حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان دبي السينمائي الدولي التاسع ـ 2012

"بيكاس":

عفوية التجربة الأولى وهشاشتها

رامي عبد الرازق- دبي

في أولى العروض الافتتاحية لبرامج الدورة التاسعة من مهرجان دبي السينمائي (9 -16 ديسمبر) عرض الفيلم السويدي "بيكاس" في افتتاح مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة والتي تضم هذا العام 13 فيلما من لبنان والمغرب ومصر والأردن والجزائر.

ورغم ان الفيلم يحمل الجنسية السويدية في الإنتاج إلا أنه يعامل معاملة الفيلم العربي نظرا لأصول مخرجه الشاب كرزان قادير الكردية العراقية وهو المولود في السليمانية عام 82 ويعتبر بيكاس هو فيلمه الروائي الطويل الاول بعد أن درس السينما في معهد دراماتيكا انستيتيوت بالسويد.

من هو البيكاس؟

العمل الاول هو بطاقة التعارف بين المخرج والمتلقي واحيانا ما يصبح طاقة متفجرة بالابداع والأمل في ولادة سينمائي هام واحيانا ما تصبح التجربة مجرد تمرين على النضج ومحاولة تحديد الرؤية.

مشكلة بيكاس تبدأ من عنوانه حيث بعد ساعة ونصف من المشاهدة لا تستطيع ان تعلم من هو البيكاس ولولا ان المخرج قام بشرح الكلمة في المؤتمر الصحفي للفيلم لما ادرك المتلقي معناها.

بيكاس تعني باللغة الكردية اليتيم او الطفل الذي بدون والد، وهو عنوان معبر عن موضوع الفيلم الذي يدور حول طفلين كرديين يتيمين يحلمان بالسفر إلى امريكا للقاء سوبر مان وذلك عام 1990 عقب عملية الانفال الشهيرة وقبل حرب الخليج الأولى.

ربما ورد ذكر الكلمة عرضا خلال الأحداث ولكن دون أن تتبلور حواريا للمتلقي الدولي وهو عيب خطير جدا ان يتساءل المتلقى عن معنى العنوان بعد ان يفرغ من المشاهدة دون ين يصله ذلك سواء لغويا او دلاليا.

ثم ما هي الحاجة للعودة بالزمن إلى عام 1990 كما يكتب على بداية المشاهد الاولى للفيلم, نستطيع أن نتعامل بحسن نية ونفسر الأمر دراميا على انه قبيل انتشار القنوات الفضائية والاطباق اللاقطة مما يجعل الأطفال يحاولون بشتى الطرق مشاهدة افلام سوبرمان عبر التسلل من فوق سطح السينما تعرضهم للضرب على يد المدير.

لكن المشكلة التي تجعلنا نسئ الظن بالغرض الدرامي لتحديد الزمن هو اصرار المخرج على الانحياز ضد العراقيين انفسهم وليس ضد صدام فقط وهو اكثر شخصية سياسية يتم لعنها في الافلام الكردية التي تدور خلال هذه الفترة وذلك بسبب عملية الانفال الشهيرة التي راح ضحيتها عشرات الالأف من الأكراد وتم ضربهم بالاسلحة الكيميائية.

خلال محاولة الطفلين التسلل من كردستان إلى العراق للذهاب إلى أمريكا للقاء سوبر مان يلتقون بالعديد من العراقيين اولهم ضابط الجيش الذي يمنعهم بقسوة وسخرية عندما يذهبون إلى النقطة الحدودية راكبين فوق حمارهم الصغير الذي يدعونه مايكل جاكسون.

ويعود السيناريو كي ينتقم من الضابط بشكل هزلي فج عندما يجعل احد الطفلين يتبول بينما يختبئ اسفل شاحنة تبغ كي يعبر الحدود، هنا يأتي الضابط ويقوم بتذوق البول ظنا منه انه مجرد تسريب من ثلاجة السيارة في لقطة مقززة يتلذذ فيها الضابط العراقي ببول الطفل.

الغريب ان شاحنات نقل التبغ لا تحتوي على ثلاجات بالاضافة إلى ان رائحة البول وطعمه مميزين للدرجة التي لن يخطئها ضابط مهمته كشف المتسللين ولكنها الرغبة في السخرية من كل ما هو عراقي.

