون صوت فاتن حمامة جزء من الحالة السردية للفيلم عبر المونولوج الداخلي سوف يجيب عن اسئلة تخص ذلك الاستلاب الذي ينتاب المشاهدين حين ينطلق صوت فاتن بمخارج الفاظها الواضحة وقدرتها على بث مشاعر الشخصية وتفاصيلها النفسية عبر نبرات صوتها وذبذباته.

تقدمت فاتن حمامة في العمر وصارت تقدم أدوار الأم بتنويعات مختلفة ولكن على عكس ما يتوقع البعض من أن يصبح المشهد الشهير لتحطيم الجيتار في فيلم "امبراطورية ميم" أحد المشاهد المهمة في ادوارها كأم إلا أن ثمة مشهدا اخر بسيط وعابر لكنه يكثف تلك القدرة على التقمص والتعاطي الحميمي مع الشخصية حتى لكأنها هي في لحظتها الدرامية مشهد انتظارها لنتيجة الانتخابات وردود افعالها المتتالية على انتخابها رئيسة مجلس ادارة البيت والذي تظل فيه إلى قمة العفوية والصدق حين تكتشف أن ابنها الأكبر اعطاها صوته رغم تمرده فتقول له بكل الأمومة التي في الدنيا (حتى أنت يا مصطفى).

في عام 1958 قدمت فاتن حمامة فيلم "حتى نلتقي" أمام عماد حمدي ومن إخراج بركات وبعد هذه الفيلم بسبعة وخمسين سنة غادرنا جثمانها ولكن كل من يعيد مشاهدة هذا الفيلم سوف يجد ان كاتب الفيلم يوسف عيسى اطلق على لسانها ما يشبه النبوءة التي تعد بتجدد اللقاء دوما وتنفي الغياب أو الرحيل حين وقفت آمال الممثلة تودع حبيبها الأديب قبل أن تغادره للمرة الأخيرة وتعده بلقاء خالد بين اروحهم (بنودع بعض ليه مدام هنتقابل. هنتقابل بعد ساعة أو بعد سنة او بعد أجيال. يهم ايه مدام هنتقابل كل ما اتنين حبوا بعض) إلى للقاء يا سيدة الشاشة وشكرا على بقائك في ذاكرتنا إلى الأبد

الأهرام اليومي في

19.01.2015

 
 

حكاية العمر كله

آخر كلماتها لـ «الأهرام» قبل أيام من الرحيل:«بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها.. والحياة حلوة ما تخليش حد يسرقها منك»

كتبت- زينب عبد الرزاق:

فاتن حمامة هى أيامنا الحلوة، سيدة القصر، حكاية العمر كله، نهر الحب الذي عاش بيننا وسيبقى، سنوات البراءة، فى يوم سعيد، وأحلام الشباب الصغير صاحبة القلب الجميل والرومانسية الدافئة. سرنا معها الى ارض الأحلام. هى التى قال لها طه حسين عميد الادب العربى عندما شاهد العرض الاول لفيلم دعاء الكروان: "لقد جسدت آمنة أفضل مما كتبت عنها".
فاتن. رمز البراءة والجمال والعذوبة والإحساس والحب والحنان والقوة والصمود والدلال والكرامة والدقة والقلق. صاحبة الذوق الرفيع والأدب الحقيقى والأصالة والكبرياء والشموخ والشجن. صاحبة الصوت القوى الأنيق الراقى العذب. فنانة القرن وسيدة الشاشة. هى الباب المفتوح لكل ما له قيمة ولكل ما له عمق. هى وجه القمر الفاتن المشرق السعيد دائما. لم تكن أبدا تحكى عن أوجاعها وأحزانها. كانت تقول دائما: "خلينا نفكر فى بكره وبلاش نفكر فى امبارح. اللى فات فات". كان لها كاريزما نادرة وجاذبية خاصة.

فاتن. ضمير الفن، ولحن الخلود الدائم بيننا. هى يومنا الحلو الذى رحل وتركنا. هى الام الحائرة فى امبراطورية ميم، حائرة بين ابنائها الصغار واحتياجها للسند. وهى التى جسدت تضحية الام بكل شيء بأروع أحساس. هى التى علمتنا معنى الحب وكيف يكون، وكيف يحافظ الانسان على مبادئه مهما خسر ومهما فقد. هى المؤمنة بفكرة الإحساس الاول وصدقه.

فاتن. التى قدمت للسينما المصرية كل الأدوار وجسدت كل المعانى النبيلة والجميلة. هى الطفلة الشقية والبنت اللطيفة والعاشقة الحزينة الفلاحة الذكية والصعيدية الأصيلة واليتيمة المقهورة والزوجة الحائرة والمطلقة المكسورة والأرملة الممزقة، هى الاستاذة والمعلمة، وهى دفتر أحوال الست المصرية، هى استاذة الدقة والرقة والإحساس والموهبة. هى عاشقة هذا الوطن.

أول لقاء بيننا فى عام 1996 منذ أكثر من 18 عاما، كنت فى بداية حياتى الصحفية اتصلت بها وعرفتها بنفسى وقلت لها اننى اجريت حوارا مع الاستاذ مصطفى أمين تم نشره على خمس حلقات فى مجلة نصف الدنيا. وإننى أحلم بأجراء حوار مع فاتن حمامة. قالت لى بصوتها الأثير: "شفت الحوار تعالى بكره الساعة 12". ذهبت اليها فى منزلها فى عمارة ليبون بالزمالك. وكان اللقاء الاول بيننا، وكانت هى كالعادة رقيقة وعذبة وأنيقة وجميلة. وبدأنا الحوار. كنت متلعثمة وقلقة وكانت هى تمتص قلقى رويدا رويدا. كان علينا ان نكمل الحوار فى عدد من الجلسات ووافقت هى. ولكن لظروف ما تعطل الحوار أسابيع بسبب انشغالها. وفى احد الايام اتصلت بها وقلت لها اننى فى الحقيقة أتمنى ان أكمل الحوار الجميل سريعا لأننى أشعر بالتعب، لأننى على وشك الولادة. وبمنتهى الاهتمام سألتنى عن صحتى. وقالت: "أجلى الحوار لما بعد الولادة"، فقلت لها اننى احلم ان يكمله معى جنينى وأن يبدأ حياته بعد أنه يكون قد التقى بسيدة الشاشة واستمع لها. ضحكت، وبحنان الام حددت اليوم التالى فورا لاستكمال الحوار.

وبالفعل، تم نشر الحوار الاول بيننا على ثلاث حلقات. وكانت سعيدة به. وتوالت الحوارات الصحفية والإنسانية بيننا منذ ذلك اليوم. وقدمت للصحافة المصرية عددا خاصا عن فاتن حمامة سنة 2003بأشراف أستاذة الصحافة المصرية القديرة سناء البيسى. وكان عددا غير مسبوق فى الصحافة المصرية، يقع فى حوالي مائتى صفحة، يضم حوار طويلا اخر معها. فتحت فيه قلبها وعقلها أيضا على مصراعيهما. قالت بتواضع اننى أخذت من السينما اكثر مما قدمت. أرى أن تبحث أمريكا عن مكان اخر لتمثال الحرية. لم أحقق كل احلامى. بعد مرضى لم أعد اهتم بأشياء كثيرة. اشعر بسوء حظ لعدم تقديمى رواية لنجيب محفوظ. السينما القديمة وحشانى جدا. انا مؤمنة بعمل المرأة لكن ليس على حساب اسرتها. ولكن لابد ان يكون الزوج متعاونا ويتخلى عن فكرة سي السيد. الزمن لن يعود مرة اخرى، لكن لو افترضنا ذلك فإننى الان بعد مرور كل هذه السنوات وبعد أن فهمت أشياء كثيرة فهمًا عميقا أقول بداخلى: "خسارة يا ريتنى فهمت حقائق الأشياء قبل كده". الانسان عليه ألا يندم على ما حدث ولكن علينا التعلم من أخطائنا وان نصحح الأخطاء بقدر الإمكان، وان نعوض من أخطأنا فى حقه.

وباقتضاب كانت فاتن حمامة تذكر فترة الستينيات وقالت عنها: قهر الضغوط جعلنى أهرب من مصر فى تلك الفترة ولكن حينما وقعت هزيمة 1967 كنت فى باريس ونظمت حملات لجمع المال والملابس لأبناء الشهداء من مصر والعرب.

