كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

سباق أوسكار أفضل سيناريو مقتبس

مذكرات صادمة وأخرى هاربة لشخصيات تأمل وتتألم

هوليوود: محمد رُضــا 

جوائز الأكاديمية الأميريكية للفيلم (أوسكار 86)

   
 
 
 
 

كما هو معلوم للجميع، هناك جائزتان تمنحهما أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في نطاق الكتابة للسينما: واحدة للسيناريوهات المكتوبة خصيصا للسينما والأخرى لتلك المقتبسة عن مصادر أخرى. حفلة توزيع الأوسكار السادس والثمانين ستقام في الثاني من مارس (آذار) المقبل والمنافسة في كل المجالات، التي سنتطرق إليها تباعا، صعبة ومثيرة.

كتابة السيناريوهات عملية إبداعية رائعة بحد ذاتها. سواء أكنت تستخدم أزرار الكومبيوتر لوضع رواية من عندك أو لاقتباس كتاب أو مسرحية أو مقالة في صحيفة، هناك حالة من إعادة خلق ما في البال أو ما حدث في الواقع بشكل جديد.

المطروح أمامنا هذا العام عشرة سيناريوهات (خمسة أصلية وخمسة مقتبسة) لا يخفق أي منها في إظهار موهبة التأليف والاقتباس على نحو يـثير اهتماما شديدا ومختلفا من فيلم لآخر كما من قسم لآخر أيضا.

السيناريوهات الخمسة المتنافسة في قسم السيناريو المكتوب خصيصا هي «أميركان هاسل» (أو «نصب أميركي») الذي وضعه كل من إريك وورن سينجر ديفيد أو راسل، «بلو جاسمين» لوودي ألن و«Her» لسبايك جونز و«نبراسكا» لبوب نيلسون و«دالاس بايرز كلوب» لكريغ بورتن وميلسيا والاك.

في سباق السيناريوهات المقتبسة عن أعمال سابقة، وهو ما سنعرضه هنا قبل الانتقال إلى تلك المكتوبة خصيصا في حلقة مقبلة: «قبل منتصف الليل» وهو كتابة رتشارد لينكلتر عن شخصيات وضعها في فيلمين سابقين، ثم أربعة أعمال مأخوذة من مذكرات موضوعة هي «كابتن فيليبس» عن سيناريو كتبه بيلي راي مستوحى من مذكرات وضعها الكابتن رتشارد فيليبس، «12 سنة عبدا» عن سيناريو لجون ريدلي اقتبسه عن مذكرات وضعها الراحل سولومون نورثاب، «ذئب وول ستريت» عن سيناريو لترنس وينتر مأخوذ عن مذكرات لجوردان بلفورت و«فيلومينا» عن سيناريو وضعه ستيف كوغن وجف بوب عن كتاب وضعه مارتن سيكسميث بعنوان «الطفل المفقود لفيلومينا لي».

حكاية أم لم تفقد الأمل «فيلومينا» (إخراج البريطاني ستيفن فريرز) مقتبس عن كتاب وضعه الصحافي البريطاني مارتن سيكسميث الذي كان يعمل مع هيئة البث البريطاني (BBC) عندما قابل امرأة تجاوزت الخمسين ما زالت تبحث عن ابنها الذي قامت الكنيسة الكاثوليكية - الآيرلندية ببيعه (عمليا) لأميركي ثري وزوجته اللذين لم ينجبا أولادا لقاء قيامهما بالتبرع لصالح الكنيسة. الأم كانت أنجبت هذا الطفل إثر علاقة خارج إطار الزوجية ما جعلها موضع اضطهاد الكنيسة التي قررت الانضمام إليها مع طفلها الصغير. ذات يوم، وكما تصف في الكتاب، أخبرتها إحدى الراهبات بأن رئيسة الدير في سياق تسليم الطفل إلى العائلة الزائرة. الموقف الموصوف في الكتاب حيال الدقائق التي مرت على الأم وهي تحاول، دون جدوى، منع إتمام العملية معبـر عنها بمشهد تجد نفسها فيه تصرخ من وراء نافذة الغرفة الموصدة. هي ترى وتصرخ ولا أحد يسمعها أو ينظر إليها. حين التقاها الكاتب لم يكن يبحث عن موضوع اجتماعي يكتبه، لكنه سريعا ما وجد في سعي الأم الدؤوب لمعرفة مكان ابنها ولقائه من جديد ما أثاره. قام بالمشاركة في البحث واكتشف أنه ترعرع ابنا لتلك العائلة وأنه اشتغل في السلك السياسي في واشنطن العاصمة.

بطلان لهذا الفيلم: الصحافي الآتي من طبقة ميسورة وهو واسع الثقافة، ولو بمقتضى الاختصاصات التي يمارسها، وليبرالي إلى حد نقد الكنيسة وما قامت به، أمر لا تستطيع فيلومينا لي القيام به على الرغم مما فعلته الكنيسة بها. البطل الثاني هو فيلومينا لي نفسها الأقل ثقافة والمنتمية إلى طبقة عاملة غير مسيسة. السيناريو بنى جيدا الكثير من المواقف المثيرة حول هذا التناقض بين بطليه الذي ينتمي كل منهما إلى جيل مختلف بتضاريس ثقافية واجتماعية متباينة تماما.

أمر مهم آخر، لجانب الخروج بمواقف من هذا التناقض الذي يصل إلى حد التعرض للدين الكاثوليكي في مواجهة خوف الطرف الثاني من تبعية هذا النقد، هو أن الكتاب وضـع كمادة بحث واستقصاء جادة. السيناريو أبقى على هذه الميزة لكنه لم يكترث للبقاء جادا في كل الأوقات. هناك طراوة كوميدية رغم جدية المأساة. الأمر الوحيد الذي أعاب السيناريو اضطراره لاجتزاء مقاطع زمنية بعد انتقال الشخصيتين إلى الولايات المتحدة لمتابعة البحث. إذ ما هي إلا أيام قليلة وينجح الصحافي في تحديد الشخصية الغائبة وذلك بالاستعانة بالكومبيوتر (أمر كان يمكن له القيام به من منزله في لندن ولم يفعل!).

عملان فرديان المعالجة نفسها تقريبا نجدها في «قبل منتصف الليل» كما كتبه رتشارد لينكلتر، مخرج الفيلم أيضا. المادة في صلبها (وهي الوحيدة غير المقتبسة عن كتاب) جادة لكن المواقف محلاة ببعض اللمسات الكوميدية الإنسانية. الحكاية هنا هي حول رجل أميركي وامرأة فرنسية كانا تعرفا على بعضهما البعض قبل نحو عشرين سنة (في فيلم خيالي وضعه لينكلتر بعنوان «قبل المغيب» ليليه بجزء ثان عنوانه «قبل الشروق»). يصلان إلى اليونان بصحبة ابنتيهما التوأم وولده من زواج سابق. بعد توديع الأب لابنه العائد إلى شيكاغو يتوجـهان للسير في طرقات القرية ولتناول الغداء مع صديق وزوجته ثم للسير من جديد ثم لتمضية الليلة في غرفتهما في الفندق. السيناريو مبني على المواقف الكلامية وليس على الأحداث، أمر يحبـه السينمائيون الفرنسيون (والأوروبيون عموما) ويعتبرونه معبرا عن صلة فعلية بالنصوص الأدبية.