وعندما يجتاز الطفلين الحدود بالفعل ويدوس احدهم على ما يتصور انه لغم ارضي ويذهب الأخر إلى اقرب بلدة لاستدعاء المساعدة وهي بلدة عراقية يتم معاملته بقسوة شديدة وغير مبررة بل إن المخرج يعمد بصريا إلى اسلوب ميلودرامي حيث يقوم بتقديم المشهد في لقطات واسعة من مستوى قامة الطفل الصغير وبإيقاع السلوموشن حتى يبدو العراقيين وكأنهم لا ينهرون الطفل فقط بل يضربونه ويعذبونه رغم ان كل ما يطلبه فقط هو المساعدة، ولم يتجرد المخرج من مشاعر الانحياز ضد العراقيين حتى ولو على سبيل الموضوعية الواقعية ليجعل أحدهم يستجيب للطفل بشكل أو بأخر ولا يفهم لغته الكردية على سبيل المثال ولكنه الأصرار على ابراز صورة قاسية للعراقيين.

نفس هذه الصورة غير الفنية هي ما تجعلنا نشك في ان اختيار عام 90 سببه البحث عن فترة زمنية يمكن من خلالها لعن صدام بدلا من عام 2000 على سبيل المثال, فالسينما الكردية لا تزال تعاني من تأثير هولوكوست الأنفال الشهير وهي احدى مشاكلها التي لا تتخلص منها سوى اعمال قليلة تحاول الحديث عن الحاضر الكردي والعراقي وليس الماضي الذي انتهت حقبته.

العودة والمستقبل

من المعروف أنه لا يوجد ما يمنع ان يعود السينمائي للماضي كي يلقي ضوءا على الحاضر او يؤرخ هذا الماضي للأجيال القادمة ولكن في بيكاس ليس ثمة من ضوء على الحاضر ولا تأريخ للماضي إنما فقط مجرد حالة الكوميديا السوداء التي تنبع من رحلة طفلين نحو هدف بعيد لكن بيقين وثقة وأمل في الوصول.

لو ان المخرج قام بالتركيز على تلك الحالة من الأمل والإصرار متجردا من مشاعر الضغينة التي تبدو شخصية اكثر منها فنية لأصبح عمله محكما لكنه اصر على ادراج عناصر الميلودرما والكوميديا الحركية التي تعتمد على الصفعات والضربات وهي ما يمكن أن نعتبره احد اسباب هشاشة تجربته الأولى دراميا وشكليا على حد سواء.

ولنتصور أن المخرج وهو نفسه الكاتب لجأ لتلك القصة القديمة جدا حول الجد الذي يأمر الطفل الصغير بجمع مجموعة من الأخشاب ويعطيه واحدة ليكسرها ثم المجموعة فلا يتمكن من ذلك! هل يصدق أحد انه لا يزال هناك من يقدم على تقديم تلك القصة في مشهد سينمائي وكأنها اكتشاف جديد. حتى لو كان المقصود تعليم الطفل!

التبسيط الدرامي داخل العمل لا يصل إلى حد المراهقة الفكرية او التعامل مع المتلقي على انه مجرد طفل في السابعة من العمر، ناهينا عن ان الجد يريد تلقين الطفل أن الأتحاد قوة وان العائلة هي أهم شئ في الحياة ولكن اين هي العائلة؟ فهؤلاء اطفال ايتام وهذا الرجل ليس جدهم ولكنه مجرد عجوز يعطف عليهم كما ان مثل هذه القصة من الممكن ان تسبب للطفل عقدة نفسية في الواقع لانه مفتقد للعائلة وليس لديه سوى اخيه فقط وهو مرتبط به بالفعل ولا يحتاج إلى من يلقنه ضرورة تأصيل هذا الأرتباط بقصة ساذجة.

فانتازيا الطفولة

لكن لا يمكن انكار ان الفيلم يحتوي على روح مرحة سببها الممثلين الصغيرين اللذان قدما ادوار الاخوة خاصة الأصغر سنا بصوته العالي وفطريته وعفويته, لكنه للأسف يتلقى كم كبير من الصفعات خلال الفيلم وهي صفعات يراد بها الأضحاك لكنها جاءت مبالغة لدرجة التعاطف والأشفاق عليه مما افقدها سببها الدرامي وابرزها كجزء من قلة خبرة المخرج فيما يخص التعامل مع هذا النوع من الأفهيات الحركية.