وفى ذلك العدد الخاص، قال أديب مصر الكبير نجيب محفوظ عنها: فاتن كانت رائعة فى "دعاء الكروان"، ونافست به على جائزة الأوسكار ووصلت للتصفية الاخيرة. كنت أسعى دائما لمشاهدة أفلامها، فهى أفلام ممتازة وأدوارها ممتازة، وهى تستحق لقب سيدة الشاشة بجدارة. وقال عنها الأديب الكبير يوسف ادريس: انها عبقرية سينمائية.

وفى حوار مع الروائى الكبير خيرى شلبى قال: فاتن فوق الألقاب وهى تشبه يوسف ادريس فى القصة القصيرة وصلاح عبدالصبور فى الشعر وعبدالحليم حافظ فى الغناء. هى علامة ونقلة كلاسيكية مهمة. صوتها فيه أعجاز. هى اللؤلؤة التى تبقى مضيئة فى ذاكرة ووجدان القوم الى ما لانهاية. ان أفلام فاتن حمامة تشبه شجيرات زرعتها بيدها فى ارض الوجدان

وقال لى الناقد الكبير رفيق صبان: فاتن موهبة منحوتة على ملامح الوجه الجميل. وهى من القلائل التى استطاعت ان تحول نفسها الى أسطورة ليس بالمعنى الكبير للكلمة وإنما بالمعنى الرمزى. فاتن حمامة شديدة الذكاء ولا يماثل ذكاءها إلا ذكاء محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ. عادت الى السينما مرة اخرى بعد انقطاع كملكة متوجة فى الخيط الرفيع.

وضم العدد شهادة لمصطفى أمين صديق عمرها الذى كانت تعتز جدا به وبصداقته ونبل اخلاقه، كما ضم مذكراتها الوحيدة مع الإذاعى الكبير وجدى الحكيم وقالت فى هذه الحلقات: لم تكن بينى وبين شادية أى غيرة فنية بل بالعكس، وتقول ان فيلم لحن الخلود قدمنا عشر خطوات الى الامام وان فريد الاطرش غضب لان اجرى فى لحن الخلود كان اكبر من مديحه يسرى، كما أن الجمهور غضب جدا عندما ماتت البطلة فى فيلم أيامنا الحلوة!.

وقالت ايضا: لى الفخر لأن فيلم "اريد حلا" قدم بقعة ضوء للسيدات المصريات والعربيات. وهو فيلم أرضى ضميرى الفنى ولا أنسى انى تركت ابنى طارق مريضا من اجل فيلم دعاء الكروان. وفى قصص حكاية وراء كل باب لم أقتنع بالديكور فقررت ان انقل اثاث منزلى الى الاستوديو حتى تكون الصورة معبرة اكثر. وقال المخرج الكبير كمال الشيخ فيلم الليلة الاخيرة الذى عرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 1964 كان مجرد عرضه فى المسابقة الرسمية اعترافا من اللجنة بجودة وأهمية الفيلم.

وقالت عنها الأديبة سكينة فؤاد التى كتبت لها ليلة القبض على فاطمة. أهديت لها الرواية وفى اليوم التالى اتصلت بى وقالت لى لم اعرف طعم النوم ولابد ان اقدمها، وفعلا قدمت فاتن مباراة فى الصدق الفنى المدهش، وكانت فاتن تريد ان تقول ان المرأة يجب ان تعيش وتحب وتحيا فى ايه مرحلة من عمرها، وعلينا ان نترك الموروثات الخاطئة، كانت فى ادائها كالحروب الحادة تجرح وتدمر وتقول كلمات فاصلة على لسان فاطمة

وفى هذا العدد ايضا قالت منى ذو الفقار المحامية القديرة فيلم اريد حلا ساعد على إقرار قانون حق الخلع سنة 2000، وفيلمها لا عزاء للسيدات انصف المرأة وطالب بأن يكون للمرأة فرصة اخرى للاختيار ولا يقف المجتمع ضدها هكذا بكل قسوة. وان هذا الفيلم طالب بتغيير التقاليد السائدة العقيمة. وفى هذا العدد ايضا قالت زينب صالح سليم صديقة عمرها لمدة تزيد عن الستين عاما. عشرة فاتن حمامة تطول العمر.

وأتذكر ان سيدة الشاشة فاتن حمامة سألتنى عن الكتاب الذى أعده وما اذا كان يضم اى معلومات عن عمر الشريف فقلت لها "نعم". وعندئذ طلبت منى حذف هذا الجزء، فلم اجد إمامى إلا النزول على ما ترغب.

وعند صدور ذلك العدد من مجلة "نصف الدنيا"، سعدت به سعادة غامرة وقالت لى "لما اموت انشرى هذا العدد مرة اخرى فهذا العدد هو انا" وقالت لى احيى أمانتك الصحفية. وأتمنى بالفعل ان يعاد نشر هذا العدد التذكاري عن سيدة الشاشة الرائعة فاتن حمامة.

وأتذكر أننى وأستاذتى سناء البيسى رئيسة التحرير لأهم مجلة فى مصر صاحبة الانفرادات الصحفية بحق وعادل صبرى مدير التحرير الفنى سهرنا نعمل حتى الصباح. وجاء خطاب من أدارة التوزيع تبلغ الأستاذة سناء البيسى بأن العدد نفد من السوق فى ساعات محدودة

وتوالت اللقاءات الانسانية بيننا فى منزلها البعيد فى القطامية وكانت دائما تقول لى مصر بلد جميل لابد ان نحافظ عليه، وكانت متابعة دائمة لكل ما يحدث فى مصر وكانت تقول "خايفة على مصر". وكانت حريصة دائما على النزول الى صناديق الاقتراع لتدلي بصوتها لإقرار الدستور ولاختيار الرئيس عبدالفتاح السيسى، كما تعددت اللقاءات الصحفية وقالت فى أخر حوار لها لى ونشر فى الأهرام منذ عدة أشهر: سعدت بعودة عيد الفن. لأنه كانت هناك فى الحقيقة محاولة للاعتداء على الفن والتعامل معه باعتباره مهنة سيئة السمعة. ومحاولة لاختطاف هوية مصر
"
المصريين محتاجين بعض الفرح

وارى ان 30 يونيو انقذ مصر ومن بعده يوم 4 يوليو، كادت الهوية والعادات المصرية ان تضيع، وأكثر ما يؤكد على ذلك ان المصريين كانوا يباركون لبعضهم البعض بالشوارع، شعرت ان مصر التى كادت ان تخطف رجعت مرة اخرى لنا.

كما قالت: كنت خائفة فى فترة حكم الاخوان، ولكن لا أستطيع ترك مصر أبدا. فى الحقيقة كنت قلقة من ان يستمر حكم الاخوان، كنت أرى المشهد أسود قاتما. انا دائما اشعر بالخطر بشكل اكبر من حجمه، لكن الحمد لله.

وأضافت: أخشى على مصر من الاٍرهاب. للأسف الجهلة الذين يسوقون أفكارا مثل انك ستدخل الجنة اذا قتلت فلانا او ان القتل حلال هم السبب الرئيسي فى هذه الحالة. انا حزينة على هؤلاء الجنود الشباب الذين يموتون كل يوم. اعتقد ان هناك مخططا غربيا تجاه مصر بالطبع لأننا أفسدنا عليهم المشروع الذى كانوا يريدون تحقيقه وأنقذنا هويتنا من الضياع.

وبإحساسها الصادق دوما، قالت: خايفة على سيناء جدا جداً. هذه أرضنا التى ارتوت بدماء الجنود المصريين. فى وقت ما اعتقدت انها اصبحت خالية من العنف والإرهاب لكن للأسف رجع الارهاب لها مرة اخرى.

سألتها قائلة: فى فيلم امبراطورية ميم، كان هناك مشهد بديع غير مألوف على المُشاهد للسينما المصرية وهو مشهد الدعاية والصناديق الانتخابية، فقالت جاءت هذه الفكرة من إحسان عبدالقدوس فهو الذى كتب القصة من الألف للياء، كان هذا الفيلم عبارة عن رواية قصيرة مكتوبة فى ثلاث صفحات لكن عندما بدأ كتابة السيناريو. اكتشفنا أن هناك أشياء كثيرة ناقصة فذهبت لإحسان عبدالقدوس لأرجوه أن يكتب لنا الحوار، وخصوصا حوارات الاطفال التى كانت تحتاج لحرفية عالية، وكان اصل الرواية ان البطل رجل وليس امرأة ولكننا قمنا بتوظيفه لتقوم به امرأة.