المواقف الكوميدية الإنسانية المشار إليها ناتجة عما نشعر به كمتابعين حيال الوضع الماثل على الشاشة وليس لأن ذلك الوضع مثير للضحك. هذا واضح في الكتابة كما في إخراج لينكلتر لما كتبه. المسألة هنا هو أنه حاول تصوير وضع إنساني لعلاقة بدأت منذ عقدين لمعرفة ما الذي آلت إليه، فإذا بها متوتـرة ولا تخلو من خلافات في الرأي وفي العاطفة. لكنه نسبة للسيناريوهات الأخرى (هذا السيناريو الوحيد بين تلك المقتبسة غير المأخوذ عن مذكرات منشورة كتبا) فهو محدود القدرة على التنويع كما أن التصعيد الدرامي في الخلفية لا تدري أنه يحدث إلا عندما يقع بالفعل. حين يقع، يعبر بلا تلفيق عن مواقف واقعية تماما، لكنها لا تستطيع أن توسـع من إطار سيناريو كـتب على هذا النحو المحدد وخانة الحوار فيه هي الأكثر امتلاء بالكلمات من أي خانة أخرى.

خانة الحوار في سيناريو ترنس وينتر لفيلم مارتن سكورسيزي «ذئب وول ستريت» هي أيضا مكتظـة. لكن خانة الحدث أيضا كذلك. السيناريو مأخوذ عن ذكريات جوردان بلفورت الذي حقق ثروة قدرت بمائتي مليون دولار جناها من وراء العمل بالبورصة والتلاعب والاحتيال على زبائنه وذلك في رحلة تمتد من أواخر الثمانينات إلى أواخر التسعينات. السيناريو لا يغرف من الكتاب خلفيات الكاتب بل ينطلق من بداية ممارسته العمل المالي وحتى ما بعد تقديمه للمحاكمة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالية التي حكمت بسجنه لثلاث سنوات. مثل «قبل منتصف الليل» يتصدى الفيلم لقراءة حياة فردية رغم أنه يتمتع بالطبع بقدرة النظر إلى محيط اجتماعي كبير من دون أن يلجه.

قرأت الكتاب والسيناريو (حين وصلا في صندوق واحد مع أسطوانة الفيلم خلال ترشيحات الغولدن غلوبس) والمأخذ الأهم هو أن كاتب السيناريو، والمخرج سكورسيزي من بعده، قرر أن لا يختلف عن النبرة التي يتحدث بها جوردان بلفورت إلى جمهوره. في المذكرات ليس هناك ما يعكسه الكاتب بلفورت من اعتذار فعلي لا عن حياته المهنية (توريط زبائنه بشراء حصص في شركات لا يهم إذا كانت ستدر مالا أم لا وتوفير معلومات كاذبة للمساهمين بغرض عملية ابتزاز لمصادرهم المالية) ولا عن حياته الخاصة (البذخ المسرف والانكباب على حياة فساد ملؤها حفلات جماعية من الجنس والكوكايين) وهذا ما يستورده الكاتب ونترز ويضعه سكورسيزي على الشاشة. ما نراه هو استعراض لوني وضوئي مبهر لحياة شخص متهور من دون إعلان ندم أو مواجهة ذاتية تنم عن مراجعة. طبعا لا يستطيع الكاتب في هذه الحالة أن يجتر من عنده ما لم يضعه الكاتب الأصلي على الورق. إذا لم يكن هناك طلب لغفران وإعلان أسف أو الاعتراف بخطأ، فإنه من الخطأ الكبير أيضا التدخـل للتبرع بهذه العناصر.

رغم ذلك، هذا سيكون عائقا أمام فوز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو مقتبس مع ما يلازم ما سبق من حالة عدم نضج الشخصية وتبلورها.

* السيناريو المحتمل فوزه

* غياب الموقف الأخلاقي الفردي لا يقع في فيلم «12 سنة عبدا» كما استخلصه جون ريدلي الذي وضع قصـة «ثلاثة ملوك» التي أخرجها ديفيد أو راسل سنة 1999 من بين أعمال أخرى لم تتحول إلى أفلام بعد. لكن هذا الموقف لا يعد فرديا. إذا ما كان بطل مذكراته الخاصـة سولومون نورثاب سرد حكايته حين تم اختطافه من نيويورك التي عاش فيها حرا ليذوق الحياة كعبد بعدما تم بيعه في الجنوب الأميركي (قبل أن يسترد حريـته ويضع كتابه ذاك في عام 1853) فإن المناسبة المتاحة في سيناريو ريدلي (وهو أيضا من أصل أفرو - أميركي) هي التصدي لتاريخ العنصرية التي مارسها البيض على سواهم (السود هنا) ما شكـل، باعتراف البيض أنفسهم، بقعة داكنة في التاريخ الأميركي نفسه.

الكاتب ريدلي يحافظ على براءة سولومون من كل ذنب. وسولومون في مذكراته، مثل جوردان بلفورت في مذكراته، لا يكتب ما هو ضيم أو وضع شائب في جانبه. لكن في حين أن جوردان يكتب وهو يضحك فإن سولومون كتب وهو يبكي. الأول لديه ما يطلبه من غفران لكنه ممتنع عنه، والثاني يكتب لعله يستطيع أن يغفر هو ما مورس ضده من قـبل من اعتدوا على حريـته وكرامته. ريدلي يحول الموقف من حالة فردية إلى حالة اجتماعية. أيضا في المقارنة أن «ذئب وول ستريت» فيلما لا يسعى لذلك التحويل. صحيح المخرج سكورسيزي يترك المشاهد يبلور وحده موقفه حيال عالم الفساد بكل جوانبه، لكنه بذلك حرم فيلمه من موقف إيجابي. المخرج ستيف ماكوين، من ناحيته، توجـه إلى العكس تماما، صنع من «12 سنة عبدا» موقفا اجتماعيا وتاريخيا صارما بفضل سيناريو كـتب على هذا النحو ولهذه الغاية أيضا.

