كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

السينما في زمن السيسي !

القاهرة - هوفيك حبشيان

مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي السابع عشر

   
 
 
 
 

انه زمن الاحتفالات والقبضات المرفوعة. عبد الفتاح السيسي رئيساً سادساً لجمهورية مصر العربية. الفرح يعم شوارع مدينة الاسماعيلية، شرق العاصمة: لافتات عملاقة، أعلام ثلاثية اللون، اغان صاخبة لا تكاد تميزها عن ايّ ضجيج آخر، عن كل الضوضاء في الفسحة الجغرافية الواقعة على ضفاف بحيرة التمساح. شباب يمزقون حناجرهم بشعارات مطحونة بالوطنية ومعجونة بالتأليه. "تسلم الايادي، تسلم يا جيش بلادي"، تقول كلمات الاوبريت الهابطة التي تتصاعد موسيقاها في سماء المدينة المهملة.

أسأل سائق الفان الذي يقلّني من حفل افتتاح الدورة السابعة عشرة من مهرجان الاسماعيلية الذي اشارك فيه كعضو لجنة تحكيم الى فندق "ميركور"، عن رأيه في "الريّس" الذي انقذ مصر من "الاخوان المسلمين" وحكمهم الظلامي: "مصر كلها معاه"، يردّ من دون ان يسجل ايّ لحظة تفكير. وحتى قبل أن أنوي اضافة جملة أخرى إلى جملتي السابقة، افهم منه أن هذا الموضوع خارج النقاش، وأن صناديق الاقتراع قالت كلمتها الأخيرة!

في هذا الجوّ المشحون بالعنفوان، تنظم مجموعة من الحالمين مهرجاناً سينمائياً للأفلام التسجيلية والقصيرة، على الرغم من ان السينما تبدو في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ مصر مجرد تفصيل باهت وسط الهواجس والاسئلة الكثيرة التي تعانق المرء منذ لحظة وصوله الى مطار القاهرة الدولي. "الاسماعيلية" مهرجان حكومي عمره 23 عاماً تم تأسيسه بهدف انعاش المدينة التي عُرفت بتاريخها المقاوم بعد وقوفها سداً منيعاً امام اسرائيل. قبل سنتين، ذهب الفريق القديم وحلّ مكانه فريق جديد: شباب مثقفون و"مودرن" يتكلمون لغات عدة، يمتلكون نظرة حداثية للسينما، انتزعوا السلطة من يد رعيل أدى واجبه حيال السينما على أكمل وجه. هذا الجيل تسلم الدفة في ظروف صعبة للغاية تضعه امام مسؤوليات كبيرة ومخاوف شتى، أهمهما إيجاد أرض مشتركة بين النخبة وعامة الشعب، بين الذاتي والموضوعي، بين الوصاية والاستقلالية. مدير التصوير كمال عبد العزيز، الذي تسلم رئاسة المركز القومي للسينما قبل فترة قصيرة، هو، بحكم منصبه، رئيس المهرجان. محمد حفظي هو مديره الفني. الأخير شاب هادئ في اواخر الثلاثينات، طموح وقدير، كتب سيناريوات لأفلام مصرية عدة وانتج بعضها الآخر. خطفه شغفه بالشاشة من بزنس العائلة الذي لا يزال يهتم به اياماً عدة في الاسبوع، فافتتح شركة انتاج في رصيدها اخيراً أفلام، كـ"فرش وغطا" لأحمد عبدالله و"فيللا 69" لأيتن أمين. يمثل حفظي تيار السينما المستقلة داخل الحكومة، وفق تعبيره. بيد ان له صلاحيات محدودة في بلد متجذر الى حدّ كبير في ثقافة محافظة تملك مناعة امام الانقلابات الكبيرة، وإن صاغت هذه الثقافة قديماً ذائقة العرب الموسيقية والسينمائية والأدبية.

التجديد ممكن ولكن ضمن حدود معينة، لذا جيء بفريق لا يعمل وفق الاساليب التقليدية البليدة كما في المهرجانات العربية ذات التنظيم المرتبط بالدولة، بل يعتمد على العلاقات العامة. فالمهرجانات اليوم باتت صناعة، تسويقها فنٌّ في ذاته. لا يمكن قلب الطاولة فجأة ونسف التقاليد التي قامت عليها المهرجانات المصرية. كان يكفي على سبيل المثال متابعة حفل الافتتاح ليدرك الواحد منا مدى الكيتش الذي يفرزه هذا النوع من المهرجانات التي لم تتصالح بعد مع الزمن الراهن: خطب رنانة، ألحان رعناء، فوضى عارمة غير خلاقة. لحظة وصول المحافظ اللواء احمد القصاص، احدثت فوضى كبيرة، فتداخلت الاشياء. كان على ضيوف المهرجان أن يتمسكوا بطول الاناة كي يتحملوا الكلمات الرسمية الطويلة التي ألقاها موظفون حكوميون حملوا كلامهم الخشبي الى المنصة، مزايدين بعضهم على البعض الآخر في عشقهم للسيسي. "لا بأس"، يقول صحافي يواكب هذا المهرجان منذ سنوات طويلة، يوم كان يقام في القرية الاولمبية، ثم يتابع: "فالحدث (انتخاب السيسي) فرض نفسه على المهرجان. نحن أمام ظرف استثنائي". والحق ان معطيات كثيرة تبلورت بشكل دراماتيكي في الأشهر الـ12 الماضية. عندما كان المهرجان يرفع الستارة عن الدورة السادسة عشرة في السنة الماضية، كان الرئيس مرسي لا يزال في الحكم، والفريق عبد الفتاح بالكاد اسمٌ مألوف. "تجري الأمور بسرعة في هذا العصر"، يقول محمد حفظي في كلمته التمهيدية المنشورة في كاتالوغ المهرجان. لكن السرعة تلك لا تنسحب قطعاً على كل الميادين.

حتى غياب محمد ملص عن المهرجان لم يعكر صفو الاهازيج. فالمخرج السوري الذي كان من المفترض ان يترأس لجنة التحكيم مُنع من دخول مصر، علماً انه كان زارها قبل اسابيع من انعقاد "الاسماعيلية" في اطار تكريمه. رفضت السلطات المصرية منحه تأشيرة دخول، حتى بعد تدخل وزارة الثقافة والمركز القومي للسينما. سلوك كهذا جعل مخرجاً مخضرماً تحدثتُ معه يعبّر عن خوفه على مستقبل الحريات في مصر. بعض الكلمات الخجولة ألقيت في قضية ملص خلال الافتتاح، صدر بيان استنكار يرفض عودة أساليب المنع القديمة وتقييد الحريات تحت أي ذريعة، ولكن لا شيء اكثر من ذلك، فالزمن زمن الفرحة التي يجب الا تفسدها حادثة. الوحدة العربية بين سوريا ومصر صارت أشبه بورقة توت تسقط فجأة ليظهر العري. انه زمن التغيير في مصر، حتى مهرجان القاهرة يعود في تشرين الثاني بحلة مستحدثة وادارة جديدة بقيادة الناقد سمير فريد، بيد ان هذا التغيير لا يشمل العادات القديمة. تيمناً بحليمة ربما!

على الرغم من الاحتفالات التي رافقت اعلان السيسي رئيساً ثم تنصيبه، فالكآبة كانت ملموسة في الاسماعيلية، وبعض المناطق فيها تشبه البؤر الأمنية والمعسكرات المهجورة. الطريق التي تفضي الى عدد من الدوائر الرسمية أغلقت بدبابات يحرسها جنود على وجوههم تعب وضجر. ثمة أزقة تستحضر الفضول، تبدو كما لو انها نجت من أبوكاليبس ما، او تعرضت لزلزال. الأمن هاجس يومي هنا في الاسماعيلية خصوصاً مع وجود عدد من "الأخوان" والمتعاطفين معهم وانقسام الشارع بين "هذا معنا" و"هذا معهم". الكلاب البوليسية تفحص السيارات الداخلة الى الفندق الذي يؤوي الضيوف، خصوصاً الأجانب الذين يُستحسن الا يركبوا التاكسي والا يغامروا وحدهم في أزقة المدينة الحزينة التي لا تعرف أين تدفن روتينها. الخوف على الضيوف الاجانب كبير. ماذا لو تم خطف احدهم؟ المخابرات منتشرة في كل مكان ولا أحد يسعى الى إخفاء هويته. السلاح ظاهر. للتعويض عن حالة الحصار المعنوية (المحببة احياناً) التي يعيشها الضيف طوال ستة أيام، نُظمت رحلة سياحية الى مجرى قناة السويس. نحو من 100 شخص صعدوا في عبّارة للقيام بجولة على طول القناة. صدح صوت القبطان معدداً مزايا القناة، رمز العزة المصرية، التي تدر نحو خمسة مليارات دولار اميركي سنوياً. "لسوء الحظ، هذه منطقة لا يُسمح فيها بالتصوير"، يقول مخرج صاعد، قبل أن يشرح لي أن أسباب هذا المنع متأتية من خشية التجسس. سحقاً، انه ستوديو خلاّب لتصوير أفلام عن حرب تشرين، الجانر السينمائي الذي يريد السيسي انعاشه.

هل هذه الأجواء المضطربة هي التي أثّرت سلباً في الاقبال الجماهيري الضعيف على المهرجان؟ ليس هذا رأي محمد حفظي الذي يرى ان الجمهور زاد مقارنة بالدورة الماضية. مع ذلك، الصالات لا تمتلئ. المجمع السينمائي ذو الصالتين الذي يحتضن المهرجان يعرض على مدار السنة الأفلام المصرية الهابطة، قبل ان يرتدي زي المثقف في مثل هذا الوقت من كل عام لاستقبال "الاسماعيلية". فلا جمهور حقيقياً للسينما المختلفة في هذه المدينة، ومعظم مَن يرتادون عروض المهرجان هم ضيوف جاؤوا من بعيد إما ليعرضوا أفلامهم وإما للمشاركة في منتدى الانتاج المشترك الذي ينظمه المهرجان للمرة الاولى. لم تكن الشروط التقنية للعروض في الصالة المذكورة على قدر عال من الجودة، لا صوتاً ولا صورة. المهرجان يشكل فسحة فنية للعديد من الشباب الطامحين لصناعة السينما في مصر ويضعهم في مواجهة سينمات من بلدان غربية كثيرة. فيلم الافتتاح "عن يهود مصر 2: نهاية رحلة" لأمير رمسيس، يعبّر عن الاتجاه العام للمهرجان الذي يسعى الى كشف المستور و"حركشة" وكر الدبابير، ولكن بهدوء. للمناسبة، الهدوء هو سمة المرحلة على ما يبدو، عساه لا يكون هدوءاً قبل العاصفة.