قلت لها: هل كانت ستختلف نهاية الفيلم اذا تم عمله الان، هل كانت الام تملك القدرة اكثر على الحفاظ على أولادها وحبها معا أم ستضحى الام بحبها خوفا على أبنائها؟

ردت قائلة: مهما اختلف الزمن. الأم هى الأم والأولاد هم الاولاد وحب امتلاكهم لأمهم سيمثل مشكلة، وخصوصا ان نصف عدد الاولاد كانوا صغيرى السن فكان من الصعب ان يحدث هذا التوازن ولذلك تركنا النهاية مفتوحة الى حد ما.لعل الزمن يتغير

وتقول ان الفن كان يلعب الدور الثاني فى الاقتصاد المصرى بعد زراعة القطن، كان زراعة القطن وتصديره فى المركز الاول ومن بعده الفن فالسينما المصرية فى ذلك الوقت كانت تنتج حوالى مائة فيلم فى العام الواحد وكان ذلك يدر على مصر الكثير من قبل البلاد العربية.

سألتها: كيف قامت فاتن حمامة بدور عزيزة، ذلك الدور البديع، السيدة الفلاحة التى تساعد اسرتها وزوجها المريض وتتعرض لمحنة رهيبة وتحاول ان تحل الامر بأقل خسائر؟

فقالت: حبيت شخصية البطله جدا، وبمجرد ان قرأت الرواية وافقت عليها ثاني يوم، فى الحقيقة يوسف ادريس كان فى غاية البراعة فى هذه الرواية 

وأيضا قمت بدور الصعيدية فى عمل للمبدع عبدالرحمن الابنودى؟

هذا الفيلم ايضا كان رائعا ولا اعرف لماذا لا يعرض هذا الفيلم، ولا اعرف طريق نيجاتيف هذا الفيلم، أحببت هذا الفيلم كثيرا وخصوصا أغنية مشهد الموت، فالمرأة جاءت بمن يقتل ابنها من اجل ألا تتعرض للعار، وبعد موته راحت تلطم بعد ذلك.

سألتها هل ترى ان المرأة المصرية مازال امامها الكثير لكى تأخذ حقوقها؟

قالت: بدأت المرأة المصرية تأخذ حقوقها بالفعل وأثبتت جدارة هايلة فى الفترة الماضية ولابد ان تستمر بنفس الاداء، فقد استوقفتنى مشاهد الرقص والغناء من قبل النساء اثناء التصويت الاخير على الدستور، نحن شعب لا يستطيع أحد أن يحجمنا فنحن نحب الفن بطبعنا.

قلت: الافلام المأخوذة دائما من روايات ادبية يكون لها عمق اكثر مثل نهر الحب المستند لرواية تولستوى انا كارنيننا ولا وقت للحب عن رواية يوسف ادريس والباب المفتوح ل لطيفة الزيات؟

قالت الراحلة فاتن: بالتأكيد، فعندما يكتب الرواية أديب تختلف كثيرا عن اى شخص اخر، فالأديب يبنى الشخصيات بناء محكما ويكتب تفاصيل بديعة وتشعرى ان الشخصية شخصية حقيقية من لحم ودم.

قالت: ايضا للأسف الحقد والكره زاد فى مجتمعنا: "يا ساتر يارب، مفيش اتنين متفقين طول الوقت، الناس بتتخانق وبتضرب بعض، شيء مخيف جدا، الناس مش طايقة بعض".

وقالت: افتقد للأسف وسط البلد الذى كان جميلا. الان اصبح منطقة عشوائية! افتقد الروقان، والزحمة وهذا العدد الهائل من السيارات اصبح خانقا جدا ولا يطاق، وعندما ارى النيل او الاشجار التى حوله وأنا فى وسط الزحام اشعر اننى لا استطيع التنفس، غير ذلك لا ارى سوى عدد مهول من السيارات وخاصة على الطريق الدائرى المليء باللوريات الضخمة المفزعة.

سألتها: ما الذى يدخل البهجة على فاتن حمامة؟ فقالت: الأطفال الصغار.

قلت: وكيف تستقبلين تحيات جمهورك الذى يحبك فى الشارع؟ ردت سريعا: بأسعد بهم جدا.

وعن حصاد ثورتين فى ثلاث سنوات وما اذا كان المصريون لا يزالون مفتقدين للحرية، قالت: للأسف نحن فهمنا الحرية غلط، فالحرية لها وأجبتها ايضا فإذا اردت ان تعبر عن رأيك لابد ان تسمع الرأى الاخر، وقد فقدنا الصبر، الناس بقت بتتخانق اكتر ما بتضحك.

وفى الوعكة الصحية الاخيرة التى ألمت بها، قالت لـ"الأهرام": لدينا رئيس يحاول النهوض بالبلاد، أشعر بالصدق الشديد بكل مجهوداته، وخاصة مشروع قناة السويس.الذى يمثل املا ونورا جديدا للأجيال الجديدة. بدأنا نرى الأمل

ومنذ ايام قليلة، قبل الرحيل الأخير، اتصلت بها ليأتينى صوتها المشرق ذو النبرة المحبة العبقرية، واتفقنا على اللقاء أول الأسبوع المقبل، حتى تنتهى موجة البرد الشديد، وان نجرى حوارا للعام الجديد، وقالت لى انها قضت رأس السنة فى أسوان. "الله على أسوان. جميلة ونظيفة. من أبدع م ايمكن. بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها". وسألتنى عن أحوالى وقالت لى "الحياة حلوة، متخليش حد يسرقها منك".

لم أكن أعرف أنها المرة الأخيرة التى سأستمع فيها الى صوتها، وأنه كان وداعا لا وعدا بلقاء لن يتم. فقد رحلت أيقونة الفن والحب والصدق. لكنها ستبقى رمزا سيدوم ذكره الى مئات السنين، ستبقى دائما فاتن حمامة تتسيد قائمة فنانى العصر الذهبي للسينما المصرية، فمهما طال الزمن ومهما كثرت الاعمال ستبقى فاتن حمامة صاحبة العزف الاوركسترالى المنفرد الذى لن يستطيع أن يعزف مثله أعتى الملحنين. فوداعا يا من كانت حكاية العمر كله

الأهرام اليومي في

19.01.2015

 
 

ورحلت فاتن

بقلم: فاروق جويدة

مع رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تغلق السينما العربية صفحة من أهم وأنقى صفحاتها الفنية. لم تكن فاتن حمامة مجرد فنانة عبرت وأدت باقتدار بعض الأدوار فى عدد من الأفلام ولكنها كانت جزءا أصيلا فى تاريخ السينما العربية وسكنت وجدان الملايين من عشاق فنها الأصيل. كانت وستبقى فاتن حمامة قصة عطاء فنى بديع. فى الشخصيات التى قدمتها على الشاشة عاش المشاهد المصرى والعربى معها نماذج إنسانية جميلة. كانت المصرية الأصيلة البسيطة فى دعاء الكروان والمرأة العاشقة فى بين الأطلال والأم الحائرة بين الحب والأبناء فى إمبراطورية ميم وفى لحن الخلود عاشت دور الفتاة الحائرة بين الحب والحياة. وفى الخيط الرفيع كان الصراع بين كبرياء الحب والحاجة وفى نهر الحب عاشت فاتن تجربة متشابكة بين العمر والمنصب والأمومة والحب وفى الاستاذة فاطمة كان الصراع بين طموح المرأة والواقع المتخلف. وبعد كل هذا كانت روائعها الحرام ولا أنام وصراع فى الوادى وأفواه وأرانب وليلة القبض على فاطمة. كانت فاتن حمامة تاريخا حاشدا من الفن الجميل فى ازهى وأجمل وارفع فترات العطاء فى تاريخ السينما المصرية. لو حاولنا تحديد الادوار فى هذا التاريخ الحافل سوف نكتشف أن فاتن احتلت اكبر رصيد فيه من حيث العدد وأعلى قيمة من حيث الإبداع وأرقى مستوى فيه من حيث الأداء الممتع. لا نبالغ إذا قلنا ان تاريخ السينما العربية هو حياة فاتن حمامة ولو انتزعنا ما قدمته فاتن أكثر من ستين عاما سوف تخسر السينما العربية الكثير جدا من تنوعها وإبداعها. حين هبطت حشود الفن الهابط وأفلام المقاولات على السينما المصرية انسحبت فاتن حمامة فى هدوء وقدمت عددا من المسلسلات التليفزيونية ولكن بقى مكانها فى السينما شاغرا لسنوات طويلة. احترمت فنها وتاريخها وانسحبت فى هدوء لتعيش حياتها مثل كل الناس ولكن أفلام فاتن بقيت شاهدة على عصر من الفن الجميل والإبداع الراقى. وسوف نذكر فاتن حمامة كلما اطلت على الشاشة بابتسامتها البريئة وملامحها الهادئة وحضورها الطاغى وفنها الجميل. أمثال فاتن حمامة لا يغيبون لأنهم حاضرون فى وجداننا ولا يموتون لان الفن الجميل لا يعرف الرحيل. 