«12 سنة عبدا» غالبا ما سيخرج بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس، وإن أخفق في ذلك فإن أحد الأسباب سيكون متانة سيناريو الفيلم المتسابق الخامس في هذا القسم وهو «كابتن فيليبس». وضعه الكابتن رتشارد فيليبس عن أحداث فعلية مر بها حين توجـه بشاحنته البحرية إلى أفريقيا سنة 2009 وفي البال القيام بوظيفته المهنية ككابتن اعتاد مثل هذه الرحلات. لكن هذه المرة يتعرض لاختطاف قراصنة صوماليين للباخرة. في البداية الاختطاف يشمله وآخرين فوق سطح الباخرة. لاحقا، وعندما ينجح الكابتن بإخفاء معظم أفراد طاقمه، يقرر القراصنة خطفه في قارب نجاة يتسع بالكاد للخاطفين الأربعة ومخطوفهم الخامس. هنا ينتقل الفيلم إلى الخانة الفردية. كاتب السيناريو بيلي راي أجاد صياغة عمل كان يمكن له أن لا يكون واقعة حقيقية. فيلم مغامرات مكتوب خصيصا للشاشة. هذا لأن المرجعية هنا ليست أدبية (ورتشارد فيليبس لم يدع أنه كاتب أدبي بل وضع مذكراته كما حدثت معه)، بل حدثية. أحيانا لا تختلف عما قد يوفره فيلم تشويقي مكتوب خصيصا للشاشة إلا من حيث إن المرء علم مسبقا من هو فيليبس وبالتالي أن ما يراه حدث فعليا.

في سيناريو «كابتن فيليبس»، الذي كان أيضا من جملة ما وصل الناقد من مواد ترويجية، نجاح يمكن إرجاعه للكاتب وللمخرج معا: تزويد «الأعداء» بشحنة إنسانية لا تبررهم لكنها لا توصمهم بتنميط. إنهم ما هم عليه وفعلهم لا يمكن الدفاع عنهم، لكن السيناريو يعكس الصدام بين عالمين. نلحظ في الكتابة أن كابتن فيليبس وصل إلى المطار مع زوجته التي أقلـته إلى حيث سيقلع بالطائرة متوجـها إلى عمله البعيد. لجانب أن الحديث يدور حول ما آل إليه هذا العالم من مشاكل، يهدف إلى وضع بطانة خلف ظهر كابتن فيليبس تعكس وضعه الاجتماعي. في المقابل، وبعد صفحات قليلة، يتضمن السيناريو مشهدا يعكس خلفية الخاطفين على الأرض قبل أن يتوجهوا إلى قواربهم السريعة بحثا عن الصيد. وضع اقتصادي وثقافي واجتماعي ضد وضع اقتصادي وثقافي واجتماعي آخر. كابتن ضد كابتن. وبمهارة رائعة: أمل في النجاة وهو يخبو إلى حد أنه حين يتحقق ينهار صاحبه باكيا غير مصدق.

الشرق الأوسط في

30.01.2014

 

السينما الفنلندية وجوائز الأوسكار

يوسف أبو الفوز

السينما الفنلندية لها تاريخ طويل وحافل بالإنجازات ، ومرت بمراحل مختلفة ارتباطا بتاريخ البلاد السياسي والتغيرات الحاصلة فيه ، يذكر أن الفيلم الفنلندي الأول تم عرضه عام 1907 ، وفي العقود الأخيرة سجلت السينما الفنلندية نجاحات متوالية ، سواء بحضورها اللافت في المهرجانات السينمائية أو بحصدها العديد من أهم الجوائز وارتبط ذلك مع بروز العديد من المخرجين الشباب الذين صاروا محطات مهمة في عالم السينما الفنلندية. وشأن كل  العاملين في السينما ، في العالم ، ظلت جائزة الأكاديمية (Academy Award)، المعروفة باسم جائزة الأوسكار  التي تقدمها سنويا أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة الأمريكية ، وتعد من أرفع الجوائز السينمائية في الولايات المتحدة ،ويعدها البعض أهم جائزة سينمائية في العالم، حلم كثير من العاملين في السينما في فنلندا. المخرج وكاتب السيناريو المعروف آكي كوريسماكي Aki Kaurismäki (مواليد 1957) ، الذي يعتبر من اشهر وانجح المخرجين السينمائيين الفنلنديين، وبنفس الوقت الأكثر إثارة للجدل بمواقفه وتصريحاته ، كان أول من ترشح لجائزة الأوسكار من فنلندا عام 2003 عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية ، وذلك عن فيلمه (رجل بدون ماضٍ ) " The Man Without a Past"  ومدته  97 دقيقة ، من إنتاج 2002 ،  الذي حصد الكثير من الجوائز في مهرجانات عالمية، منها الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان كان 2002 وحصل على الكثير من الثناء من نقاد السينما ، ويعتبر جزءاً من ثلاثية سينمائية كتبها وأخرجها آكي كوريسماكي ، وفي نفس المهرجان فازت ممثلة الفيلم  كاتي اوتينين Kati Outinen (مواليد 1961) بجائزة افضل ممثلة . الفيلم يحكي قصة رجل يصل محطة قطارات العاصمة الفنلندية، هلسنكي ، فيتعرض للضرب المبرح والسرقة ،وبسبب ذلك لم يعد قادرا على تذكر اسمه وأي شيء عن حياته الماضية وعليه ان يبدأ من الصفر في كل شيء ، ومن خلال ذلك يتم عرض العديد من المفارقات التي يتعرض لها بكوميديا سوداء ناقدة للكثير من المشاكل التي تواجه الناس الهامشيين والفقراء. ومثلما حصل في مناسبات عديدة ، رفض وقاطع أكي كوريسماكي حضور حفل الأوسكار وكان سبب امتناعه كون الولايات المتحدة تخوض حربا وتغزو  بلدا آخر هو العراق، واعتبر مقاطعته المهرجان احتجاجا على السياسة الخارجية الأمريكية، وتبع ذلك مقاطعته لمهرجان نيويورك السينمائي الأربعين تضامنا مع المخرج الإيراني عباس كياروستمي ، الذي لم تمنحه السلطات الأمريكية تأشيرة تسمح بدخول الولايات المتحدة في الوقت المناسب لحضور المهرجان.

العام الحالي ، وللدورة الثامنة والستين لجوائز الأوسكار، التي ستعلن في الثاني من آذار القادم ،  ترشح عن فئة الفيلم القصير ، الفيلم  الفنلندي "هل يتوجب عليّ العناية بكل شيء ؟"Do I Have to Take Care of Everything?  "من إنتاج عام 2012 للمخرجة سلمى فيلهونين  Selma Vilhunen (مواليد1967) وهو من سيناريو كريسكا ساري، وهو روائي قصير ، مدته سبع  دقائق . فيلم بعنوان طويل ،ودقائق قصيرة ، ولكن موضوعه عميق،  إذ يحكي عن هموم العائلة بشكل كوميدي وعن الأم التي تواجه يوما سيئا وعليها ان تهتم بكل شيء ، وتلعب الدور الممثلة الفنلندية يوهنا هارتي Joanna Haartti  (مواليد 1979) التي برزت ونجحت في العديد من الأفلام الروائية الفنلندية الطويلة . عرض الفيلم أول مرة في مهرجان تامبرا السينمائي عام 2012 ، الذي يعتبر من أكبر وأهم مهرجانات السينما في فنلندا ، وتبع ذلك مشاركته وعرضه في  عدة مهرجانات سينمائية عالمية ،  في اليابان وأستراليا وهنغاريا وتركيا ، ونال الفيلم والمخرجة سلمى فيلهونين العديد من الثناء والجوائز التقديرية، ويتوقع له أن يحصد الأوسكار هذا العام .