يحسب للسيناريو كذلك القدرة على الأقتراب من عالم الخيال الطفولي كأن يصنع الطفل دفترا يكتب فيه اسماء كل من يضايقوه كي ينتقم منهم سوبر مان عندما يقابلونه, وكأن يقوم الاخ الاكبر باقناع اخيه الأصغر بضرورة الرحلة من اجل احياء الأب والام لان سوبر مان قادر الذي من الواضح انهم قتلوا في الأنفال لان سوبر مان قادر على ذلك, كذلك رسم الأخ الأصغر لجوازات سفره هو واخيه بشكل ساذج لكنه مؤثر كحل لمشكلة السفر.

اخراجيا تعامل كازان مع الواقع الكردي الفقير عبر عين تدرك ابعاد هذا الواقع سواء على مستوى حركة الكاميرا المحمولة داخل الشوارع الضيقة او اللقطات العامة للقرية من فوق الجبل او اللون الأصفر الذي يطغى على الفيلم وهو لون الرمال الصفراء الصحراوية التي تعبر عن تلك البيئة الجافة القاسية.

الكثير من المشاهد مصورة من وجهة نظر الأطفال وعلى طول قامتهم واحيانا من مستوى بصري منخفض هو مستوى جلسوهم امام صناديق مسح الأحذية وهي مهنتهم التي يمارسونها ليبدو الجميع عمالقة من وجهة نظرهم ويبدون هم في اسفل السلم الأجتماعي مما يزيد من قوة الشعور بتأثير رغبتهم في الوصول إلى حلم مستحيل(أمريكا وسوبر مان) هذا التأثير هو ما يخلق معنى للرحلة بعيدا عن وجهة النظر الشوفينية تجاه العراقيين.

وقد نجح السيناريو في رسم شخصيات الأخوين بالأضافة إلى التعامل مع قصة الحب الطفولية الرقيقة بين الأخ الأكبر واحد فتيات القرية، صحيح انها بدت غير مبررة دراميا على الاطلاق خصوصا مع الفارق الأجتماعي الهائل بين الأثنين فهي نظيفة متعلمة ابنة مدرس بالقرية وهو ماسح احذية متسخ الملابس والهيئة فكيف بها تقدم على تقبيله من اول لقاء بينهم حتى لو كانت قبلة على الخد!

ربما ضمن عالم الطفولة الذي لا يعترف بالمستحيلات يمكن أن تكون العلاقة متقبلة نسبيا لو انها نمت بشكل اكثر منطقية، لكن هذا لا يمنع انها كحبكة فرعية استطاع السيناريو ان يضمها بقوة لتصب في الحبكة الرئيسية خاصة عندما تفقد الفتاة قلادتها وينتشلها الأخ الأكبر من البحيرة بعد أن كاد يغرق ثم يقايض عليها لعبور الحدود بعد رحيل الفتاة ولكنه عندما يلتقيها مرة اخرى يعطيها القلادة مما يفقده فرصة الركوب هو وأخيه مع المهرب الذي طلب القلادة ثمنا لتهريبهم.

ينتهي الفيلم بنجاة الاخ الأكبر من اللغم المزيف واحتضان الاخوين لبعضهم في سعادة وهو الأحتضان الذي تكرر كثيرا خلال احداث الفيلم مما افقده قوته خلال الذروة لو ان هناك ذروة بالمعنى التقليدي فالنهاية مفتوحة وهي ان الحلم باق طالما بقى الأخوين سويا وانه لا يوجد مستحيل لو تمسكنا بروح الطفولة وخيالها المفتوح.

عين على السينما في

12/12/2012

 

 

ألفريد هيتشكوك أصل وصورة!

طارق الشناوي  

ما نسبة الحقيقة وما حجم الخيال فى فيلم هيتشكوك الذى عُرض فى مهرجان دبى..؟ لا شك أن هذا المخرج تحول إلى أسطورة رغم أنه لم ينل «الأوسكار» ولكن صار اسمه مرادفا للسينما أكثر من جائزة الأوسكار.