الأهرام اليومي في

19.01.2015

 
 

الحب الأول

محمد بهحت

اللى داب فى الحب ياما بعد نظرة فابتسامة واللى سهر الليل بطوله يشكى من غيرة وملامة واللى كانوا الناس يقولوا إنه مجنون له علامة واللى راح الجامعة حافى.

واللى راح شغله ببيجامة

كلنا كنا ف شبابنا

مغرمين كاتمين عذابنا

كلنا حبينا واحدة

شكلها فاتن حمامة

.........................

كلنا زوّغنا مرّة

م المدارس والمعاهد

واتقابلنا جوة سينما

شفنا فيها فيلم واحد

شفنا نهر الحب يجرى

مهما يبنوا سدود كتيرة

صوت دعا الكروّان بيسرى

وسط خوف وألم وحيرة

كلنا كنا ف صِغَرنا

فرحانين حاضنين قمرنا

كلنا حبينا صورة

اسمها فاتن حمامة

.........................

عشنا وكبرنا وشيبنا

خدنا فى الدنيا نصيبنا

بس فيه عالشاشة طفلة

لسة واقفة بتلاعبنا

طفلة عايشة يوم سعيد

لما تضحك يبقى عيد

لما تبكى الدنيا تبكى

لما تمشى الشوق يزيد

لسة شوق أحلامنا فينا

والمحطات بتنادينا

للسما رافعين ايدينا

بنشاور لك بالسلامة

الأهرام اليومي في

19.01.2015

 
 

فجر يوم جديد:

«سيدة الشاشة العربية»

كتب الخبرمجدي الطيب

 لم يكن من الطبيعي أن أعد كتاب "سعيد مرزوق... فيلسوف الصورة" من دون أن أتحدث إلى فاتن حمامة؛ لكونها شاركته في عدد من أهم أفلامه مثل: "أغنية الموت" (1973)، "أريد حلاً" (1975) و"حكاية وراء كل باب"، الذي ضم ثلاثة أفلام قصيرة هي: "ضيف على العشاء"، "موقف مجنون"، "النائبة المحترمة" و"أريد أن أقتل".

ووسط حالة من الرهبة لم تواجهني طوال سنوات عملي بالصحافة الفنية طلبتها على الهاتف الأرضي، بعد أن علمت أنها لا تتعامل مع الهاتف النقال،  واستأذنت في الحديث إليها، وهاجس يتملكني أنها ستتهرب، كما يفعل النجوم، وتتذرع بأنها مشغولة، أو تطالبني بالحديث في وقت آخر!

لم أصدق نفسي عندما فوجئت بها ترد عليّ، وتسألني بصوت خفيض عن سبب المكالمة، ولما أخبرتها أنني بصدد تأليف كتاب عن المخرج سعيد مرزوق، وأود لو حدثتني عن علاقتهما الفنية، تخلت عن تحفّظها، ووصفته بأنه "يتمتع بحساسية فائقة، وهو يتعامل مع الكاميرا" وأنهت بقولها: "عبقري ورجل سينما من الطراز الأول، وواحد من أفضل من التقيتهم فهماً لطبيعة ووظيفة السينما ودورها".

واقعة كشفت لي عن التواضع الجم الذي تتمتع به فاتن حمامة، وشجعتني على معاودة الاتصال بها في فترة التحضير لكتابي الثاني عن "بركات... زعيم المحافظين في السينما المصرية"، فقد ربطت بينهما علاقة وطيدة، على الصعيدين الفني والإنساني، دفعت المخرج الكبير إلى الاعتراف قائلاً: "أفلامي معها تفقد الكثير من رونقها لو نزعناها منها"، لكنني علمت أنها في رحلة علاج خارج مصر، ودعوت لها بالشفاء والعودة سالمة إلى أرض الوطن، لكن القلق تسرّب إلى نفسي، بعد ما علمت من الناقد الكبير سمير فريد أنها تراجعت، بسبب وعكتها الصحية المفاجئة، عن وعدها بقص شريط افتتاح معرض "بركات" في الدورة الـ36 لمهرجان القاهرة السينمائي!

حدث هذا مطلع نوفمبر الماضي، وعادت "سيدة الشاشة العربية" إلى مصر، بعد أن اجتازت وعكتها الصحية، لكن يبدو أنها لم تتعاف بشكل نهائي، ومن ثم غيّبها الموت في الأيام الأولى من شهر يناير، بعد أن أصيبت بهبوط مفاجئ في الدورة الدموية، لتفقد السينما العربية، بغيابها، الأنموذج والمثال للفنان الذي يحترم نفسه وموهبته ومهنته، فيجبر الجميع على احترامه، والنظر بعين التبجيل والتوقير لمهنته، ما دعا مؤسسة الرئاسة إلى إصدار بيان تنعي فيه "قامة وقيمة فنية مبدعة أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية الراقية، وأضفت السعادة على قلوب جموع المصريين والمواطنين العرب بإطلالتها الفنية وعطائها الممتد وأعمالها الإبداعية، وظلت رمزاً للفن المصري الأصيل وللالتزام بآدابه وأخلاقه"، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قطع من قبل خطابه إلى الفنانين، وقت أن كان مرشحاً رئاسياً، بمجرد دخول فاتن حمامة إلى قاعة الاحتفال، وغادر مكانه على المنصة متجهاً إلى مكان جلوسها ليقدم لها التحية، في حين تسابق عدد كبير من الفنانين للتصوير معها والترحيب بها، بعد فترة طويلة غابت فيها عن الأضواء.

اختلفت مع المخرج سعيد مرزوق، وسجلت هذا في كتابي، وهو مازال على قيد الحياة، عندما روى لي أنه توقف عن السعي وراء الجوائز، بعد ما قالت له فاتن حمامة إنها تضع الجوائز التي حصلت عليها في "درج مطبخها"، وأزعجتني إجابتها، وقلت له: إن موقفها فيه ازدراء لا يليق، ودافع عن وجهة نظرها، مؤكدا أنها كانت تؤمن بأن الفنان ينبغي ألا يعول كثيرا على الجوائز وحدها، وأن واجبه إمتاع الجمهور، وفي أعقاب رحيلها نشرت الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية صوراً لسيدة الشاشة العربية في منزلها بالتجمع الخامس، في منتجع القطامية، وكانت سعادتي كبيرة بأن عدداً من الجوائز التي تسلمتها في حياتها تتصدر الصورة، ما يعني أنها تحتل مكانة كبيرة في قلبها، ولم تضل الطريق أو ينتهي بها الأمر إلى "درج مطبخها"!

لم يُعرف عن "فاتن حمامة" أنها صاحبة مواقف سياسية، وأشيع أنها ابنة عائلة وفدية انحازت إلى الكتلة "السعدية" - نسبة إلى سعد زغلول – لكن كثيرين يجهلون أنها أقدمت، بعد إصدار قوانين يوليو الاشتراكية في عام 1961، على خطوة غير مسبوقة، عندما أرسلت برقية إلى غرفة صناعة السينما أعلنت من خلالها موافقتها على تخفيض أجرها في الفيلم الواحد من سبعة آلاف جنيه مصري إلى ثلاثة آلاف فقط، ما أوغر صدر رفاقها في الوسط الفني ضدها، لأنها تسببت في إحراجهم، وأجبرتهم على مجاراتها، والإعلان عن تخفيض أجورهم إن لم يكن بنفس النسبة، فعلى الأقل بنسبة قريبة منها، ولما سئلت عن السبب قالت: "مَن يؤمن بمبدأ فعليه أن يطبقه على نفسه"!  