المدى العراقية في

30.01.2014

 

نظرة على الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار!

أمير العمري 

شاهدت الأفلام التسعة المرشحة لأحسن فيلم في مسابقة الأوسكار لعام 2014.. ومن نفس هذه الأفلام التسعة، تأتي ترشيحات أوسكار أحسن مخرج وأحسن سيناريو معد عن أصل أدبي بل ويتكرر ترشيح هذه الأفلام نفسها في معظم قوائم التصنيفات الفرعية. وشاهدت أيضا فيلم "بلو جاسمين" لوودي ألان المرشح لجوائز: أحسن ممثلة رئيسية وأحسن ممثلة ثانوية وأحسن سيناريو اصلي، وفيلم "داخل لولين ديفيز" للأخوين كوين المرشح لجائزتي أحسن تصوير وأحسن مزج صوت، وشاهدت كل الأفلام المرشحة لجائزة أحسن فيلم أجنبي باستثاء الفيلم البلجيكي. ولم شاهد بعد "قبل منتصف الليل" لريتشارد لينكلاتر الموجود ضمن قائمة المرشحين لأفضل سيناريو مقتبس عن أصل أدبي.

وفي تقديري لن تخرج معظم الجوائز عن قائمة التسعة المرشحين لأحسن فيلم. ويبلغ عدد جوائز الأوسكار في كل الفروع 24 جائزة بما في ذلك أحسن تسجيلي قصير وأحسن تسجيلي طويل وأحسن فيلم تحريك.

الأفلام التسعة الأساسية هي:

القبطان فيليبس

احتيال أمريكي

نبراسكا

نادي دالاس

جاذبية أرضية Gravity

فيلومينا

12 عاما في العبودية

ذئب وول ستريت

هي Her

كتبت من قبل عن "جاذبية أرضية" و"فيلومينا" و"القبطان فيليبس"، و"نبراسكا"، و"ذئب وول ستريت" (الروابط الى المقالات في نهاية المقال).

نادي دالاس

أما فيلم "نادي دالاس"  (الترجمة الحرفية لعنوان هذا الفيلم ستصبح بالضرورة ملتسبة على القاريء العربي فالعنوان بالانجليزية هو Dallas Buyers Club أي "نادي مشتري دالاس" أي أنه سيصبح اسما لا معنى له، كما أنني أجده عنوانا رديئا لا يعبر بأي حال عن موضوع الفيلم، بل وأجد أن الفيلم نفسه هو الحلقة الأضعف في قائمة الأفلام التسعة المرشحة وأستغرب من ترشيحه أصلا للأوسكار في حين أن مستواه أقل من المتوسط.. وربما يكون موضوعه الإنساني هو ما لفت أنظار أعضاء الأكاديمية الأمريكية لعلوم السينما الذين يرشحون الأفلام ويمنحونها الجوائز..

فالموضوع يدور حول مريض مصاب بمرض نقصان المناعة المكتسب المعروف بالإيدز، يسعى للحصول على عقار ممنوع من التداول في السوق الأمريكية، وتهريبه من المكسيك لمساعدة مرضى الايدز بعد ان وجد أن العقار قد ساعده في البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة بعد ان قال له الأطباء الأمريكيون أن امامه 30 يوما فقط قبل أن يغادر الحياة. والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية بطلها رجل يدعى رون وودروف- كهربائي ولاعب روديو في تكساس- يقوم بدوره في الفيلم الممثل المتميز ماتيو ماكونوي (المرشح لأحسن ممثل عن دوره في هذا الفيلم).

ولكن السيناريو يعاني من الترهل والتكرار والمشاهد التي لا تثير التعاطف أصلا بسبب قسوة البطل وعنفه ورد فعله العنيف ازاء العالم، كما أن الحدث الدرامي يتكرر على نحو يثير الاهتمام بل ويصبح المتفرج أمام تساؤل كبير عما اذا كان بطل الفيلم نبيلا يسعى بسلوكه هذا الى مساعدة المرضى بتزويدهم بالعقار المحظور، أم أن دافعه هو تأسيس تجارة سرعان نمت كبرت، يحقق من وراءها أرباحا طائلة بعد أن أسس ما أطلق عليه ناديا في دالاس جعل رسم عضويته 400 دولار، لتوزيع الدواء على الأعضاء، ثم أصبح يقوم برحلات طويلة إلى اليابان والمكسيك وغيرها، كأي رجل أعمال، لعقد صفقات لشراء العقار والتفنن في تهريبه داخل الولايات المتحدة!

أنت إذن لا يمكنك التعاطف تماما مع هذا الرجل، كما أن أسلوب الإخراج المتبع هنا لا يجعل الفيلم يتجاوز تمثليات السهرة التلفزيونية المؤثرة بل ولا تثير تلك العلاقة التي تنشأ بين البطل وبين امرأة من الجنس المتحول (كانت في الأصل رجلا) تساعده في تنظيم تجارته الجديدة، ولنها تموت فيما بعد، اهتمام المتفرج بسبب سطحية التناول.

والملاحظ أن عددا كبيرا من الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار خاصة قائمة التسعة الكبار، مقتبسة من أعمال أدبية منشورة، معظمها يروي قصصا حقيقية أو مذكرات، وهذا مثلا شأن "12 عاما في العبودية" و"القبطان فيليبس" و"ذئب وول ستريت" و"فيلومينا" بالاضافة الى "نادي دالاس".

هي والأفلام

فيلم "هي" Her فيلم خيالي يفترض في المستقبل القريب وجود شخصية رجل يكتب رسائل حب لغير القادرين على كتابة مثل هذه الرسائل (شيء في الواقع ينتمي للقرن التاسع عشر!!) وهو يشعر بالوحدة (كثيرا ما نراه يسير وحيدا في شوارع مدينة لوس أنجليس (وأحيانا في شنغهاي بالصين!!) مصورا من زوايا تجعله يبدو ضئيلا تائها وسط المباني العالية الكئيبة التي تحلق فوقه. هذا الشاب يقيم علاقة حب مع كائن افتراضي في العالم الافتراضي عبر الكومبيوتر.. هذا الكائن الافتراضي امرأة هو الذي اختارها تتخاطب معه عبر صوتها فقط (تقوم بالدور سكارليت جوهانسون)، فهي اختراع من عالم السوفت وير.. أي غير حقيقية لكنها تجعله يعتقد أنها قد وقعت في حبه بالفعل، بل وترتب لكي تجعله يمارس معها الحب عبر وسيط ثالث لامرأة جميلة، وهو ما لا يقدر على القيام به.