قدّم المهرجان الذي يعمل الى الآن بموازنة لا تتخطى الربع مليون دولار، نحو خمسين فيلماً في اربع مسابقات رسمية، خلاصة 900 فيلم ارسلت الى لجنة الاختيارات برئاسة الناقد السينمائي الشاب أحمد شوقي. الفرق الكبير بين الماضي والحاضر هو ان المهرجان لم يعد يكتفي باختيار ما يُرسَل له، بل يبحث عن المستجد والمثير في المهرجانات الدولية. يخطئ مَن يظن ان الأفلام كل شيء في الاسماعيلية خلال الايام الستة. هناك التجمعات التي تتكون مساء في حديقة الفندق ذات العشب الأخضر الذي يمنحك الاحساس بأنك في منتجع سياحي بعيد من كل همّ. تطل الحديقة على البحيرة وعلى جزء من قناة السويس حيث البواخر التي تبحر في مياه ملوثة غير صالحة للسباحة. في هذه الحديقة، يتشارك الناس أفكارا، بين مشاريع سينمائية قيد التمويل، ونقاشات سياسية عن الجوانب الثقافية في شخصية السيسي. "لم يكن يحب السينما في صباه"، يقول ناقد لآخر مفنّداً حجة محاروه في الدفاع عن "الريس" الجديد. لن يتأخر الرد: "بين السيسي الذي لا يحب السينما ومرسي الذي يكرهها، خياري محسوم"، يقول الثاني، مؤكداً بكلامه هذا ان المواطنين في الديموقراطيات الحديثة لا ينتخبون حباً بشخص ما بل كرهاً بخصمه. هذا النوع من النقاشات يثير الفضول في نفس المرء، فيذهب مبحراً على "غوغل" ليكتشف ان الصحافة المصرية لم تتوان عن الاضاءة على هذا الجانب من حياة "الريس"، إذ كشف علي حصان في حوار لبرنامج "باختصار"، وهو صديق الطفولة للسيسي وجاره في منطقة الجمالية، أن الرئيس المنتخب لم يكن يرتاد قطّ الصالات المظلمة، ويعتبرها هي و"الكورة" من المهن الفاشلة.

في اجتماع مع وفد من الفنانين في مقدمهم عادل أمام وفاتن حمامة جرى قبل نحو شهر، كان السيسي أدلى بتصريحات حول الفن عموماً والسينما خصوصاً، تنم عن فهم دعائي لهما. فقال مثلاً أن للفنّ دوراً كبيراً فى تحسين الحالة التي يعيشها المجتمع المصري راهناً، معتبراً اياه "حائط الصد أمام التطرف والتشدد". في رأيه ان الأمم المتقدمة تحاول تسويق صورتها الخارجية، وتصدّر من خلال الفنّ والرسالة الإعلامية الهادفة صورتها إلى مختلف دول العالم، حيث يتم صوغ تلك الرسائل بعناية كبيرة. في ظلّ هذا الجو المفعم بالأمل والقلق والاحلام والوعود، يفضي النقاش في الأفلام الى مناطق أقل خلافية من النقاش في السياسة. أمّا ما يخفيه المستقبل، فلا سينمائي او أديب أو فيلسوف لديه القدرة على تخيله!

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

12.06.2014

 
 

 أمير رمسيس يفكّ الحصار عن يهود مصر

أحمد شوقي 

سيدتان متقدمتان في العمر، تسيران وسط المقابر، تحمل كل منهما جسدا أو أكثر لمصريين يهود، عاشوا في مصر وماتوا ودفنوا في أرضها. السيدتان هما الشقيقتان ماجدة ونادية شحاتة هارون، اللتان نعرف من الفيلم أنهما- رغم عمرهما- الأصغر سنًا بين آخر 12 سيدة يهودية، قبل أن نعرف لاحقا أن إحداهما توفيت، وأن الرقم سيستمر في التناقص حتى يبلغ الصفر، لنصل إلى الخروج الأخير ليهود مصر من وطنهم.

المشهد السابق يحمل مفاتيح قراءة فيلم "عن يهود مصر 2: نهاية رحلة" للمخرج أمير رمسيس، الذي أقيم عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة مهرجان الإسماعيلية الدولي السابع عشر للأفلام التسجيلية والقصيرة. عنوانه يحمل دلالة مزدوجة، فهو من جهة نهاية رحلة مخرجه مع ملف يهود مصر، الذين تناول تاريخهم في فيلمه السابق قبل عامين، قبل أن يستكمل رحلته في الفيلم الجديد. ومن جهة أخرى يجسد العنوان مأساة الطائفة اليهودية المصرية، التي صار انقراضها مسألة وقت.

وإذا كان الجزء الأول اتسم بالمعلوماتية الواضحة، وتقديم أكبر قدر ممكن من الحقائق التاريخية حول يهود مصر ودورهم في الحركة الوطنية، وتصاعد حدة خلاف الدولة معهم، وصولا إلى تضييق الخناق على الطائفة بالكامل في محاولة لدفع أبنائها للهجرة بلا عودة، فإن الجزء الثاني انطلق من هذه الخلفية إلى حيز أكثر دفئًا: المشاعر الإنسانية، وضيق الصدر الذي يعانيه مواطنون مصريون، تارة بسبب حياتهم المنقوصة المواطنة داخل أوطانهم، وطوراً لإدراكهم أن وفاة آخرهم ستكون يوم اختفاء طائفتهم بالكامل من مصر.

في المشهد المذكور مفاتيح قراءة الفيلم فكريا: هول فكرة انتظار النهاية، وكذلك قراءته بصريا: المقابلة بين التاريخ الطويل المحفور في المكان، والحاضر الهزيل المقتصر على أشخاص مهما بلغت درجة ذكائهم وخفة ظلهم وحضورهم أمام الكاميرا، فهو في النهاية حضور بطعم الرحيل، لطائفة كان لأبنائها تاريخ طويل، بعضه إيجابي وبعضه سلبي بالطبع، ولكنه في النهاية تاريخ مملوك لهذا البلد، لا يصح أن يظل مسكوتاً عنه أكثر من ذلك.

أمير رمسيس اخترق الحصار المفروض حول المعابد اليهودية المصرية، الذي لم يستطع هو نفسه أن يخترقه في الجزء الأول، ليتغير الوضع بعد عرض الفيلم السابق والانطباعات الإيجابية تجاهه وتجاه الطائفة، فسُمح للكاميرا أخيرا بدخول المعابد، ورصد طرزها المعمارية النادرة، وأسفارها الأثرية، لنشاهد للمرة الاولى أماكن يمر بعضنا أمامها يومياً، من دون أن تتاح له فرصة الاطلاع على ثرائها البصري والتاريخي.

تجربة عرض الفيلم في افتتاح المهرجان تثبت ما هو أبعد من جودة الفيلم الفنية والبصرية، وأقصد القدرة على الوصول للجمهور وإحداث فارق في وعيه. أخص هذا العرض تحديداً لأن طبيعة المهرجان تفرض حضور عدد كبير من مواطني الإسماعيلية وموظفي المحافظة والعائلات، وهي نوعية من الجمهور لم تشاهد الفيلم الأول ولا تعرف الكثير عن يهود مصر، وربما لو سألت أحدهم قبل الفيلم، لهاجم اليهود المصريين واتهمهم بالتهم المعتادة.

أن يشاهد هذا الجمهور فيلماً لا تتجاوز مدته الساعة، فيخرج منه ليلتفّ حول السيدة ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية المصرية، فقط للتعرف إليها والتقاط الصور معها، لدليل واضح على أن الفيلم لو تمكن من الوصول إلى الجمهور الحقيقي الذي ينبغي أن يُشاهده - وليس جمهور المثقفين المُعتاد - فسيكون قادراً على إحداث فارق في فكرته عن الاختلاف وتقبُل الآخر.

هذا التقبل المرجو لن يفرق كثيراً مع آخر اليهوديات المصريات، اللواتي عشن حياتهن كاملة ويترقبن وقت الرحيل، لكنه سيفرق مع العديد من أصحاب الديانات والأفكار والاتجاهات المغايرة للسائد، الذين يعانون يومياً من مجتمع يعادي الاختلاف، ويلفظ كل من لا يشبه التصورات المسبقة.

() ناقد سينمائي مصري

النهار اللبنانية في

12.06.2014

 
 

الفيلمان الفائزان تجاوزا العادية في مهرجان الإسماعيلية

نديم جرجوره (الإسماعيلية) 

تردّد في أروقة «فندق ميركور جزيرة الفرسان» في الإسماعيلية، مراراً، تعبير يُلخّص أحوال الأفلام المُشاركة في الدورة الـ17 (3 ـ 8 حزيران 2014) لـ«مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة». تعبيرٌ يعكس بعض المشهد العام، ويقول شيئاً من المناخ السينمائي المتعلّق بالعروض: «غالبية الأفلام المُشاركة في المسابقات الأساسية لم تكن أكثر من عادية». «الغلبة للعادي»، تعبيرٌ آخر لا ينفي، هو وسابقه، حقيقة أن أفلاماً عديدة تُشكّل الجانب المضيء لمهرجان يواجه تحدّيات الخروج من قبضة السلطة الثقافية الرسمية، لتأسيس هيكلية مستقلّة.