أنتونى هوبكنز وهيلين ميرين الحاصلان على الأوسكار هما بطلا الفيلم الذى لا تستطيع أن تعتبره سيرة ذاتية للمخرج بقدر ما هو فقط يضع بعض ظلال وتفاصيل على حياته التى تستطيع من خلالها أن ترى هيتشكوك الإنسان.. نعم بالتأكيد هناك ملامح وحالة خاصة شاهدناها عبر العديد من الكتب والأحاديث التى رصدت حياة هيتشكوك، الفيلم يكتفى فقط بتقديم بعض منها، مثل تعلقه بالشقراوات وكان من المعروف أنه كثيرا ما يقع فى حب بطلاته، وتوقف المخرج ساشاجير فاسى أمام فيلم فارق فى حياته وهو «سايكو».. ومن خلال الفيلم يطل المخرج على كواليس هوليوود وكيف أن الشركات الكبرى تحاول أن تفرض حتى على كبار المخرجين شروطها، إلا أن السؤال الذى يؤرق المبدع فى كل مجال: من الأدرى بما تريده الجماهير؟ وإلى أى مدى يستطيع الفنان المبدع أن يقرأ مشاعر الناس؟ وكيف أن السوق السينمائية بلا مشاعر ومهما حققت أفلام المخرج من إيرادات فإنه فى لحظة عندما يفشل فيلم أو بمجرد أن يستشعروا أن المؤشر لا يتوجه إبداعيا ناحية المخرج على الفور يغلقون صفحته الفنية؟

لم يكن اختيار فيلم «سايكو» عشوائيا بالطبع، ولكن فى تلك المرحلة من حياته التى كان قد تجاوز فيها الستين من عمره بدأت الشركات الكبرى تراهن على أسماء أخرى ليصبح الفيلم بمثابة لحظة فارقة ليس فقط لسيرة حياة المخرج الفنية ولكن أيضا للإنسان هيتشكوك.

عندما رفضت الشركات تمويل الفيلم وأرادت فرض أفكارها عليه تحدى هيتشكوك نظام هوليوود وراهن على مشاعره إلا أن المأزق لم يكن فقط فيلما ولكن حياة أسرية تنهار عندما بدأت الشكوك تحوم حول خيانة زوجته.. هل كانت الخيانة نوعا من الانتقام لرجل لم يعرف الإخلاص فى حياته بسبب ضعفه الدائم أمام الشقراوات ولهذا فى ختام الفيلم يقول لزوجته أنه اعتبرها الشقراء التى لم يحب غيرها، وانتظاره 30 سنة على إعلان ذلك يؤكد أنه سيد سينما التشويق فى العالم.

الفيلم يشير إلى أن زوجته لم تكن مجرد مساعدة له تقدم فقط أفكاره ولكنها كانت مبدعة أيضا لها إضافاتها التى لا يمكن إغفالها، ويشير إلى أنها مثلا هى التى أصرت على استخدام الموسيقى التصويرية فى مشهد الحمام الشهير الذى شكل نقطة فارقة فى نجاح فيلم «سايكو»، حيث إن الاعتراض كان أساسا من شركة باراماونت بسبب هذا المشهد الذى اعتبروه متجاوزا فى دمويته وسوف يؤدى إلى نفور الجمهور. من المشاهد التى قدمها المخرج ساشا جيرفاسى وتبقى كثيرا فى الذاكرة هى تلك التى تابعنا فيها هيتشكوك وهو يتوحد وجدانيا مع الجمهور من خلال الكواليس إنه يتابع صمت الناس وخوفهم ويقدم أنتونى هوبكنز مشهدا أعتبره واحدا من المشاهد التى لا تُنسى فى تاريخ فن الأداء عندما نرى يديه خارج دار العرض وكأنه مايسترو يقود مشاعر الناس وترقّبهم بل وصرخاتهم، إنه الصراع الأخير الذى حقق من خلاله انتصارا على هوليوود، مؤكدا لهم أنه يعرف بالضبط ما الذى يريده الجمهور.. الفيلم يقول بصوت عالٍ إن الناس هم الذين يحددون قيمة المخرج..