الفكرة جيدة لكن المعالجة التي تريد أن تلعب في المساحة الواقعة ما بين الكوميديا الهزلية وقصة الحب الرومانسية، تفشل في اثارة اهتمام المتفرج، وخصوصا المتفرج غير الأمريكي، الذي يدرك من البداية استحالة القصة وهزليتها، بل ويبدو الفيلم من ناحية أخرى، أطول كثيرا من قصته وتصبح بالتالي التفاصيل الكثيرة التي يحشوها السيناريو به، غير مبررة ولا مقبولة، فمن منا يتصور أن تكون لديه امرأة رائعة الجمال مثل زوجته السابقة (الممثلة روني مارا) ويتركها ويهيم على وجهه بحثا عن علاقة بكائن من عالم السوفت وير الخيالي، خصوصا وان الفيلم يصوره وهو يستعيد بحنين مشاهد من حياته الزوجية السابقة مع زوجته الجميلة.

أما فيلم "12 عاما في العبودية" فهو بلاشك واحد من أهم ما ظهر من أفلام العام الماضي، وهو جدير بالفوز بعدد من أهم جوائز الأوسكار وأظن انه سيفعل.

إن المخرج ستيف ماكوين يعود بنا إلى موضوع العبودية، من خلال رؤية سينمائية واقعية مكتوبة جيدا ومصاغة سينمائيا ببراعة مؤثرة، لا تسعى إلى الإدانة ولا إلى التوفيق التسامحي الساذج، بل إلى إعادة قراءة فترة من التاريخ الأمريكي ولكن من خلال خصوصية القصة الدرامية التي يرويها عن ذلك الشاب الأسود الحر من نيويورك، الذي اختطف وعذب وأرغم على الخضوع للعبودية لمدة 12 عاما في الجنوب الأمريكي. وليس المهم في هذا الفيلم تفاصيل القصة ومغزاها فقد تكون هذه التفاصيل معروفة لكل من قرأ كتاب سولومون نورثوب الذي يروي فيه وقائع قصته الغريبة التي حدثت عام 1941 واستمرت حتى 1853، أي قبل الحرب الأهلية الأمريكية وقبل أن تصدر قوانين حظر العبودية في الولايات المتحدة.

ولعل أحدهم يتساءل: وكيف كان بطلنا هذا حرا إذن؟ والاجابة أن ولايات الشمال الأمريكي كانت قد بدأت منذ فترة في الاعتراف بحرية السود وحقهم في المساواة وكان الخلاف الشهير بين الشمال والجنوب أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية. كان أمريكيو الشمال قد بدأوا في التصنيع وكانت المصانع الراسمالية الجديدة في حاجة إلى ملايين السود كأيد عاملة رخيصة، في حين كان الجنوبيون يرغبون في الابقاء عليهم كعبيد يقومون بالأعمال الشاقة في المزارع.

أقول إن المهم في هذا الفيلم هو الأسلوب: التصوير والاخراج والمونتاج وأيضا الأداء التمثيلي الرفيع.. وهذا سيحتاج بلاشك، مقالا آخر (في الطريق).

احتيال أمريكي فعلا

وشخصيا لم أجد فيلم "احتيال أمريكي" American Hustle للمخرج ديفيد أو راسل، مثيرا للاهتمام، بل وجدته عملا ثقيلا مترهلا يعاني من المشاهد المسرحية الطويلة التي تثقلها الحوارات، مع تعدد الشخصيات والافتعال في الأداء بدرجة كبيرة. وبعد بدايته القوية التي تشد الجمهور عن ثنائي محتال من رجل وامرأة، ثم وقوعهما في براثن عميل للمباحث الفيدرالية الأمريكية يبتزهما للتعاون معه في الإيقاع بعدد من الخارجين على القانون، ينحرف الفيلم الى متاهات ومبالغات كثيرة، وصراخ وهستيريا أمريكية مألوفة، لاصباغ الطابع الكوميدي على ما يصعب تحويله إلى كوميديا، بل إنني رثيت لحال ممثل عملاق مثل روبرت دي نيرو الذي أسندوا له دورا ثانويا في هذا الفيلم كأحد زعماء المافيا، في محاولة لاستعادة ذكرى أدواره الشهيرة مع سكورسيزي في أفلامه عن المافيا وأشهرها بالطبع "رفاق طيبون"، كما يستخدم الفيلم شخصية العربي من خلال رجل يتخفى في ثياب شيخ عربي من بلدان الخليج بملابسه التقليدية المعروفة، بدعوى أنه يرغب في الاستثمار في أعمال غير مشروعة تتعلق بالقمار وغير ذلك، وهذا كله في سياق هزلي لم أجده مثيرا للمتعة ولا للاستمتاع بل بالأحرى، للتقزز احيانا. وأستغرب كثيرا ان يكون فيلم كهذا مرشحا لكل هذا العدد من الجوائز في سائر المسابقات الأمريكية مثل جولدن جلوبس وخصوصا مسابقات نقاد السينما مثل نقاد نيويورك الذين منحوه جائزتهم!

وقد كنت أتصور أنني ربما أكون الوحيد، الذي لم يعجبه فيلم "احتيال أمريكي" مع كل ذلك "الهوس" بالفيلم المنتشر بشدة في الصحافة الأمريكية، إلى أن وقعت أخيرا على مقال شجاع كتبه كيفن فالون في مجلة (وموقع) "ذي ديلي بيست" The Daily Beast بعنوان "احتيال أمريكي فيلم بولغ في قيمته" American Hustle Is Overrated

يبدأ الكاتب مقاله على النحو التالي "سوف لن يتم تخويفنا لكي نتظاهر بأننا نعجب به بعد اليوم.. إن "إحتيال أمريكي" ليس بأي درجة، جيدا كما يقال لنا.. إذن كيف أمكن أن يكون ضمن قائمة الأفلام المرشحة لأحسن فيلم؟".

وهو يتساءل في موضع آخر: "إعطوني وصفا تفصيليا للحبكة ، لما حدث في الفيلم لأنني - اللعنة علي- إذا كنت أعرف. والاعنة إذا كان أي منا يعرف، ودعونا نكون صريحين:هذه القصة أكثر القصص التواء وتشويشا وهراء في أي فيلم رشح لجائزة أحسن فيلم منذ فترة طويلة".

من وجهة نظر كاتب هذا المقال فإن أفضل الأفلام في قائمة التسعة هي ثلاثة أفلام يستحق اي منها جائزة أحسن فيلم وأحسن إخراج وهي:

1- 12 عاما في العبودية

2 - ذئب وول ستريت

3 – نبراسكا

هنا راوبط إلى المقالات المنشورة حول باقي الأفلام المرشحة للأوسكار:

القبطان فيليبس جاذبية الأرض   نبراسكا ذئب وول ستريت   فيلومينا

 

عين على السينما في

30.01.2014

 

"داخل ليوين ديفيس" للأخوين كَوِن..