هذا الخروج ليس مجرّد حلم، بقدر ما يُراد له أن يكون واقعاً. يريد سينمائيون ونقّاد أمراً كهذا. يريدونه للمهرجانات السينمائية كلّها (وغير السينمائية أيضاً) المُقامة في مدن مصرية عديدة. لكن الإصلاح المطلوب لا يزال عصّياً عن التحقّق. التغيير والتجديد والتطوير أمور بعيدة المنال، في بلد لا يزال قابعاً في عمق التبدّلات الداخلية الخطرة، وفي مهبّ انقلابات داخلية مدوّية. «الاستقرار» الذي يشعر مصريون كثيرون بأنه سيعمّ بلدهم وأنماط عيشهم منذ 9 حزيران 2014، اليوم التالي لـ«تنصيب» المُشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لـ«جمهورية مصر العربية»، لن ينتشر في البلد بسهولة. الإصلاح الجذري محتاج إلى هدوء اجتماعي ـ اقتصادي، واستقرار سياسي ـ أمني. الواقع الجديد محمَّلٌ بالتباسات جمّة ومخيفة. خروج مهرجان الإسماعيلية من إطار السلطة الرسمية («المركز القومي للسينما»، التابع لوزارة الثقافة المصرية، لا يزال المُشرف الأول والأساسي عليه) محتاجٌ إلى معجزة تتمثّل بقناعة ذاتية بأولوية تحرير الثقافة ونتاجاتها ومؤسّساتها من سطوة الدولة وأجهزتها الحكومية. في بلد كمصر، هذا أمر مستحيل. الدولة قابضة على مرافق الحياة اليومية كلّها، وعلى مثقفين وفنانين كثيرين. هذا لا يُلغي جهود أناس يواجهون الراهن، لأنهم يرون فيه استعادة لنظام أسقطوا رأسه في 18 يوماً، ولم يستطيعوا لا إسقاطه هو، ولا استبداله بنظام عصري وحديث ومنفتح.

بعيداً عن هذا كلّه (المُحتاج أصلاً إلى قراءة خاصّة به)، كانت غالبية الأفلام المُشاركة في الدورة الـ17 لمهرجان الإسماعيلية عادية، أو أقلّ من عادية. الندرة حكرٌ على أفلام ذات قيم سينمائية متماسكة في اشتغالاتها المتنوّعة. الفيلمان الفائزان بجائزتي أفضل فيلم ولجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة دليلٌ على قدرة الصورة الوثائقية في الذهاب بعيداً في إبداع السينما. «موج» للمصري أحمد نور (أفضل فيلم) مزيج بصري متناسق بين الذاتي الحميمي والعام. أنواع سينمائية متفرّقة متجاورة في صوغ حكاية أبناء السويس، المنطقة التي شهدت «أول شرارة» في «ثورة 25 يناير». التحريك جزءٌ من آلية سرد الحكايات. التوثيق أيضاً. البناء المتخيّل لذاكرة وراهن ومخفيّ في ماضي أهل وأقارب و«معارف». أحمد نور مهموم بتحويل الصورة الوثائقية إلى وثيقة سينمائية لا تكتفي بالحكايات، لأنها معنية بالصورة. هناك ما يُشبه هذا التداخل السينمائي بين الذاتي الحميمي والعام في «حبيبي بيستناني عند البحر» للأردنية ميس دروزة (لجنة التحكيم). الذاتي نواة حبكة درامية مشغولة بهمّ وثائقي. المتخيّل لعبة تستكمل التوثيق لحماية حضوره من الوقوع في قبضة التسجيل. الحب في مقابل البلد (فلسطين المحتلّة) والذاكرة والراهن. أو بالأحرى: الحب والبلد والذاكرة والراهن معاً. الذهاب إلى البلد الأصلي للمرّة الأولى ممتلئ بكمّ هائل من الانفعالات والتفاصيل. الصورة كفيلة، إلى حدّ كبير، في اختزالها والبوح بمكنوناتها، أو ببعض هذه المكنونات.

لم ينل «أرق» للّبنانية ديالا قشمر (المُشارك في المسابقة نفسها) أية جائزة. التوغّل في أعماق بيئة إنسانية ذات روافد سياسية ومذهبية وثقافية لبنانية محدّدة، أثار نوعاً من حذر أو رفض من قِبل صحافيين عديدين. مع هذا، عُرض الفيلم، وشاهده ضيوفٌ ومدعوون، ونوقش ولو بطريقة «عدائية» مبطّنة. أحد الزملاء المصريين وجد فيه شبهاً كبيراً بحالات إنسانية حاضرة في مصر، أو يُمكن أن تحضر في مجتمعات عربية أخرى. بالنسبة إليه، «أرق» نموذج لسينما وثائقية عربية تجديدية، وإن احتاج إلى بعض الصقل.

السفير اللبنانية في

12.06.2014

 
 

جوائز بالجملة ومحمد ملص ممنوع من مصر!

القاهرة – نيرمين سامي 

بعد خمسة أيام على استضافة مدينة الإسماعيلية للدورة الـ17 من مهرجانها الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، أسدل الستار على فعالياته بحضور العديد من النجوم والسينمائيين من حول العالم، و ذلك عبر توزيع الجوائز على صناع الأفلام الفائزة، في وجود السينمائي كمال عبد العزيز رئيس المهرجان ورئيس المركز القومي للسينما، والسيناريست والمنتج محمد حفظي مدير المهرجان. ومع نهاية أيام الإسماعيلية السينمائية، تم تكريم المخرج المصري على الغزولي عن مجمل أعماله التي ساهمت في تطوير السينما التسجيلية في مصر، وأيضاً تم تكريم المخرج السوري الكبير محمد ملص، وتسلمت الجائزة بالنيابة عنه الصحافية السورية لمى طيارة. وقد استنكر سينمائيون مصريون منْعَ السلطات المصرية المخرج ملص من دخول البلاد، حيث كان مُعلناً أنه سيتولى رئاسة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية في المهرجان، إضافة إلى تكريمه وعرض فيلميه «المنام»، و«فوق الرمل.. تحت الشمس».

وقال السينمائيون في بيان إنهم: «ينددون بقرار السلطات منع المخرج السوري الكبير محمد ملص من دخول مصر لأسباب غير معلنة، على رغم اختياره رئيساً للجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية في المهرجان الذي تقيمه وزارة الثقافة». وتابع البيان أن الموقعين يرفضون «عودة أساليب المنع وتقييد الحريات تحت أي دعاوى ومبررات». ومن الموقعين على البيان المخرجون مجدي أحمد على، فيولا شفيق، أحمد فوزي صالح، تهاني راشد وماجي مرجان، ومن النقاد محمد الرفاعي، محسن ويفي، سمير فريد ومجدي الطيب.

من جهة أخرى، أكد محمد حفظي المنتج ومدير المهرجان، أن من أبرز مميزات هذه الدورة كان حضور الجمهور إلى قاعات العرض وانتظام الندوات وقوة برنامج المسابقات ومشاريع سوق الإنتاج المشترك، معتبراً أن معايير نجاح أي مهرجان هي اختيار الأفلام وانضباط العروض والتنظيم والتغطية الإعلامية ومشاركة الجمهور.

وعند إعلان النتائج، فاز الفيلم المصري «موج»، بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل في المهرجان، ونال فيلمان من بولندا جائزتي أفضل عمل تسجيلي قصير وروائي قصير. «موج» الذي أخرجه المصري أحمد نور يقدم جانباً مما جرى في مدينة السويس خلال أحداث يناير 2011، حيث كانت السويس «الشرارة الأولى التي أشعلت الثورة». وفاز بجائزة لجنة التحكيم الفيلم التسجيلي الطويل «حبيبي يستناني عند البحر» للفلسطينية ميس دروزة، والفيلم إنتاج فلسطيني- أردني– قطري- ألماني مشترك. وعرض المهرجان 60 فيلماً منها 48 فيلماً تنافست في أربعة أقسام، هي التسجيلي الطويل والتسجيلي القصير والروائي القصير وأفلام الرسوم المتحركة. وينال مخرج أفضل فيلم في كل قسم ثلاثة آلاف دولار، أما مخرج الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم، فيحصل على 2000 دولار. وفاز بجائزة أفضل عمل تسجيلي قصير الفيلم البولندي «جوانا» من إخراج أنيتا كوباتش. وفي المسابقة نفسها، فاز الفيلم الإسباني «زيلا تروفك» إخراج آسيير ألتونا بجائزة لجنة التحكيم. وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة فاز الفيلم البولندي «فلورا وفاونا» من إخراج بيوتر ليتفين بجائزة أفضل عمل، في حين نال جائزة لجنة التحكيم الفيلم المصري «ألف رحمة ونور» لدينا عبد السلام. وفي مسابقة أفلام الرسوم المتحركة فاز الفيلم السويسري «الكشك» من إخراج أنيت ميليس بجائزة أفضل فيلم وذهبت جائزة لجنة التحكيم للفيلم الفنلندي «الكعب العالي عالي» إخراج كريستر لندستروم.

وقبل يوم من انتهاء الدورة الـ17 للمهرجان، اختتم منتدى الإسماعيلية للإنتاج العربي المشترك فعاليات دورته الثانية، وذلك بالإعلان عن مشاريع الأفلام الفائزة بجوائز، ومنح التمويل من بين عشرة مشاريع تسجيلية شاركت بالدورة الثانية من المنتدى. وفاز بجائزة مرحلة ما بعد الإنتاج مشروع فيلم الأسماك تُقتل مرتين» للمخرج المصري أحمد فوزي صالح بقيمة 15 ألف دولار مقدمة كخدمات من شركة أروما، ويتابع الفيلم قصة شابين يعشقان كرة القدم تم اتهامهما بالاشتراك في قتل جمهور فريق الأهلي في ملعب بورسعيد، وقد حُكم عليهما بالإعدام، وتبدو حياة كل منهما طبيعية على السطح، لكن بخدش هذا السطح يتضح أن لا شيء طبيعياً. كما فاز بجائزة مرحلتي التطوير والإنتاج مشروع فيلم «حروب ميغيل» للمخرجة اللبنانية إليان الراهب، وتبلغ قيمة الجائزة 5 آلاف دولار مقدمة من شركة أروما، وتدور قصة الفيلم حول رحلة ميغيل المليئة بتحديات الذات، وبحثه عن الحب الحقيقي. وذهبت جائزة سين للمونتاج إلى مشروع فيلم «الرقص مع الرصاصة» للمخرج العراقي ضياء خالد جودة، ونال مشروع فيلم «الرجل خلف الميكروفون» للمخرجة كلير بلحسين جائزة بقيمة 5 آلاف دولار مقدمة من هشام الغانم مدير العمليات في شركة السينما الكويتية باسم المركز القومي للسينما الكويتية وشركته. وقد تكونت لجنة تحكيم مشاريع منتدى الإسماعيلية من المخرجة التسجيلية المصرية تهاني راشد، المخرج والمنتج جاد أبي خليل.