وتبقى الكواليس السينمائية.. كثيرة هى الأفلام التى كان ملعبها الأساسى هو ما يجرى خلف الشريط السينمائى والفيلم يقدم جانبا منها ولكنه يخرج بعيدا لنرى كيف أن المخرج الذى اشتهرت عنه قدرته على أن يضع المتفرج فى حالة تردد وشك هو نفسه يعيش فى حالة تردد وشك مع زوجته، وكما أنه من خلال التفاصيل الدقيقة وغير التقليدية تستطيع كشف الجريمة على الشاشة فإن هيتشكوك يبدأ فى الإمساك بتلك التفاصيل ويتأكد أن زوجته تخونه ولكن هى أيضا تعيش الخيانة من خلال هذا العشيق أو مشروع العشيق الذى يخونها.

المشهد الذى لا يُنسَى وأدّاه باقتدار أنتونى هوبكنز عندما رأينا يديه تعزف ومضات ونبضات الجمهور فى الصالة وهو يتابع مشهد العنف فى الحمام، كان هوبكنز فى قمة الأداء كأنه يطير من النشوة وطرنا معه فى مقاعدنا!!

التحرير المصرية في

13/12/2012

 

هل نستطيع عرض «حياة باى»؟

طارق الشناوي  

أحيانا أجد نفسى أتساءل: هل تراجعنا، ليس عن الإبداع فلا يمكن لمصر أن تترك مكانتها فى ظل أى نظام يكره إلى درجة التحريم الفنون، ولكن أتوقف أمام السماح الرقابى الذى أراه وهو يتقهقر خطوات للخلف دُر. فى مهرجان القاهرة الأخير على سبيل المثال كانت هناك مراعاة للحكومة الإخوانية بتلك الحجة، وهى عدم الاستفزاز. بل إننى أرى أن استحواذ وزارة الثقافة مجددا على المهرجان هو ضربة استباقية من الدولة لكى تُقدم كل الفاعليات فى السنوات القادمة على الطريقة الإخوانية.

ربما لم يعلن أحد مثلا من قبل عن تراجع المهرجان فى اللحظات الأخيرة عن الإعلان عن تكريم إلهام شاهين، والأمر هنا ليس متعلقا بمن تم اختياره بدلا منها، يستحق أو لا يستحق فهذه قصة أخرى، ولكن التراجع يحمل الكثير من الخوف والمراعاة لخواطر التيار المتزمت الذى هاجم بعض رموزه إلهام شاهين بكلمات تضع قائلها تحت طائلة القانون، صعود إلهام إلى خشبة المسرح فى هذا التوقيت كان يعنى تحديا ومواجهة مباشرة، لهذا آثروا الانسحاب.

أصبحنا، شئنا أم أبينا، نعقد مقارنات بين ما نراه وما يمكن أن يجرى فى بلادنا. شاهدت فى افتتاح مهرجان دبى «حياة باى» للمخرج الصينى «إنج لى» الذى أصبح واحدا من أساطير السينما فى العالم. الفيلم يروى طفولة البطل عرفان خان واسمه «باى» ويؤدى دوره فى مرحلة المراهقة سوراج شارما، عرفان نراه فقط وهو يسترجع تفاصيل حياته. الفيلم فى جزئه الأول يتناول طبيعة الإيمان بالله، ومن خلال الهند المتعددة اللغات والأعراق والأديان الهندوسية والمسيحية والإسلام وغيرها. الفيلم فى نهاية الأمر يرى أن كل الأديان سماوية أو غير سماوية تعتبر طرقا للإيمان بوجود الله والتواصل معه، فهو الواحد القادر، لا أتصور أن الرقابة فى مصر الآن من الممكن أن تمرر بسهولة هذا الفكر.