بطل من الستينيات

زياد الخزاعي

وصفت الصحيفة البريطانية اليومية العريقة "ذي غارديان" جديد الأخوين الأميركيين جويل وأيثان كَوِن "داخل ليوين ديفيس" بأنه "مفعم بحزن بليغ، وعذوبة بهيّة، ورقّة معا". بيمنا اعتبرته الصحيفة الأميركية "فارايتي" المتخصّصة "رحلة طافحة بعاطفة أصيلة وجريئة، تخترق عالم المقاصف الليلية في حي "غرينتش فيلج" البوهيمي في نيويورك القاتمة بشتائها، كما هو تفرّس في نضال مشحون لرجل يسعى إلى التوفيق بين حياته وإبداعه". أما نظيرتها "هوليوود ربورتر" فعدّته "دراسة لشخصية منجزة برونق، ممزوجة بأبعاد سوريالية تهكمية وقاتمة". هذا الاحتفاء النقديّ كلّه لم يُقنع القائمين على جوائز "أوسكار" بضمّه إلى ترشيحاتهم الأساسية هذا العام، ليصاب بخسارة مدوية، مع أنه نال ترشيحين في فئتي "أفضل تصوير" (برونو دلبونل) و"أفضل ميكساج صوت" (سكيب ليفساي وغريغ أورلوف وبيتر أف. كيرلاند).

كل فيلم جديد للأخوين كَوِن حدث سينمائي، يدفع إلى الاطمئمان على أن السينما، كصنعة وإبداع، لا تزال معطاءة، وأنها لن تخبو أو تتنازل عن قيمها الحقيقية. هذان خالقان لنصوص لا تشبه بعضها، مليئة بفانتازياتهما الغنية التي شعّت في "بارتون فينك" (1991)، وبتهكّماتهما السليطة على أحوال الجريمة ومقترفيها ومتعقبيها وقضاتها ("دم بسيط" 1984، و"فارغو" 1996)، والعائلة اليهودية المعاصرة وارتباكاتها ("رجل رزين"، 2009)، والغفلة الإنسانية وحماقاتها ("ليباويسكي الكبير" 1998، و"لا وطن للرجال العجائز" 2007)، والطيش البشري وعواقبه ("نقطة عبور ميلّر" 1990، و"أحرق بعد القراءة" 2008). لكنهما يبقيان عيار المفارقة ونكاتها ولمحاتها الذكية على أرفع مستوى فني في حكاية ديفيس.

فيلم مليء بالأسى على مرحلة إبداعية عاشتها المدينة ـ المتروبوليس في الستينيات الماضية، عندما عمّتها ظاهرة موسيقى "فولك" الشعبية، واكتسحت نواديها الليلية وقاعاتها. نصّ مشبع بالتحنُّن على أحوال موسيقي شاب يكافح لاختراق منظومة الموسيقى وأباطرتها النهمين. لكن محاولاته تبقيه خاسراً دائماً، يلاحقه قول أحدهم: "إنّي لا أرى مالاً (أي ربحاً)"، بعد الاستماع إلى إحدى مقطوعاته، قاطعاً الأمل على أي اعتراف بخصاله. كيانه القلق عصيّ على إدراك حقيقة أن صنعته رهنٌ بمجموعة موسيقية انطلقت موهبته معها. ينهار عالم ديفيس (أوسكار أيزك) ببطء: تخبره حبيبته جين بيركلي (كاري مليغان) أنها حامل، من دون أن تعترف بوالد الطفل، قبل اكتشافه أن صاحب الحانة الشهيرة، حيث يقدّمان وصْلاتهما، هو الذي أغواها وحبّلها. يتساير هذا الانكسار العاطفي مع إعراض مكاتب العملاء عن دعم موسيقاه، وتأمين عقود حفلاته، ثم يظهر في نهاية الفيلم معزولاً، وهو يستمع إلى أولى أغنيات اليافع بوب ديلان، الذي يصبح لاحقاً إيقونة الموسيقى المستحدثة.

ليوين ديفيس علامة لجيل لن يتكرّر. ذلك أن ثورة الوسائط الحالية أفسدت ولادات كيانات شبيهة به، رمزها معاناة متشعّبة الأحوال، تبدأ بالغضب وتنتهي بالتسكّع ومطاردة الفرص. خبرة هذا الشاب تتولّد من صراع بين ثقة نفس واستهانة آخرين بقدراته وإمكاناته. كل كبوة تقرّبه من قرار الاعتزال والتراجع. بيد أن عناده يمرّر خيباته الواحدة تلو الأخرى: معدم، ينام في كل مكان، يستعطف الجميع، يتحايل على وضع شخصي مستوحد. بيد أن أمراً واحداً يبقى جلياً وساطعاً: الموسيقى في داخله لن تبور، ولن يعدمها العوز، على الرغم من أن اسطوانته الأولى لم تبع نسخة واحدة.

الحاسم في بصيرة الأخوين كَوِن أنهما لا يكشفان بسهولة عمّا إذا كانت موسيقى بطلهما، التي يحمل ألبومه اليتيم عنوان الفيلم، على قدر من السوء، أم أن الموهبة فيه لا تزال غائبة، على عكس الوافد الجديد الذي نراه متسيّداً على المسرح، بخيبة بطل لم يعلن هزيمته بعد. استعادتهما تفاصيل حقبة الستينيات النيويوركية لافتة ومُدهشة في عملهما الغني بتفاصيله وألوانه وأزيائه وسمائه الرمادية وملمح جنونه ورموزه ولحظات اكتئاباته وخساراته.

السفير اللبنانية في

30.01.2014

 

«12 سنة من العبودية»:

الجحيم بكل تفاصيله!

دمشق - ابراهيم حاج عبدي 

لا يكشف فيلم «12 سنة من العبودية» للمخرج ستيف ماكوين عن أسرار أو خفايا جديدة في تاريخ العبودية التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، وإنما يدين بهدوء ويحتج من دون أي ضجيج، فهذا التاريخ القاتم تناولته السينما والرواية والمسرح بمعالجات ورؤى شتى بدءاً من فيلم «ميلاد أمة» (1915) لغريفيث، و «ذهب مع الريح» (1939) مروراً برواية «جذور» لأليكس هيلي والمسلسل المستوحى منها في السبعينات من القرن الماضي، وصولاً الى فيلم «لنكولن»...