منتدى الإسماعيلية للإنتاج العربي المشترك هو الأول من نوعه الذي يتخصص في الأفلام التسجيلية وحدها، حيث يتيح فرصاً لصناع الأفلام التسجيلية لإجراء المقابلات مع الخبراء، وكلاء المبيعات والممولين.

الحياة اللندنية في

13.06.2014

 
 

«مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية»

فوضى وسوء تنظيم واتهامات بالجملة 

كتب الخبرروميساء إبراهيم 

اختتمت فعاليات الدورة السابعة عشرة من «مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية» (3 -8 يونيو) التي شهدت عرض حوالي 60 فيلماً عربياً وأجنبياً، إلا أنها شهدت، أيضاً، هفوات وأخطاء شملت سوء التنظيم وأثارت استياء الصحافيين والنقاد.

فاز «موج» للمصري أحمد نور بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل، «حبيبي يستناني عند البحر» للفلسطينية ميس دروزة (إنتاج فلسطيني- أردني- قطري- ألماني مشترك) بجائزة لجنة تحكيم الفيلم التسجيلي الطويل، الفيلم البولندي «جوانا» إخراج أنيتا كوباتش بجائزة أفضل عمل تسجيلي قصير، والفيلم الإسباني «زيلا تروفك» إخراج آسيير ألتونا بجائزة لجنة التحكيم في المسابقة نفسها.

وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة فاز الفيلم البولندي «فلورا وفاونا» إخراج بيوتر ليتفين بجائزة أفضل عمل، في حين نال الفيلم المصري «ألف رحمة ونور» لدينا عبد السلام بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وفي مسابقة أفلام الرسوم المتحركة فاز الفيلم السويسري {الكشك} إخراج أنيت ميليس بجائزة أفضل فيلم، وذهبت جائزة لجنة التحكيم للفيلم الفنلندي {الكعب العالي عالي} إخراج كريستر لندستر.

فاز مشروع فيلم {الأسماك تُقتل مرتين} للمخرج المصري أحمد فوزي صالح بجائزة مرحلة ما بعد الإنتاج  وقيمتها 15 ألف دولار مقدمة كخدمات من شركة أروما. كذلك فاز مشروع فيلم {حروب ميغيل} للمخرجة اللبنانية إليان الراهب، بجائزة مرحلتي التطوير والإنتاج، وتبلغ قيمتها 5 آلاف دولار مقدمة من شركة أروما، تدور القصة حول رحلة ميغيل، المليئة بتحديات الذات، وبحثه عن الحب الحقيقي.

جدل وانتقادات

عكس دورات المهرجان السابقة التي كانت تمر في هدوء ومن دون انتقادات، جاءت هذه الدورة مثيرة للجدل،  بسبب سوء التنظيم الذي بدأ، منذ اللحظة الأولى، بتأخر أوتوبيس نقل الصحافيين من القاهرة إلى الإسماعيلية 6 ساعات كاملة، ثم بتخصيص أماكن غير لائقة لبعض الصحافيين، في حين  نزلت إدارة المهرجان وبعض الضيوف في فنادق خمس نجوم، ما أثار استياء  الصحافيين، خصوصاً  أنهم لم يتمكنوا من القيام بعملهم بشكل جيد لبعدهم عن المقر الرئيس للمهرجان، وعدم توافر وسائل انتقال إلى أماكن الفعاليات.

في هذا السياق اعتبر رئيس المهرجان كمال عبد العزيز، رئيس المركز القومي للسينما، أن موازنة المهرجان لم تكفِ لينزل الجميع في الفندق نفسه مع الضيوف، ذلك أن وزارة الثقافة منحته موازنة أقل من السنوات السابقة ما أثر على مستوى المهرجان، مؤكداً أنه بقي متردداً في إقامة المهرجان، حتى اللحظة الأخيرة، بسبب الموازنة  الضعيفة، لذا اضطر إلى اختيار أماكن مختلفة للإقامة فيها.  حول تنظيم حفلات ليلية مغلقة لضيوف المهرجان، منع الصحافيون من دخولها، لعدم تسريب أي صور لوسائل الإعلام، وقيل إنها كلفت أموالا باهظة، نفى عبد العزيز ذلك موضحاً أنها كانت حفلات بسيطة وغير مكلفة، لكنها كانت مهمة للترحيب بالضيوف، ومشيراً إلى أن المهرجانات في العالم  تنظم حفلات ترحب بالضيوف، يقتصر حضورها على البعض وليس الكل، لأن المهم، من وجهة نظره، هم الضيوف، ولا بد من الترحيب بهم بشكل جيد، عازياً السبب في عدم توجيه الدعوة للجميع إلى ضعف الإمكانات المادية.  

سوء تنظيم

اشتكى ضيوف المهرجان من  التضارب وعدم التنظيم في عرض الأفلام، إذ عرض أكثر من فيلم مهم في التوقيت نفسه، وأقيمت ندوات مهمة عدة في الوقت ذاته أيضاً، ما  جعل الحاضرين يختارون بين مشاهدة الأفلام أو حضور الندوات، وحرم النقاد والصحافيون والمتابعون من مشاهدة أفلام مهمة، يضاف إلى ذلك أن أفلاماً كثيرة عرضت في مهرجانات عالمية قبل مشاركتها في مهرجان الإسماعيلية، ما يتنافى مع أهمية المهرجان الدولي الوحيد للأفلام التسجيلية في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن خلو معظم ندوات المهرجان من الجمهور أو الصحافيين، لمناقشة صناع الأفلام في إبداعاتهم، وهو ما أكده مروان عمارة مخرج فيلم {قص}.

من المشاكل التي واجهت الصحافيين والجمهور المعلومات الخاطئة عن الأفلام  الواردة في كتيب وزع عليهم،  مثل معلومات فيلم {الوحدة { للمخرج أشرف مهدي، علاوة على عدم وجود ترجمة لبعض الأفلام الأجنبية مثل الفيلم الألماني {فخر} للمخرج بافل فيسناكوف.

  وفي ختام المهرجان عُلقت لافتة بموعد تحرك الأوتوبيسات للعودة إلى القاهرة، ولقاء المحافظ الذي سينتهي في منتصف الليل، ما يعني وصول الصحافيين في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي على الأقل، ما دفع كثراً إلى الانسحاب من المشاركة في فعاليات الختام، فاضطر المنظمون إلى تغيير موعد تحرك الأوتوبيسات إلى اليوم الثاني، رغم رفضهم ذلك في البداية بحجة وجود مشكلة في التعاقد مع الشركة السياحية المتعهدة بخدمات النقل. وفي النهاية أكد كمال عبد العزيز، أن كل مهرجان لا بد أن  تشوبه بعض الأخطاء.

الجريدة الكويتية في

13.06.2014

 
 

فجر يوم جديد: {أم أميرة

كتب الخبرمجدي الطيب 

في الدورة السابعة عشرة لـ {مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة} (3 – 8 يونيو 2014) شاهدت العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط للفيلم التسجيلي القصير {أم أميرة} (24 دقيقة /2013)، إخراج ناجي إسماعيل، وتعاطفت مع هذه السيدة المكافحة التي لم تكسرها الهموم، و بروح {الأم شجاعة} واجهت بطلة مسرحية الكاتب الألماني المعروف بيرتولد بريخت (10 فبراير 1898 – 14 أغسطس 1956) قسوة الحياة، والزمن الصعب، ولم تتخل يوماً عن ثقتها بنفسها، مثلما لم تنجح في مداراة سحابة الحزن التي تلف وجهها البشوش!
{
أم أميرة}، بائعة تخصصت في بيع شرائح {البطاطا المقلية} على مقربة من مقهى شهير في وسط العاصمة المصرية، وتمضي نصف نهارها في الإعداد لعملها الذي يبدأ مع ساعات الفجر، وتتعرض لمطاردات وتحرشات شرطة المرافق، التي تُفرج عنها بعد سداد الغرامة أو في حال تعاطف أحد الضباط معها، لكنها تؤمن أن ما تمر به من متاعب لا يُعد شيئاً مقارنة بأزمة زوجها، الذي اعتلت صحته فما كان من الشركة التي يعمل فيها سوى أن طردته، تطبيقاً لسياسة الخصخصة، واكتفت بأن تمنحه مكافأة هزيلة، ومصيبتها في ابنتها {أميرة} المصابة بمرض خطير في القلب فشلت كل محاولات علاجه، ومع هذا ما زال الأمل يراودها في شفاء فلذة كبدها!

جاء اختيار المخرج ناجي إسماعيل لمقطع {يا حبيبي تعالى ألحقني شوف اللي جرالي} من أغنية المطربة أسمهان ليلخص مأساة {أم أميرة}، وهو النهج الذي تكرر مع مقطع {ثم أصغي والحب في مقلتينا} من أغنية {هذه ليلتي} لأم كلثوم، التي كثفت الحالة الوجدانية لامرأة تكنّ مشاعر دافئة للجميع، وتتعامل بروح محبة طوال الوقت، رغم الأهوال اليومية التي تواجهها، فهي التي تجر وترفع وتُركّب {أنبوبة البوتاغاز}، وتقشّر كميات ضخمة من البطاطا، وتتفاوض مع تاجر الجملة، وتحمل ابنتها المريضة على كتفيها إلى عيادة الطبيب، بمعنى أنها امرأة بألف رجل، ومثلما تملك سمعة طيبة كبائعة تختار أجود أنواع البطاطا، وتأبى أن تبيع زبائنها شرائح مجمدة، وتقاتل بشراسة لتوفر لابنتها نفقات العلاج من دون أن تريق ماء وجهها!