الجريدة الكويتية في

19.01.2015

 
 

آلاف المشيعين ودَّعوا «سيدة القلوب» فاتن حمامة في موكب جنائزي مهيب

صدمة الوفاة بين الشائعة والحقيقة... رفقاء الدرب عبروا عن حزنهم الشديد لرحيلها

كتب الخبرجمال عبد القادر, مصطفى ياسين, أمين خيرالله و أحمد عدلي

في جنازة مهيبة، ودّع المصريون، أمس، أسطورة السينما المصرية فاتن حمامة، بعدما خرج جثمانها من مسجد الحصري في منطقة 6 أكتوبر، ليوارى الثرى بمقابر العائلة، في مشهد حاشد ضم الآلاف من معجبيها ومحبيها الذين حرصوا على توديعها، بعدما ارتبطوا بأعمالها السينمائية الخالدة.

ورغم احتفال سيدة الشاشة العربية، بعيد ميلادها الـ83 في مايو الماضي، فإن خبر وفاتها مساء أمس الأول تسبب في صدمة للوسط الفني، وخاصة مع تضارب الأخبار عن صحة خبر الوفاة ونفي المقربين منها في البداية.

الفنانة فاتن حمامة كانت قد أجرت آخر اتصال مع الفنانة سميرة عبدالعزيز صديقتها المقربة ورفيقة مشوار حياتها قبل ساعات من رحيلها، وكانت حينها بصحة جيدة، ما جعل سميرة تنفي خبر الوفاة في البداية، قبل أن تخرج بنفسها لتؤكد صحة الخبر.

المؤكد أن حالة فاتن حمامة الصحية كانت مستقرة حتى قبل وفاتها بلحظات، حيث تناولت الغذاء مع زوجها، وبعدها شعرت بآلام حادة في أنحاء متفرقة من جسدها، غير أنها فارقت الحياة في هدوء، وقبل أن يصل الأطباء إلى منزلها، حيث عانت من مشكلات صحية بالقلب والدورة الدموية قبل عدة أشهر، استلزمت وجودها في غرفة العناية الفائقة بأحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة، قبل أن تخرج وتبقى تحت الملاحظة الطبية خلال الأسابيع الماضية.

المؤكد الآخر أن "سيدة القلوب" قد رحلت، "وجه القمر" الذي أضاء مشاعرنا بكل الأحاسيس والمعاني الجميلة، فاتنة السينما العربية التي أصبحت سيدتها ونجمتها، وأهم بصماتها وأحلى أدوارها، الهانم التي منحتنا خلاصة موهبتها وكل حبها للفن.

رحلت من أعطتنا "موعد مع السعادة"، حينما أطلت علينا وهي طفلة لم يتعدّ عمرها 6 سنوات في فيلم "يوم سعيد"، لتصبح بعدها النجمة التي عشنا معها "أيامنا الحلوة" بدموعها وضحكاتها الرقيقة، رحلت من كانت تدعونا دائما للسباحة معها في "نهر الحب"، مؤكدة دوما أن "القلب له أحكام"، بينما شخصياتها الدرامية ستظل محفورة في الوجدان والذاكرة بعد رحيلها.

فاتن حمامة، قطعة من قلب وعقل السينما العربية، الأسطورة التي قدمت لنا وصلة إبداع ممتدة عبر مشوارها الطويل مع التمثيل، فمن بين 94 فيلما لها، تم اختيار 18 ضمن أفضل 150 فيلما أنتجتها السينما المصرية، كما تم اختيارها كأفضل ممثلة في الاستفتاء الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي قبل سنوات لاختيار أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، إذ تصدرت قائمة أفضل الممثلات برصيد 10 أفلام من بين 100 فيلم اعتبرها النقاد هي الأبرز في تاريخنا السينمائي، وهذه الأفلام هي "ابن النيل" و"صراع في الوادي"، إخراج يوسف شاهين، "لك يوم يا ظالم" لصلاح أبوسيف، "المنزل رقم 13" إخراج كمال الشيخ، و"دعاء الكروان" و"الحرام" لبركات، "أريد حلا" لسعيد مرزوق، و"أيامنا الحلوة" لحلمي حليم، و"بين الأطلال" إخراج عزالدين ذوالفقار، وأخيرا "إمبراطورية ميم".

الميلاد

ولدت فاتن في مدينة المنصورة في 27 مايو عام 1931، ووالدها هو الراحل أحمد حمامة الذي كان يعمل بوزارة المعارف، وترتيبها الثاني بين أشقائها، إذ كان لها ثلاثة إخوة أكبرهم منير حمامة الذي عمل ضابطا بالجيش، إضافة إلى شقيقتها الصغرى ليلى حمامة، والأصغر مظهر حمامة.

الطريف أن من أطلق هذا الاسم عليها هو شقيقها منير الذي كان يكبرها بعامين، رغم ندرة اسم فاتن في تلك الفترة، وكان قد اختاره منير لـ "عروسته اللعبة" التي كان يحرص على أن تنام بجواره دائما.

كان والدها مجرد موظف بسيط في وزارة التربية والتعليم، يحلم لها بأن تكون ذات شأن كبير، لأن الشقاوة كانت تطل من عينيها مصحوبة بشعاع فسّره كل من يراه بأنه نوع من الذكاء الممزوج بالفطرة الجميلة، لذا كان يحرص على اصطحابها إلى السينما بالمنصورة لمشاهدة الأفلام.

وفي يوم لن تنساه السينما، أخذها والدها لمشاهدة أحد الأفلام، حيث كانت الصغيرة مبهورة لدرجة السحر بعالم السينما وقصصها ونجومها، وكان الفيلم بطولة الفنانة آسيا داغر، وبعد انتهاء الفيلم بدأ الجمهور يصفق بشدة إعجابا بالفيلم وبطلته، فنظرت الصغيرة لوالدها وقالت ببراءة: بابا أنا حاسة إن الناس دي بتصقف لي أنا؟

أدركت الطفلة الصغيرة ما تمثله السينما بالنسبة إليها من أهمية خاصة، لكنها لم تطرقها، بل إن السينما هي التي جاءت إليها، عن طريق المصادفة، فعندما كان عمرها 6 سنوات قرر والدها الاشتراك في مسابقة أجمل طفلة، فاشترى لها فستانا أنيقا، وذهب معها إلى استديو تصوير بالمنصورة لالتقاط صورة لها، ثم أرسل الصورة للمجلة التي كانت تجري الاستطلاع، لتفوز فاتن حمامة من بين نحو 100 طفلة اشتركت في المسابقة، وتصدرت صورتها الغلاف.

مصادفة

وبالمصادفة، رأى المخرج محمد كريم صورتها في الوقت الذي كان يبحث فيه عن طفلة "معجونة بميّة العفاريت" تشارك الموسيقار عبدالوهاب عدة مشاهد في فيلم "يوم سعيد" (1940)، فقرر إرسال مندوب لوالدها في المنصورة من أجل إحضارها والقدوم معها للاتفاق على تفاصيل التعاقد، وترشيحها للفيلم، وهي الخطوة التي كانت بداية المشوار للطفلة فاتن حمامة في السينما المصرية.

وجد المخرج محمد كريم شيئا ما يجذبه لهذه الصغيرة، وطلب منها أن تقوم بإلقاء نشيد أمامه، ليختبر صوتها وقدرتها على الأداء، فوجدها تسرد له 10 أناشيد وليس نشيدا واحدا، كما طلب منها.

فوجئ كريم بموهبتها الفائقة وعفويتها الصادقة وقدرتها على التركيز وحفظ الحوار، فقرر إسناد عدة أعمال سينمائية لها، وبعد 4 سنوات، عملت مع كريم في فيلم "رصاصة في القلب" لعبدالوهاب أيضا (1944)، حيث قام المخرج المصري بالتواصل مع عائلتها مرة أخرى، لتكون في الفيلم لإيمانه بأنها ستكون نجمة لها بريق خاص.