حكايات العبودية المريرة إذاً، سردت مراراً، فما الجديد الذي يحمله فيلم ماكوين الذي رشّح لتسع جوائز أوسكار، بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل، وهي من أهم الجوائز، كما يعرف نقاد السينما؟

لن يخوض الفيلم في ملابسات أو تفاصيل هذا الأرشيف الأميركي البغيض، بل تنهض بنيته على حكاية رجل من أصول أفريقية؛ ذي بشرة سمراء داكنة، قاده حظّه العاثر ليكون ضحية لمدة 12 سنة كما يشير عنوان الفيلم المستوحى من قصة حقيقية. على مدى (134 دقيقة زمن الفيلم) سنصغي الى حكاية سولومون نورثوب (شيويتل إيجيوفور)، عازف الكمان الذي يعيش مع زوجته وطفليه في نيويورك حياة هادئة؛ مستقرة. يكسب قوته من عزفه الكمان، ولا شيء يعكر صفو هذه الحياة الهانئة، كما يظهر في اللقطات الأولى في الفيلم. لكن سرعان ما تتبدل الأحوال، ففي عام 1841 يقع الرجل ضحية خدعة، إذ يوهمه رجلان بعقد صفقة موسيقية معه، بيد أن الصفقة القاتلة تقوده إلى ولاية لويزيانا في الجنوب الأميركي حيث ازدهرت العبودية، ليمضي الرجل أكثر من عقد في جحيم لا يطاق. الأغلال والسياط والإذلال والجوع والعمل الشاق في المزارع وحقول القطن، والإهانة والحرمان... تشكل مفردات هذا العالم الجديد، فحياته التي كانت مضبوطة كأوتار كمانه تختزل إلى قائمة طويلة من الأوامر والنواهي. كل شيء ممنوع سوى العمل المضني، والعذاب الذي لا ينتهي، ناهيك عن اللوعة التي تنهش روح سولومون وهو يهفو إلى سماع ولو مجرد خبر صغير عن أسرته البعيدة.

وككل نهاية سعيدة يأتي نجار كندي (براد بيت) إلى القصر المنيف للسيد الأبيض بيت ايبس (مايكل فاسبندر) ليخوض حواراً عميقاً معه يظهر فلسفة الفيلم الذي ينفي كل الذرائع والحجج التي تبرر العبودية والرق، فهذه الممارسات مرفوضة اخلاقياً ودينياً، ومن يوصف بـ «العبد» هو بشر وليس ملكية خاصة؛ ديانة العالم الجديد. بدا هذا المشهد الحواري المحكم نوعاً من التجديف وفق المعايير التي كانت سائدة منتصف القرن الناسع عشر، زمن الفيلم. يتعاطف النجار، المناهض لفكرة العبودية، مع محنة الرجل ويعده بالمساعدة، وهو يفي بوعده حقاً إلى أن يستعيد الرجل حريته واسمه وهويته الحقيقة ليعود إلى أسرته وقد أصبح جداً، ليعتذر، في مشهد ختامي مؤثر، عن كل هذا الغياب.

أداء عفوي

الميزة الأولى للفيلم تأتي من الأداء العفوي المدهش للممثل البريطاني من أصل نيجيري شيويتل إيجيوفور الذي يؤدي دور البطل ورشّح عنه لجائزة أفضل ممثل. ليس في وجهه الباكي أي ملمح للحقد أو الضغينة، حيث لا يملك المشاهد إلا أن يتعاطف معه منذ المشاهد الأولى. فهو استطاع أن يجسد الهلع والخوف عبر نظراته المتوسلة العنيدة التي أوحت بأن الأمل بعيد أو معدوم، غير ان هذه الهشاشة انطوت كذلك على التحدي والعنفوان كما بدا في مشهد الإعدام الذي نجا منها بأعجوبة فلم يكن يفصل بينه وبين الموت سوى أصابع رجليه التي تحملت جسده الثقيل، وهو لم يكن يأبه لحياته التعسة، غير أن ثمة جرحاً غائراً في روحه عندما حرم من أسرته التي يحلم بلقائها، مجدداً، ذات يوم. يمكن وضع هذا الأداء ضمن معادلة تبدو متناقضة، فهو من جهة «عبد» بالإكراه لا رأي له ولا مكانة ولا قيمة، وتمكن من نقل هذا العجز، ومن جهة ثانية تمكن من إظهار معنى الكرامة والاعتداد بالنفس، عبر أكثر من مشهد تمرد فيها وهو يعلم أن التمرد قد يقوده الى حتفه. والواقع أن ثمة من كان يفضل الموت ولا يحظى به، ففي مشهد السفينة التي تنقل جموع «العبيد» يموت أحدهم إثر مشاجرة، فيلقي به اصدقاؤه في مياه البحر، بينما يردد أحدهم مخاطباً الميت: «أنت افضل حالاً منا»، في رمزية توحي بالواقع المأسوي الذي عاشه أولئك المعذبون في بلاد العم سام.

يروي ماكوين حكاية الفيلم عبر سرد تقليدي، غير أن هذا السرد فيه من التناغم والانسجام ما يجعله ملحمة درامية تحفل بالصور والمشاهد واللقطات التي تظهر وحشية الرجل الأبيض وهو ينقضّ على الرجال ذوي البشرة الداكنة من دون أية شفقة او رحمة. وإزاء هذه الوحشية يحوي الفيلم كذلك مساراً شاعرياً عبر مشاهد تظهر سحر الطبيعة في الريف الأميركي. حقول القطن البيضاء، الأشجار الوارفة والدروب الظليلة والليالي الوديعة تتآلف أمام الكاميرا التي تتحرك ببطء في ذلك الغمر البعيد الصامت والنائي، منتقلة من مشاهد بانورامية واسعة ترصد تلك المروج الخضر النضرة، إلى لقطات مقرّبة تظهر تلك الأنامل الخشنة وهي تمتد إلى لوزة القطن، او تقترب من الظهور الدامية التي ألهبتها السياط أو من العيون الدامعة التي تترقب خلاصاً مستحيلاً.

السيناريو يوثّق

وجاء سيناريو جون ريدلي موفقاً إذ وثق الفترة التي تدور فيها الأحداث، واستطاع أن ينقل ثقافة المكان ضمن فضاء وفيِّ لصورة بلاد العم سام، بينما حرص المخرج ماكوين على تصوير كل المشاهد الخارجية في مزرعة لا تبعد سوى أميال قليلة عن المزرعة التي أمضى فيها سولمون عبودية الاثني عشر عاماً، في محاولة للعثور على إشارات توقظ لدى فريقه سخطاً خفياً إزاء حقبة سوداء في تاريخ بلد يتفاخر بتمثال الحرية.

ويمضي الزمن الطويل لأحداث الفيلم ضمن حلقة دائرية تضيع معها الأيام والأشهر والسنوات، فالزمن متشابه في بؤسه ومرارته، لكنه ثقيل على من عاش المعاناة، وهذا ما يشد انتباه المونتير والمخرج، فالشريط يدخل إلى أعماق الجحيم ويرصد المآسي بعيني من خبرها ورآها، فهذه أم تحرم من طفلها، وتلك فتاة تتعرض للاغتصاب، وذاك رجل يعدم لمجرد إبداء رأي مخالف... وهكذا تتحول هذه الشريحة من ذوي البشرة الداكنة إلى موتى مؤجلين، فهم ليسوا «خدماً» في حقول القطن والقصب فحسب، بل كذلك هم أشبه بـ «شعب في حقل الرماية».