قد يستغرب المرء أن يجد شيئاً من الطرافة في ظل مأساة أطلت برأسها مع أول ظهور لـ {أم أميرة}، لكن عندما نعلم أن آلام المخاض هاجمت الأم في القطار، وأنها أنجبت ابنتها {أميرة} فور وصولها إلى محطة {الجيزة}، فمن المؤكد أن الابتسامة ستتسلل إلى الوجه، غير أن الأمر لن يدوم طويلاً لأن المتابع للفيلم سيفاجأ بأن الموت غيّب {أميرة} بعد لقطة عامة للقاهرة، لا ندري إذا كان المخرج استعان بها ليُحمّل أهلها المسؤولية أم يناهض صمتها وتخاذلها!

ماتت {أميرة}، واختزل المخرج الشاب الموقف برمته في لقطة عامة للسطوح، الذي تسكنه  {أم أميرة} وعائلتها، وقد امتلأ بالجلابيب  السوداء، في إيحاء بموت الفتاة، لكن هذه البلاغة السينمائية، في الاعتماد على الصورة وحدها، تراجعت كثيراً مع عودة {أم أميرة} إلى العمل مع أذان الفجر، وبدلاً من القطع عليها، بظهور عناوين النهاية مباشرة، يقع المخرج، والفيلم، في دائرة الثرثرة والتطويل؛ إذ نرى  المرأة وهي تقلي الشرائح في إناء الزيت المغلي، وتلبي طلبات الزبائن بالوجه البشوش نفسه، لكن المشهد فقد معناه، بعدما تخطى نقطة الذروة، وبدا خارج السياق تماماً؛ إذ كان يكفي  أن نراها في مكان عملها، بينما يتردد صوت أذان الفجر، لنعرف أن {أم أميرة} أيقنت أن الحياة لا بد من أن تستمر، وأنها مُطالبة بأن تتجاوز أحزانها، ووقتها كانت البلاغة ستكتمل، والثرثرة ستختفي، وهو ما لم يفعله المخرج لسبب أجهله، وفي نهج مغاير لكل ما حرص عليه طوال مدة الفيلم، الذي اكتسب أهميته من موضوعه، أو بالأحرى مأساة بطلته، ولم نلمح فيه البصمة الإبداعية التي تضع أيدينا على الموهبة الفنية للمخرج!

غياب اللمسة الإبداعية السينمائية، وطغيان الموضوع، كانا سبباً، في ما أظن، في تجاهل لجنة التحكيم الدولية لمسابقة الأفلام التسجيلية في الدورة السابعة عشرة لـ {مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة}، فيلم {أم أميرة}، في حين منحه مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (act)‏، أحد المراكز الاستشارية التي تعمل في مجال حقوق المرأة وتمكينها اقتصادياً، والدفاع عن حقوقها وتوعيتها، جائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير، وتبلغ قيمتها المالية ألف دولار أميركي، ونوهت في حيثياتها إلى {نجاحه في التعبير عن قضايا المرأة وهمومها}. وفي الأحوال كافة، يستحق المخرج ناجي إسماعيل التنويه ثم الإشادة لاهتمامه بهذه المرأة، التي تمثل شريحة عريضة من المجتمع المصري، ولفرط حماسته أنتج الفيلم على نفقته الخاصة، عبر شركته {رحالة}.

الجريدة الكويتية في

13.06.2014

 
 

فيلم «موج»..

وصدقت العرافة وسقط مبارك في السويس

كتب: رامي عبد الرازق 

من بين عشرة أفلام تسجيلية طويلة شاركت ضمن مسابقات الدورة السابعة عشر لمهرجان الأسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية (3-8 يونيو) استطاع الفيلم المصري «موج» للمخرج الشاب أحمد نور أن يحصل على الجائزة الكبرى للمهرجان رغم المستوى التنافسي الشديد الذي اتسمت به المسابقات هذا العام في ظل وجود عدد من الأعمال الدولية والمحلية عالية الجودة الفنية وصاحبة الأسلوب المميز والأفكار الطازجة والتقنيات السردية والتكنيكية المتطورة.

بالنسبة لكثير من متابعي المهرجان فإن الجائزة الكبرى كانت اقتربت كثيرا من يد المخرج المكسيكي الشاب هوراشيو إلاكا الذي قدم ملحمة بصرية مغايرة عن الواقع النفسي والذهني للاعبي السيرك الحديث في فيلمه «رعي السماء» متخذًا من التسجيلية الشعرية ذات البعد التوثيقي إطارا له.

وعلى ما يبدو فإن لجنة التحكيم المكونة من المخرجة المصرية هالة لطفي والمخرج اليوناني ديميترس كوتسيبياكيس والفرنسية ماريان لير والمخرج والمنتج المصري وائل عمر شعرت أن التسجيلية الشعرية قد بسطت نفوذها على مسابقة هذا العام ولكنها على ما يبدو أيضا انحازت نحو التجارب ذات البعد الذاتي الذي حاول أن ينظر إلى العالم عبر الكاميرا ولم يعنيه أن تكون الكاميرا وسط العالم، وكأنها نفسات شعورية ومحاولات مستحيلة للإجابة عن أسئلة مراوغة تطرحها رمادية الواقع والتاريخ سواء على مستوى الماضي او الراهن.

من هنا لم يكن مستغربا أن يفوز فيلم« حبيبي بيستناني عند البحر» للمخرجة الفلسطينية الشابة ميس دروزة بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن تجربتها الذاتية في التعاطي مع واقع راهن ولحظة تاريخية ممتدة منذ أكثر من ستين عاما في محاولة للإجابة عن سؤال الهوية النفسية والتجاوز عن ألم الشتات الذي أصبح يتوالد جينيا في خلايا الأجيال الجديدة من الفلسطينين.

ومن المهم أن نشير أيضا إلى ذلك الحضور الأثيري للبحر كعنصر شعري وميتافيزيقي ونفسي في كلا الفيلمين الفائزين بالجوائز الأساسية للأفلام الطويلة «حبيبي بيستناني عند البحر» و«موج» فالبحر هنا يتجاوز الحدود المادية لكونه بيئة مكانية على المستوى الواقعي أو الجغرافي إلى كونه أرضًا روحية وخيارًا بصريًا متعدد الدلالات والتأويلات داخل بدن السرد المباشر وغير المباشر في الأفلام.

موج.. المكان والحالة

يمكن أن نقسم الفيلم إلى ثلاثة فصول أساسية رغم أن المخرج نفسه قسمه إلى خمسة أقسام ولكن على مستوى السرد الفعلي والسياقات النفسية والشعورية فإن الأقرب إلى الاستعياب هو ثلاثة وحدات شعرية وسردية يختلط فيها الخاص بالعام والواقعي بالمستقبلي الغيبي.

الفصل الأول أو الوحدة السردية الأولى تضم كل ما يخص التاريخ النفسي والاجتماعي والشعوري للمخرج والذي قام بنفسه بكتابة التعليق الصوتي وقراءته بصوته في تأصيل تقني لفكرة للأسلوب الذاتي وتأكيد على أن ما نراه هو حالة داخلية تخصه بالأساس وكل ما فعله أنه شعر برغبته في أن يشاركنا إياها فربما تمس عناصر أو أشياء مشتركة في نفوسنا وملامحنا الداخلية وذكرياتنا.

بدأ المخرج فيلمه بقوس مفتوح لطفلة صغيرة هي ابنة أخته التي ولدت قبل تنحي مبارك في 2011، وبعدها وعبر استخدام تكنيك الرسوم المتحركة قام بسرد تاريخه الخاص النفسي والشعري عبر مشاهد متتالية تستحوذ على الفصل الأول بأكلمه شكلت بالنسبة له المعادل البصري الحر متجاوزا الشكل التقليدي الذي يقدم التاريخ الخاص أو العام عبر توالي الصور الفوتغرافية أو أشرطة الفيديو المنزلية أو الجرائد.

ويبدو استخدام تكنيك الرسوم المتحركة برغم كلفته المادية على المستوى الإنتاجي شكلا سرديا يرتبط عضويا بمضمون الفصل الأول والفيلم ككل واحد، فالمخرج لا يقدم لمحات من تاريخه الخاص على مستوى الواقع المادي ولكنه يرغب في اقتناص وعرض وتفتيت لحظات تتجاوز الأحداث والأمور الحياتية رغم أنها نابعة منه ونقصد بها على سبيل المثال حكايته عن كراسة الرسم التي كانت شئ نفسي هام بالنسبة لطفولته وكيف فقدها عندما تخلصت منها أمه مع بعض «الكراكيب» أو علاقته الأثيرية بالغربان والتي سوف يشكل حضورها البصري كرسوم متحركة أو الصوتي بنعيقها المميز أحد الموتيفات السردية والشعرية الأساسية في التجربة.

لم يكن ثمة ما يمكن أن يتيح للمخرج هذا القدر من الحرية البصرية في الحكي على المستويين الشعري والمادي مثل الرسوم المتحركة، إنه يستعيد علاقته بالغربان حين كان صغيرا عبر تجسيد أحد الغربان كرتونيا وهو يلعب معه، ثمة يتحدث عن مذبحة الغربان التي جرت على يد ابطال نادي الصيد المصري وقتل فيها أكثر من 100 ألف غراب في حديقة الفرنساوي، وهي حادثة تاريخية عامة لكنها ذات دلالات شعرية خاصة وسياسية واضحة في نظرة جيل المخرج الشاب إلى الحكومة التي لا تدرك أن الغربان جزء من الهوية البصرية والسمعية والمكانية للمحافظة، ثم ينتقل إلى عملية إغلاق الشواطئ العامة والتضيقات الحكومة من خلال لوحات تقف فيها الغربان خارج البوابات وهنا يحدث التماهي والخلط المقصود بين ذات المخرج وهمومه العامة وبين عنصر الغراب في الحكي، فالغربان التي تقف خارج الأسوار ما هي إلا المخرج نفسه وسكان مدينته المحرومين من ممارسة المواطنة في أبسط صورها.

وينتقل عبر نفس السياق ليحكي عن تطور علاقته كواحد من أبناء السويس مع المدينة التي تعتبر أحد أغنى محافظات مصر وكيف تتعامل معها الحكومة كأنها ملكية خاصة وليست مكان له خصائصة الجيو-سكانية يحتوي على مواطنين لهم حقوق ومساعي وتفاصيل أدمية يجب استيفائها بحكم القانون والحضارة والمدنية.