فقدت فاتن متعة الطفولة مبكرا، بعدما أصبحت نجمة وهي في سن صغيرة، فحظيت بمعاملة مميزة في مدرستها من زملائها ومدرسيها، بينما ساهمت إقامتها بعيدا عن القاهرة في اعتذار والدها عن عدة أعمال رشحت لها بسبب المدرسة والامتحانات، وصعوبة التصوير خلال الدراسة، لتكتفي بعملين في العام كانت تقوم بتصويرهما خلال العطلة الصيفية.

أدرك والدها أن استمرار وجودهم في المنصورة سيعيق ابنته عن استكمال مسيرتها بالتمثيل، وخاصة مع تلقيها عروضا عدة سينمائية للمشاركة كطفلة، فقرر نقل عمله إلى القاهرة ونقل أسرته كلها.

 بداية المشوار

بدأت الأضواء تحاصر فاتن حمامة، والاهتمام بها يتحول إلى أخبار وقصص ومقابلات، وأنها ضربت موعدا مع النجومية المبكرة، ولفتت نظر الفنان يوسف وهبي، فطلب منها أن تكون ابنته في فيلم "ملاك الرحمة" (1946)، ومن هذه اللحظة أصبح اسم فاتن حمامة ماركة مسجلة في أدوار الميلودراما التي برعت فيها بصورة غير عادية.

قدمت فاتن خلال تلك الفترة من حياتها مجموعة من الأفلام التي أطلت فيها كطفلة صغيرة، إلى أن التحقت بالدفعة الأولى من معهد التمثيل الذي أسسه الفنان الراحل زكي طليمات، فكانت الأصغر سناً من بين دارسي المعهد في الدفعة التي كان من بينها عدد من عمالقة السينما لاحقا، ومنهم فريد شوقي، نعيمة وصفي، شكري سرحان وحمدي غيث.

بذل طليمات مجهودا كبيرا مع فاتن لتدريبها على التمثيل، بسبب عدم نطقها حرف "ر" بطريقة صحيحة، الأمر الذي أفادها في تعلّم اللغة العربية الفصحى والحديث بها وبطلاقة لاحقا.

قررت فاتن الاستمرار بالتمثيل، بدعم من عائلتها التي آمنت بموهبتها الفنية، وخاصة بعد الإشادة التي حصلت عليها من الفنان الكبير يوسف وهبي، بعد مشاركتها معه في فيلم "ملاك الرحمة"، إذ كان من الصعب إقناع فنان بحجم يوسف وهبي أن تشاركه البطولة شابة صغيرة مازالت على أعتاب المراهقة، ما لم تكن تملك الموهبة، فرشحها للمشاركة في ثلاثة أفلام هي "كرسي الاعتراف" و"اليتيمتين" و"ست البيت"، وذلك بين عامي 1947 و1949.

حققت فاتن من خلال هذه الأفلام نجاحا كبيرا، مكّنها من أن تضع شروطا خاصة بها، من بينها عدم ارتداء المايوه رغم تحرر الفنانات في تلك الفترة، إضافة إلى عدم التقبيل مطلقا في السينما.

في عام 1952 قامت بالبطولة في فيلم "لك يوم يا ظالم" مع المخرج صلاح أبوسيف، والذي شارك في مهرجان كان السينمائي الدولي كما شاركت في أول فيلم للمخرج يوسف شاهين، وهو "بابا أمين" عام 1950، ثم صراع في الوادي عام 1954، والذي شارك في مهرجان كان، وشاركت في أول فيلم لكمال الشيخ، وهو المنزل رقم 13، وفي عام 63 حصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "لا وقت للحب" مع رشدي أباظة.

 القلب له أحكام

قلب فاتن كان يخطف القلوب منذ أن كانت في المنصورة، وتحديداً عندما شاهدها ضابط وقرر معرفة عنوانها ليتقدم للارتباط بها، لكنها لم تحبه، رغم أنه صارحها بحبه لها وتمسك بها، وقام بإرسال أول خطاب غرامي لها، لكنها صارحت والدتها من اللحظة الأولى وأغلقت الموضوع سريعا، وعادت للانتظام في دراستها.

الخطاب الثاني كان من معجب سوري أرسل لها يشيد بأدائها في فيلم "ملاك الرحمة"، ويخبرها عن ثروته ويطلب منها الارتباط، وهو الخطاب الذي كان مفاجئا لها، بسبب عدم وجود معرفة بينها وبين المعجب الشاب، لكن والدها أخبرها أن الأمر سيتكرر كثيرا، باعتبار أنها أصبحت نجمة شهيرة، وهي الخطابات التي تكررت مئات المرات لاحقا.

أما أول زواج في حياتها فكان من المخرج عزالدين ذوالفقار، الذي نشأت بينه وبين والدها صداقة قوية خلال لقاءاتهما المتكررة في "بيت الفن"، وهو المكان الذي كان يجتمع فيه الفنانون، وكان يفترض أن يقوم عزالدين بإخراج فيلم "أبوزيد الهلالي"، وكان الدور مسندا إلى الفنانة إلهام حسين، التي اختلفت على الأجر وتفاصيل الفيلم، فقرر عزالدين إسناد الدور لفاتن حمامة التي حققت نجاحا كبيرا خلاله.

النجاح السينمائي كان مقدمة للارتباط الذي تم سريعا، لتقرر معه إنشاء شركة إنتاج سينمائي قدما من خلالها عدة أعمال سينمائية، منها "خلود"، قبل أن تقرر فاتن افتتاح شركة خاصة بها تقدم من خلالها فيلم "موعد مع الحياة"، الذي كان سببا في إطلاق لقب سيدة الشاشة العربية عليها وأخرجه زوجها أيضا.

عمر الشريف

أنجبت فاتن من "ذوالفقار" ابنتها الكبرى نادية، لكنها لم تشعر بالسعادة في حياتها الزوجية بعد عدة سنوات، ليس فقط للفارق العمري بينهما، ولكن لإحساسها بأنها لم تحب زوجها، وأن زواجهما جاء نتيجة إعجابها بأستاذها في التمثيل، لينتهي الزواج بينهم عام 1955 بالانفصال.

وفي نفس العام الذي انتهت علاقتها بعز، تزوجت الفنان عمر الشريف بعد قصة صنعتها المصادفة الجميلة، إذ كانت قد اعترضت على مشاركة الفنان شكري سرحان في بطولة فيلم "صراع في الوادي" أمامها، ففكر يوسف شاهين في عرض الدور على صديقه وزميل دراسته في كلية فيكتوريا بالإسكندرية عمر الشريف، والذي كان يعمل في ذلك الوقت بشركة الخشب التي يمتلكها والده، وحين رأته فاتن وافقت عليه من دون تردد وكان القدر يخبئ لهما موعدا مع السعادة ومع الزيجة الثانية لها.

الطريف أن فاتن وافقت على بطولة "صراع في الوادي" برغم وجود قبلة ساخنة بدرجة لم يتوقعها أحد، خاصة أنها طوال 15 عاما في مسيرتها الفنية كانت ترفع شعار "لا للقبلات"، لتكون القبلة بداية قصة حب استمرت حتى وفاتها، رغم انفصالهما في أوائل السبعينيات، فالفنان عمر الشريف لايزال يؤكد أنها الوحيدة التي أحبها، وأن الحب من جانبه لايزال مستمرا حتى الآن.

أما الزواج الثالث والأخير لسيدة الشاشة العربية فكان من د. محمد عبدالوهاب، حيث عاش الزوجان حياة سعيدة منذ منتصف السبعينيات وحتى وفاتها.

استمر زواج فاتن من الشريف نحو 16 عاما، قدما خلالها عددا من روائع السينما المصرية، منها "سيدة القصر"، "نهر الحب" وغيرها من الأعمال السينمائية، لكن قرار الانفصال بين الزوجين جاء بشكل غامض، بسبب الشائعات التي أحاطت بهما، وسفر عمر الشريف المتكرر للولايات المتحدة، حيث كان يخطو أولى خطواته نحو العالمية.

تميزت فاتن بقدرتها على اختيار الموضوعات المميزة لتقديمها، فكانت أفكارها سابقة ومحذرة من مشكلات عدة واجهت المجتمع المصري، ومنها دورها في فيلم "إمبراطورية ميم"  و"أفواه وأرانب"، و"دعاء الكروان".