وحتى يصل المخرج لتحقيق هذا الهدف فإنه فى الجزء الأول من الأحداث يغلّف انتقال الطفل المراهق بين أكثر من ديانة بأسلوب ساخر، كل منها تحاول أن تكتشف ملمحا خاصا فى تكوينه النفسى إلا أن المخرج فى نهاية الأمر ينتهى إلى الإيمان، لا أتصور أن مثل هذا الفيلم من الممكن أن نشاهده كاملا فى مصر حتى ولو فى إطار مهرجان يسمح بطبيعته بمساحات خاصة فى جرأة التناول. ويبقى الفيلم الذى لم يتوقف عند علاقة المراهق بالدين ولكنه انتقل أيضا إلى التعايش السلمى بين مختلف الكائنات من خلال تلك العلاقة التى شاهدناها وهى تنمو بين النمر وبطل الفيلم عندما قدم له قطعة لحم قرأ فى عينه قدرا من الامتنان ولكن والده حذره من تلك النظرة التى ربما لا تفصح عن طبيعة النمر وضرب له مثلا عمليا بأن وضع أمام القفص غزالة وديعة فانقضّ عليها النمر وأنهى حياتها فى لحظات.

الرحلة أو الحلم بالسفر إلى أمريكا سيطر على الأب وهو لا يمتلك من الدنيا سوى تلك الحيوانات فهى رأس ماله القرد والضبع والحمار الوحشى والنمر البنغالى. كان المراهق متشبثا أكثر بأرضه، وقال لوالده عندما أراد أن يذكره بالبحَّار المغامر كولومبس الذى اكتشف أمريكا فرد عليه قائلا إن كولومبس كان يريد الذهاب إلى الهند لا الخروج من الهند.

تغرق السفينة فى المحيط ولا يبقى سوى «باى» ومعه الحيوانات التى حاول إنقاذها ونرى أن جميع الكائنات الحية تتساوى فى الحرص على الحياة وتصاب الحيوانات بدوار البحر ويصعب السيطرة عليها، خصوصا الضبع الذى يقتل الحمار الوحشى والقرد، وفى النهاية يأكله النمر، لأن البقاء للأقوى.

الفيلم الثلاثى الأبعاد يبهرك فى تفاصيله المخرج «إنج لى» الذى برع فى توظيف التقنية الثلاثية لتصبح معبرة عن ضرورة إبداعية لا براعة تكنيكية فقط، العلاقة بين النمر وباى هى الرباط الوحيد الذى يجمعه مع العالم. ويتجذر بينهما هذا التعايش بعد أن ظل باى طوال الأحداث يبحث عن النجاة من النمر وفى نفس الوقت يريد الحفاظ عليه، فهو آخر أمل له فى أن يلتقى مع كائن حى من الممكن أن يشعره بوجوده فى الحياة.

وفى النهاية عندما يصل إلى شاطئ به أدغال يتركه النمر بلا حتى نظرة وداع. الحياة لم تتوقف، حيث نكتشف أن البطل استطاع أن يعبر هذه المحنة وصار لديه حياة وزوجة وأبناء. ويبقى السؤال: هل تملك الرقابة المصرية الجرأة فى ظل تغلغل المتزمتين لعرض «حياة باى»!!

التحرير المصرية في

12/12/2012

 

 

«المهر العربي» للأفلام الوثائقية يجابه الواقع بالدراما بـ «دبي السينمائي»

ميسون الباجه جي تحوز جائزة المخرجين الخليجيين عن فيلم «كل شي ماكو»

صخر ادريس 

مرت الليلة الثانية من مهرجان دبي السينمائي هادئة بعيداً عن الصخب المعتاد، وتم فيها توزيع جائزة IWC للمخرجين الخليجيين، حيث أعلن كل من دار الساعات السويسرية الشهيرة IWC Schaffhausen ومهرجان دبي السينمائي الدولي اسم الفائز بجائزة IWC للمخرجين الخليجيين، التي فازت بها العراقية ميسون الباجه جي مخرجة فيلم «كل شي ماكو»، الذي ترصد فيه أحداث العنف الطائفي في آخر أسبوع من عام 2006، وتتعمد الباجه جي رصد مقاربة إنسانية حيث كان الناس منشغلين بالتجهيز للاحتفال برأس السنة الميلادية في حين كان العنف الطائفي في العراق على أشده.

(دبي) - تسلمت العراقية ميسون الباجه جي مخرجة فيلم «كل شي ماكو» الجائزة في حفل خاص ومبهر من الممثلة كيت بلانشيت باعتبارها رئيسة لجنة تحكيم جائزة IWC للمخرجين الخليجيين، والبالغة قيمتها 100 ألف دولار أميركي، بحضور مجموعة من نجوم الفن والسينما من ضمنهم الممثل الشهير كيفين سبيسي، وأحيا الحفل الذي أقيم في «ون أن أونلي» بفندق رويال ميراج المطرب الشهير براين فيري.