في الفصل الثاني يكون المخرج قد أفرغ شحنة الذاتية الكبيرة التي دفعته لخوض التجربة التسجيلية في البداية، لقد تحدث عن الشوارع النفسية الخاصة حتى خرج بنا إلى ميادين العام وأصبح من الطبيعي أن ينتقل إلى الحكي عن آخرين مثله من أبناء «مدينة الغريب».

يمكن أن نطلق على الفصل الثاني فصل الأيقونات، هنا يغيب المخرج ذاتيا ويحضر الأخر الذي يبدو امتدادا للمخرج/المواطن نفسه، في لقطة بانورامية يقوم المخرج بتجميع عدد كبير من الأهالي يتحدثوا عن معاناتهم مع الواقع السويسي قبل وبعد الثورة، يبدو الشكل أكثر خبثا من الصورة الظاهرة، الأسلوبية تفصح عن تجريد متعمد رغم أنه يتحدث عن مدينة محددة وأشخاص محددين وظروف اقتصادية واجتماعية معينة، ولكن المخرج يضع الأهالي كلهم في بوتقة بصرية واحدة ويتركها تشتعل بشكواهم وحديثهم الفوضوي وتداخل أصواتهم وصرخاتهم واستغاثاتهم مما يجعلنا نشعر أنه لا يقصد أن يضع فقرة اجتماعية ليوصل شكواهم للمسؤولين داخل فيلمه وإنما هو يطلق العنان لروح الغضب والإحباط والثورة التي توجد بداخلهم مثلهم مثل الملايين من سكان المحافظات والمدن المصرية الذين بلا شك لديهم نفس الشكوى والغضب رغم اختلاف الأسباب.

وباستخدام أبسط أساليب المونتاج -وأكثرها مدرسية- يضع لقطة لدوامة كبيرة في مزج بصري مع وجوه الأهالي الصامتة والمكبوتة بالغضب، ويحكي عن الواقعة الغامضة للعرافة التي قالت لمبارك في بداية حكمه أن نهايته سوف تكون في السويس ولهذا فإنه طوال فترة حكمه لم يزورها أبدًا رغم كونها محافظة استراتيجية، وإن كانت تلك الواقعة أصبحت منتشرة خاصة بعد ثورة يناير وسبق وأن قيلت على محافظة اسوان التي ادعى البعض أن مبارك زارها مرات قليلة جدا ولم يبقى فيها يومًا كاملًا طوال فترة حكمه على الإطلاق.

وكما استعرض لنا المخرج موج الذكريات في الفصل الأول يستعرض لنا دوامة الغضب في الفصل الثاني ويتوقف بعد شكوى الأهالي عند شهداء السويس الذين كانوا أول شهداء سقطوا في ثورة يناير صانعا منهم أيقونات بصرية وكأنه لا يريد لنا أن ننساهم أبدا، حيث يبدأ بتصوير الشخصيات قبل أن تتحدث مثل ابنة أحد الشهداء أو أخيه وهم يتحدثون بشكل جماعي أو منفرد ثم يجمعهم في نهاية السياق في لقطة ثابتة طويلة كأنه يريد لنا أن نتذكرهم دائمًا أو يريد أن يؤكد على أنهم صاروا ايقونات حية يجب أن تظل عالقة في الذاكرة لا تغيب.

يطيل المخرج من زمن تلك اللقطات التي تجتمع فيها عائلات الشهداء حتى لنظن أنه يريد لنا أن نتأملهم ولا نتذكرهم فقط وهو ما يخلق تشويش إيقاعي بعض الشئ على الحالة البصرية خاصة أن اللقطة حية وليست ثابتة، أي أن الشخصيات تظل صامتة شاخصة إلى الكاميرا مما يضطر بعضهم للإتيان بفعل ميلودرامي أو نظرة حزن تبدو مفتعلة وليست تسجيلية.

في الفصل الثالث تعود ذات المخرج للظهور مرة أخرى ولكن بشكل أقل نضجا وتجريدية وعمقا من الظهور الأول، هذا فصل الأصداء الذاتية التي تأتي من هنا وهناك، تساؤلات المخرج الخاصة التي يضعها على لقطة واسعة للأفق البحري العريض بينما الكاميرا تهتز من حركة الـ«موج» الرافعة الخافضة في دلالة على شعوره بعدم الاستقرار الوجداني والذهني.

علاقته مع كابتن غزالي شاعر المقاومة ومؤسس فرقة أولاد الأرض وإحدى الأيقونات البشرية والوطنية المعروفة جدًا في التاريخ الحديث لمدينة السويس والتي بدت أقرب لمشاهد الاعترافات الكنسية على مستوى التشكيل البصري –في مكتبة كابتن غزالي وجلسته- أو على المستوى الدرامي والنفسي حيث يذهب إليه المخرج ليعترف بتشاؤمه من القادم رغم الفرحة العابرة خلال ثمانية عشر يوما من النقاء الثوري.

وينتقل إلى أصدقائه الذي يعرض لنا حفل زواج أحدهم دلالة على أن الحياة سوف تستمر وأن التشاؤم الذي يرتبط فلكلوريا بالغربان/ذات المخرج يمكن أن يكسره بصيص من الأمل والحركة نحو المستقبل.

لا يمكن إذن أن نعتبر أن الفصل الثالث في الفيلم على المستوى الشعوري أو السردي يحمل الذروة أو الإجابات بل هو تكريس غامض لمزيد من الأسئلة الخاصة والعامة التي قرر المخرج أن يصنع الفيلم من أجل أن يطرحها على ذاته أولا ثم على المتلقين ايا كانوا.

حتى مع كون الفيلم ينتهي بلقطة لحلا ابنة أخته التي كبرت قليلا خلال الأعوام الثلاثة الماضية في محاولة لإغلاق القوس الذي فتحه في البداية وهو ملمح تفاؤلي واضح ومباشر، إلا أن السياق الأساسي للفصل الثالث هو سياق الغموض وفقدان البوصلة حتى مع توالي الموج على الشاطئ في حركة سرمدية لا نهائية بدأت منذ خلق الله البحر ولن تنتهي إلا يوم أن يجف قبل القيامة.

ثمة حس شعبوي واضح في سياقات الفيلم ربما يعد من أبرز العناصر التي يمكن أن تؤهله للعرض العام بعيدا عن أروقة المهرجانات والعروض الخاصة، بداية من النبرة الصوتية والأسلوب الحواديتي الذي اتخذه المخرج في التعليق الصوتي منذ المشهد الأول ليوحي لنا بأن التجربة كلها أقرب للحكايات الدرامية التي يختلط فيها الواقع بالخيال بالإضافة إلى الحميمية النسبية التي يمثلها السرد عبر استخدام الرسوم المتحركة في الفصل الأول والطرافة البادية في إبراز المخرج للمفارقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية سواء عبر التعليق أو الصورة ناهينا عن أن اللمسة الميلودرامية التي تصبغ الفصل الثاني الخاص بلقاءات أسر الشهداء تجد صدى واسع في التلقي رغم كآبتها الاصيلة ونضيف عليها المزج المونتاجي والإحالات البصرية المباشرة التي من السهل رصدها عبر ذهنية المتفرج العادي من غير محترفي مشاهدة هذا النوع من الأفلام.

يبقى أن نشير إلى أن التجربة كلها تحمل بصمة العمل الأول بامتياز سواء على مستوى الطزاجة والجرأة والمغامرة الشكلية أو على مستوى الزخم والاذدحام الشعوري والفكري الذي يريد معه المخرج أن يقول أشياء كثيرة تعتمل بداخله سواء اتسقت وتبلورت أو تشظت وتشعبت وليس أبرز من مثال على ذلك من الحكاية التي قدمها من تاريخه الخاص عن اكتشافه لأن أبيه كان يكتب لأمه خطابات عاطفية ملقبا إياها باسم مستعار هو «موج» لأنه كان من غير اللائق أن يكتب لها باسمها مجردًا من أجل ضمان سلامتها الأسرية، هذه الحكاية رغم رقتها وطرافتها إلا أن وجودها في السياق العام يبدو غريبا وبلا قيمة حقيقية تخص الموضوع أو الأسئلة المطروحة بل أن وجودها من عدمه لا يشكل فارقا على عكس موتيفة الغربان على سبيل المثال التي لا يمكن الاستغناء عنها، وقديما قال الأولون إن الفنان الجيد يعرف بما يحذفه وليس بما يضيفه لأن العمل الفني هو نحت في الزمن والمادة الشعورية ودراما الحياة وتلك نصيحة هامة من أجل اعمال قادمة أفضل.

المصري اليوم في

15.06.2014

 
 

الفائزون بجوائز مهرجان الإسماعيلية يغيبون عن حفل الختام 

أدى انعقاد حفل ختام الدورة السابعة عشرة لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة يوم الأحد الماضى، فى نفس يوم تنصيب الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسى، إلى ضعف الإقبال على حضور الختام، وغياب معظم الفائزين عن استلام الجوائز.

وفى مسابقة أفلام التحريك حصل فيلم «الشك» على أفضل فيلم بينما حصل فيلم «الكعب العالى عالى» على جائزة لجنة التحكيم وتنويه خاص ذهبت إلى فيلم «أب»، وأما فى مسابقة الأفلام الروائية القصيرة فحصل فيلم «فلورا وفاونا» للمخرج بيوتر ليتفين على جائزة افضل فيلم، بينما حصل فيلم «ألف رحمة ونور «للمخرجة دينا عبد السلام على جائزة لجنة التحكيم وحصل فيلم «سر صغير» على تنويه خاص.

وفى مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة حصل فيلم «جوانا» للمخرجة انيتا كوباتش على جائزة أفضل فيلم بينما حصل على جائزة لجنة التحكيم فيلم «زيلا تروفك» للمخرج اسيير التونا وحصل على تنويه خاص فيلم «حالة نقية للروح «للمخرج اوجور اجيمان وأما مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة فحصل فيلم «موج» للمخرج أحمد نور على جائزة أفضل فيلم بينما حصل فيلم «حبيبى بيستنانى عند البحر» للمخرجة ميس دروزة على جائزة لجنة التحكيم وحصل فيلم «بخصوص العنف» للمخرج جوران هوجو على تنويه خاص.