خلال العقود الثلاثة الأخيرة،  اكتفت بمشاركات منتقاة ومنها "يوم حلو ويوم مر"، "أرض الأحلام" ومسلسلي "ضمير أبلة حكمت" ، و"وجه القمر" .

تجارب فاتن الدرامية كانت ناجحة بجميع المقاييس، فمسلسلها "ضمير أبلة حكمت"  و"وجه القمر".

كانت فاتن متفائلة بالحياة، مقبلة عليها، وقد رفضت فكرة السفر من مصر حتى في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، مفضلة البقاء في منزلها، ومؤكدة شعورها بالأمان، بينما كانت تتابع الحركة الفنية والسينمائية بشكل مستمر، وتبدي رأيها في الأعمال السينمائية مع إذاعتها في التلفزيون، وخاصة أن حالتها الصحية في الفترة الأخيرة جعلتها غير قادرة على الذهاب إلى السينما.

وداع يليق بـ «وجه القمر»

شهدت الجنازة تدافعا كبيرا من الحضور لحمل النعش، وتسبب الزحام الشديد في سقوط السلم الخاص بالمسجد، ما تسبب في وقوع بعض المشيعين على الأرض، واهتزاز النعش بين يدي حامليه، في حين لم يستطع عدد كبير من الفنانين الحضور بسبب الزحام الشديد.

وفي ظهور نادر لها، شاركت الفنانة ياسمين الخيام في الجنازة، حيث وصلت إلى المسجد مبكرا، وقامت بتلاوة القرآن على نعش الفنانة الراحلة، في حين ظل زوجها د. عبدالوهاب يبكي بحرقة على النعش خلال فترة انتظاره الصلاة عليها، وتوديعها إلى مثواها الأخير.

وأعلن نقيب الممثلين، أشرف عبدالغفور، أن الفنانة الراحلة طلبت من أسرتها عدم إقامة عزاء لها، والاكتفاء بالجنازة، وهو ما جعل أسرتها تلتزم بوصيتها، في حين أوفد الرئيس عبدالفتاح السيسي مندوبا رئاسيا، وتمت إحاطة الجثمان بالعلم المصري في تقليد قليلا ما يتكرر مع الفنانين.

شارك في الجنازة عدد كبير من الفنانين، منهم محمود ياسين وزوجته الفنانة شهيرة، إضافة إلى الفنان فاروق الفيشاوي وعدد كبير من أصدقاء الفنانة الراحلة، منهم سميرة عبدالعزيز، نيللي كريم، هند صبري، والإعلامية بوسي شلبي، التي انتقدت الزحام والتدافع.

كما حضر أيضا كل من رجاء الجداوي، ميرفت أمين، إلهام شاهين، دلال عبدالعزيز، سلوى محمد علي، خالد النبوي، وحسين فهمي، وفيفي عبده، وسوسن بدر.

الرئاسة المصرية تنعى رمز الفن الأصيل

وملك المغرب ينيب السفير لحضور الجنازة

نعي الفنانة الراحلة فاتن حمامة لم يتوقف على الفنانين، لكنه امتد أيضا إلى السياسيين الذين أعربوا عن حزنهم لرحيل سيدة الشاشة العربية.

فقد أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا رسميا نعت فيه الراحلة، مقدمة لأسرتها وذويها وكل محبيها من أبناء مصر والوطن العربي خالص التعازي والمواساة.

وأكدت الرئاسة أن مصر والعالم العربي فقدا قامة وقيمة فنية مبدعة، طالما أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية الراقية، وستظل الفقيدة التي أضفت السعادة على قلوب جموع المصريين والمواطنين العرب بإطلالتها الفنية وعطائها الممتد وأعمالها الإبداعية، رمزا للفن المصري الأصيل وللالتزام بآدابه وأخلاقه.

كما نعى مجلس الوزراء المصري الفنانة الراحلة، فقال رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب: "برحيل سيدة الشاشة العربية، فقد الفن الراقي أحد أعمدته الأساسية، فقد أثرت الراحلة ذاكرة الفن المصري، بل والعربي، بأعمالها التي ستظل راسخة في الأذهان".

وأضاف "كانت الراحلة ذات موقف وطني واضح، برز في حواراتها الصحافية الأخيرة، التي عبرت خلالها عن عشقها لتراب هذا البلد".

وأناب العاهل المغربي الملك محمد السادس، سفيره بالقاهرة محمد العلمي، للمشاركة في جنازة الفنانة الراحلة، حيث عاد السفير إلى القاهرة على متن طائرة خاصة لتقديم خالص العزاء لأسرتها من الملك.

ونعى الأمين العام لجامعة الدول العربية، د. نبيل العربي الفنانة الراحلة قائلا: "فاتن حمامة سوف تظل رمزا من رموز الفن المصري والعربي الرفيع على مدار عصوره، وقيمة عظيمة ساهمت في تشكيل والارتقاء بالوعي العربي، مضيفا أن اسمها سوف يقترن بتاريخ مصر الرائد في النهوض بالفنون في الوطن العربي"، بينما كلف الأمين العام المساعد، السفيرة هيفاء أبوغزالة، بحضور الجنازة نيابة عنه، نظرا لسفره خارج القاهرة.

ونعى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الفنانة الراحلة قائلا: "أنعي إلى الشعب المصري وكافة الشعوب العربية رحيل سيدة الشاشة العربية، رحم الله السيدة فاتن حمامة، كانت رمزا من رموز مصر وقوتها الناعمة، إذ كانت سفيرة فوق العادة لمصر، وتراثها وقيمها وللمرأة لمصرية، كانت دائما تعبّر عن أجمل ما فينا، وكانت تنشر الحب والجمال حيثما ذهبت".

التكريم والجوائز

- شاركت فاتن حمامة بأعمالها السينمائية في المسابقات الرسمية لمهرجانات دولية عدة، منها برلين، كان، وفينيسا.

 - حازت وسام الأرز في لبنان مرتين؛ الأولى عام 1953 والثانية عام 2001.

- نالت ميدالية الشرف من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهي نفس الميدالية التي نالتها من الرئيس أنور السادات في عيد الفن، وتسلمتها من الرئيس السابق عدلي منصور، خلال الاحتفال بعيد الفن في فبراير الماضي ليكون آخر تكريم في مسيرتها الفنية.

- حصلت على ميدالية الاستحقاق من الملك المغربي الحسن الثاني.

- كرمت في مهرجان القاهرة السينمائي عن مجمل أعمالها السينمائية.

- نالت الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1999، ونالتها من الجامعة الأميركية في بيروت يونيو 2013.

- حصلت على جائزة نجمة القرن من اتحاد الكتّاب والنقاد المصريين عام 2000.

- حصلت على وسام المرأة العربية من رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، كما نالت ميدالية الشرف من الرئيس اللبناني الأسبق إيميل لحود.

فنانون ونقاد:

نجمة لا تتكرر وقيمة فنية كبيرة

عبّر الفنانون عن صدمتهم الكبيرة بوفاة الفنانة فاتن حمامة، مؤكدين أن الساحة العربية الفنية فقدت أحد أبرز نجماتها، معبرين عن حسرتهم على فقدانها.

بداية، قالت الفنانة سميرة عبدالعزيز: "ماتت صاحبة القلب الكبير، التي طالما تعلمنا منها كل شيء، فهي الملهمة التي علمتنا الكثير"، مشيرة إلى أنها كانت في شبابها ترفض أي ابتذال، وتمتنع عن تقديم أي مشهد أو لقطة فيها قبلة.

وذكرت الفنانة الكبيرة نادية لطفي، صديقة الراحلة، "ان لحظة وداعها صعبة جدا ومؤلمة، فهي بالنسبة إلي ليست سيدة الشاشة فقط، بل الصديقة والأخت التي ألجأ إليها في أشد الظروف الصعبة"، مؤكدة أنها تعيش أصعب لحظات حياتها منذ أن سمعت هذا الخبر، "فالراحلة رمز للشياكة والوقار في جيلها على الإطلاق وعلى مدار عشرات السنين".