«في حب السينما»

تعتبر جائزة IWC للمخرجين الخليجيين إحدى الجوائز التي تقدم الدعم التمويلي للمخرجيين الخليجيين، إلى ذلك يقول جورج كيرن الرئيس التنفيذي لدار IWC Schaffhausen، إن سبب تقديم الجائزة يعود إلى القناعة بأن المواهب والأفلام الصادرة من منطقة الخليج تستحق أن تصل إلى العالمية. وكان حفل توزيع الجائزة مليئاً بالنجوم، حيث حضره نحو 300 من المهتمين بحقل صناعة السينما والفنانين والمخرجين، بالإضافة إلى مجموعة من أصدقاء IWC، مثل المخرج البريطاني مايكل أبتيد الحائز على جائزة «انجاز العمر» من «دبي السينمائي»، وكذلك الفنانة المصرية القديرة رجاء الجداوي، والممثلة شيري عادل، المقتبس عن قصة حقيقية، وقعت خلال هذه الحقبة الجديدة التي تمر بها العاصمة العراقية بغداد.

وحصلت الباجه جي أيضاً على ساعة من IWC منحوتاً عليها عبارة « في حب السينما»، وكانت كيت بلانشيت ترأست لجنة تحكيم جائزة IWC للمخرجين الخليجيين يرافقها، كلٌّ من جورج كيرن؛ الرئيس التنفيذي لدار IWC Schaffhausen، وعبدالحميد جمعة؛ رئيس «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، ومسعود أمرالله آل علي؛ المدير الفني لـ«مهرجان دبي السينمائي الدولي»، وأوليفير بيير، مدير عام «مركز فن السينما الفرنسي» ومقره العاصمة باريس. وكان التنافس على هذه الجائزة بين المخرج البحريني محمد راشد بوعلي، ومن الإمارات كل من عبدالله الكعبي، الذي أخرج في السابق فيلم «الفيلسوف»، والمخرج علي مصطفى، والذي أخرج في السابق أيضاً فيلم «دار الحي»، بالإضافة إلى المخرجة العراقية المقيمة في لندن ميسون الباجه جي التي أخرجت تسعة أعمال وثائقية، منها أفلام «الرحلة الإيرانية» و»المياه المرة»، التي حازت العديد من الجوائز.

«المهر العربي»

شارك في هذه الدورة في مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية العديد ممن لديهم تجارب سابقة وممن حصلوا على جوائز عديدة في مهرجانات عالمية.

المخرجة الأميركية نادية شهاب ذات الجذور المشتركة بين اليمن والعراق تشارك في فيلم «حديقة أمل» تتحدث عن عجوزين يعيشان في شمال العراق، هما أمل ومصطفى الزوجين اللذين تحديا الحروب والأهوال التي مرت بالعراق وظلا معاً، بعد أن وضعت الحرب أوزارها تقوم المخرجة شهاب بزيارة هذين الزوجين لتقضي معهما 7 أيام استغرقتهما في تصوير الفيلم. والمخرجة شهاب تتكلم العربية بصعوبة، ومع ذلك قامت بتصوير فيلمها الوثائقي الأول في العراق وعن العراق للعودة إلى جذورها، علماً أنها زارت العراق في صغرها. تقول شهاب لـ«الاتحاد» إن «الفيلم يتكلم عن الحياة وإعادة بنائها من جديد، أحاكي فكرة ترتيب وبناء الحديقة الخاصة بأمل ومصطفى وبذلك عن ترتيب وبناء العراق كدولة، شعور غريب اجتاحني لتصوير مسيرة العجوزين في إعادة تنسيق الحديقة كمن يشيد كياناً جديداً من الصفر».

ومع إن هناك العديد من المصاعب والعقبات واجهت المخرجة إلا أن ذلك لم يؤثر على إصرارها في التصوير، حيث تشير إلى المصاعب التي قابلتها من قبل الشرطة التي كان تحاول فرض إيقاف التصوير لعدم علمهم ماذا تفعل، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المتواصل.