وحصل المخرج حسن سيرين على جائزة جمعية اكت للفيلم التركى» أبى والجبل « كما حصل فيلم» ام أميرة «للمخرج ناجى إسماعيل وحصل المخرج أحمد غنيمى على جائزة حراد عن فيلم «الكهف» وحصل فيلم التحريك «أب» للمخرج الارجنتينى سانتياجو بو جراسو على جائزة افضل فيلم. وحصل فيلم «لوحدة» على جائزة لجنة جتحكيم جمعية الرسوم المتحركة .

بينما حصل فيلم «رعى السماء» للمخرج هوراشيو الكلا على جائزة نقاد السينما المصرية.

كانت إدارة المهرجان قد أعلنت «السبت»، انتهاء فعاليات منتدى الإنتاج العربى المشترك فى دورته الثانية، والذى يعقد ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولى فى دورته الـ17.

وأعلنت لجنة التحكيم المكونة من جاد أبى خليل رئيسا وعضوية كل من إيريت نيدهارت وتهانى راشد، حيث فازت 4 أفلام بمنتدى الإنتاج العربى المشترك.

وجاء فى المركز الأول فيلم «الأسماك تقتل مرتين» للمخرج أحمد فوزى صالح، والذى تدور أحداثه حول شخصين هاربين من حكم إعدام لاتهامهما بالاشتراك فى قتل 72 شخصا من مشجعى الأهلى عقب مباراة كرة القدم، من خلال هذا يرصد الأحداث السياسية والتناقضات التى شهدناها خلال 3 سنوات وكيف يقبل الناس القتل ويبرروه.

وفى المركز الثانى جاء فيلم «حروب ميجيل» للمخرجة اليان الراهب، والفيلم يرصد التحديات والبحث عن الذات والحب الحقيقى من خلال رحلات ميجيل من بلد إلى آخر.
فيما حصل فيلم «الرقص مع الرصاصة» على المركز الثالت وهو من إخراج ضياء خالد جودة ، وتدور أحداثه حول عودة راقص عراقى إلى موطنه بغداد تاركا الأمان فى السويد وذلك حتى يؤدى عرض فى البلد التى يطلق فيها النار تعبيرا منها عن الأمة والخوف على مستقبل بلده.

وحصل على المركز الرابع فيلم «الرجل خلف الميكروفون» للمخرجة كلير بلحسين، منحها هشام الغانم رئيس شركة السينما الكوتية بشكل استثنائى لإيمانه بمضمون الفيلم وأهميته والذى تدور أحداثه حول شخص يحترف الموسيقى ويصبح مشهورا فى تونس حتى أطلقوا عليه لقب فرانك سيناترا تونس ، الذى ألهمت أغنياته الثوار والغريب أنه يخفى شهرته عن عائلته وبلده.

أكتوبر المصرية في

15.06.2014

 
 

ديناصورات اليهود و«موج» الثورة في «الإسماعيلية» !

مجدي الطيب 

• افتقدت تجربة عروض المقاهي والنوادي ومراكز الشباب التي أكدت أن تذوق الفن لم يعد حكراً على المثقفين وأن كل مواطن لديه القدرة على تلمس مواطن الجمال بتلقائية ومن دون وصاية !

في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها مصر نزل قرار إقامة الدورة السابعة عشر لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة،برداً وسلاماً على الكثير من المصريين،بوصفه دليل على عودة الأوضاع إلى طبيعتها، وعلامة على الاستقرار الذي يُنتظر أن يسود البلاد في الفترة المقبلة .

أول علامات استقرار مهرجان هذا العام اختفاء مظاهر القلق التي صاحبت دورة العام الماضي،وتمثلت في الوقفة الاحتجاجية ضد د.علاء عبد العزيز وزير الثقافة السابق،ورسائل التحذير التي بعثها إليه عدد من السينمائيين لإثنائه عن الحضور إلى المدينة،وتهديده بإفساد حفل الافتتاح في حال تعنته،وإصراره على الحضور،بعكس ما حدث مع د.صابر عرب وزير الثقافة الذي شارك في افتتاح دورة هذا العام برفقة اللواء أحمد القصاص محافظ الإسماعيلية الحالي الذي رحب بقص شريط الافتتاح بعكس المحافظ السابق اللواء جمال امبابي،الذي انسحب قبل دقائق من بدء مراسم حفل افتتاح العام الماضي في قصر ثقافة الإسماعيلية،بعد أن تنامى إلى علمه أن ثمة صدامات واضطرابات سيشهدها الحفل !

بقايا « يهود مصر »

في ظني أن المخرج الشاب أمير رمسيس استجاب لنصيحة المقربين منه،والعشرات من النقاد،ممن رأوا أن فيلمه السابق «عن يهود مصر» لا يخلو من مراهقة فكرية،ويذخر بالكثير من المغالطات التي تعكس نوعاً من تراجع الوعي السياسي، فضلاً عن الانحياز غير المبرر للقضية المطروحة،ومن ثم لجأ في فيلم «نهاية رحلة»،الذي يُعد الجزء الثاني من فيلم «عن يهود مصر»،والذي اختير ليكون فيلم افتتاح الدورة ال 17،إلى تصحيح مساره،والابتعاد عن كل ما يضعه في موقف حرج أو يكشف عدم إلمامه بجوانب الموضوع الذي اختاره؛ففي الجزء الأول اقتصرت لقاءاته على نفر من اليهود «الأخيار» أبناء الطبقة المُترفة،التي يملك أبناؤها قدراً كبيراً من الثقافة،والوعي،وسعة الأفق،والتسامح،ممن زعم أنهم «ضحايا» أجبروا،بفعل الظرف التاريخي،والقصف الناصري،وحالة العداء التي تنامت ضدهم،بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952،والعدوان الثلاثي على مصر العام 1956،على مغادرة مصر لكنها «مازالت في خاطرهم»،وكلهم في انتظار اللحظة التي يعودون فيها إلى مصر لاستعادة حقوقهم التاريخية من ممتلكات وعقارات. وهاهو يواصل في الجزء الثاني تكريس التعاطف مع بقايا اليهود في مصر،ممن رفضوا أن يغادروها إلى إسرائيل أو أوروبا،لكنه كان صادقاً عندما اختار اثنتي عشر امرأة،غالبيتهن طاعنات في السن،وتحدث معهن،بلسان «ماجدة» و«نادية» شحاتة هارون ابنتا المحامي والمناضل اليهودي الشيوعي الراحل،الذي رفض السفر خارج مصر بمجرد علمه أن هذا يعني،حسب القوانين المعمول بها في عهد عبد الناصر،ألا يعود إليها ثانية،كما أكدتا أنهما لم تشعرا يوماً بالغربة في مصر،رغم ما تعرضت له العائلة من قسوة بالغة تمثلت في رفض «النظام الناصري» الموافقة على سفر والدهما لعلاج شقيقتهما في الخارج،وكانت النتيجة أن تدهورت صحتها ولفظت أنفاسها الأخيرة !

في فيلمه السابق نجح المخرج الشاب في اختيار شخصيات تملك الكثير من «الكاريزما»،وهو ما تكرر بالضبط في «نهاية رحلة»،فالسيدة ماجدة هارون،وشقيقتها،سيطرتا على المشاهد بقصصهما الجذابة،التي لا تخلو من مغزى ورسالة؛خصوصاً عندما وصفت «ماجدة» بقايا اليهود في مصر بأنهم «ديناصورات» على وشك الاندثار،وناشدت مصر،حكومة وشعباً،بضرورة الحفاظ على التراث اليهودي في مصر،وإعادة إحياء وترميم المعابد اليهودية،ولو أدى الأمر إلى استغلالها كقاعات للموسيقى أو إنشاد الترانيم القبطية وتلاوة القرآن !

حرص «رمسيس» على ألا يغرق حتى أذنيه في السياسة،مثلما فعل في الجزء الأول،لكنه لم يتخل عن حشد أسلحته العاطفية لإقناع المشاهد بضرورة التعاطف مع هذه الحفنة،كنوع من التكفير عما ارتكب في حقهم من قبل،وامتداح هوية وأصالة المجتمع المصري،الذي تحمل واجبه كاملاً تجاه الشرذمة اليهودية التي آثرت البقاء في مصر،وهو ما أكدته «ماجدة» وشقيقتها عبر شهادات أشادت بالشعب المصري الذي احتضن الفتاتين اليهوديتين في أعقاب هزيمة يونيو 1967،وهو ما تكرر بصورة أكثر وعياً عندما أمن لهما سبل العيش في فترة اعتقال والدهما المحامي الشهير قبل الإفراج عنه بقرار من عبد الناصر . 

«نهاية رحلة» قصيدة رثاء ليهود مصر لكن اللغة السينمائية تراجعت في ظل طغيان العاطفة،وبدا المخرج وكأنه مجرد «مُسجل» لما يدور من حوله ليس أكثر،بل أنه ضيع على فيلمه،وعلينا،توظيف وثيقة تاريخية نادرة وجهها شحاتة هارون إلى الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش،ولم ينوه إليها أو يسأل ابنتيه عن مناسبتها !