الحياة اللندنية في

31.01.2014

 

الأوسكار يحتفى بفيلم «ساحر أوز» بعد 75 عامًا

كتبت ــ رشا عبدالحميد

أعلن مسئولو أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، التى تقوم بتوزيع جوائز الأوسكار، أنه سيتم الاحتفال بمرور 75 عاما على عرض فيلم «ساحر اوز»، الذى حصل على ستة ترشيحات لجوائز الأوسكار فى عام 1939، منها الترشح لجائزة أفضل فيلم، وفاز بجائزة أفضل موسيقى وأغنية أصلية وأفضل موسيقى تصويرية.

وتدور قصة الفيلم حول الفتاة دوروثى، التى تعيش فى مزرعة وتقرر الهرب لأن موظفة البلدة تريد التخلص من كلبها، وعندما تحاول العودة تعلق فى اعصار وتدخل بيت تحمله الرياح ويسقط فى أرض أوز العجيبة، وهناك تقابل رجل صفيح يريد قلبا، وأسدا يريد أن يكون شجاعا وغيرها من الشخصيات الخيالية فى طريقها إلى ساحر أوز الذى تسعى للوصول إليه كى يحقق امنيتها فى العودة إلى بيتها، والفيلم من إخراج فيكتور فليمنج.

وسيقام حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس والثمانون فى 2 مارس على مسرح دولبى فى مركز هوليوود وهايلاند، وسيبث الحفل على شبكة «اية.بى.سي» على الهواء مباشرة، وستقدم حفل هذا العام الاعلامية ايلين ديجينيرز.

وقال منتجو حفل الأوسكار كرايج زادان ونيل ميرون إنهما سعداء بالاحتفال بهذا الفيلم الذى يعد من أكثر الأفلام المحبوبة فى كل العصور.

يذكر أن الأكاديمية كانت قد أعلنت ايضا أنها ستكرم الكثر من الأسماء التى ظهرت على الشاشة سواء كانوا أبطال الحياة الحقيقية أو الأبطال الخارقين، أو أبطالا شعبيين، فضلا عن أبطال أفلام الرسوم المتحركة، هذا إلى جانب المخرجين الذين جلبوهم إلى العمل فى السينما.

الشروق المصرية في

01.02.2014

 

أسامة الشاذلي يكتب عن فيلم «نادي دالاس للمُشتريّن»:

حب الحياة يصنع المستحيل 

"عشق الحياة..يصنع المستحيل"

عبارة تختصر أحداث فيلم "Dallas Buyers Club" الذي يدور حول أفاق ومدمن للمخدرات يعمل كهربائيا ويكتشف اصابته بالإيدز عام 1985، حين انتشر الحديث عن المرض بعد اصابة الممثل الشهير "روك هادسون" به، والذي كان العامة يظنزن أنه لا يصيب سوى الشواذ، وبعد أن يخبره الأطباء أن ما تبقى له حيا هم 30 يوما فقط، يبدأ في رحلته الخاصة بحثا عن الحياة، التي لم يعشها من قبل وسط إدمانه وحياته العابثة اللاهية.

ذلك الرجل الأربعيني الذي يقوم بدوره الفنان "ماثيو ماكونهي" الذي يطلب من ربه علامة على قبول دعائه بإمكانية الحياة في ناد للتعري، ويرشو ممرضا من أجل جلب دواء تجربة لعلاج مرض الإيدز، قبل أن يكتشف طبيبا مفصولا في المكسيك، ويخوض بعدها معركة حول اثبات سمية هذا الدواء الذي وافقت عليه هيئة الأدوية الأمريكية، ويقدم بدلا منه دواء أخرا يحسن من أعارض المرض ويطيل من فترة حضانته وحياة المريض به.

ذلك الرجل عاشق النساء المصاب برهاب المثلية الجنسية الذي يقبل شريكا مثليا فقط من أجل حب الحياة، في سبيل انشاء ناد للمصابين بالمرض، يحصلون على علاجهم مقابل 400 دولار شهريا، والذي تطارده الولاية بشرطتها ورجال ضرائبها ورجال هيئة الأدوية، ويخسر حكما قضائيا يمنعه من تداول تلك الأدوية، لكنه ينتصر ويبقى حيا لمدة 7 سنوات كاملة، ويفتح بذلك بابا لاستخدام الدواء الذي استعمله في مجموعة من الأبحاث حول علاج مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز".

قصة حقيقة نقلتها السينما عنوانها حب الحياة والتمسك بها، ألهمت صناعها فيلما صعبا للغاية على المشاهد المصري، الذي اعتاد على الحوصل على دوائه من صديقه في العمل أو جاره، أو حتى الطبيب الصيدلي، والذي يتعاطى أدوية غير مرخصة تتداولها إعلانات على الفضائيات التي يشاهدها ليلا ونهارا، لكنها فضحت التجارة بالدواء في أمريكا وقدرة شركات الأدوية الكبرى على تمرير بعض العقارات الضارة دون الإلتفات إلى تلك الدراسات التي تفضحها.

ويقدم "ماثيو ماكونهي" أروع أدواره على الإطلاق خلال هذا الفيلم، خاصة تلك اللحظات الخاصة بأعراض المرض وفقدان سيطرته على نفسه، وكذلك التحول وقبول الأخر الذي رفضه هو نفسه يوما، كما قدم ذل التحول الحاد في شخصية بطل الفيلم اللاهي الذي صار صاحب قضية مشغولا بها ويحيا فقط من أجلها، ذلك الكهربائي الذي قدم بحثا طبيا افاد البشرية،لكن يبقى الأداء الأروع في الفيلم للممثل الشاب "جيرد ليتو" الذي أدى ادوارا صغيرة من قبل في أفلام "Panic Room " و"Fight Club " والذي يلعب دور شاب مثليي الجنس يضع مساحيق التجميل ويرتدي زي نسائي طوال أحداث الفيلم، ويساعد صديقه الذي تعرف عليه في المستشفى على إنشاء نادي العلاج من مرض الإيدز المصاب به هو الأخر، والذي يخوض معه معركته الضارية قبل أن يموت بسبب المرض، وهو الدور الذي ترشح عليه لجائزة "أووسكار" أحسن ممثل مساعد..

فيلم "Dallas Buyers Club" هو أحد تلك الافلام المرشحة لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم، والتي يتمنى المشاهد نهايتها لأنه يشعر بالخوف على مصير أبطالها، وقد تزعجه كثرة المصطلحات الطبية فيه، لكنها تترك ابتسامة عريضة في النهاية لأنها تخبرك أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وأن في إمكاننا أن نصنع عالمنا ونخوض معاركنا من أجل ذلك، فقط لنحيا سعداء.

الوادي المصرية في

01.02.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)