وشهاب حاولت في فيلمها التعبير عن الإصرار والتحدي وأن كل شيء ممكن، أرادت العودة إلى مدينة أمها كركوك التي عرفتها من رسومات والدتها الفنانة التشكيلية، وإذ بها تتفاجأ بأن الصورة التي رسمتها في مخيلتها لهذه المدينة مختلفة تماماً عن الواقع المرير. والفيلم، وفق المخرجة الشابة، يعبر عن صوت شبابي للمستقبل ويعتبر فيلما وثائقيا بصورة شعرية يصور امرأة ورجل في خريف عمريهما يمضيان قدماً في بناء عراق جديد رقم المصاعب.

العودة إلى الجذور

المخرج الفرنسي من أصل جزائري لمين عمار خوجة، والحاصل على جائزة «الفيلم الأول» في مهرجان فيد مارسيليا الدولي للأفلام الوثائقية، يشارك في فيلم «سقسي خيالك»، ويسأل خوجة في هذا الفيلم العديد من الأسئلة، حيث إن كلمة سقسي تعني «اسأل»، من خلال كتابة يوميات العودة إلى الجزائر بعد اغتراب دام تسع سنوات، وتبدأ أحداث الفيلم في يناير 2011، حيث تشهد الجزائر اضطرابات شعبية، ويحاول فيها المخرج أن يجد مكاناً له ضمن هذه التغييرات، بعد التطور الذي حصل في شخصيته والوطن بشكل متواز.

ويبحر المخرج الفرنسي من أصل مصري كريم غوري في قصة البحث عن والده، شاب استفاق على هذه الدنيا ولم يجد والده، أراد البحث عنه بعد أن اختفت أخباره، توجه إلى مصر ليقابل عائلته هناك ومن ثم يصدم بأن والده الذي كان يعمل في الكويت قد توفي منذ فترة طويلة، واعطوه تسجيل صوتي لوالده كان قد أرسله في عام 1982 ومدته 40 دقيقة أثناء غربته في الكويت. ويأخذ غوري الذي لا يتكلم العربية أيضاً هذا التسجيل والصور التي بقيت ويغادر إلى الكويت مقر عمل والده السابق في أحد مطاعم فندق، ليزور المكان محاولاً دمج الصوت الذي تركه الأب بالصورة التي يصنعها الابن. إلى ذلك، يقول غوري لـ»الاتحاد» إنه لا يعرف والده ولم يقابله، ولكنه يشعر بحنين له ويتمنى لو أنه قابله قبل وفاته، والجدير بالذكر أن هذه ليست التجربة الأولى لغوري، فقد سبق وفاز بفيلمه «صنع في مصر» عام 2007 في مهرجان دبي، ويروي فيها رحلة ذهابه إلى مصر والتعرف على أهله.

الصرخة

ومن رحلة البحث عن والده، تأخذنا المخرجة اليمنية خديجة السلامي المقيمة في باريس إلى مشاهد في فيلم «الصرخة»، الذي تعبر فيه عن رفض كل الموروثات والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع الشرقي، وخاصة في اليمن الذي يعتبر صوت المرأة عورة.

تقول السلامي «انطلقت الفكرة عندما كنت في ساحة التغيير أثناء الثورة في اليمن، وجدت وقتها العديد من السناء ومن جميع الشرائح اللواتي يطالبن بالتغيير ووجدت صرختهن مختلفة آنذاك، فهي ضد مجتمع بكامله وضد أقرب الناس إليهن، ضد الوالد والزوج والأخ في تعبيرهن عن رفض التقاليد البالية».

وتتفاجأ السلامي كمثيلاتها من النسوة بأن المجتمع الذكوري لايزال على حاله حتى بعد حصول المجتمع اليمني على مطالباته، فالمجتمع يحتاج إلى صرخة نسائية في 4 مسارات ضد النظام والمجتمع والأسرة والثوار أنفسهم الذين ناقضوا أنفسهم، فهم حسب قولها يرفضون القمع، ولكنهم يقمعون صوت المرأة.

وتقول السلامي لـ»الاتحاد» إن الكثير من اليمنيات شجعنها على المضي في مثل هذه الأفلام، خصوصاً بعد منعها من إكمال فيلم يحمل عنوان «أمينة» يتحدث عن الفساد.

الإتحاد الإماراتية في

12/12/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)