أما الفنان يوسف شعبان فقد وقع عليه خبر الرحيل كالصاعقة، وقال: "وفاتها خسارة كبيرة للعالم العربي أجمع"، مبينا أنها احتلت القلوب والعقول، لأنها على حد قول المصريين "كانت بنت بلد وجدعة".

وقال الفنان محمود ياسين بمزيد من الأسى: "اختلفت فاتن حمامة عن الكثير من زميلاتها وزملائها وأبناء جيلها، فلا يمكن أن ننسى بساطتها رغم أناقتها المشهود بها حتى وهي تجسد دور فتاة فقيرة، حيث كانت تنير العمل بنعومتها ورقتها، حتى ظهرت كذلك أثناء تكريمها في عيد الفن خلال العام الماضي، وظهرت كالبدر المضيء، وأيضاً أثناء لقائها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي".

مجموعة قيم

من ناحيتها، انهارت الفنانة يسرا عندما سمعت خبر رحيل سيدة الشاشة العربية، وقالت: "لم تكن الراحلة بالنسبة لي مجرد فنانة كبيرة، بل كانت مجموعة قيم تمشي على الأرض، ولا يمكن أن ينسى أحد تواضعها الجم".

أما الفنان أشرف عبدالغفور، نقيب الممثلين، فقد طالب الجميع بتنفيذ وصيتها بعدم إقامة سرادق للعزاء، حيث قال: "كانت سيدة الشاشة تحب العيش في هدوء بعيدا عن الصخب، وأرادت أن تكون كذلك حتى بعد وفاتها".

ورثى الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن الراحلة، متذكرا لها براعتها في التمثيل وتنقلها بحرفية شديدة وحساسية كبيرة بين الطبقات بيسر ودون تكلف على الشاشة، فمن يراها فقيرة معدمة في فيلم "القلب له أحكام" و"الحرام"، لا يمكن أن يصدق أنها نفس الفنانة التي جسدت دورها في "صراع في الوادي" و"الله معنا"، مشيرا إلى أنها شخصية لن تتكرر وأنه يشعر بمرارة فقدها.

وذكر الفنان الكبير حسن يوسف: "ان الوسط الفني العربي فقد قامة كبيرة، فرغم نجوميتها فإنها كانت تأتي إلى الاستديو في موعدها، وكانت حريصة طوال الوقت على أن تكون جادة في عملها، كانت لا تخجل من أن تجري بروفات كثيرة على كل عمل تقدمه، حيث كانت لا تمل من ذلك أبدا، لذا فإن أي فنان يقف أمامها كان يعمل لها ألف حساب".

أبسط نجمة

وشدد المخرج الكبير عادل الأعصر على أن الراحلة كانت أفضل وأبسط نجمة عرفها الوسط الفني العربي، حيث عملا معا خلال مسلسل وجه القمر.

وتحدثت الفنانة إلهام شاهين ببالغ الأسى عن سيدة الشاشة العربية قائلة: "ستظل أفلامها ومسلسلاتها خالدة وباقية في ذاكرة الفن المصري والعربي، فأعمالها كلها كانت تتضمن رسائل تنويرية، إضافة إلى الحس الإنساني الرفيع".

وبكت الفنانة سهير المرشدي الراحلة الكبيرة مؤكدة انها "كانت تحتوي الجميع بهدوئها ورومانسيتها وطيبة قلبها، خاصة أنها أعطت الكثير ووقفت بجانب الجميع"، مشيرة إلى أنها شاركت في مقاومة الظلم والقهر والاحتلال من خلال أعمالها، ودفعت الثمن غاليا عندما انتقلت للحياة خارج مصر، ولم تبخل على وطنها بشيء من خلال أعمالها مثل "دعاء الكروان" و"الحرام" و"الله معنا".

وزاد الفنان صلاح السعدني: "كانت نموذجا فريدا لتجسيد دور الضحية، فقد كان جسدها ضعيفا، إضافة إلى ملامح وجهها التي تنم عن الطيبة والبراءة، فقد كانت مصرية خالصة"، موضحا أنها كانت تمتلك كاريزما مختلفة، فكل من تعامل معها بشكل مباشر يصبح أسيرا لحبها، وعاشقا لفنها، لذلك كانت من أشهر بطلات السينما العربية خاصة في الأعمال الميلودرامية.

تعامل راق

وأكدت الفنانة نيللي كريم، التي دخلت الوسط الفني على يدي الراحلة فاتن حمامة، من خلال مسلسل "وجه القمر"، أن "سيدة الشاشة العربية كانت تتعامل مع الوجوه الجديد بمنتهى الطيبة والحنية والرقة".

وشدد الفنان سامح الصريطي، وكيل أول نقابة المممثلين، على ان "اشتغال فاتن حمامة منذ صغرها بالفن أعطاها الخبرة والمكانة والثقافة، إضافة إلى تشبعها النفسي وإحساسها بالتحقق، مما كان له الأثر الكبير في تواضعها".

وقالت الفنانة سلوى محمد علي: "ماتت معلمتنا، رحلت من كانت لنا القدوة، تعلمنا منها طريقة الكلام وفنيات التمثيل، وكيفية التعامل مع الكاميرا، فقد كانت صاحبة بصمة مختلفة".

ويرى الناقد السينمائي الأمير أباظة ان ذروة تألق ونضج الراحلة الكبيرة كان من خلال الأفلام المنقولة عن روايات أدبية، مثل "نهر الحب" و"دعاء الكروان" و"لا تطفئ الشمس" و"لا وقت للحب"، حيث كانت تبرع في تجسيد هذه الأدوار المركبة.

وتابع أباضة ان "فاتن حمامة لم تسلم من المضايقات السياسية، بسبب تحيزها للطبقات الفقيرة وعدم استسلامها لبعض الضغوط من قبل النظام الحاكم آنذاك، حتى عادت للقاهرة في أوائل السبعينيات، وقدمت (إمبراطورية ميم)، وحصدت عليه العديد من الجوائز، وقدمت أعمالا تمس المظلومين والضعفاء في مصر، مثل أفواه وأرانب، وأريد حلاً، وعددا ضخما من الأعمال يصل إلى مئة فيلم سينمائي وضعتها على عرش الإبداع".

هي والرؤساء

في عام 1966، غادرت فاتن مصر، بعد أن تعرضت للعديد من الضغوط السياسية، وطلب منها العمل لمصلحة جهاز المخابرات، وخصوصا أنها حققت نجومية، وتنقلت بين لندن وبيروت، إلى أن طلب منها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أن تعود لمصر، ووصفها بأنها ثروة قومية، وكان قد منحها وساما فخريا في بداية الستينيات، لكنها لم تعد إلا عام 71 بعد وفاة ناصر.

التقت فاتن غالبية الرؤساء، فالتقت الرئيس أنور السادات عدة مرات، وكذلك الرئيسين مبارك ومرسي خلال لقاءاتهما مع الفنانين، وكانت انطباعاتها دوما تتسم بالدبلوماسية واللباقة في الحديث عن الرؤساء.

ورغم ندرة تصريحاتها الإعلامية خلال السنوات الماضية، فإنها حرصت على المشاركة بقوة في الحياة السياسية أخيرا، من خلال إعلان دعمها لعملية التغيير برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث دعمته في العملية الانتخابية، وأعلنت تأييدها له، في حين حضرت لقاء معه ضم مجموعة كبيرة من الفنانين للاستماع إلى وجهة نظره في ما يتعلق بالفن والارتقاء به.

وحظيت الفنانة الراحلة باستقبال خاص من الرئيس السيسي وقت ترشحه، حيث قام بالتوجه للطاولة التي تجلس عليها وبادر بتحيتها، تقديراً منه لمكانتها الفنية ولدورها في تقديم الأعمال السينمائية الجيدة.

وخلال مرضها بالمستشفى في أزمتها الصحية الأخيرة، حرص الرئيس على إيفاد مندوب شخصي عنه لتقديم باقة ورد للفنانة المصرية، إضافة إلى الاتصال بها هاتفيا للاطمئنان على صحتها.
وكانت فاتن هي أول اسم تم طرحه للتكريم خلال الاحتفال بعودة عيد الفن في فبراير الماضي، تقديرا لمسيرتها الفنية ودورها، فتسلمت التكريم وسط تصفيق حاد من الفنانين وإشادة بأعمالها.

الجريدة الكويتية في

19.01.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)