«موج» الثورة 

«لقدرته على عمل توازن محكم ودقيق لرؤية ذاتية»..هكذا وصفت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية فيلم «موج»،وهي تمنحه جائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل،ولم تكن وجهة نظر لجنة التحكيم بعيدة عن الصواب أو مُخالفة للتوقعات؛فالفيلم الذي أخرجه الشاب الموهوب أحمد نور بعيد الصلة عن الأفلام التي تناولت ثورة 25 يناير 2011 في مصر،ويمكن القول من دون مبالغة أنه قلب الموازين،وانتهج أسلوباً فريداً وغير تقليدي،باقترابه من الثورة من خلال منظور غاية في الخصوصية،على صعيدي اللغة السينمائية والرؤية الفكرية،فابن السويس لم يخترها كنقطة انطلاق كونها مسقط رأسه أو لكونها صاحبة تاريخ نضالي طويل و«مدينة مقاومة» بالفطرة،بل لأنها أول مدينة مصرية حملت شعلة الثورة،وشهدت اندلاع الشرارة الأولى،ومن ثم كان لها فضل تقديم أول شهيد. وبحس إنساني جميل يربط المخرج بين «حلا» أول حفيدة لعائلته،وبيان التنحي الذي ألقاه عمر سليمان،وانعكاس ما جرى على السويس التي تنفس أهلها نسائم الحرية .وطوال الفيلم لم يفرط «نور» في وسيلة أو شكلاً فنياً من دون أن يوظفه،وكانت النتيجة مبهرة للغاية؛فالمزج بين الحي والتحريك والجرافيك والألوان والأبيض والأسود،والبراعة في استخدام المؤثرات الصوتية،والوعي في اختيار الموسيقى،أحال الشاشة إلى لوحة تشكيلية جميلة خطفت الأنظار فيما حالف التوفيق المخرج في اختيار عنوان «الموجة» للمقاطع التي اشتمل عليها فيلمه،وعبرت عن رؤيته؛فالعلاقة بين «الموجة» ومدينة السويس التي تطل على خليج السويس وطيدة فضلاً عن الصلة الوثيقة المعروفة بين «الموجة» والثورة، وحتى عنوان «الدوامة» الذي اختاره المخرج لأحد المقاطع لم يكن بعيداً عن أسلوبية الفيلم،الذي يمكن القول إنه تحول إلى وثيقة فنية نادرة تروي تاريخ مدينة السويس،ودورها المقاوم منذ الهكسوس والفرس وصولاً إلى العدوان الثلاثي في العام 1956 وحرب يونيو / حزيران 1967 وانتصار أكتوبر / تشرين 1973،ورغم هذا كافأتها الدولة بالتجاهل والنكران !

بروح طفولية لا يمكن التغافل عنها،وسحابة من التفاؤل يصعب إنكارها،وشحنة تعاطف هائلة مع أهل بلدته،يستثمر أحمد نور الفرصة ليتذكر سنوات طفولته،ويُقارن بين الماضي والحاضر،لكن شكاوى الأهالي تنقلب،في لحظة،إلى فوضى وتُظهرهم وكأنهم حفنة من الهمج،كما أن غرام المخرج بالغربان التي تجوب السماء،وافتقاده لها في وقت من الأوقات،يثير الدهشة والحيرة؛فالغراب ارتبط لدى الناس بالخراب ويثير لديهم التشاؤم،ومن ثم بدت العلاقة مبهمة وغامضة بعكس الأمواج الثائرة المتلاطمة التي تُنذر بالثورة،والدقات الرتيبة للساعة التي تُشير إلى الوضع الراهن،وعقاربها التي لم تتوقف في إيحاء بأن شيئاً لن يعود إلى الوراء،في حين عادت مظاهر الشك والخوف والريبة التي اختفت مع قيام الثورة؛فالفيلم يذخر بالإشارات الذكية، والرؤية السياسية الرصينة التي يتم التعبير عنها بالصورة،ومفرداتها،من دون أن يُصاب بالتخمة أو الترهل،أو يتسبب زخم الأفكار والصور والإشارات في إرباك المتلقي. ربما غلب على الفيلم التشاؤم عندما حذر من نجاح القوى المضادة في إجهاض الثورة،وإهدار دم أبنائها الذي ضحوا بأرواحهم،وهو ما عبر عنه المخرج،عبر اللقاءات التي أجراها مع أهالي الشهداء،لكن عادت نبرة التفاؤل،ومعها أوراق الشجر اليانعة،لتطل برأسها مع الكابتن «غزالي» قائد المقاومة الشعبية في مدينة السويس،أثناء حربي 1967 و1973،الذي جدد الأمل لدى المخرج،وأبناء جيله،وشدد عليهم ضرورة التشبث بالحلم،ومواصلة النضال لنيل الحرية،ودحر أي عدو يحاول أن يجر الوطن إلى الوراء،وجاء مشهد عُرس أحد أفراد «شلة الحرامية»،التي أطلق المخرج عليها هذا الاسم لاعتيادها سرقة الكتب،وكذلك أغاني المقاومة على آلة السمسمية،ليُضفي بهجة ويُكرس روح التفاؤل، التي بثها الكابتن «غزالي» لدى أبناء جيل هزمه اليأس،وكاد يفقد إيمانه بالثورة .وعلى غرار الفيلم الروائي،الذي يعتمد القواعد الأرسطية من مقدمة ووسط ونهاية،يحدد المخرج أحمد نور مسار ومصير فيلمه «موج»؛حيث ينتهي الفيلم بماء البحر وهو يتسلل بين الصخور،وكأنه يسعى لإخضاعها واختراقها،ومثلما بدأ الفيلم بالحفيدة «حلا»،التي ولدت يوم إعلان التنحي،نراها وقد فرغت لتوها من بناء بيت على الرمال،بينما ارتسمت على محياها ابتسامة جميلة،وبراءة الأطفال في عينيها،ولحظتها تتساءل :"أترانا بصدد وهم يرمز إليه بيت الرمال أم تفاؤل تجسده الابتسامة"؟ 

«أم أميرة» الإنسانة

لا أدري لماذا ذكرتني «أم أميرة» السيدة المكافحة،التي تبيع شرائح «البطاطس المقلية» على مقربة من مقهي شهير في وسط البلد في الفيلم التسجيلي القصير (24 دقيقة /2013) الذي أخرجه ناجي إسماعيل بشخصية «الأم شجاعة» في مسرحية الكاتب الألماني المعروف بيرتولد بريخت (10 فبراير 1898 – 14 أغسطس 1956)؛فهي امرأة لم تكسرها الهموم،واجهت قسوة الحياة،والزمن الصعب،ولم تتخل يوماً عن ثقتها في نفسها،مثلما لم تنجح في مداراة سحابة الحزن التي تلف وجهها البشوش ! 

تمضي «أم أميرة» نصف نهارها في الإعداد لعملها الذي يبدأ مع ساعات الفجر،وتتعرض لأنواع شتى من مطاردات وتحرشات شرطة المرافق،لكنها تؤمن أن ما تمر به من متاعب لا يُعد شيئاً مقارنة بأزمة زوجها،الذي اعتلت صحته فما كان من الشركة التي يعمل بها سوى أن طردته،تطبيقاً لسياسة الخصخصة،واكتفت بأن تمنحه مكافأة هزيلة،ومصيبتها في ابنتها «أميرة» المصابة بمرض خطير في القلب فشلت كل محاولات علاجه، ومع هذا مازال الأمل يراودها في شفاء فلذة كبدها !

جاء اختيار المخرج ناجي إسماعيل لمقطع «يا حبيبى تعالى إلحقنى شوف اللي جرالى» من أغنية المطربة أسمهان ليلخص مأساة «أم أميرة»،وهو النهج الذي تكرر مع مقطع «ثم أصغي والحب في مقلتينا» من أغنية «هذه ليلتي» لأم كلثوم،وكثف الحالة الوجدانية لامرأة تكن مشاعر دافئة للجميع،وتتعامل بروح محبة طوال الوقت،رغم الأهوال اليومية التي تواجهها،ومن ثم كانت صدمتها وصدمتنا كبيرة عندما ماتت «أميرة»،واختزل المخرج النابه المأساة في لقطة عامة للقاهرة لا تدري إذا كانت متعمدة للإيحاء بأنها تتحمل مسئولية موت «أميرة» أم تفضح صمتها وتخاذلها،ولقطة أخرى للسطوح،الذي تسكنه «أم أميرة»،وعائلتها،وقد امتلأ بالجلابيب السوداء،لكن البلاغة السينمائية تتراجع كثيراً مع عودة «أم أميرة» إلى العمل،لأن الحياة لابد أن تستمر،وعليها أن تتجاوز أحزانها،وبدلاً من القطع عليها،وظهور عناوين النهاية مباشرة،يقع المخرج،والفيلم،في دائرة الثرثرة والتطويل،ويقدم لقطات خارج السياق !

الأمنية التي لم تتحقق

توجهت إلى الإسماعيلية وكلي أمل أن تشهد الدورة الـ 17 للمهرجان عودة العروض الفيلمية إلى المقاهي والنوادي ومراكز الشباب؛فقد كنت واحداً من عشرات النقاد الذين جابوا المدينة،وعاشوا التجربة الفريدة المتمثلة في مشاركة أبنائها،وسكان ضواحيها،مشاهدة أفلام المهرجان ثم مناقشتها معهم،والتعرف إلى انطباعاتهم،وردات أفعالهم،وتبسيط الغامض والمجهول في الأفلام،وذكرتني بتجربة جهاز الثقافة الجماهيرية،الذي أنشأه الكاتب الصحفي سعد كامل،والقوافل التي حركها الكاتب الأديب سعد الدين وهبة إلى قرى ونجوع وكفور مصر،لتعرض علي أهلها الأفلام،التي كان يغلب عليها وقتها الجانب التوعوي؛فمن خلال تجربة مهرجان الإسماعيلية،التي أشرف عليها،بدأب،مدير التصوير محمود عبد السميع رئيس «جمعية الفيلم»،أمكن لي تلمس الأثر الايجابي للسينما على البسطاء،وقدرتها على التواصل مع رجل الشارع،في حال نجحت في التعبير عن هموم ومشاكل البشر،وأهم ما خرجت به من التجربة المثيرة أن تذوق الفن لم يعد حكراً على المثقفين والمهتمين،وأن كل مواطن لديه القدرة على تلمس مواطن الجمال بتلقائية ومن دون وصاية عليه ممن يُطلق عليهم «النخبة» !

افتقدت كثيراً التجربة غير المسبوقة،في المهرجانات السينمائية المصرية،بعد أن ألغيت فكرة العروض الجماهيرية،وأحسست أن المهرجان دخل الشرنقة، بعد أن أصبحت عروض أفلامه مقصورة على النقاد والصحفيين وأهل المهنة والمهتمين،ولم تغادر قصر الثقافة أو دار العرض التي تبرعت بها مالكتها،وتراجع الإقبال الجماهيري بشكل ملحوظ،وهي آفة مهرجاناتنا المصرية؛ خصوصاً التي تنعقد خارج العاصمة؛إذ تبدأ وتنتهي في صالات خاوية على عروشها،ولا تكاد تصل إلى الجمهور الحقيقي المستهدف،وفي الكثير من الأحيان لا يشعر المواطن أن ثمة مهرجاناً يُقام على أرض مدينته !

جريدة القاهرة في

17.06.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)